**فتاة خير أمة** @fta_khyr_am_1
محررة فضية
بــروا أبنـاءكــــم
تقول إحدى الأخوات عندما ذهبت لزيارة دار المسنين في إحدى المناطق ، وجدت امرأة لها سبع سنين وهي في دار المسنين تشتكي وتقول : كنت مريضة بالسُكَّر، ثم أُصبتُ بِغرْغرينا في ساقي حتى قرَّر الأطباء أن تُقطع ساقي ، فلما خرجتُ مع ولدي إلى البيت ، ومكثتُ عنده أيام ، وأحسستُ أنني أصبحتُ عالة عليهم ، لم تتحملني زوجته ، حتى وصل به الحال أن رماني في المستودع لكي أنام مع الخادمة ..
تقول هذه الأم : والله لقد كنتُ أنام مع الفئران والحشرات ، مرَّت الأيام فلم أتحمَّل ، طلبتُ منه أن يُغير لي هذا الحال ، فكان يقول لي : لا يوجد عندي أفضل من هذه الحال ، حتى عطفتْ عليَّ جارتي فأخذتني وجعلتْ لي غرفة في بيتها ، فمكثتُ عندهم أسابيع ، حتى بدأ ابني يُهدِّدهم ويُشاكيهم خوفاً على سُمعته وفضيحته من أهل الحي ..
أخرجني من عندهم وهو يقول لي : سأضعك في مكان أفضل ..
تقول الأم : فوجدتُ نفسي في هذه الدَّار، سبع سنوات ولم يُحدِّث نفسه بالزيارة ولا بالاتصال ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
تعمدت أن أستهل الموضوع بهذه القصة التي تحكي معاناة أم .. فكل من يسمعها تصيبه الغصة لحالها مرددا حسبنا الله ونعم الوكيل..وغيرها الكثير من الحالات المخزية لتعامل الأبناء مع آبائهم والتي تصور الفجوة الواسعة بين الآباء والأبناء فمنهم من ضرب أبيه ومنهم من ألقى بأمه أمام أكوام الزبالة !
ترى.. ما الذي يجعل هؤلاء الأبناء يزهدون في الأجر العظيم بحيث يتخلون عن رعاية آبائهم بإلقائهم في أبعد مركز لرعاية المسنين؟؟ .. ناهيك عن حالات القتل التي تشهدها صفحات الجرائم ..؟
لست هنا بصدد الدعوة إلى بر الوالدين والإحسان إليهما .. فكلنا يعلم أن الإحسان إلى الوالدين جاء مقرونا بعبادة الله وهو من أكبر الكبائر بعد الشرك..
قال تعالى:” وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ”
وإنما أردت أن أبحث معكم في الأسباب المؤدية إلى عقوق الوالدين..
تكررت كلمة البر في القرآن الكريم في مواضع كثيرة حاملة معاني متعددة أي أنها ليست مقتصرة على الوالدين فقط فهي كلمة جامعة للفضائل .. لذلك اسمحوا لي بأن استخدم مصطلح “بر الأبناء” ..لما للأبناء من حق على آبائهم ..كيف لا، وهم هبة الله التي أودعها للآباء وجعلهم مسئولون عنها أمام الله يوم القيامة حيث قال صلى الله عليه وسلم : “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ….”.
فقضية “بر الأبناء” قد يغفل الكثيرين عنها أو قد لا تعطى الأهمية الكافية بقدر ما نسمع عن المناداة ببر الوالدين ..متناسين أن علاقة الأبناء بالآباء عبارة عن سلسلة متصلة فكلاهما نتاج لعمل الآخر !
قد يكون السبب في هذا هو التسليم إلى أن الاهتمام بالأبناء مسألة فطرية أكثر من كونها واجب !
