بقلم : مرام بنت عبدالله القيسي
يحكى أن هناك قرية يعيش أفرادها بحب وسعادة وود ووئام , تخلو حياة الأسر فيها من المشكلات
والخلافات , والسبب في ذلك يرجع إلى ذلك الرجل المسن الذي يقبع في كهفه ويحمل بيده عصا
سحرية , فبمجرد إحساس أحد الزوجين بوجود مشكلة مع الشريك, أو مشكلة لدى أحد الأبناء فإنه
يحضر هذا الرجل المسن إلى منزله فيقوم بالتلويح بعصاه السحرية في أرجاء المنزل فتذهب جميع
المشكلات , وتُحَل الخلافات فوراً , وتَحِل السعادة والأنس والراحة .
إنني لأتعجب ممن يتوقع أن حل مشكلاته الأسرية تكون كما يفعل أصحاب هذه الأسطورة, فعندما
تواجهه مشكلة أسرية تراه يلهث بحثاً عن الحل السريع والفوري لمشكلته ! , ويرفض أي حلول
تعتمد على أسس ومبادئ وخطط وتحتاج لوقت وصبر وحكمة , معتقدا أن الحل سيأتي من تلوحية
عصا سحرية , فتحل بذلك مشكلته , وينعم بحياة سعادة سرمدية .
إن أي مشكلة أسرية تنبع نتيجة سلوكيات يمارسها أحد الأطراف ويرفضها طرف آخر . وطالما أنه
سلوك فهو نابع من مجموعة من الأمور المتداخلة مثل (الاعتقاد – التربية – العادات – التوجه –
الاهتمام ...) أي أن حلها ليس من السهولة بمكان , بل يحتاج إلى أن يمتلك الفرد منا مجموعة
من المهارات , مثل مهارة الحوار, ومهارة الإقناع, وتحتاج إلى حكمة ووقت , لأننا لا نريد حل
سطحي فقط موجه للسلوك ؛ وإنما نريد حل لمحفزات ومسببات هذا السلوك , حتى يكون العلاج
لذات المشكلة ولا نتخبط في الهالة التي تحيط بها .
وينبغي علينا أن نتعلم من قصة يعقوب عليه السلام الكثير من الأمور التربوية , فلقد صبر على
مشكلة أسرية واحدة وهي غيرة الأبناء سنوات عديدة بصبر وحكمة , ثم تحقق له مراده بعد ذلك .
فعند إحساس أحدنا بمشكلة ما في حياته فعليه أن يحلها وفق طريقة صحيحة , فيحدد المشكلة , ثم
يجمع المعلومات عن هذه المشكلة وينظر إلى جذورها ومسبباتها , ثم يقوم بوضع مجموعة كبيرة
من الاقتراحات لحلها , ثم عليه أن يستشير مختص وصاحب حكمة ورأي , ثم يختار الأسلوب
المناسب لحلها وفق ما ذكرنا من مهارات الحوار والإقناع , وقد يحتاج إلى شيء من المرونة
والتنازل , وكل هذا يحتاج إلى وقت كبير حتى تحل المشكلة جذرياً .
ومن أكثر الأسباب التي تعيننا على الصبر في حل مشكلاتنا الأسرية هي معرفة فوائد هذه
المشكلات , قد يعجب البعض من هذا , نعم للمشكلات الأسرية فوائد عدة ومنها تقوية الإيمان لأن
هذا ابتلاء وامتحان مقدر من الله فلا اعتراض عليه , ويتعلم الإنسان الصبر و مواجهة المصاعب ,
واكتساب الخبرة والتجارب وزيادة النضج , والالتفات للنفس ومعرفة إيجابياتها وسلبياتها , والعمق
في معرفة الطرف الآخر , وسعة الصدر وتقبل الناس , واكتشاف جوانب جديدة غائبة , والتطوير
والتجديد .
هذا وليس كل المشكلات مشكلات , بمعنى أن هناك أمور قدر نراها أنها مشكلات وإنما كان ذلك
بسبب نظرتنا لها , وقد يكون حلها في أن لا نعتبرها مشكلة وذلك عن طريق التعايش مع الواقع
وتقبله وهذا يحتاج منا إلى مزيد من المرونة .
دمتم بسعآآآدة :) :26: