بحــــــر .... وبحـــــر

علــى شاطيء بحر جــــــــــــدة

احتواني بحر جدة مما جعل بعض قيودي تبدأ بالإنفكاك مع كل تراشق من موجة هنا أو هناك , وعلى صفحته الرقراقة تارة المائجة تارة أخرى ابتدأ صخب الحياة بهمومه وشجونه يفور ويندفع مع الموج إما مغادرا حاملا دمعا سخينا ساكنا وإما ثائرا رافضا أن يغادر مكبلا تلك الروح التي تنشد الراحة .
ومع كل المناشدات لهذا السحاب العظيم المترامي الذي سخره الله لنا في الأرض , أطلب منه أن يحرك في نفسي بعض من نزعات تيارية واسعة تبعدني إلى العمق بعيدا عن ذاتي , وأملأ خطابي قطرات من قلبي علها تحركه ولكنه أبدا يثور ويلمع كالسحاب وينزل على وجهي وعلى قلبي مطره المالح ثم يسكن منسحبا جارا معه بوح ذكرى , دموعا حرى .
وأنظر إليك ايها البحر الكبير وأنت تمد يديك الضخمتين تحتضن تللك الصخرة التي أقف عليها وتمد يديك تمحو آثار خطاي على رملك وتجبرني على أن أحني ظهري لأجمع منك أسرارك , أنظر إليك آسفة فما أجبتني سؤلي ولم تعطني إلا ذلك الذي رسب في أعماقك .
سأذهب عنك قبل أن تثور أفكارك علي, قبل أن تبعثرها في وجهي تمحو فيها استقرارا أنشد . سأغادرك إلى بحـــــر أعظم .

وعلـــــــــى شاطيء بحـــــــــر مكــــــة

أعلم أن البحر له كلمات يقرؤها كل من مشى على شاطئه , وأعلم أنه بريق على صفحة ميـــاه مترامية الأطراف يلمع فيه شموس وأقمار ونجوم . وأعلم أنه ابدا ثائر يضع على الأرض زكاة مروره الغني وأنه رقيق صاف يسمح لجمال الحياة أن تبني قصورها على رمله,
أعــــلم كل هذا , ورأيت كل هذا فيك يا مكـــــة ..... وفيك يا بيت الله .
ما أن دخلت روحي ساحة الحرم تسبق جسدي حتى اكتست شبابا جديدا مليئا بالرضا فندت .
ورأيت البحر على حقيقته رأيته مستقرا لا يضطرب ولا يدوي , لا يزمجر ولا يبتلع سرا إلا رده سكينة في النفس فتوسعت معاني الحياة وعمقت وبعدت عن الأنا وانطلقت حرة تسبح .
ورسب في أعماقك يا بحر الحرم اطمئنانا فهدأت النفس وسمعت همس التسبيح من رملك وحجارتك وطيرك وناسك .
وحلقت الأرواح في أديمك لا يحجبها عن السماء حاجب وبرحمة من الخالق تشرق باليقين .
وهاأنا هنا في الحرم أحني ظهري بلا كلل ولا ملل أبث أسرارا , أجمع أسرارا, وضاءة تنير ظلمة القلوب . وتندفق أفكاري مستعينة من برد وسلام سكنا قلبي كما الموج الهاديء على رمل صاف في ليلة قمرية ربيعية .
وإن ذهبت عنك يا بيتا عاش في كياني فإني قد أعطيت مفتاحك أدخل إليك متى أشاء ,,,
أدخل عندما أ ريـــــــد الحياة , وليســـــت أية حياة بل تلك الأزليــــــة الخالدة .