وقد يكون السبب هو جهل بعض الآباء لأسس التربية السليمة معتقدين أنها مقتصرة على المأكل والملبس والمسكن متجاهلين الحاجات العاطفية والنفسية والعقلية
والجسدية التي يحتاجها الأبناء والتي وصى بها ديننا الحنيف
وقد يرجع التشديد على بر الوالدين أكثر من “بر الأبناء” لكون بر الوالدين رد للجميل –حتى لو كان هذا الجميل قاصر- وهو ما تستثقله النفس من طاعة وإحسان خاصة في الكِبر لذلك كان التركيز عليه أكثر بفرض العقوبات في الدنيا قبل الآخرة ..
ولكن،،كيف يطالب الناس بحقوقهم قبل أن يؤدوا واجباتهم !
فمثلا الأب الذي يغيب طوال اليوم عن بيته وأولاده بحجة التأمين المادي للأسرة فيعود ومكسبه حرام !
والأب الذي يتعامل مع أبنائه بقسوة مَرضية بحجة التأديب !
والأم التي تحرم طفلها حقه في الرضاعة لأسباب واهيه وتعتمد اعتمادا كليا على الخادمة تطعمه وتلبسه وتلاعبه !
أنّا لهم أن يجدوا البر عند الكبر ! قد تكون أسباب بسيطة وقد يظنها البعض تافهة إلا أن هذا التقصير وغيره من قبل الآباء يعطي الأبناء العذر بأن يسمحوا لأنفسهم أن ينتقموا منهم متى ما سنحت الفرصة !
فحتى يطيب العطاء يجب أن يطيب الغرس..أنا لا أطالب الأبناء أن يعقّوا آباءهم فهذا بالطبع لا يُسقط واجب الأبناء تجاه آبائهم .. ولكنه يُسقط حق الآباء عند الله في تقصيرهم في أداء واجبهم تجاه أبنائهم
فيا أيها الآباء: بروا أبناءكم صغارا يبروكم كبارا .. فالجزاء من جنس العمل !
ختاما
أذكر هاتين القصتين لأخذ العبرة ، لعل الله ينير بصائرنـا و يلهمنا الحكمة في تربية أولادنا . (( جاء رجل إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يشكو إليه عقوق ابنه ، فأحضر عمر الولد ، و أنبه على عقوقه لأبيه ، و نسيانه لحقوقه ، فقال الولد : يا أمير المؤمنين ، أليس للولد حقوقٌ على أبيه ؟ قال : بلى ، قال : فما هي يا أمير المؤمنين ؟ قال عمر : أن ينتقي أمَّه ، و يحسن اسمَـه ، و يعلمه الكتاب ـ إي القرآن - . قال الولد : يا أمير المؤمنين ، إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك ، أمّا أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي ، و قد سماني جُعَلاً ـ أي خنفساء - ، و لم يعلمني من الكتاب حرفاً واحــداً . فالتفت عمر إلى الرجل و قال له : جئت إلي تشكو عقوق ابنك و قد عققته قبل أن يعقـــك ، و أسأت إليه قبل أن يسيء إليك ؟!! )).
و مما يذكر في كتب السِّيَر : (( أن معاوية ابن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ غضب على ابنه يزيد مرة ، فأرسل إلى الأحنف بن قيس ليسأله عن رأيه في البنين ، فقال : هم ثمارُ قلوبنا ، و عمادُ ظهورنا ، و نحن لهم أرضٌ ذليلة ، و سماءٌ ظليلة ، فإن طلبوا فأعطهم ، و إن غضبوا فأرضهم ، فإنهم يمنحوك ودَّهم ، و يحبونك جهدهم ، و لا تكن عليهم ثقيلاً فيملّوا حياتك ، و يتمنوا وفاتك )) .
واختم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
“اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يبروكم” رواه الطبراني.
