
فيزيائية @fyzyayy
عضوة جديدة
بنته الصغيرة
يُحكى أن رجلا شرطياًّ في عهد الإمام الحسن البصري رضي الله عنه ،، في ريعان شبابه كان يتفانى ويتشطَّر .
وكان قوياًّ معصوباً
في مثل جبلة الجبل من غلظ وشدة .
وكان قاسي القلب ومدمناً للخمر ،، فالخمر روحانية من عجز أن تكون فيه روحانية ، يزورها الشيطان لعنه الله فيخلق بها للنفس ماتحب مما تكره ، ويثيبها ثواب ساعة ليست في الزمن بل في خيال شاربها .
وكأن جهل العقل نفسه في بعض ساعات الحياة ، هو _ في علم الشيطان وتعليمه _ معرفة العقل نفسه في الحياة !
في أحد الأيام كان الشرطي يتجول في السوق ، والناس يفورون في بيعهم وشرائهم ، والشرطي يراقب الناس ويتهيأ للقبض على السارق ويعدُّ للجاني ويتهيأ للنزاع .
وإذا به يرى إثنان يتخاصمان فاقترب منهما فسمع المظلوم يقول للظالم : لقد سلبتني فرح بُنَيَّاتي ، فسيدعون الله عليك فلا تصيب من بعدها خيرا ، فإني ماخرجت إلا تباعاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( من خرج إلى سوق من أسواق المسلمين ، فاشترى شيئاً فحمله إلى بيته ، فخص به الإناث دون الذكور ، نظر الله إليه )) .
كان الشرطي عازبا لا زوجة له ولكن الإنسانية انتبهت وطمعت في دعوة صالحة من البنيات المسكينات ، ودخلت في نفسه فجأة رقة شديدة .
فأخذ الشرطي للرجل من غريمه حتى رضِي الرجل بل وأرغم الظالم ( البائع ) أن يكون سخيا مع الرجل ( المشتري ) لأن الشرطي أراد من أن يزيد فرح البنات .
قال الشرطي للرجل ( المشتري ) قبل أن ينصرف : عهد يحاسبك الله عليه ، ويستوفيه لي منك ، أن تجعل بناتك يدعون لي إذا رأيت فرحهن بما تحمل إليهن ، وقل لهن : مالك بن دينار .
بات مالك ابن دينار تلك الليلة وهو يفكر في قول الرسول صلى الله عليه وسلم ومعانيه الكثيرة ، وحثه على إكرام البنات ، وأن من أكرم بناته كرُم على الله ، وحرصه على أن ينشأن كريمات فرحات .
وفكَّر مالك ابن دينار حينها بالزواج ، وعلم أن الناس لن بزوجوه من بناتهم لأنه كان معروفا عندهم بالغلظةوالشدة ومدمنين الخمر .
فلما أصبح ذهب إلى السوق واشترى جارية وولدت له بنتاً .
وسبحان الله مالك ابن دينار ذلك القلب القاسي يُشغف قلبه بحب ابنته وظهرت فيه الإنسانية الكبيرة التي ليست فيه .
لقد أحب مالك ابن دينار بنيته الصغبرة حبا شديدا ، وكان يحملها ويدللها كثيرا لقد امتلكت الطفلة الصغيره قلبه تماما .
لدرجة أنه نسي الخمر وكلما حاول في شربها ويمسك كانت الطفلة الصغيرة تأتي بدلالها ورقتها وتسحب الكأس وتسكب الخمر على الأرض ، ومالك يراقبها دون غضب ويبتسم لأن ذلك كان يسرُّ طفلته الحبيبة .
ودام هذا الحال على مالك في ترك الخمر وكان لا يشرب الخمر إلا نادرا جدا ، فقد كانت سعادته بابنته أكبر من سعادته من شرب الخمر .
حتى حدث ما حدث !!!!!
7
7
7
7
7
7
لقد ماتت طفلته الحبيبة وعمرها سنتان :44:
فأصابه الحزن الشديد .
وضعف بصره وخارت قواه .
