بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انقل لكم من كتاب "عوائق الطلب " للشيخ (عبد السلام بن برجس) بعض العوائق التى تقف امام طالب العلم
وأسأل الله ان ينفعنا بهذا النقل وان تعم الفائدة
وان يعيننا على تجنب هذه العوائق وان يرزقنا العلم النافع
ــــــــــــــــــــــــــــ
عوائق الطلب:
ـــــــــــــــــــــــــ
العائق الأول : طلب العلم لغير وجه الله تعالى :
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرءٍ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه ))
وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال : ( لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله لسادوا به أهل زمانهم . ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا لينالوا به من دنياهم ، فهانوا عليهم ) .
سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول من جعل الهموم هماً واحداً ، هم آخرته ، كفاه الله هم الدنيا ، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا ، لم يبال الله في أي أوديتها هلك )) إن أحق ما اعتني طالب العلم به معالجة النية ، وتعهدها بالإصلاح ، وحمايتها من الفساد .
وذلك لأن العلم إنما اكتسب الفضل لكونه خالصاً لوجه الله تعالي ، إما إذا كان لغيره فلا فضيلة فيه ، بل هو فتنة ووبال وسوء عاقبة . وقد علم أن قبول الأعمال متوقف علي إخلاصها وصلاحها كما قال تعالى : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ.... )الآية فإذا قصد الطالب بالعلم عرض الدنيا ، فقد عصى ربه ، وأتعب نفسه ، وباء بإثمه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له .
قال الحسن – رحمه الله - : ( من طلب العلم ابتغاء الآخرة أدركها ، ومن طلب العلم ابتغاء الدنيا فهو حظه منه ) .
وقال الزهري : ( فذال حظه منها ) وأبلغ من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم ص فيما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه - : (( من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله ، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا ، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة )) . يعني : ريحها
قال ابن عطاءٍ – رحمه الله – فيمن تعلم لغير الله : ( جعل الله العلم الذى علمه من هذا وصفه حجة عليه ، وسبباً في تحصيل العقوبة لديه . ولا يغرنك أن يكون به انتفاع للبادي والحاضر ، وفي الخبر : ( إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ) ومثل من تعلم العلم لاكتساب الدنيا والرفعة فيها كمن رفع العذرة بملعقة من الياقوت ، فما أشرف الوسيلة وما أخس المتوسل إليه )
وقال سحنون ( كان ابن القاسم قلما يعرض لنا إلا وهو يقول : اتقوا الله فإن قليل هذا الأمر- يعني العلم – مع تقوى الله كثير ، و كثيره مع غير التقوى قليل )
وقال يوسف بن الحسين : ( سمعت ذا النون المصري يقول : كان العلماء يتواعظون بثلاثٍ ، ويكتب بعضهم إلى بعض : من أحسن سريرته ، أحسن الله علانيته . ومن أصلح ما بينه وبين الله ، أصلح الله ما بينه وبين الناس . ومن أصلح أمر آخرته أصلح الله أمر دنياه )
وقال ابن المبارك – رحمه الله - : ( أول العلم النية ، ثم الاستماع . ثم الفهم ، ثم : الحفظ ، ثم : العمل ، ثم : النشر )
وهنا أمر ينبغي التنبيه عليه ، ألا وهو : أن جماعة من السلف قالوا : ( كنا نطلب العلم للدنيا فجرنا إلى الآخرة ) و( طلبنا هذاالأمر ليس فيه نية ثم جاءت النية بعد ) و( من طلب العلم لغير الله يأبي عليه حتى يصيره إلى الله ) ونحو هذه العبارات .
وقد شرح الذهبي – رحمه الله تعالي – هذه العبارات شرحاً مفيداً فقال علي قول معمر بن راشد :
أن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبي العلم حتى يكون لله . نعم يطلبه أولاً والحامل له حب العلم وحب إزالة الجهل وحب الوظائف ونحو ذلك ولم يكن عيب وجوب الإخلاص فيه ولا صدق النية فغذا علم حبه نفسه وخاف من وبال قصده فتجيء النية كلها أو بعضها وقد يتوب من نيته الفاسدة ويندم وعلامة ذلك أنه يقصر من الدعاوي ومن قصد التكثر بعلمه ويذري علي نفسه فإن تكثر أو قال أنا أعلم من فلان فبعداً له ومن ذلك ما يذكره بعض القصاص من أن رجلاً خطب إمرأة ذات منصب وجمال فأبت لفقره وقله حسبه ففكر بأي الأمرين ينالها أبلمال أم الحسب فاختار الحساب وطلب له العلم حتى أصبح ذا مكانة فبعثت غليه المرأة تعرض نفسها فقال لا أوثر علي العلم شيئاً وذلك لأن العلم أرشده إلي تصحيح النية والأعمال الصالحة فدخل في عداد (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فتورع بترك امرأةٍ كان طلب العلم لأجلها ، إعلاماً بصدق قصده وسلامة مأربه .
