فيضٌ وعِطرْ

فيضٌ وعِطرْ @fyd_oaatr

فريق الإدارة والمحتوى

~ بلقيس ملكة سبأ ~ نساء في القرآن

الأسرة والمجتمع

....




بلقيس ~
بين مدينتين عريقتين ..
مملكة سبأ .. في قلب اليمن ..
ومملكة سليمان العجيبة في القدس .. في فلسطين ..!
تدور أحداث هذه القصة ..
::
دعونا ندخل مملكة سبأ المترفة الغنية ..
تلك المملكة العربية القديمة التي قامت في الألفية الثانية قبل الميلاد
لنجس نبض التاريخ هناك ..
ففي مطلع صبح أحد الأيام ، وقد بدأ ضوء الشروق يتسلل إلى المدينة
نرى القوم هناك مجتمعين لتقديم فروض الشكر والطاعة لآلهتهم ..
في معبد الشمس الكبير بأرض مأرب على بعد ثلاثة أميال من صنعاء
حيث يستقبل شعب سبأ يومًا من الأيام المقدسة..
وفي مقدمتهم الملكة وحاشيتها ..
فماذا كان يعبد هؤلاء القوم من دون الله ..؟!
*
*
كانوا يعبدون الشمس .. يسجدون لها .. ويقدسونها ..!
وتلك العبادة كانت ميراث آبائهم وجدوهم على هذا النهج من الكفر
فساروا على آثارهم مقتدين ولم يلتمسوا نور الحق ..
وكانت ملكتهم قد نشأت على ذات النهج من الضلالة والكفر .
فمن هي ملكتهم ..؟!
::
إنها بلقيس ..!
اسم ذو رنين وصدى له وقع جميل على الاذن ،ويطرب له الفؤاد
فمن هي بلقيس حقيقة ..؟
وماذا أضاف لها التاريخ والخيال ..؟!
هي ...
احدى الملكات اللواتي عطرن التاريخ ..
صارت على مدى العصور مثار اهتمام وخيال أمم وشعوب
كالعرب والأوربيين.
فأحاطوا شخصيتها بالسحر والغموض ..
ولكونها وردت في القرأن مقرونة باسم النبي سليمان
فقد أُضيف لها الكثير من البريق
فالهمت ولا تزال الكتاب والشعراء وغيرهم ..
من مختلف العقائد والاتجاهات الفكرية.
::
عرفها العرب باسم (بلقيس) و (بلمقه)..
واسمها الكامل :بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان..
تمكنت من الملك بعد مقتل عمرو ذى الأذعار..
فبايعها قومها وولوها الحكم..
فأدارت شئون البلاد بشجاعة وحكمة..
ورممت سد مأرب الشهير..
وشيدت قصرها فى مدينة مأرب ..
وازدهرت على يديها التجارة والزراعة..
وزادت ثروات البلاد واستقرت أحوال الناس.
::
اقتحمت تراث مختلف الشعوب بصفتها رمزاً للحكمة والجمال.
ولكن بعض اسفار التوراة ..
قدّمت صورة قبيحة لـ (الملكة بلقيس)
وجعلتها رمزاً للشر .. !!
*
*
ويحسم القرآن الكريم حكايتها بذكر الحقائق التي تترجم
مسيرة حياتها ، جمعتها آيات من سورة النمل ..
وتظهر صفاتها النادرة التي استحقت بها أن تكون ملكة على قومها
وتبين مسيرتها من الكفر .. إلى الهداية ..
وكيف حكّمت عقلها في حسن تصريفها للأمور ..
لتختم سطورها ببلقيس المؤمنة .
فدعونا نقرأ سطوراً من سيرتها المتألقة ..
*
*
في ذلك الصباح المشرق الجميل ..
وقد توسطت الشمس كبد السماء مرسلة أشعتها الذهبية على البطاح
وقف طير الهدهد على غصن شجرة تطل على معبد الشمس ..
كان مندهشاً متحيراً مذهولاً مما رآه ..
لايكاد يصدق عينيه ..!
فماذا رأى ..؟!
هالهُ مشهد ملكة متوجة .. تسجد متوجهة إلى الشمس ..
وترفع يديها بالدعاء ..
تخاطبها مخاطبة المعبود للعابد ..
وخلفها الشعب كله يقتدون بفعلها ..
::
ماهذا...؟!!
أآلهةً.. من دون الله يعبدون .. ؟!
وللشمس يريقون الجباه ..؟!
ولها واعجبي ..يسجدون ؟!!
وما هي إلا مخلوق وآية من إبداع الله العظيم ؟!!
إني أراهم في ضلالٍ مبين ...!!
والله لأذهبن لسليمان ولأفشين خبرهم..
ولينظرن في أمرهم ..!
::
باح الهدهد بكلماته هذه والاستنكار والعجب يملآنه
ثم أن هذا المشهد كان قد سلبه تفكيره ..
فلم يدرك أن الوقت فاته على حضور طابور سليمان .
فملأه الخوف الشديد، وانفلت راجعاً..
بأقصى سرعة يستطيع جنحاه بها أن يحملاه..!

