هواجس حرية .. الطريق إلى سورية ..
أتى ذالك اليوم الرهيب .. اتاك اتصال من صديق .. "سقط ابن الكلب سقططططط" وأنت كما هي عادة الأخبار السارة لم تصدق !!! "بربك !!!! حليييييف !!! " والصديق من فرحه يحلف بأغلظ الأيمان أنه شاهدها على الجزيرة والصور مباشرة من ساحة الامويين وساحة الحرية في حمص .. الشعور متضارب من اكلم ماذا أفعل ؟!! أحمد الله .. لك الحمد على كل شئ لك الحمد يا ربي على النصر .. عادت سورية لناااااا ..
لا تفتئ ان تنتهي من الحمد حتى تخبر مكتب الطيران أنك بحاجة لتذكرة بأقرب وقت لدمشق .. يقول لك متأسفاً أن الطيران قد امتلئ منذ ساعة ولم يعد هناك مكان لمدة اسبوع !! لم تتمالك نفسك من الغضب .. سأنزل بالسيارة حتى لو بقيت يوما كاملا على الحدود .. تكلم صديقك الذي تعاهدت معه على النزول لأرض سوريا ولو مشيا على الأقدام لو سقط النظام ..
فيكون هذا الصديق في الموعد .. وماهي إلا ساعات وتكونا جاهزين لرحلة العمر .. رحلة الحرية .. ستكون اطول رحلة في حياتك .. لكنها ممتعة تتبادلون فيها أغاني الحنين "يا هوى دخل الهوى خدني على بلادي " تنادي بأعلى صوتك " لك دخيل ربك يا فيروووز "
انتظار طويل على الحدود .. فوضى .. حركة مهولة من البشر غبار يتصاعد جميع الوجوه بشوشة متشوقة .. واحد يشاهد آخر .. يضمه بشدة ويقول له " انتصرنا أخييييرا يا أبو فلان ما قلتلك بدنا ننتصر على هالكلاب .. لك الله معنا ونصرنا راجعييين يا أحلى بلد " .. تمر ساعات الانتظار كأنها ايام وشهور .. نظرت للناس حولك وجدت في وجوههم بشاشة لم أعهدها بشعب من قبل .. حدثت نفسك .. بالتأكيد بين هؤلاء من هو في المغترب من 30 سنة أو يزيد .. !! أولاد أولاد أخوته أصبحوا شباناً .. ولم يراهم بعد !! .. سبحان الله كيف سيكون لقائه بهم وبشوارع البلد .. !! مر الزحام مع ود غريب بين الجميع .. تجاوز الحاجز ..
نحن الآن في أرض سوريا الحرة ..
السيارة تمشي .. النوافذ مفتوحة .. أنت تحدق بعيدا وكذلك زميلك .. يدك خارج النافذة لتحسس هواء الحرية التي كانت هاجسا حقيقياً خلال الفترة الاخيرة من حياتك خصوصاً .. تلتفت مسرعا لصديقك "من وين طريق درعا .. فوت على درعا متل ما اتفقنا .. بدي زور درعا والجامع العمري " انتظار .. رجوع بالذاكرة لما خططت له انت ورفاقك .. واذ بلافتة .. إلى درعا .. في الطريق لافتات عديدة تعود بك لمشاهد الفيديو التي كنت تتابعها يوميا او تشاهدها على التلفزيون بنقل مباشر .. الجيزة .. انخل .. جاسم .. داعل .. نصيب .. يالله جميع هذه البلدات تكون في عرس حقيقي الآن .. اهتزاز شديد في السيارة من آثار القصف والدبابات .. لم يتركوا شيئا إلا وضربوه ..
الوصول إلى درعا ..
جدران تملؤها الثقوب الدائرية .. رصاص .. مدفعية .. أرصفة مكسرة لافتات على الارض .. لكن اللون الاخصر يخيم على الطريق .. وصلنا لبوابة المدينة .. زحام شديد جدا سيارات ودراجات نارية لا توصف .. اعداد كبيرة من البشر جاءت لزيارة منبع الحرية .. فرحة عارمة .. أناس تركض اناس ترقص .. ضوضاء الحرية تسيطر في هذه المدينة .. تقول لصديقك سنعود إلى هنا ونزور كل بلدة في هذا المكان ولكن أرجوك .. أسرع بنا إلى حمص لا يمكنني أن أنتظر أكثر للوصول والرقص هناك على أنغام حاراتها وشوارعها .. الخروج من الزحام دام ساعة كاملة لأنها فوضى الحرية .. لا نطاق لها ولا محدودية ... شئ كان من المستحيل .. والآن هو واقع يعاش العقل لا يصدق ما توصل له الأعين ..
