بغداد والشعراء و الصور ... آآآهههٌ يا عراق

بغداد والشعراء و الصور

إذا تجولت في شوارع بغداد، ستأخذك طرقاتها الممتدة بين الخضرة والجمال وبين النخل السامق والكثبان .. إلى فردوس من الدهشة والخيال .. طرقات تشبه البحر الذي يغسل بأصيله وجع الراحلين .. والعميق الموغل بأسراره .. الكبير السادر بأحلامه .. المليء بغناء نوارس شعرائه .. بغداد .. تلك التي ( يقطر من شرفاتها صوت هارون الرشيد) تحدثك منائرها عن أساطير الأولين وعظمة الفاتحين وهيبة الأولياء الصالحين ..

عندما تتجول في حواري بغداد الشعبية ستستقبلك وجوه العابرين بابتسامة يكدها التعب والصبر الجميل .. هكذا هم أهل العراق الطيبين .. كلما تجولت في ازقتها المتعبة ستقرأ في عيون أطفالها خجل تتفيأ خلف ظلاله طفولة يجرحها حلم يبحث عن رغيف هارب .. وأرجوحة من الحلوى .. وسلال للأعياد .. إنها عيون أطفالها النبلاء .. رائعة هي بغداد بكل جراحاتها .. بزقاقها .. بشرفاتها .. بنخيلها .. بجسور حمائمها .. بأصوات مآذنها فجرا .. بلوعة شاعر يهمس لها :

(لا أحب المقاهي والثرثرات ..

لكنني أحببت بغداد ..

بكل مقاهيها وثرثراتها) ( رعد بندر )

إنها بغداد .. المسكونة بلوعة الشعراء ، اولئك الذين تقطر من محابر أقلامهم أنهار قواف ٍ .. تستحم على فضة الماء .. لتسيل عذبة فراتية النقاء على خصلة من ضفاف دجلة .. كل العراقيين هم شعراء .. يرثون عراقهم .. يهدهدون مهود أطفالهم الجائعين ، يحدثون أطياف أصحابهم .. حبيباتهم الجميلات .. يبكون تغربهم بعيدا عن المقاهي المزدحمة و(الشاي أبو الهيل) .. يتأرجحون على أغصان حنينهم .. يصعدون القمر بسلالم قوافيهم .. وتبقى العراق خلف ظلالهم مهما تشعبت المسافات الطويلة وتمددت بينهم البرازخ البعيدة .. فشاعر العراق يجد بأنها هي الحبيبة والملهمة.. البعيدة بالمسافة والقريبة من وجدان الروح .. وتبقى هي المجد والشرف ، والسنديان السامق الذي لا يهزه إعصار طائش ! وتبقى هي التعب والعناء وسيدة القصيدة كما تغنى بها (عبدالرزاق عبد الواحد) أحد شعرائها :

(الحمد لله يبقى المجد و الشرف إن العـراق أمامي حيثما أقف ُ

وأن عيني بها مــن ضـوئه ألـق هدبي عليه طوال الليل يأتلفُ

وأن لـي أدمــعا فـيه ومبتســـما ً ولـي دم مـثلما أبــناؤه نــزفوا)

وتسبل العراق كذلك عينها المتعبة على كلمات (عبدالوهاب البياتي) الذي تغنى بها.

(شعبي العظيم

إني وهبتك كل ما في عالمي الأرضّي

من حبٌ عميمْ

حبي لأطفالي

وحبي للعصافير الصغيرة و النجوم ْ!

وغمست بالدم ريشتي

وعبرتُ في شعري التخومْ)
منقووول