بمناسبة عيد الأضحى المبارك أهديكم هذه الحكاية (بين الحقيقة والخيال) ..

الأدب النبطي والفصيح

أسعد الله أوقاتكن بكل خير ..
أحب أن أنوه كعادتي في بداية كل قصة أرويها بأن القصة هي من نسج خيالي لترمز إلى واقع حقيقي يعيشه كثير من الناس فهي قصة رمزية قد تكون أحداثها خياليه لكن معناها واقع حقيقي والقصد منها هو إيضاح فكر أرغب بإصالة لكن بطريقة القصص لا السرد العادي
وهي هديتي لكن غالياتي بمناسبة عيد الأضحى المبارك وأرجو أن تحوز على إعجابكن
ونبدأ بعنوانها وهو ( بين الحقيقة والخيال)






" أي ظلام دامس هذا!! وما كل هذا الضيق !! بالكاد أستطيع أن أتحرك "هذا ما همست به لنفسي عندما أدركت وجودي في هذا المكان الغريب..
لا أعلم أين كنت من قبل!! ولا أعلم كيف وصلت إلى هنا!! إلا أن كل ما أفكر به الآن هو " أنّا السبيل إلى خروج!!"
أخذت أرفس برجلاي ويداي علي أتمكن من العثور على مخرج إلا أن الفشل كان حليفي..
مكثت على هذا الحال بضع شهور حتى حان وقت الأعجوبة التي أخرجتني..
لا زلت أجهل كنّة هذه الأعجوبة ومن هو صانعها!!
كل ما أعرفه هو أني وجدت نفسي فجأة في عالم آخر مختلف تماما عن المكان الذي كنت فيه .. عالم رأيت فيه النور لأول مرة..
في هذا العالم الجديد .. أناس غرباء لا أعرف عنهم شيئا.. يتكلمون لغة غريبة لا أفهمها .. أجهشت بالبكاء .. فالمفاجأة أكبر من أن احتملها .. احتضتني إمرأة غريبة بين ذراعيها .. وبالرغم من عدم معرفتي لها إلا أني شعرت براحة شديدة بقربها .. هدأت هذه الراحة من روعي وتوقفت عن البكاء..
أخذتني هذه المرأة معها إلى منزلها لم أكن أفهم من كلامها حرفا واحدا إلا أنني كنت أشعر معها بطمأنينة عجيبة .. كانت تطعمني وتسقيني وتعتني بي..
ولكن من هذه المرأة وأين أنا!! .. كل شيء من حولي يبدو غريبا للغاية مضت الأيام وكنت أزداد شغفا باكتشاف هذا المكان الغريب يوما بعد يوم .. وشيئا فشيئا تمكنت من تعلم لغة هذه المرأة وبدأت أفهم ما تقوله .. وأخذت أتعرف على الأشياء المحيطة بي..
احتجت إلى وقت ليس بالقصير حتى عرفت أين أنا .. أنا في مكان يدعى كوكب الأرض .. وهذه المرأة الغريبة ما هي إلا أمي..
عشت في هذا الكوكب أتخبط تارة و أرتقي تارة أخرى .. أضحك حينا وأبكي في حين آخر..
تعرفت على ما يدعى بشعور الألم في سن مبكرة .. وبالطبع,, لم يعجبني مطلقا .. شعور بغيض كنت أتمنى لو لم يكن موجودا أصلا..
أردت أن أتجنبه بكل ما أوتيت من قوة .. فهربت من واقعي إلى عالم آخر صنعته لنفسي .. عالم أشعر داخله براحة عجيبة .. عالم خال تماما من ذلك الشعور البغيض .. في هذا العالم أنا من يتحكم به _ بكل تفاصيله _ أعيش بداخله كما يحلو لي .. فيه تختفي جميع المشاعر السلبية من أصغرها حتى أكبرها إيلاما .. أشعر بداخله بشعور السعادة الصافية والهدوء والسكينة .. لقد كان عالما رائعا تماما ومثاليا.. لم تكن به أي مشكلة_ إلا واحدة فقط _ وهي أن هذا العالم هو عالم وهمي لا يمت للواقع بصلة مطلقا .. وكل المشاعر التي أشعر بها بداخله هي مشاعر حفزتها أحداث وهمية كانت من صنع خيالي ..