:::::
في صباح ذلك اليوم كان النبي سليمان كعادته..
يتفقد جيوشه من الإنس والجن والطير ...
فإذا به يكتشف غياب الهدهد .. !!
فانتابه غضب شديد.. وجهر قائلاً :
﴿ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ
أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ..
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا
أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾.
*
*
وماهي إلا هنيهات..
وإذا بالهدهد يحطّ وهو يلهث تعباً ..
وأسرع يعتذر ، ويرجو الصفح ، ويبدي سبب غيابه ..
وهو يرجوعفو سليمان حين سيلقي لديه مايحمله
من خبر عظيم ،
قال: يا نبي الله
﴿ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ
وجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ
فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ .
*
*
هدأ سليمان قليلاً وانتابه العجب ..
لكنه لم يقرّ بتصديق إلا بعد أن يتأكد من خبره..
قال:
﴿ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ..
::
ثم أطرق يُفكِّرملياً ، حتى إذا ما انتهى إلى قرار ..
كتب رسالة سريعة موجَزة حاسمة، وسلمها للهدهد..
ومن غيره كان شاهداً على تلك الواقعة ..؟!!
إذن ليكن هو الرسول ..
وستظهر البينة على صدقه..
قال له :

﴿ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ
فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ
::
وكان نص هذا الكتاب القرآني..
الموجَز المعنى والبعيد المرمى:
﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ .
::
وهنا يسدل الستار على هذا المشهد ..
وتنفض جموع المخلوقات المحشورة ..
ويعود سليمان إلى قصره ليمارس شؤون الحكم ..
وهو لايزال يفكر بتلك الواقعة .
*
*
في سبأ .. بلقيس الملكة المهيبة ذات الطلعة المشرقة ..
نراها جالسة على عرشها الفخم في مملكتهاالغنية ..
تدير قضايا الساعة وتنظر في شؤون الدولة
يحيطها وزراؤها ومستشاروها ..
وفجأة ..!!
يمرق من خلال النافذة طير جميل مقتحماً قاعة العرش ..
ليلقي في حضن الملكة ورقة مكتوبة ..
ثم يقف جانباً ينتظر ماسيكون ..!
*
*
استولى العجب والمفاجأة على بلقيس وهي ترى ماحدث ..
وقطعت المسائل التي كانت تناقشها مع أعوانها ،
فساد السكون القاعة ..!
وتطلعت الأعين إلى بلقيس وهي تسارع في فضّ الرسالة وقراءتها ،
وعم الحاشية الفضول وهم يرون ملامح الدهشة تتسع
على وجه الملكة .. وانتظروا ..!
::
في ظل هذا الظرف المفاجئ الطارئ ..
برزت صفات الرجاحة والحكمة في مواقف الملكة
وتجلت شخصيتها القيادية في مااتخذته من قرارات ..
فكان أول مافعلته بعد قراءة محتوى الرسالة ..
أن عرضتهاعلى أهل الاختصاص واصفة الكتاب بأنه كريم
تقديراً واحتراماً ..
طالبة المشورة من وزرائها ولم تنفرد بالرأي :
::
( قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي
مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ )
::
إن المسألة في غاية الأهمية فهي تمس عقيدتهم ،
إذن بد من التفكير واتخاذ القرار الحكيم .
...
فرد القوم الحكم إليها ثقة منهم بحسن تقديرها للأمور ..
ولكنهم مع هذا أنكروا أن يملي أحدا عليهم أمراً ..
وهذا لمسوه في رسالة سليمان التي تنطوي على شيء من التهديد المبطن
فماذا كان رد فعل رؤساء قومها؟
كان التحدي؛ ..!!
لأن الرسالة بلهجتها المتعالية المهذَّبة، أثارت غرور القوم وأحاسيسهم بالقوة :
::
﴿ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ
وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ
...
نحن على استعداد للحرب،
ولكن الرأي لك أن تشيري علينا بما هو أسلم .
...
بلقيس كانت عالمة وغير متسرعة بنَت علمها من تاريخ الملوك
وما يفعلونه في الأراضي التي يغزونها..
وسليمان، كان مجهولاً لديها لم تَسمَع به من قبل،
وبالتالي كانت تَجهَل كل شيء عن قوَّته وملكه،
ربما يكون قويًّا إلى الحد الذي يستطيع فيه غزو مملكتها ويهزمها:
( قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا
وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)..
::
ورجحت الحكمة في نفسها على التهور، فقررت أن تلجأ إلى اللين،
وأن تسبر غور من وافاها بالكتاب ،
وتعرف أي نوع من الملوك هو ..
واقترحت على قومها أن ترسل هدية ..
فتنظر موقف سليمان ، وتعرف بالتالي نواياه.
::
ووافق الجميع على طريقتها في التصرف ..
قالت :
﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ
...
