د.مشبب القحطاني

د.مشبب القحطاني @dmshbb_alkhtany

إمام وخطيب مفكرة المجلس عضو في جماعة التوعية الإسلامية

بقصة ذلك المجرم نفتتح خطبة الجمعة عن حقوق الوالدين ..

الملتقى العام

أما بعد:أيها المسلمون

نشر في إحدى الصحف المحلية هذه القصة المؤثرة ، ملخصها أن رجلا شابا في إحدى البلدان العربية شوهد وهو يضرب رجلا كبيرا في السن ، ويدوسه بقدميه حتى سالت الدماء من فمه وانفه ..ولما جاء الناس ليفرقوهما ويساعدوا العجوز ، قال لهم وهو في الأرض دعوه ولا تمنعوه ، واتركوه يسدد الدين الذي على ، عندما فرقوا بينهما ، سألوه عن قصده بتسديد الدين ؟؟ فقال :
كنت شابا عاطلا عن العمل لم افلح في دراسة ولا غيره ، وكان أبي يحاول في إصلاحي ولكنه لم يستطع ..وفي احد الأيام عرض علي العمل معه في التجارة فوافقت ..فأخذني ودربني على التجارة ، حتى نجحت في إدارة المشاريع ، ثم طلبت منه ان يعطيني وكالة عامة على أمواله ، فأعطاني ما طلبت ..بعد ذلك حولت جميع المشاريع باسمي دون علمه ، وفي احد الاجتماعات رفع صوته علي وأحرجني أمام الناس ، فطردته وقمت بضربه كما ضربني ولدي قبل قليل…فهذا الدين سدد إلي

أيها الإخوة والأخوات في الله : هذه القصة المؤثرة تروي قصة العقوق المتوارت ، تروي قصة التقصير في حق الوالد وعدم طاعة الله فيه ، وهذه القصة قد تتكرر في مجتمع ، ولكن بطرق مختلفة .

وحتى لا تتكرر ، وحتى نتذكر جميعا حق الوالدين فسيدور الحديث في هذا اليوم حول التذكير بحقوق الوالدين ، وتحريم عقوقهما.

أيها الإخوة الفضلاء:
يقول الله تعالى في كتابه العزيز (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا(23)وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا(24)رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا(25)
في هذه الآية يقول (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالولدين إحسانا) نلاحظ في هذه الآية أن الله تعالى قد جعل حق الوالدين في المرتبة الثانية التي تلي حقه،وفي هذا دلالة على عظم حقهما على الولد ،

ومما يؤكد هذا أنه برهما قُدم على الجهاد في سبيل الله ، ثبت في الصحيحين عن عَبْدِاللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه انه قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟؟ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا.. قَالَ ثُمَّ أَيٌّ ؟؟ قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ..قَالَ ثُمَّ أَيٌّ ؟؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )
أيها الإخوة : ومما يؤكد حق الوالدين أيضا أن الله تعالى قد أوصى بصحبهما بالمعروف وإن كانا كافرين، حتى وإن أمرا ولدهما المسلمَ أن يكفر بالله … قال تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا .. وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ويقول تعالى (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا .. وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا .. وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ.. ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 9)

فعليه ببرهما ومعاملتهما بالمعروف ،حتى ولو دعواه إلى الكفر بالقوة ، و لكن عليه ان لا يطعهما.

.وقد جاءت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة تأمر ببر الوالدين والإحسان اليهما ...وتحرم عقوقهما ،،ومع ذلك فإن بعض من يدعي الإسلام يسيء إلى والديه سواء بالقول أو الفعل ، رغم ما يسمع من آيات وأحاديث ورغم ما يسمع من خطب ومواعظ ، وفي المقابل نراه يحسن إلى زوجته أكثر من اللازم ، ويلبي كل ماتطلبه مهما كان أكثر من والديه، ويعامل رئيسَه في العمل معاملةً يتضح فيها التذلل والخضوع أكثر من والديه، من أجل ترقية أو نحوها ،كما نراه يعامل أصدقاءَه معاملة طيبة ويضحي من أجلهم بأشياء كثيرة أفضل من والديه ....

بل بدأنا نسمع بمن يضع والديه أو أحدَهما في دار العجزة والمسنين.وإذا طلب منه أن يهتم بهما تبرأ منهما ، ورفض ذلك وولى هاربا. بينما تجده قد يهتم برعاية زوجته وأولاده وربما أهل زوجته وغيرهم من الأصدقاء والمعارف .

فهذا الإنسان قد عصى الله ورسوله ، وخسر خسرانا مبينا، أخرج مسلم في صحيحه أبسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ( رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ *)رواه مسلم..

أيها الأخوة والأخوات : : وليس المقصود مما سبق أن الإنسان لا يعامل الآخرين معاملة حسنة ، ولكن المقصود أن على المسلم ألا يفضل على والديه أحدا مهما كان ...مهما كان مستوى والديه العلمي والعقلي..... ومهما بلغ هو من المكانة الاجتماعية...

ولكن المقصود هو التنبيه على ان الوالد مقدم على جميع الناس بحسن الصحبة ، وحسن المعاملة والبر .. جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :يا رسول الله من أحق الناس بصحبتي ؟ قال أمك …قال ثم من ؟قال :أمك ..قال ثم من؟ قال :أمك ..قال ثم من؟ قال :أبوك )أخرجه البخاري ومسلم .

أيها الإخوة في الله أن الأمر ببر الوالدين وتحريم عقوهما عام في جميع مراحل حياتهما ، ولكنه يتأكد في حال الكبر ،يؤكد هذا يقول تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إِحْسَانًا .. إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)

وقد خص الله النهي عن إغلاظ القول لهما حال الكبر مع أن النهي عام في كل وقت ، وذلك لأن ضعفَهما البدني والعقلي، قد وصل إلى درجة تؤدي إلى الضجر والملل منهما ومن تصرفاتِهما،

وفي هذه الحال نُهي الولد من التضجر حتى ولو بصوت قد لا يسمعانه ،ومن ذلك قول (أف ٍ) ،والتي تدل على الضيق من الوالدين ،

نعم قد تشمُ من الوالدين رائحةً تكرهها ، وقد تسمع منهما قولا لا يعجبك ،أوقد ترى منهما تصرفا في مالك أ وفي أولادك لا يوافق ما تفكر فيه ،ولكن مع ذلك فقد أمرك الله تعالى أن تقول لهما قولا ًكريما لا غلظة فيه ولا قسوة، تختار كلَ لفظ طيب يدل على اللين والتكريم ، وفي أثناء الحديث وبعدِه عليك أن تخفض لهما جناح الذل من الرحمة، فتخاطبهما مخاطبة من يستصغر نفسه أمامهما، وتعاملهما معاملة الخادم ِالذي يذل نفسه أمام سيدِه رحمة بهما وإحسانا إليهما.واعترافا بالفضل لهما.

أيها الإخوة في الله ومن حقوق الوالدين الدعاء لهما على كل حال يقول تعالى مؤكدا ذلك (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا )وهذا أمر من الله تعالى للولد بأن يدعو لوالديه بالرحمة ويقاس على ذلك سائرُ الأدعية .وهذا من أيسر الأمور، ولا يكلف الإنسان شيئا ،ومع ذلك فإن بعض الناس لا يفعله إما نسيانا أو جهلا أو عقوقا والعياذ بالله.

والدعاء للوالدين ليس للولد خيار في فعله، بل هو ملزم به بنص هذه الآية .خصوصا إذا توفى الله الوالدين ..فان الدعاء لهما يتأكد لأنهما انقطعا عن الدنيا ولم يبقى لهما بعد الله إلا هذا الولد.. الذي يفترض فيه أن يدعو لهما..

وفي الآية أيضا تذكير للولد بحال ضعفه أيام صغره ، وأنه وإن أصبح الآن كبيرا فإنه قد كان قبل ذلك صغيرا ، لذلك على الولد أن يتذكر دائما إحسانَ والديه إليه حين كان صغيرا لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، وخصوصا أمَّه التي حملته في بطنها تسعة َأشهر ،عانت في أثنائها المرضَ والوحم والثقل ، تضيق أحشاؤُها وقت حمله بالطعام والشراب ،فإذا حان وقتُ الولادة وجاءها المخاضُ شاهدت الموت ،وقاست من الآلام والتعب ما لله به عليم. فتارة تموت ، وتارة تنجو ،قال تعالى في وصف ذلك (حملته أمه كُرها ووضعته كُرها ) ....