ومما قلته في هذا المعنى من الأبيات :
إليكم يرفع المأسور شكوى رجاء المن أو أخذ الفداء
فقد غلت مباسمكم يديه إلى الأذقان بعد العلاء
وقد أضحى صريعاً في هواكم قعيد البيت في حر التنائي
براه الشوق والهجران منكم وأدمى قلبه طول العناء
فسل القلب عنهم في رياض تحل العبد أطباق السماء
وتسموا بالوضيع إلى المعالي وتكسوا العري أثواب الثناء
وتبني للفتى ذكراً مشيداً وتحيي رسمه طول ابقاء
رياض بالمعارف قد تباهت وفاق جمالها جيد الظباء
إذا ما حلها العشاق يوماً تولى عنهم عشق النساء
وقد كانوا قديماً في قيود يذل لفكها شوس الدهاء
تحلت بالشيوخ إذا تبدوا أناروا الكون من شرف الضياء
شيوخ بالمعارف قد تغذوا وسيط الحلم في مجرى الدماء
لهم في العلم صولات وسبق وفي الأفعال جد في خفاء
وفيها الطالبون إذا غشوها أثاروا المسك من حسن البهاء
تراهم نحوها يسعون جهداً رجاء المن أو أخذ الفداء
فالحذر الحذر أيها الطالب من الشرك في النية ، فإن الله تعالى يقول – كما في الحديث القدسي - :
(( أنا أغنى الشركاء عن الشرك . من عمل عملاً اشرك فيه معي غيري تركته وشركه ))
وقد أجمع العارفون على أن استحكام الهلكة إنما يكون إذا خلى الله بين الإنسان ونفسه ، عندئذٍ تتخطفه الشياطين ، وتتشعب به المسالك ، وتكون النار أولى به .
قال حماد بن سلمة – رحمه الله - : ( من طلب الحديث لغير الله مكر به )
وإن صلاح النية فيالعلم لأكبر معين عليه كما قال أبو عبد الله الروذباري : ( العلم موقوف علي العمل ، والعمل موقوف على الإخلاص ، والإخلاص يورث الفهم عن اله عز وجل )
وفي سننن الدارمي ( 1/71 ) عن إبراهيم النخعي أنه قال : ( من ابتغي شيئاً من العلم يبتغي به وجه الله آتاه الله منه ما يكفيه ) .
تنبيه : يستدل بعض الناس عللى أن العمل يورث العلم دون تعلم ، بقوله تعالي ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ )(البقرة: من الآية282)
قال في (( تفسير المنار )) نقلاً عن شيخه 3/128 : ( اشتهر على ألسنة المدعين للتصوف في معني هاتين الجملتين ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ )أن التقوى تكون سبباً للعلم ، وبنوا على ذلك أن سلوك طريقتهم ، وما يأتون به فيها من الرياضة ، وتلاوة الأوراد ، والأحزاب : تثمر لهم العلوم الإلهية .. بدون تعلم .
ويرد استدلالهم بالآية على ذلك من وجهين :
أحدهما : أنه لا يرضى به سيبويه – وله الحق في ذلك – لأن عطف ( يعلمكم ) علي ( اتقوا الله ) ينافي أن يكون جزاءً له ، ومرتباً عليه لأن العطف يقتضى المغايرة ....
الثاني : أن قولهم هذا عبارة عن جعل المسبب سبباً والفرع أصلاً ، والنتيجة مقدمة .
فإن المعروف المعقول أن العلم هو الذي يثمر التقوى ، فلا تقوى بلا علم ، فالعلم هو الأصل الأول وعليه المعول ... ) . ا هـ .
وهذا كلام جيد ويضاف إليه إيضاحاً : أن العمل يكسب القلب قوة إيمانية ، فيستوعب من العلوم ، ويدرك من الفوائد ، ما لا يدركه من تأخر عن هذه الرتبة . وهذا مشاهد بالعيان ومدرك بالحس أما من تعبد لله وترك العلم ، وقال ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ) فهو جاهل لا تجاريه الرعاع في جهله ، والله الحافظ .