وفي كل مرة أخرج منها من عالمي الوردي كنت أصطدم بالواقع فأدخل بحالة من الضيق لا يعلمها إلا الله .. ضيق زاده قوة جلد الذات والشعور بالندم والضعف .. فقد كنت أشعر بالندم الشديد لكوني أضيع فرصتي بهذه الحياة على أحلام وأوهام لا طائل منها غير أنها تشعرني بالسعادة والهدوء و تحجبني عن كل ألم في هذه الحياة الواقعية..
ومع كل هذا الضيق إلا أنني لم أستطع أن أترك عالمي الخاص الذي بنيته منذ طفولتي .. فبداخله ارتبطت جميع مشاعري الجميلة .. وبات صعبا جدا علي أن أعيش في هذا العالم الحقيقي ..
لم أكن مجنونة مطلقا .. فأنا أعلم بأنه عالم وهمي ولكني أدمنت عليه .. كما يدمن الكثيرين على أنواع مختلفة من الأشياء حتى يهربوا من واقعهم .. يهربوا من مشاعرهم التي كانت تسبب لهم الألم ..
كنت أعلم بأني لست الوحيدة التي تهرب من واقعها .. ولكني كنت مقتنعة بأن هذا الهروب يضرني أكثر مما ينفعني .. وبأن حياتي تمضي دون أن أكون الإنسان الرائع الذي كرمه الله وسلمه الخلافة في هذه الأرض..
لقد كنت أهرب من هذه المسؤولية فلم أكن قادرة على تحمل تبعاتها من العمل الجاد ومواجهة المشاعر التي تضايقنا .. كنت أشعر بضعف شديد .. كيف لي أن أواجه الحياة بكل آلامها ..
كيف لي أن أواجه شعور القلق الذي كان يلتهمني من الداخل بوحشية لم أرى مثلها قط ..كيف لي أن أواجه مشاعر الغضب والحزن والغيرة .. مشاعري كانت أكثر ما يعذبني .. نعم هناك أناس يؤذوننا فيتسببون بوجود هذه المشاعر داخلنا .. غير أنها في نهاية المطاف مشاعرنا نحن ونحن من نتحكم بها .. ولكن الأمر ليس بهذه السهولة مطلقا.. كنت أعرف ما علي فعله ولكن الفعل صعب للغاية..
ولهذا ظل عالمي الوردي ملجئي للهروب من كل شيء .. كلما دخلت فيه صار صعب جدا علي الخروج منه وكأني أترك جزءا من روحي هناك..
بحثت كثيرا .. تأملت طويلا .. علي أجد حلا يعيدني إلى عالم الواقع من جديد ..
الألم لما هو موجود؟؟؟؟؟؟؟
تأملت هذه الحياة لأجد أن كثيرا من الإبداعات كان محفزها الشعور بالألم .. فلو لم يتألم الأنسان من مشقة السير والسفر على الدواب لما اخترع السيارات والطائرات .. ولو لم يعاني من الحاجة إلى الرؤية في الظلام لما اكتشف الكهرباء .. ولو لم تكن هناك أي مشاكل في علاقاتنا مع الناس ومع أنفسنا لما أبدع الكتاب والمختصين في فكرهم وبحوثهم .. ولو لم يكن هناك ألم الإساءة من الآخرين لما أبدع أناس برفعة خلقهم وتسامحهم حتى بدو وكأنهم ملائكة تمشي على الأرض ليكونوا للمتقين إماما .. هكذا أراد الله سبحانه للإنسان أن يكون مبدعا يحول المستحيل إلى واقع يشهد بعظمة الخالق الذي أوجده من عدم..
لكن الألم لن يكون محفزا للإبداع إذا غرقنا في بحره تتخطفنا الأفكار السلبية كأسماك قرش بأنيابها الحادة ..
لحظات ألمنا هي إشارات لنا بأن وقت الإبداع قد حان!!
استجمعت قواي التي أوهنتها الحياة بتحدياتها .. أمسكت بورقة وقلم .. كتبت كل ما يحضرني من النعم والأشياء الجميلة في حياتي والتي أنا ممتنة لله أن وهبني إياها .. لأدرك حينها كم أنا إنسانة محظوظة برغم آلامي .. وبأني لم أكن لأمتلك كل هذه المعرفة لولا الله ثم آلامي وابتلائي بذلك الإدمان الذي حفزني على البحث والتأمل لإيجاد حلول له .. أدركت حينها بأن لدي خالق يحبني ويريد مني أكون مبدعة قوية ..