من يدري لعل الهدية ستلاقي القبول ،
وتمهد للسلام في العلاقات بين المملكتين ..؟
وأمرت أن تعد أثمن وأندر الهدايا مما يليق بأعظم الملوك ..
حتى يعلم سليمان مقدار ثراء وغنى مملكة سبأ فيهابها.
*
*
وفد بلقيس ~
بعد عدة شهور وصلت رسل الملكة محملين
بأثمن وأندر الهدايا من الذهب ..
ولكنهم لما رأوا سليمان وقعت في نفوسهم الهيبة لوقاره
وشخصيته الطاغية ..
ثم ذهلوا وراعهم ماراوه من مظاهر الفخامة والغنى ..
ومن حشود القوة والسلطة والبأس ..
ثم فوجئوا أن في جيوشه المستعرضة أمامهم ..
أسودًا ونمورًا وطيورًا وجنودًا من الإنس والجن ..
وشعروا بالضآلة واستصغروا ما حملوه معهم من هدايا ..
كانت قيِّمة بالنسبة إليهم..
لكنها الآن تبدو باهتة وضئيلة وسط هذا الثراء.
::
نظر سليمان إلى هدية الملكة، وأشاح ببصره قائلاً:
...
(أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ
بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا
وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) .
::
اذهب أيها الهدهد فبلغ الملكة أن لامفر ..
من الانصياع واتباع الهدى :
إما الإسلام والعز .. أو البقاء على الكفر والمذلة ..
::
حينذاك قررت الملكة أن تذهب مع كبار قومها إلى سليمان
بعد عودة سفراء المملكة ..
لتصل إلى حل سلمي ودِّي يستقر عليه التفاوض فيما بينهما..
وعرف سليمان خبر ماانتوته .
عاد الرسل وحدثوها عن عجائب مارأوه ..
وبدأت بلقيس رحلتها مع صفوتها إلى ديار سليمان .
::
عرش بلقيس ~
كان العرش من أعجب العجائب في مملكة سبأ ..
فقد صنع بمهارة عجيبة من الذهب والجواهر الكريمة،
وكانت حجرة العرش وكرسي العرش آيتين في فن الصناعة والسبك،
فكانه كنز ظاهر للعيان .. ولذا كان لايُغفل عن حراسته لحظة،
*
*
اختبار سليمان لفطنة بلقيس ~
كانت الرحلة بين سبأ في اليمن إلى القدس في فلسطين
حيث يقيم سليمان، تستغرق ثلاثة اشهر،
وأراد سليمان أن يختبر ذكاء بلقيس ويظهر لها فضل الله عليه
وملكه الذي لا ينبغي لأحد مثله،
بأن يحضر لها كرسي عرشها إلى مملكته،كي تجلس عليه حين تصل
فقال لجنوده:
:
(قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا
قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)..؟
فأجاب عفريت من الجن:
(أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ).
...
أي في غضون ساعات سيكون العرش عندك ..
وانتظر سليمان عرضاً آخر أسرع في حساب الزمن ..
فانبرى آخر من الجن عنده علم من الكتاب قائلاً :
...
(أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ).
...
تعهَّد العفريت لسليمان أن يُحضِره قبل طرفة عين ،
ونحن هنا .. مع مجلس سليمان في فلسطين والعرش في اليمن،
والمسافة بين العرش ومجلس سليمان تَزيد على آلاف الأميال..
وما كاد العفريت ينهي جملته حتى كان العرش
مستقراً عند سليمان .. !!
سبحان الله ..! أي علم هذا !!
::
سجد سليمان شكراً لفضل الله عليه ..
لم يستخفَّه الفرح بقدرته، ولم يغتر بقوته ..
وإنما أرجع الفضل لله فهو صاحب القدرة والفضل :
...
(هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ
فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ )
*
*
وقد نتساءل : آين اختبار سليمان لذكاء بلقيس ..؟؟
والجواب يكمن حين جاءه العرش ..
تأمَّله سليمان طويلاً،
ثم أمر بإجراء بعض التغييرات عليه ..
ليمتَحِن فطنة بلقيس حين تأتي
...
(قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ )
:
ثم حضرت بلقيس ...!
:
( فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ)..
:
هذا السؤال الذي طرحه سليمان عليها وهو يعرض عليها عرشها ..
سؤال من الصعب الإجابة عليه .. !!
هكذا قالت بلقيس لنفسها ..!!
احتارت .. ولم تجب بسرعة بل أخذت تدور في ذهنها أمور ..
العرش عرشها به أمارات قد ألفتها وعرفتها ولا تستطيع أن تنكرها
رغم بعض التغييرات ..
ولكن كيف سينقل هذا العرش الضخم من اليمن إلى بلاد الشام
وقد تركته هناك في حماية الحراس ..؟ !
فإن أجابت نعم هذا هو عرشي .. كانت الإجابة كما ترى غير صحيحة..!
لأنها واثقة أن عرشها هناك ،وليس في القدس عند سليمان.
وإن قالت لا .. فإنها تكذب عيناها وقلبها بأنه هو ..
وقد نُكّر لإيهامها واختبار ذكائها ..
وهكذا قررت أن تختار بين الأمرين .. فقالت :
...
(كَأَنَّهُ هُوَ)...!
::
إجابة تنم عن فطنة وحكمة واسعتين .. لا تثبت ولا تنفي.
أعجب سليمان بحكمتها في الجواب ..!








إن بلقيس الملكة الراجحة العقل ..
نشأت في بيئة أفسدها الكفر ..
كان عقلها وقلبها يقبعان في الظلام ..
ينتظران النور الذي سيأتي ليقشع الرين ، ويشع فيها بنور الهداية
وهكذا هم أولو الألباب .. حين يأتيهم من يقودهم إلى طريق الهدى
سرعان مايبصرون ويهتدون ..!
...
(وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ).
::
وكان هذا الذي رأته أول منبه لها من غفلتها ..
تفجر في نفسها الشعور بهذه العقيدة..
التي تنطوي على عظمة المعبود التي لاحدود لها ..وقارنت بيئة سليمان النقية .. بالبيئة الضالة التي نشأت عليها
وأعمتها عن رؤية الحق.
*
*
قصر البلور ~
وكان سليمان عليه السلام قد آعد لبلقيس مفاجأة أخرى،
وهي قصرًا من البلور أقيمت أرضيته فوق الماء..
فظهر كأنه لجة..
أمر سليمان ببناءه ليستَقبلها فيه ..
ولتشهد بمدى نعم الله وفضله عليه
وقد تم بناء القصر من أنقى وأصلب الزجاج ..
الذي يخدع النظر فيخال للرائي أنه غير موجود ..
وحين دعيت بلقيس للدخول إلى القصر ..
فحسبت الأرضية ماء يجري دون مانع فوقه ،
فرفعت ثوبها قليلاً منعاً للبلل:
...
﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً
وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ..)
::
فكشف لها سليمان السر ..!
( قال إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ)..
::
عجباااا...!!
أمام تلك العجائب والمشاهد الإعجازية ..
وقفت الملكة مذهولة مصعوقة ..!!
انبهرت بما شاهدته من إيمان سليمان وحكمته وعلمه وتواضعه ..!!
انبهرت بما خصه الله تعالى به من نعم وقدرات ..!!
وذهلت مما رأته من تَقدم وحضارة في الصناعات والفنون والعلوم ..!!
فأقرت بجهلها وضلالها في عبادة الشمس من دون الله ..
وأنابت إلى ربها واعترفت بظلمها لنفسها ..
معلنة إسلامها مع سليمان ..
لا استسلاما وخوفاً من سليمان..
ولكن (لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)...
...
( قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
*
*
وإلى هذا الحد يقف السياق القرآني في قصة بلقيس ..
فلقد استوفت الأحداث مغزاها ، وبلغت غايتها ..
فيا لبلقيس من امرأة حفظت شعبها وبلادها ..
وجنبتهم ويلات الحرب والهزيمة.. !
بعقلها الرزين وسياستها العادلة التي اعتمدت الشورى ..
وأنقذتهم ونفسها من عذاب الآخرة ..!
باتباع طريق الحق ..
والاستنارة بنور الإيمان ..
وهنا يسدل الستار !.
‏‫
22
3K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

شوب كنز54
شوب كنز54
رفع
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
لا يمكنك مشاهدة هذا التعليق لانتهاكه شروط الاستخدام.
أهلاً بالغيث يحمل خيراً ..
مشاركاتك تسعدني
ورأيك أعتز به
عن ثقة بأنك ذات رأي وذوق رفيعان
فشكراً لك غاليتي
وبارك الله بك .
M!ss Smile
M!ss Smile
جميل
مشكورة
اكملي بقية النساء في القرآن
صفحة البياض
صفحة البياض
.

جزاك الله خير


مااجمل من قصص القران الكريم

وكتابتك للموضوع جميله ورائعه بارك الله في جهودك
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
رفع
رفع
شكرا غاليتي
رفع الله قدرك.