ملحوظة:
موضوع مهم في هذه الايام لما نشاهده من جحود من بعض الابناء تجاه اولياء امورهم, انا دائما تستوقفني الآيه الكريمه التاليه : قال تعالى:” وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا . رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا } {الإسراء/23-25} و”كما” تستوقفني دوما ,وليس كل اولياء الامور مشمولين بهذه الآيه , فيوجد البعض اهمل تربيه ابناءه وجعلهم عرضه للمهانه والجوع وعدم رعايته صغيرا, وقد اختار له الاسم البغيض والام الغير صالحه…..فكيف يبرهم كبيرا اذا لم يبروه صغيرا! الآيه السابقه تخاطب اولياء الامور وابنائهم ,وجود “كما” بحسن المعامله وحتى لايلتبس على الجميع محتوميه بر الوالدين الذين لم يبرو بابنائهم….فلم يبروهم لاحقاَ, واتمنى ان لايكون كلامي عذرا لجحود الوالدين ولاسباب تافه وانما كما ذكرت سابقا “خلّف ورمى” كما في اللغه الدارجه, واعوذبالله ان اكون من المفتيين في امور الدين ولكن من حقي ان ابدئ رأي في هذه الآيه الصريحة بوجود “كما”, وقد ينقدني الكثير بقول اسمع واطع بما قاله السابقون في تفسير هذه الآيه الكريمه , كثير من التفاسير تم تمحيصها ووجد العكس بالرجوع لحكم القرآن لما اشاب بعض االاحاديث النبويه الشريفه باسناد ضعيف او دسائس احاديث على مر التاريخ , ومثال على ذلك ختان المرأه عندما الزم الازهر بختانها وبعد فتره من الزمن اعتذر عن فتواه ولسبب ان حادثه واحده في عهد الرسول الكريم تستثني كبر حجم “البذر”فقط والطب الحديث فسرها بمرض الغده الكضريه (فوق الكلويه), فوجب تصحيح الفتوى حينها. وايضا فتوى رضاعه الكبير فكانت لحاله واحده وبعدها حرم التبني. وغيرها من الفتاوي التي تحتاج لتمحيص واشراك اهل العلوم الاخرى كعلوم الطب .. واذكر من الفتاوي التي نسبت لعالم فاضل بان تعاقب الليل والنهار بسبب دوران الارض حول الشمس والعلم اثبت ان دوران الارض حول نفسها يسبب الليل والنهار فكانت الفتوه مضحكه وكنت اتمنى ان لا تكون منسوبه لهذا المفتي الفاضل جزافًا ولكن تاكدت بمصدرها مما اصابني بالصداع والالستغراب من عدم اشراك العلم بالدين حتى لانكون اضحوكه في ظل هذا التطور . وفي رأي اذا ماوجدت مشكله اجتماعيه وبازدياد فاعتقد ان يتم دراسه الفتوى بطريقه شرعيه والرجوع للقرآن الكريم. لايختلف اثنان من المسلمين بفرض الصلاه او العدل في الورث وغيرها من الامور الحياتيه ولكن ارى مشكله عقوق الوالدين بازدياد ومع وجود الضوء الاخضر للوالدين بعاقبه ابنائهم بحجه برهم , وبعد ان دمر حياه ابنه اما باختيار الاسم القبيح له او زواجه من ام لانسب لها وفي بعض الاحيان التبرء منه في يوم ولادته , ثم يطالب الاب بعدها ببره مستندا لفتوى بر الوالدين مع وجود التشكيك بتفسير الآيه ووجود “كما”. ,
و أخيراً ، فحتى يطيب العطاءُ لله ، فلابد من أن يطيب الغرس لله و بصدق ، و مَن أدَّب ابنَه صغيراً ، قرَّت عينُه كبيراً ، وكما يريد الآباءُ من أولادهم أن يبرّوهم ، فليكونوا هم على مستـوى ذلك الــبر ، و الله الموفق إلى كل خير ...
و الحمد لله رب العالمين .
وهل جزاء الاحسان إلا الاحسان
والله اعلم
11
7K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
**فتاة خير أمة**
•
واياكم جزيتم خير الجزاء والثواب لمروركم العطر شاكرة لردكم والشكر المتواصل على شعار النقل الهادف
الصفحة الأخيرة