ليس من السهل التخلي عن عالمي الوردي فقد بات جزء لا يتجزأ مني .. كيف لا وقد كان رفيقي منذ نعومة أظفاري وكأني ولدت معه.. إلا أني وبعد كل تلك السنوات من البحث عن طرق للتخلص منه .. وبعد أن ظللت أكرر لنفسي كل يوم بأن حياتي ستكون رائعة بدونه لو تمكنت من الانتصار عليه .. الآن أدركت بأني أسير في الاتجاه الخاطئ تماما .. فعالمي الوردي ليس هو عدوي الذي علي أن أنتصر عليه .. إنما عدوي الحقيقي هو أفكاري السلبية ..
لقد آن الأوان أن أسمح لنفسي بأن أعيش داخل عالمي الوردي كما أشاء دون شعور بالذنب أو جلد للذات .. آن الأوان بأن أستشعر قيمة ذاتي وقيمة إنجازاتي وإن صغرت .. آن الأوان لأدرك بأن أعظم ما يمكن أن أتقرب إلى الله به هو أن أشكر الله على كل ما أعطاني فور خروجي من عالمي إلى عالم الواقع ,, عوضا عن الانجراف بمشاعر الدونية والفشل والضعف ..
أدركت الآن بأني كلما جلدت ذاتي بعد خروجي من عالمي الوردي ازددت تعلقا به .. فهو ملجئي الذي أحتمي به لكي أنسى مشاعر الألم تماما .. فبت أدور في حلقة مفرغة لسنوات عديدة..
نعم فأنا كنت ولا أزال أضيع الكثير والكثير من الوقت داخل عالمي الوردي الذي أعيش فيه لساعات طوال يوميا .. ولكني في المقابل قمت بعمل أشياء جميلة أخرى عندما كنت أعود لعالم الواقع .. والآن كل ما علي فعله هو أن أسعد وأشكر الله على ما أنجزت وإن صغر وأنسى تماما الساعات الطويلة التي أضيعها فالندم لن يغير شيئا ..فالله خلقنا لنكون بشرا نخطئ فيتحقق معنى اسم الغفور والرحيم ..
لا أعرف إن كان سيأتي يوم يختفي فيه عالمي الوردي تماما من حياتي إذا أنا انتصرت على أفكاري السلبية فعلا وبت أكثر تحكما بمشاعري وأفكاري وعرفت الطريق لرؤية الجمال والنعم من حولي .. ولكني أعرف بأني لن أجلد ذاتي بعد اليوم بمشيئة الله .. بأني سأحيى في عالمي الوردي ثم أخرج منه وأنا سعيدة دون أن أشعر بالندم لأشكر الله واسبحه ثم أسعى سعيا حثيثا لمسامحة نفسي ومسامحة الآخرين فعندما أخطئ فهو فرصة لي لكي أتعلم وأستغفر وعندما يخطئ شخص آخر بحقي فهذه مشكلته هو وهو الذي يحتاج لإصلاحها أما أنا فهي فرصة لي حتى أسامح فأحظى بالأجر العظيم و القلب النقي المطمئن المفعم بالحب لذاتي ولكل الناس من حولي...
فهذا هو طريقي للجنة بإذن الله ... ليست جنة الآخرة فقط ولكنها جنة الدنيا أيضا .. جنة الدنيا التي لا يدخلها إلا صاحب النفس المطمئنة .. النفس المطمئنة التي تمكن صاحبها من الانتصار على جميع أمراض القلوب وليس معاصي الجوارح ..
الكثير والكثير من الناس يعتقد بأن أول خطوة عليه أن يسلكها لإصلاح نفسه هي إصلاح عبادات الجوارح .. ولكن هؤلاء الناس يسلكون الطريق الخاطئ .. فأول خطوة هي إصلاح القلب عندما يشعر القلب بالهدوء والسكينة والخضوع لله والذي لا يمكن أن يشعر به إلا إن كان خاليا تماما من المشاعر السلبية عندها سيكون إصلاح الجوارح سهلا للغاية ..
عندما يسعى الإنسان لإحلال التسامح مكان الغضب وحب الانتقام..
والحب مكان الكراهية
والإيثار مكان حب المنفعة العاجلة وأقول المنفعة العاجلة وليس حب الذات وذلك لأن الإنسان الذي يؤثر أخاه هو في الحقيقة يحب ذاته حيث آثر أخاه بالمنفعة العاجلة في الدنيا مقابل أن يحصل هو على الأجر من الله في الآخرة وهو بالتالي يحب ذاته حبا حقيقيا بل أكثر من حبه لأخيه فأراد لها ما هو أعظم وأفضل .. وهذا صحيح مع كل صفة فالإنسان الذي يسامح هو في الحقيقة يسامح من أجل ذاته لأنه يريدها أن تحصل على ما هو أعظم في الآخرة من الانتقام والغضب في الدنيا فترك الطرف الآخر يحظى بالدنيا القصيرة مقابل أن يحصل هو على الجنة الخالدة..
وبعد هذا كله تأتي النهاية..
التي لم تستغرق مدة زمنية طويلة لمجيئها.. لأعود مرة أخرى فأجد نفسي فجأة في مكان مظلم آخر وكأني عدت من حيث بدأت.. ولكن هذا المكان المظلم كان مختلفا هذه المرة ..
إنه القبر .. فيه بدت لي حياتي وكأنها حلم قصير للغاية .. عجبت لنفسي كيف عذبتها بالتفكير في مشاكل بدت لي في حينها وكأنها لن تنتهي أبدا ولكنها الآن اختفت تماما بل كأنها لم تكن شيئا!!
واكتشفت بأن الله ابتلانا بالألم لفترة وجيزة جدا إذا ما قورنت بالحياة الأبدية في الجنة فقط لنكون أعظم خلفاء لهذه الأرض .. خلفاء لا تكسرهم الآلام بل يأخذوها ليحولوها إلى أجمل الأعمال ..
11
699

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

المحامية نون
المحامية نون
إطلالةجميلة كعادتك يانور...
أجدت في تصوير واقع الحياة
والهروب الى الخيال
للتخفيف من ضغوط الحياة
ومايمر به الانسان من مصاعب والآلام ..
.هو إبتلاء يختبر بها الله قوة الإيمان فمن رحمته سبحانه أن يبتلي الإنسان حتى يعود إليه .
ويكشف حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور....
بارك الله قلمك يانور ودمت بخير
نور يتلألأ
نور يتلألأ
شكرا لك من القلب يا نونأسعدني مرورك الجميل من هنا والذي أشتاق له دوما
تقبلي احترامي وتقديري
ذوق واحساس 1
ذوق واحساس 1
عزيزتي نور ..
شكراً لك من القلب على هذه الهدية الرائعة..
هديتك .. عبارة عن نتاج فكر رفيع ومتفتح..
وحديث قلم مصاغ بأسلوب جميل ..
تعمقتي في حياة الإنسان والخيال منتهية بالآخرة ...
أسكبتي مشاعرك وتصورك عن حياة الإنسان ..
وكأنك عندما تكتبين القصة..
تترجمي جزءاً من شخصيتك ربما..
وكثيراً من عقلانيتك ..
في النهاية .. ظهرت لنا قصة رائعة
بوركت كثيراً على هذا المجهود ..
وكل عام وأنت بخير .
نور يتلألأ
نور يتلألأ
وأنت بصحة وسلامه يا ذوق
أضأت المكان بمرورك فشكرا من القلب
أسعدك الله أينما كنت
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
نور الغالية :
الحمد لله أولاً وآخراً ..
لم أستطع أن أشارك بهديتك الجميلة لظروف صحية فعذراً
قرأتها بتمعن .. وأود أن أدون إعجابي بكل مااحتوته ..
الفكرة .. الطرح .. اللجوء إلى الخيال هروباً من الواقع ..
والكثير منا له مثل هذه اللحظات فلا عيب في ذلك
فالخيال تعويض عن بعض مرارة الواقع ..
للحصول على التوازن النفسي
لكن من رأيي أن الإنسان يجب أن يتدرب على التحكم بخياله
فلا يدعه يسلب منه الواقع ..
بل يكيفه ليكون له رفيقاً خفيف الظل.
ذكرتني قصتك برواية لي كنت كتبتها منذ شهور ،
واقتطفت منها خاطرة ( عطر الليمون ) التي طرحتها هنا
وقد أشارت صمتنا مشرفتنا الغالية في مشاركتها
إلى أنه من اللطيف ضمنها في رواية ..
وفي الحقيقة الرواية موجودة وبسيطة ولكن تطلبت المراجعة ،
وشعرت أنا بالملل لطولها فتركتها ..
ربما سأجد الرغبة وأطرحها..
وستجدي أن الخيال والحقيقة كما طرحتها عندك..
جزءان من وجودنا لاغنى عنهما .
أعجبتني دعوتك إلى الإيثار والتسامح وإصلاح النفس ..
والنظر إلى الجزاء البعيد والتطلع إلى النعيم الأخروي
الذي يغني عن الحاجة إلى الخيال..
حيث هناك الكمال المطلق ...
أحسنت نور ..بصدق التعبير وجمال النص ورهافة الكلمة .
بوركت.. يامتلألئة !