العائق الثاني ترك العمل :
عن أبي برزة الأسلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه فيما فعل به ، وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه ، وعن جسمه فيما أبلاه ))
وأخرج الخطيب نحوه وفيه : (( وعن علمه ماذا عمل فيه ))
وفيه عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – أنه قال : (( لا تكون عالماً حتى تكون متعالماً ، ولا تكون بالعلم عالماً حتى تتكون به عاملاً ))
وفيه عن علي – رضي الله عنه – أنه قال ( هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل )
وعن الفضيل بن عياض أنه قال : ( لا يزال العالم جاهلاً بما علم حتى يعمل به ، فإذا عمل به كان عالماً ) العمل بالعلم مدعاة لحفظه وثباته ، كما أن عدم العمل مدعاة لضياع العلم ونسيانه ، ولذلك قال الشعبي – رحمه الله – ( كنا نستعين علي حفظ الحديث بالعمل به ، وكنا نستعين على طلبه بالصوم )
وقال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - : ( إني لأحسب العبد ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها ) .
وقد كان دأب السلف الصالح العمل بالعلم وبذلك حازوا قصبات السبق ، وبورك في علمهم ولذا قال أبو عبد الرحمن السلمى – رحمه الله تعالى - : ( حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل فتعلموا القرآن والعمل جميعاً ) .
وترك العلمل بالعلم على قسمين :
الأول : ترك الائتمار بالواجبات الشرعية ، وترك الانتهاء عن المحرمات الشرعية فهذه كبيرة من الكبائر ، وعليه تحمل الآيات والأحاديث المتوعدة من ترك العمل بالعلم .
القسم الثاني : ترك المستحبات ، وترك اجتناب المكروهات فهذا قد يذم ولكن لا يدخل في أحاديث الوعيد ، إلا أن العالم وطالب العلم لهما المحافظة علي السنن ، واجتناب المكروهات . والله أعلم .
قال ابن الجوزي – رحمه الله - :
( والمسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به ، ففاته لذات الدنيا ، وخيرات الآخرة ، فقدم مفلساً مع قوة الحجة عليه )
العائق الثالث الاعتماد على الكتب دون العلماء :
يرى بعض الطلبة من نفسه قدرةً على أخذ العلم من الكتب دون الرجوع إلى العلماء فى توضيح عباراتها ، وحل مشكلاتها وهذه الثقة بالنفس داء طالما رأينا صرعاه منبوذين ، وعن عداد أهل العلم مبعدين ، ما أكثر خطأهم ، وأبعد نجعتهم وأشنع تناقضهم .
قال الإمام الشافعي – رحمه الله تعالي - : ( من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام )
وكان بعضهم يقول : ( من أعظم البلية تشيخ الصحيفة ) . أي الذين تعلموا من الصحف .
قال الفقيه سليمان بن موسي : ( كان يقال : لا تأخذوا القرآن من المصحفين ، ولا العلم من الصحفيين ) .
وقال الإمام سعيد بن عبد العزيز التنوخي – وكان يساوى بالأوزاعى - : كان يقال : ( لا تحملوا العلم عن صحفي ، ولا تأخذوا القرآن من مصحفي ) وقديماً قيل : ( من كان شيخه كتابه ، كان خطؤه أكثر من صوابه )
ولقد أحسن أبو حسان النحوى حينما قال :
يظن الغُمر أن الكتب تجدي أخا فهمٍ لإدراك العلوم
وما يدري الجهول بأن فيها غوامض حيرت عقل الفهيم
إذا رمت العلوم بغير شيخ ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس الامور عليك حتى تكون أضل من توما الحكيم
وقد شرح العلماء المعني الذي من أجله ألزم الطالب أخذ العلم من أفواه العلماء ، فمن ذلك قول ابن بطلان – رحمه اله - : ( يوجد في الكتاب أشياء تصد عن العلم وهى معدومة عند المعلم وهي : التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ والغلط بروغان البصر ... وقلة الخبرة بالإعراب ، أو فساد الموجود منه ، وإصلاح الكتاب ، وكتابة ما لا يقرأ ، وكتابة ما لا يكتب ، ومذهب صاحب الكتاب ، وسقم النسخ ، ورداءة النقل ،وإدماج القارئ مواضع المقاطع ، وخلط مبادئ التعليم ، وذكر ألفاظٍ مصطلح عليها في تلك الصناعة ... فهذه كلها معوقة عن العلم ، وقد استراح المتعلم من تكلفها عند قراءته علي المعلم . إذا كان الأمر علي هذه الصورة ، فالقراءة علي العلماء أجدى وأفضل من قراءة الإنسان ، وهو ما أردنا بيانه ) . ا هـ .
وقد ذكر قبل هذا الوجه خمسة أوجهٍ في بيان العلل التي من أجلها صار التعلم من أفواه الرجال أفضل من التعلم من المصحف ، فلتنظر في (( شرح إحياء علوم الدين ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالمصدر:
رسالة للشيخ "عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم "
بعنوان (عوائق الطلب)
يتبع بإذن الله ؛
_________________
أم شهد ووعد @am_shhd_ooaad
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️