ولم يكن لدى مالك ذلك القوة من الروح والإيمان ما يتأسى به .
فضاعف الجهل أحزانه .
وجعلت مصيبته مصائب .
وذهب بجهله إلى شر ماكان عليه .
وكانت أحزانه أفراح للشيطان .
لقد عاد مالك للإدمان على الخمر أكثر من السابق فأصبح للأسوأ عما كان عليه .
وفي يوم من الأيام وفي ليلة الجمعة سوَّل الشيطان في نفس مالك أن يسكر سكرة في هذه الليلة مامثلها سكرة .
فبات مالك كالميت من كثرة شربه للخمر في تلك الليلة .
وكان ثملا جدا .
وقذفت به أحلامه إلى أحلام .
ثم .
7
7
7
7
رأى القيامة !!
رأى الحشر !!
وقد ولدت القبور من فيها .
وسيق الناس وهو معهم .
وليس وراءه من الكرب غاية .
وسمع مالك خلفه زفيرا .
فالتفت .
7
7
7
7
فإذا بتنين عظيم مايكون أعظم منه طويل كالنخلة السحوق .
أسود أزرق .
يرسل الموت من عينيه الحمراوين كالدم .
وفي فمه مثل الرماح من أنيابه .
ولجوفه حر شديد لو زفر به على الأرض مانبتت في الأرض خضراء .
وقد فتح التنين فاه ولفخ جوفه وجاء مسرعا يريد أن يلتقم مالك ابن دينار .
فركض مالك هاربا من التنين فزعاً .
فرأى شيخ هرم يكاد يموت ضعفا .
فقال له مالك يستجيره : أجرني وأغثني .
فقال الشيخ العجوز : أنا ضعيف كما ترى ، وما أقدر على هذا التنين القوي ، ولكن تابع واركض هربا فلعل الله أن يسبب لك أسباب النجاة .فولَّى مالك هارباً وأشرف على النار وهو الهول الأكبر .
فرجع واشتد هربا ، هربا ، هربا من التنين والتنين يلاحقه .
ولقى مالك ذلك الشيخ العجوز مرة أخرى وبكى مالك وتوسل إليه أن يساعده فالتنين يلاحقه بالذات .
فبكى العجوز شفقة من الشفقة على مالك وقال له : أنا ضعيف كما ترى ، وما أقدر على هذا التنين الذي يلاحقك ، ولكن أهرب إلى هذا الجبل ، فلعل الله يحدث لك أمرا .فنظر مالك إلى الجبل كالدار العظيمة .له كوى عليه ستور .
والجبل يبرق كشعاع الجوهر .
فأسرع مالك إلى الجبل والتنين ورائه .
فلما شارف مالك على الجبل فُتحت الكوى .
ورفعت الستور .
وأشرف مالك على وجوه أطفال كالأقمار .
وقرُب التنين من مالك .
وصار مالك في هواء جوفه والتنين يتضرم عليه .
ولم يبق إلا أن يأخذه التنين .
فتصايح الأطفال : يا فاطمة يافاطمة ( ابنة مالك ) .
فإذا بإبنة مالك التي ماتت قد أشرفت عليه .
فلما رأت مالك بما هو فيه صاحت وبكت ، ثم وثبت كرمية السهم ، فجاءت بين يديه ، ومدّت لمالك يدها الشمال فتعلّق مالك بها .
ومدّت يمينها إلى التنين فولّى هاربا .
أخذت فاطمة والدها مالك وأجلسته وهو كالمين من الخوف والفزع .
وقعدت في حجره كما كانت تفعل في الدنيا
وضربت بيدها إلى لحية والدها وقالت :
(يا أبت .... ( ألم يأن للذين آمنو أن تخشع قلوبهم لذكر الله ومانزل من الحق ) ....)
فبكى مالك .
وسأل فاطمة : أخبريني عن هذا التنين الذي أراد هلاكي .
قالت فاطمة :
ذاك عملك السوء الخبيث ، أنت قويته حتى بلغ هذا الهول الهائل ، والأعمال ترجع أجساما كما رأيت .