فإذا ولدت بدأت متاعبُ أخرى، صياح بالليل، يحَرمُ الوالدين من النوم ، فتسهرا لأم الليالي من أجل راحتك وترهق بدنها من أجل أن تنام قرير العين ، وتأتي الولد الأمراض بين حين وآخر يتمنى الأبوان أن يُصابا ويُشفى طفلهما من المرض ،وقد يبذلا الأموال من أجل علاجه ويسافران من أجل طلب الشفاء ، وأبوه يتعب فكرَه وجسمَه من أجل حصوله على معاشه والأنفاق عليه ، وقد يسافرُ الوالدان أو أحدها ويذوق ألمَ الغربةِ لطلب المعيشة للأولاد .

أحبابي الكرام إن المسلم عندما يحسن إلى والديه إنما يقوم بعبادة عظيمة أمر الله بها في قوله ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) ثم انه يفعل اقتداء بالصالحين من عباد الله وعلى رأسهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ..والذين منهم وعيسى وإبراهيم ونوح وغيرهم عليهم الصلاة والسلام ...فهذا يحي يصفه الله تعالى بقوله( يا يحي خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا .. وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصيا) وهذا عيسى بن مريم يقول لقومه (إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا .. وبرأ بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقيا )
إخواني في الله أقول ما سمعتم واستغفرا لله لي ولكم.فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...
أيها المسلمون وبعد أن سمعنا ما سبق فعلينا أن نحرص على بر آبائنا وأمهاتنا الأحياء والأموات ، يبرنا أبناؤنا أحياء وأمواتا ، و لنعلم أن سخط الله من سخط الولدين ، ولاشيء يزيد في العمر ويبارك في الرزق مثلُ بر الوالدين وصلة الأرحام .

أيها الأعزاء : قد يتضايق الإنسان من والديه يوم ما ، لأي سبب من الأسباب ولكن مع ذلك يبقى الوالد والد مهما عمل للولد ..
صحيح أن هناك بعض الآباء الذين يمارسون تصرفات تجعل أولادهم يكرهونهم ولا يحسون تجاههم بأي شعور إيجابي ..
فهناك الأب المجرم..وهناك الأب الفاسد أو القاسي ، وهناك الأم الفاسدة والأم القاسية ، وهناك الأب الجاهل .والأم الجاهلة ..ولكن مع ذلك يبق لكل منهم والد ، ولكل منهم حقه وتقديره..فإذا كان الله تعالى قد أمر بمعاملة الوالدين الكافرين بالحسنى ، وهم يدعون الولد إلى الشرك فكيف بمن غيرهم من المسلمين ..قال تعالى ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا .. وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا )

وعليه …فلا ينبغي للولد أن يقصد أذاهما أو الانتقام منهما أو التقصير في حقهما ..وذلك خوفا من الله تعالى ، وأتباعا لأمره..واقتداء بالصالحين من خلقه .
ثم إن المسلم إضافة إلى ما سبق يخاف أن ينتقم الله منه فيرزقه ذرية سوء ، يعاملونه بمثل ما عامل أبويه به، والواقع يشهد بذلك ، وقصص العاقين تروى دائما ،يتضح من خلالها قدرة الله تعالى على الانتقام من أولئك الظلمة.، ولعل القصة السابقة اكبر مثال على ذلك .

هذا ما تيسر حول هذا الموضوع المهم ، ومن أراد الاستزادة في هذه العبادة فعليه أن يرجع إلى الكتب الأشرطة التي تتحدث عن بر الوالدين وتحريم عقوقهما ..

أسال الله تعالى أن يجعلنا من البارين بآبائهم ..وأن يعيننا على أداء ما علينا من حقوق إنه على ذلك قدير..
كما اسأله تعالى أن يصلح النية والذرية ..وان يغفر تقصيرنا في حق آبائنا وأمهاتنا انه سميع مجيب..
7
3K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

فارسة الأحلام
لا حول ولا قوة الا بالله

( كما تدين تدان )
ام سالم603
ام سالم603
بارك الله فيك اخي وجزاك كل خير
طيف الأحبة
طيف الأحبة
لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

دين على الرقاب ان لم يكن عاجلا فانه آجلا

جزاك الله كل الخير
زوارق
زوارق
الجزاء من جنس العمل
لاحول ولاقوة الابالله
جزاك الله خيرا وجعله في موازين أعمالك
live me
live me
سلام ..

يسلمو على الموضوع المفيد..

من يعمل خير فسيجد خيرااا ..

تحياتي