الطريق طويل إلى دمشق .. عاصمة سورية الحرة .. الطريق مقطوع تماماً إلى قلب العاصمة ... راديو الثورة يهيب بجميع المواطنين الانضباط لتلافي حدوث أي مشاكل .. وينبه أن كل الطرق مقطوعة إلى قلب العاصمة دمشق .. لا مجال إلا الخروج إلى طريق دمشق حمص ... ويكون هو القرار .. تقاطع صديقك قائلا:" بس بدنا نجي بكرى نحتفل بالشام وريف الشام " ابتسامة حماس من الصديق تعبر عن ذات الاشتياق الذي تملكه انت .. الطريق يطول .. تحاول الاتصال منذ دخولك للأراضي السورية بالأهل والاصدقاء ولا جدى .. ضغط كبير في الاتصالات .. تعد المناطق كلها على الطريق .. كل السياراة تمشي بسرعة جنونية للوصول بأقرب وقت ممكن .. يدور في مخيلتك مكان الاحتفال .. أين هم أهلك وأصدقائك .. أين يحتفلون .. ؟؟!! هواجس الحرية تنتقل بك من عالم إلى آخر ..
على بوابة عاصمة الثورة " حمص " ..
دوار تدمر هو اول مكان يصف لك شموخ المدينة .. زحام شديد كما هو حاصل في دمشق ودرعا .. الجميع يطلق العنان للأفراح ... بشاشة الوجوه تفوق أي فرحة في احتفال مر على كل انسان في هذا البلد .. 3 ساعات ونحن بانتظار الوصول إلى دوار الرئيس " سابقا " أبو موزة حاليا .. :) .. يا ترى هل تم ازالة الصنم الاكبر من على بوابة مدينة سيف الله ؟؟!! .. مرت الساعات وبالتأكيد لا يوجد أثر للصنم إنما هي أعلام سوريا .. وصمت قريب يخيم على هذا المكان ؟؟!! بدا الاختلاف هنا أي الطرق أقرب لساحة الحرية فبالتأكيد الاحتفال هناك .. لم تتذكر لا انت ولا صديقك الذهاب للبيت .. للأهل .. ربما عقلك الباطن يقودك إلى المكان الذي سيتواجد فيه الجميع .. هناك الأهل والاصحاب .. مع الوصول إلى مديرية التربية كان القرار الأسلم التخلي عن السيارة والركض سريعاً إلى ساحة الحرية .. العشرات يركضون معكم .. غبار يتصاعد مع اجمل نسمات للهواء التي تمر على جبين يتلئلئ من العرق .. شعور لا يمكن أن تشعر به إلا وأنت في أرض ابن الوليد .. تتسارع الخطوات .. تنادي بصديقك " لك خلصني يا زلمي أسرررع " لا تريد أن تضيع صديقك الذي كنت تتخيل معه تلك اللحظة ..
آلاف البشر .. أصوات هدير الحناجر يصل إليك وانت عند المركز الثقافي .. حمص بكاملها في مكان واحد .. تمسك بيد صديقك وتبدأ رحلة الوصول إلى قلب الساحة .. الجميع يغني والجميع يصفق .. تمر من بينهم بلا وعي بلا تركيز على الوجوه .. ساعة حمص الشهيرة على مرئى عينيك .. لم تعد تستطيع التقدم أكثر .. تهتف بأعلى صوتك " الله اكبر .. الله اكبر .. الله أكبر " يمر بجانبك " أبو مصعب " صديق حميم .. اعتقل مرتين لانه يساعد في توصيل المساعدات والادوية سراً إلى الأهالي ومشاركاً دائما في المظاهرات .. عذب كثيرا .. ولكنه أبى إلا أن يكمل هذا العمل " تمسكه بقوة .. " أبو مصعب لك دخيل ربك يا أب مصعب .. دموع سريعة جداً .. ضمة قوية يقطعها أبو مصعب بقوله " لك شوي شوي كتفي مكسور .. كسروا ولاد الكلب بآخر مرة فتت فيها " عبارات اللهفة والحنين والفخر والشموخ لا تجد مكانا على فمك .. تحلف وتحلف كم انت فخور ومشتاق وكم العذاب الذي كنت تعانيه في الغربة وكم كنت فخور بأبناء بلدك وكيف رفعوا رؤوس أهل البلد عالياً .. أبو مصعب هادئاً يقول " الحمد لله كان لازم نعمل هيك منشان هالبلد ومنشان ولادنا الحمد لله الله اكرمنا ونصرنا " .. ودعك أبو مصعب سعيداً بوصولك بالسلامة لأنه يريد أن يلحق ببعض الأصدقاء لأنهم مسؤولون عن تنظيم تجمع الناس في الساحة .. للوهلة الأولى يأتي شعورك بأني لا يحق لي أن أفرح مع هؤلاء الأبطال .. فرحتي لا تعادل ذرة من فرحهم .. شعور متخبط .. واذ بصديق الدراسة والنادي .. عمار !!! " لك أبو عميييييير دخيل الله شو مشتقلكن .. أبطال والله أبطاااال .. انتصرنا يا أبو عمير انتصرنااا " المشاعر تنتقل عبر ضمة قوية تعقبها ضمة أقوى .. مشاعر نصر صعب على طاغية فاجر .. يقاطعك عمار قائلاً : والله ما قصرتوا يا أبو فلان لولا دعمكن كنا اندبحنا .. اعذرني ما قدرت اشكركن بهداك الوقت لأنو كان الوضع الأمني صعب كتير .. واللي عم ينلقط عم يروح معو 3 واكتر " تتسارع دقات القلب فرحاً بأن ما فعلته في الغربة من تنظيم وتبرعات ودعم متواصل كان عامل حاسم في الحرية .. الآن سيكون هتافك بالنصر مختلفاً .. يتوالى الأصدقاء .. تتوالى لحظات الفرح ليلة صاخبة الجميع يتصبب عرقاً .. عرقاً دُفع معه الدم لنيل الحرية المستحيلة .. تتوالى اللقاءات .. الأهل .. الأصحاب .. في كل لقاء يحكون لك الحكايات عن استشهاد فلان .. وبطولة فلان .. تحزن وتفرح وتستغرب .. فلان !!! .. يقولون لك نعم لقد تغيرت نفوس القوم .. لقد كانوا عند حسن ظن الجميع .. أيام نضال الحرية ايام تحتاج لكتب كثيرة لنكتب تفاصيلها .. أيام وأيام .. لقاءات ولقاءات .. احداث وقصص .. مشاعر لا توصف .. نحن الآن أحرار .. لن ندفع رشوة .. لن ننتظر وساطة من احد .. البلد الآن بلد حر .. بلد يحترم المواطن .. سنعمل ما بوسعنا لنبني وطناً حراً خضارياً لأولادنا وللتاريخ .. كل هذه الأفكار تراودك أثناء صمتك وأثناء متابعتك للاخبار وحديث الاهل والجيران .. هنا انتهى الطريق إلى سورية الحرة لندع الفكر يعمل لبناء اجمل البلدان..
أحد أهم الأمور التي راودتني في تخيلي للطريق إلى سورية ... هي ان التاريخ سيكتب كثيرا من البطولات والأمجاد .. وسيذكر أهل كل مدينة أبطالها وكل من عمل لهذه الحرية التي كانت مستحيلة .. سيأتي يوم ويسألك أولادك أو أحفادك .. ماذا كان دورك في هذا الحدث العظيم ؟ أين كنت ؟ كيف عشت هذا الحدث الرهيب ؟ التاريخ يكتب الآن تأنيب الضمير والندم لن ينفعنا اذا جاءنا الشعور بأننا كنا خائفين أو متفرجين على تضحيات أهلنا بالأسى والأحزان فقط
سورية حره @sory_hrh
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
ندى التميز
•
يسلموووو حبيبتي
الصفحة الأخيرة