سأل مالك : وذلك الشيخ الضعيف الذي استجرت به ولم يجرني ؟
قالت فاطمة :
يا أبت ذلك عملك الصالح ، وأنت أضعفته فضعف حتى لم يكن له طاقة أن يغيثك من عملك السيء ، ولو لم تكن اتبعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن فرّح بناته المسكينات الضعيفات لما كانت هناك شمال تتعلق بها ، ويمين تطرد التنين عنك .
إستيقظ مالك ابن دينار من نومه فزعا .
يتذكر مارآه في منامه .
وقال في نفسه : إن يوماً باقيا من العمر هو للمؤمن عمر ما ينبغي أن يُستهان به ، وصحح نيته للتوبة ليرجع الشباب إلى الشيخ الضعيف ، ويسمن عظامه ، حتى إذا استجار به أجاره ولم يقل إني ضعيف كما ترى ! .
وذهب مالك ابن دينار إلى الحسن البصري وحكى له قصته ومارآه في منامه .
فاستدمعت عينا الحسن البصري وقال :
إن البنت الطاهرة هي جهاد أبيها وأمها في هذه الدنيا ، كالجهاد في سبيل الله ، وإنها لفوز لهما في معركة من الحياة ، يكونان هما والصبر والإيمان في ناحية منها قبيلا ، ويكون الشيطان والهم والحزن في الجهة المناوحة قبيلا آخر .
إن البنت هي أم ودار ، وأبواها فيما يكابدان من إحسان تربيتها وتأديبها وحياطتها والصبر عليها واليقظة لها كأنما يحملان الأحجار على ظهريهما حجرا حجرا ، ليبتنيا تلك الدار في يوم يوم إلى عشرين سنة أو أكثر ، ما صحبته وما بقيت في بيته .
فليس ينبغي للأب أن ينظر إلى بنته إلا على أنها ابنته ، ثم أم أولادها ، ثم أم أحفاده ، فهي بذلك أكبر من نفسها ، وحقها عليه أكبر من الحق ، فيه حرمتها وحرمة الإنسانية معا ، والأب في ذلك يقرض الله إحسانا وحنانا ورحمة ، فحق على الله أن يوفيه مثلها ، وأن يضعف له .
والبنت ترى نفسها في بيت أهلها ضعيفة كالمتقطعة و العالة ، وليس لها إلا الله ورحمة أبويها ، فإن رحماها ، وأكرماها فوق الرحمة ، وسرّاها فوق الكرامة ، وقاما بحق تأديبها وتعليمها وتفقيهها في الدين وحفظا نفسها طاهرة كريمة مسرورة مؤدبة
فقد وضعا بين يدي الله عملاً كاملاً من أعمالها الصالحة وكما وضعاه بين يدي الإنسانية .
فإذا صارا إلى الله كان حقا لهما أن يجدا في الآخرة يمينا وشمالا يذهبان بينهما إلى عفو الله وكرمه ، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كان له إبنة فأدّبها فأحسن تأديبها ، وغذاها فأحسن غذاءها ، وأسبغ عليها من النعمة التي أسبغ الله عليه كانت له ميمنة وميسرة من النار إلى الجنة ) .
فهذه ثلاثة لابد منها معاً ، ولا تجزيء واحدة عن الأخرى في ثواب البنت :
1- تربية عقلها تربية إحسان .
2- وتربية جسمها تربية إحسان وإلطاف .
3- وتربية روحها تربية إكرام وإلطاف وإحسان .
هذه قصة أبو يحي مالك ابن دينار
وهو زاهد البصرة وعالمها ، ومن كتاب المصحف ، وكان يكتب المصاحف للناس ، ويعيش مما يأخذ من أجرة كتابته ، تعففا أن يطعم إلا ماكسب يده .
قرأت هذه القصة وأعجبتني كثيرا فكتبتها لكم مع رجاء الدعاء أختكم في الله : فيزيائية
17
1K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
اللهم اعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك