عمر طويل وسنين صعبة وأيام مليئة بالفقر والألم قضتها هذه المرأة التي تبلغ الخامسة والسبعين من عمرها وهي تعيش اسيرة الوحدة والظلام ورفيقة البؤس والمرض في مكان مهجور لايمكن لأي إنسان يحس ويشعر ان يعيش وضعها القاتل ومكانها الموحش السيئ ومع تقدمها في العمر ووحدتها اصيبت بالهزال التام في جسدها ذرفت الدموع كثيراً على مآلها حتى فقدت بصرها ولم تعد ترى شيئاً لها ابن وحيد توفي والده وهو طفل وكدت وتعبت في تربيته حتى شب وترعرع والتحق بوظيفة ثم تزوج وهجر امه وتركها وحيدة تعاني كل ألوان واشكال المعاناة كل هذه السنين.
"الرياض" سارعت الخطى تجاه مكان هذه المرأة التي تسكن في قرية السبخة احدى القرى الساحلية التابعة لمحافظة صبيا وتبعد عن جازان مسافة 46كم.
وعندما وصلت الى مكانها كان معي شاب من القرية ارشدني الى مكانها والوقت في منتصف الظهيرة وما أن دخلت الى مكانها حتى رأيت بأم عيني مالايطاق حيث تسكن في غرفة صغيرة لا نافذة لها ولاباب ارضها ترابية مالحة ومن الخارج سور قصير قديم وعندما احست المرأة بوقع اقدامي فزعت مذعورة تمد يدها في الهواء متلمسة وهي تردد بصوت مبحوح حزين.. من.. من هنا.. بادرتها بالرد والسؤال معاً جئت للاطمئنان عليك.
كيف حالك وحياتك ولماذا تعيشين هنا على هذه الحال وحيدة؟!
وبعد ان جلست واطمأنت على سريرها الحديدي الصدئ الخالي من اي فراش قطني أو شرشف ويجتمع تحته عدد من الكلاب الصغيرة والقطط مع بقايا طعام قديم عفن وقطع من فتات الخبز اليابس اجابتني بكلام متقطع قائلة:
قبل سنين طويلة توفي زوجي عني وترك لي ابن وحيد كان وقتها طفلاً وعاهدت الله على تربيته ليتعلم ويعمل ويتزوج وكابدت مرارة الأيام والسنين حتى شب ابني وتعلم وحصل على وظيفة وكانت الفرحة لاتسعني وبحثت له عن زوجة وكتب الله له النصيب وتزوج ومرت الأيام واخبرني ابني انه سيتم نقل عمله الى جهة بعيدة وصعقت من هذا الخبر لأنه كان وحيدي وليس لي بعد الله الا هو وفعلاً حدث ما كنت اخشاه حيث اختفى ابني عني ومعه زوجته ولا أدري اين هو الآن وكنت اتوقع ان يأخذني معه لا أن يتركني هنا وحيدة فريسة المرض ورهينة الخوف في مكان مكشوف ومهجور اقضى فيه بقية عمري.
هل تشعرين باستقرار في هذا المكان ومن اين وماذا تأكلين وتشربين؟
- حياتي هنا كلها تعب وعذاب وضنك في العيش ولم اشعر بأي راحة او استقرار في هذا المكان فهو كما ترى غرفة ضيقة ومفتوحة من كل جهة لاباب يقيني هواء البرد القارص ولا نافذة تحميني من لفحات الحر الشديد وأكاد اتجمد من شدة البرد في الليالي المظلمة لاغطاء ولا لحاف وأنا على هذا السرير الحديدي القديم عدا بعض ملابسي القديمة اتغطى بها في الليل اثناء النوم اما الحر وشدة لهيب الشمس فقد احرقت وجهي والهبت داخلي وبالنسبة لأكلي وشربي هناك بعض اهل الخير يمدونني بالخبز والأرز اكل منهما قليلاً جداً بدون شهية للأكل وما تبقى من زادي اعطيه لهذا الكلب الصغير والقطط الكثيرة التي تسكن معي اما الشرب فأنا اخذ جرعات قليلة من ماء الخزان المعدني الموجود خارج الغرفة والذي يملؤه لي أهل الخير من العابرين الطريق.
هل لك إعانة مالية سنوية من الضمان الاجتماعي تعينك في وضعك هذا وتقضين بها احتياجك؟
- ليس لي من الضمان الاجتماعي شيء لأنه لايوجد اصلاً إنسان يساعدني على مراجعة الضمان الاجتماعي لكي احصل منه على اعانة استعين بها على نوائب الدهر على الأقل منزل سليم اعيش فيه حياة كريمة وانا كما تشاهد امرأة كبيرة وفي السن كفيفة ليس لي اي جهد او قوة او معرفة للذهاب ومراجعة الضمان الاجتماعي.
ماهي المخاطر التي تواجهك في هذا المكان؟
- اخطر ما اواجهه هي الوحدة فالوحدة مرة وقاسية فدائماً تصيبني امراض عديدة وليس معي من يعالجني ويقف بجاني سوى رحمة الله وشفائه لي واخشى ان اموت وحيدة هنا وقد واجهتني مخاطر كثيرة هنا عندما كنت ارى شاهدت ثعابين وعقارب تمشي امامي على الأرض الترابية وعلى الجدران ويصرفها الله عني بعد ان اعيش لحظات قاتله من الخوف ولا انام مطلقاً فكيف بي الآن وانا عمياء فاقدة للبصر لا اشاهد مايدور حولي في وحدتي ووحشتي.
متى فقدت بصرك واصبحت كفيفة ؟
- فقدت بصري من عدة سنين بعد شعوري بآلام حادة في عيني وحكة شديدة وكنت الاحظ ان نظري يضعف مع مرور الأيام حتى فقدت نظري تماماً ولم يتبق لي سوى سماعي اصوات هذه الحيوانات الأليفة اللطيفة التي تعيش بجانبي واشعر بالسعادة لقربها مني حيث تؤنس وحدتي بكل رأفة وعطف بعد عزوف الناس عني.
هل لك أقارب او ناس يزورونك ويطمئنون عليك؟
- عندي قليل من الأقارب صلة القراءة بهم بعيدة نوعاً ما ويعيشون بعيداً عني في مساكنهم وهم صراحة لا يسألون عني ولا يزورونني وهناك بعض الناس يزورونني نادراً لإحضار الطعام او الماء فقط.
وأتمنى من الله ان يساعدني احد للخروج من هذا المكان او يعلم عني ابني الوحيد ويأتي ويأخذني للعيش بجانبه ومع اولاده فيما بقي لي من العمر.
منقول..
تحزن مرررة
لـك
:26: :26: