بِــرَُ الخَــالةِ ( أُختُ الأم ِ)) من بِرِِ الوالدين .
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ ) وفي رواية عند أبي داود وغيره (وَإِنَّمَا الْخَالَةُ أُمٌّ ) وفي رواية ( إن الخالة أم ) .
وروى سفيان بن عيينة عن محمد بن سوقة عن أبي بكر بن حفص أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم قد ألم بذنب ، وفي رواية – أذنب ذنبا عظيما ، وفي رواية أخرى - أصبت ذنبا عظيما - فقال له: ( هل لك والدة قال لا قال فهل لك خالة قال نعم قال اذهب فبرها ) رواه أبو عبد الله المروزي في البر والصلة وسنده جيد ولكنه مرسل ورواه الترمذي وغيره موصولا عن ابن عمر والمرسل أصح .
ورواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ج4/ص171 موصولا وصححه ووافقه الذهبي وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه كلهم عن أبي معاوية عن محمد بن سوقة عن أبي بكر بن حفص عن ابن عمر بلفظ :
عن بن عمر رضي الله عنهما قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال : يا رسول الله إني أذنبت ذنبا كثيرا فهل لي من توبة قال : (ألك والدان قال لا قال فلك خالة قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرها إذا ) قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
هاذان الحديثان يكفيان لأن يحث المسلم نفسه ليكفر ذنوبه ولينال أجر البر والصلة فالخالة لابد من برها وتتبع رضاها فهي بمنزلة الأم وبرها فيه رضا للوالدة وتطييب لخاطرها فيجب على المسلم أن يتعاهد خالاته بالبر والصلة السمع والطاعة وبذل المعروف والهدية حتى وإن كانت أصغر منه سنا ولا يقطعها فإن في ذلك ذنب عظيم ، وقطيعة الخالة وعقوقها من الكبائر كما قاله الذهبي في الكبائر له .
جاء في بعض التفاسير عند تفسير قوله تعالى : {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ } (100) سورة يوسف ، قال بعض أهل العلم إنها ليست أم يوسف فقد ماتت أمه قبل ذلك ولكن هذه خالته تزوجها أبوه بعد وفاة أمه ، فأنزلها القرآن منزلة الأم .
وقد ذكر الله تبارك وتعالى الخالات في موضعين من كتابه قال سبحانه : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ .. الآية } (23) سورة النساء ، فذكرها هنا ومالها من الحرمة عند ذكر المحارم بالنسب ، وقال سبحانه : {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ } (61) سورة النــور، فذكرهن هنا لرفع الحرج في الدخول والأكل في بيوتهن كالأمهات .
فصلة الرحم معلقة بالعرش من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله كما ثبت في الحديث الصحيح عند الشيخين : البخاري ج4/ص1828ومسلم ج4/ص1980 :
عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حتى إذا فَرَغَ منهم قَامَتْ الرَّحِمُ فقالت هذا مَقَامُ الْعَائِذِ من الْقَطِيعَةِ قال نعم أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ من وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ من قَطَعَكِ قالت بَلَى قال فَذَاكِ لَكِ ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اقرؤوا إن شِئْتُمْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إن تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا في الأرض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ الله فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) لفظ مسلم .
فطاعة الخالة وصلتها بر وصلة ، فالبر لكونها كالأم ، وصلة لكونها من الرحم ... فمن فاته صلة والدته وبرها لموتها فلا تفوتنه صلة خالاته أخوات والدته فبذلك يبر بوالدته ويصل رحمه .
وبــر الخالة يكون كالبر بالأم وهو إدخال السرور إليها والإحسان إليها والرفق بها بالفعل والقول تقربا إلى الله وطاعة له ، وعكس ذلك عقوقها وهو ترك طاعتها وعصيانها وترك الإحسان إليها وفعل كل ما تتأذى منه .
يقال أن الخالة بمنزلة الأم في الحنو والشفقة وإدراك مصلحة الابن "الطفل " كالأم تماما وخاصة الطفل الصغير فخالته في حسها له كأمه فسبحان الله ، لذلك يقدم العلماء الخالة في الحضانة على العمة لحديث الباب الذي ذكرته أولا .
فمن أدرك خالته فما فاتته أمه ، فهذا ابن عباس رضي الله عنهما كان بارا بخالته أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنهما ومن بيتها استفاد العلم ، وكذلك عروة بن الزبير بن العوام كان بارا بخالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما وكان يتفقه ويروي عنها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومنها أخذ العلم والفقه وكذلك أخوه عبد الله ، وهذا أيضا أنس بن مالك كان يطلب العلم ويروي الحديث عن خالته أم حرام بنت ملحان رضي الله عنهما وحديثهما في الصحاح.
ونذكر أن تعاليم الدين الحنيف التي جاءت ببر الخالة إنما هي من سماحة الإسلام الذي نظم حياة الناس الاجتماعية ، ونظم تكافلهم وترابطهم وتوادهم ومهما عملت النظم الاجتماعية البشرية الدنيوية العلمانية فلن تعطي أصحاب الحقوق حقوقهم في البر والصلة والقربى فالحمد لله على نعمة الإسلام وله الشكر على فضله وسماحة دينه وشموليته لصلاح الحياة الدنيا والآخرة .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وشمل الجميع بأسباب محبته ورضاه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
قرأته وعجبني ونقلته لكم
جوري2007 @gory2007
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
يعطيك العافيه...دمتي بود