sara92

sara92 @sara92

محررة برونزية

بداية الرحلة

ملتقى الإيمان

بداية الرحلة


كانت ضحكاتها تغمر البيت بالسرور و البهجة, و كان نشاطها الدائم و المستمر و كأنها ما زالت طفلة صغيرة يدهشنا, كان في عينيها نبض الحياة, و في وجهها نور الصلاح, أحبت غيرها قبل أن تحب نفسها, سعت وراء مصلحة غيرها قبل مصلحتها الشخصية, دافعت عن المظلوم, و نصرت الضعيف, أحبتني كثيراً, و حاولت أكثر من مرة أن ترشدني لطريق الصلاح , و لكني كنت أعرض عنها دائماً, كنت أغار منها لأن أمي تفضلها علي و على باقي اخوتي, لم تتأخر يوماً عن عملها, كنا نلقبها بالساعة, كانت دائماً أول من يستيقظ ثم توقظ باقي أسرتي بعد ذلك, و يذهب كل منا إلى عمله أو مدرسته.
و في مرة, استيقظت أنا قبلها و كان الوقت متأخراً, ( ما هذا؟ لماذا لم توقظنا مريم كما تفعل كل صباح؟ هذه ليست عادتها, هل حدث لها مكروه؟ لا, لا بد أنها أحست بالتعب من عادة إيقاظنا كل صباح, فأرادت أن تأخذ اليوم راحة, الآن أمي لن تفضلها علينا و تعلم أنها مثلنا تماماً, ما هذا الذي أقوله؟ علي أن أذهب لأطمئن عليها فإنها أختي أيضاً.)
و عندما فتحت باب غرفتها كان حالها كالصاعقة بالنسبة إلي, من هذه؟ هذه ليست أختي التي أعرفها بنشاطها, لقد كانت ممددة على الأرض, و على وجهها معالم المرض و تخرج من صميم قلبها الآهات و الزفرات, صرخت بأعلى صوتي:" أمي,أبي" و كررت ندائي أكثر من مرة و أنا أبكي, فأسرعا إلي خائفين , فأشرت لهما على مريم, أمي لم تحتمل المنظر و فقدت و عيها, أما أبي فحمل أختي و وضعها على السرير و أخرجني من الغرفة, أحضر لها أبي أكفأ الأطباء و أعلم العلماء و لكنه لم يكن يعلم أنها بدأت رحلتها إلى الدار الآخرة.. إنها بداية عظيمة.. إذا ضعف جنانك و كثرت خطوبك إذا عرضت عند كشف الغطاء ذنوبك, فتخيل نفسك طريحاً بين أهلك و قد وقعت في الحسرة, و جفتك العبرة, و ثقل منك اللسان , و اشتدت بك الأحزان, و علا صراخ الأهل و الإخوان, و يدعى لك الأطباء, و يجمع لك الدواء فلا يزيدك ذلك إلا هماً و بلاء.
آه.. إنها رحلة صعبة تطوى خلالها صحيفتك إما على الحسنات أو على السيئات.. تتمنى حسنة تزاد في الأقوال تتمنى حسنة أن تزاد في الأعمال.. تتمنى صلاح الأقوال و الأفعال.. تحس بقلب متقطع من الألم.. تحس بالشعور و الندم أن الأيام انتهت و أن الدنيا قد انقضت.
كنت جالسة بجوارها أحاول أن أحدثها, و تحاول هي أن تحرك يدها لتمسك بيدي, و في لحظة.. سكنت الحركات, وخمدت النبضات, و غدت جثة هامدة لا روح فيها, إنها لحظة رهيبة.. يا ترى كيف حالها.. إلى أين مآلها.. ما هي أمنياتها.. آه..لا أستطيع أن أتصور المسلمون و هم يصلون عليها, اتصل بي أخي و اخبرني أنهم سوف يحملوها الآن على الأعناق.. سقطت سماعة الهاتف من يدي و بدأت أفكر .. ماذا يا ترى سوف يحدث لها الآن.. إن كانت صالحة ستقول: قدموني..قدموني, و إن كانت غير ذلك.. يا ويلها أين تذهبون بها.. إلى المقبرة هناك حيث التربة.. حيث الغربة.. حيث الجماجم حيث الدود.. حيث القبور.. أول منازل الآخرة, حيث يلبسونها الكفن و يخرجونها من بين الأحباب و تصير رهينة للتراب و تسلم نفسها للدود و تصير رهينة بين اللحود و يصير قبرها مأواها إلى يوم القيامة و مثواها..
لا غله إلا الله.. إنها الآن تستقبل الحياة الجديدة فغما عيشة سعيدة أو عيشة نكيدة, إنها اللحظة التي يحس الإنسان فيها بالحسرة و الألم على كل لحظة فرط فيها في جنب الله.
فلا إله إلا الله من دار تقارب سكانها و تفاوت عمارها, فقبر يتقلب في النعيم و الرضوان العظيم, و قبر في دركات الجحيم و العذاب المقيم ينادي و لا مجيب و يستعتب و لا مستجيب انقطعت الأيام بما فيها , و عاين الإنسان ما كان يقترفه فيها.
آه.. لقد كانت أختي-رحمها الله- على حق, إن الموت مصير كل حي سوى الله و كل منا سيصل يوماً ما إلى اليوم الأخير من حياته.. صبح ليس بعده مساء..و مساء ليس يليه صبح! و تبدأ تلك السلسلة من الأحداث العظام عبر الموت بوابة الدار الآخرة و لا ينتظر المرء بعد موته إلا جنة نعيمها مقيم أو نار عذابها أليم.
صدقت يا أختي –رحمك الله- كنت دائماً تقولين " رب ضارة نافعة" و كان موتك ضرر لنا كلنا, و لكنه نفعني أن أوضح لي طريق الحق من الباطل, سأدعو لكِ أختي دائماً عسى أن ينفعك دعائي في قبرك.
1
356

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ღآلاءღ
ღآلاءღ
جزاك الله خير حبيبتي قصه جميله والله يحفظك ويوفقك ويرزقك الجنه من أوسع ابوابها تقبلي تحيتي واحترامي

وشكرا
:26: