
لاأحد ينكر الدور المشرق للأم في حياة أبنائها, في تنشئتهم, تعليمهم, شحنهم بالمبادئ, ولكن ثمة جانب آخر تختلط فيه الصور بمجرد أن تنتقل إلى موقع الحماة!! ويختلف الوصف حين توجه إليها الاتهامات بأنها هي سبب كل أنواع الشقاق وعذابات الكنّة!!
منذ سنين طويلة كان مجتمعنا العربي يعتمد على نظام الأسرة الكبيرة الممتدة.. أي أن الجد والجدة وأبناءهما وأحفادهما يعيشون في بيت واحد عيشة جماعية... وكان ينشأ عن ذلك مشاكل كثيرة , تكيل فيها الكنة الاتهام إلى حماتها, والحماة إلى الكنة, مما أدى إلى خوف الفتيات المقبلات على الزواج من العيش مع الحماة.
ومع تطور النظام الاسري تغير وجه المجتمع واتجه إلى الأسر الصغيرة ومع ذلك مازالت هذه الصورة عن الحماة عالقة في أذهان الكثيرين, خاصة بعد أن ساهمت وسائل الإعلام في تعميق هذه الفكرة .
تضع بعض الفتيات قبل دخول بيت الزوجية في ذهنها الطرق التي يجب أن تسلكها مع حماتها حتى تتجنّب مكائدها التي تفترضها سلفا ... فتترصد لكل كلمة تتفوه بها وتتصيد لها الأخطاء حتى البسيطة منها أو الغير مقصودة, فتسارع تشكو لزوجها وهي تتباكى حتى تستميل قلبه وتصور له أمه بأنها متسلطة وظالمة حتى يتسلل الجفاء إلى قلبه ويبدأ السير في طريق العقوق!!
كأي أم تخشى على ابنها أو ابنتها تحاول الحماة وبدون قصد غالباً أن تقدم الدّعم للطرف الذي يخصها في العلاقة الزوجية, فهي مع ابنها ضد زوجته, أو مع ابنتها ضد زوجها, على مبدأ "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"... في عالمنا لا نجد إلا القليل جداً من الحموات اللواتي يحرصن على استقرار الحياة الزوجية بين أبنائهن وبناتهن بشكل سليم, وبأقل قدر من التدخل أو التدخل الإيجابي.
أفضت لي صديقة بما تعانيه من حماتها.. قالت أن معظم خلافاتها مع زوجها بسبب حماتها رغم أنها تقيم في مدينة أخرى, ولكن حماتها تأتي إلى منزلها كل فترة للاطمئنان عليهم, وتقضي معهم أياماً وأسابيع في بعض الأحيان.. وفي كل مرة تزورهم تبدأ بالتدخل في أمور شتى فتبدي ملاحظات على أسلوب حياتهم وعلى المنزل ونظافته وتعيب على الزوجة ذوقها في ترتيب الأثاث حتى أنها تتدخل في أمور خاصة حتى نوع الطعام وطريقة الطبخ الذي تعدّه!!
وقد شكت تلك الصديقة لزوجها تصرفات أمه وعبرت له عن ضيقها وطلبت منه إقناعها بعدم التدخل في شئون حياتهما, ولكن الزوج كان يطلب منها الصبر لأنه لايستطيع إغضاب والدته... طبعاً الزوجة حاولت تحمل الوضع ولكنها في بعض الأحيان كانت تنفجر غضباً وتطلب منها التوقف عن هذه التصرفات .. وفي أحيان أخرى كانت الزوجة تعاندها حتى تثبت أنها هي سيدة المنزل..مما نجم عنه تشكّي الأم لابنها من تصرفات زوجته وهذا أدى إلى تصاعد حدة الخلافات بينهما ... طبعاً هذه الخلافات كانت تتلاشى بشكل كبير عند عودة الحماة إلى منزلها, لتتحول أيام زياراتها إلى أيام قلق وإرهاق نفسي وعصبي.
ليس من المعيب أن يحب الرجل أمه ويتعلق بها, ولكن الرجل الذي يتعلق بأمه بشكل مرضيّ (عقدة أوديب) ويلغي فيه دوره كرجل يحترم زوجته وبيته لن تعيش معه الزوجة براحة وأمان.. إذ أنه لاينام قبل أن يزور أمه (وهذا ليس عيباً) ولكن مع انتهاء زيارته يكون قد أفرغ مالديه من أسرار زوجية وتذمر من بعض تصرفات زوجته, وأسرار عمل في جعبة والدته !! حتى أنه قد يرى أنه من الواجب إخفاء بعض خصوصياته عن زوجته في الوقت الذي لا يرى فيه بداً من اطلاع والدته عليها, مما يدفع الزوجة للشعور بأنها انسانة غير جديرة بالثقة مما يعمق الغيرة من حماتها, وهذا يسبب نفوراً في العلاقة حتى لو كانت الأم لاتتدخل في حياتهما الخاصة.
وعلى جانب آخر هناك حموات أعطين صورة مختلفة عن الصورة التقليدية المعروفة, فلي قريبة متزوجة منذ حوالي الخمس سنوات من زميل لها في العمل, ونظراً لضيق الأحوال المادية اضطرت للسكن مع أمه في نفس المنزل.. ولكن يبدو أن الظروف لعبت دوراً مهماً إذ أن أم الزوج موظفة أيضاً مما جعل منها شخصية منفتحة تقدر ظروف عمل زوجة ابنها, لذلك فهي تساعدها في عدة أمور كالأعمال المنزلية وفي بعض الأحيان كانت تعد طعام الغداء في حال عادت من عملها مبكرة... وأيضاً عندما رزقت الزوجة بالولد الأول لم تبخل عليها بالنصائح وقدمت لها عدة مساعدات في تربية الطفل ورعايته فكانت لها أماً ثانية.. مما أدى إلى إشاعة جو من التفاهم والمودة في أرجاء المنزل.
قالت لي ذات مرة أنها لم تشعر يوماً أن حماتها تمارس الدور الذي رأته في المسلسلات التلفزيونية , أو سمعت عنه من خلال علاقاتها الاجتماعية المختلفة . فهي تعاملها كما تعاملها أمها الحقيقية حتى أن حماتها قالت لها ذات مرة أن الله عوضها بها عن عدم إنجاب البنات!! ورغم أن زوجها هو ولدها الوحيد إلا أنها كانت تشعر بالسعادة لأن ابنها سعيد مع زوجته ولم تشعر أبداً بالغيرة من علاقتهما.
ولكن الأمر المستهجن الغير مقبول مهما كانت الظروف هو ظلم زوجة الابن لحماتها!! فكما ذكرت في البداية أن الفتاة تذهب إلى بيت زوجها وفي ذهنها صورة مسبقة عن الحموات الظالمات المستبدات فتقضي وقتها تتصيد لها الأخطاء وفي بعض الأحيان تتجنى عليها!!
من القصص المؤلمة التي قابلتها في حياتي كانت قصة أم لم تقترف في حق زوجة ابنها ذنباً سوى أنها عاملتها كأنها الابنة التي أنجبتها من لحمها ودمها, باعت بيتها الذي عاشت فيه أحلى الذكريات لتساعد ابنها الوحيد في بدء مشروع خاص به بعد أن طلب منها السكن في بيته بدل البقاء وحيدة.. ولكن زوجة ابنها كانت تتأفف من وجودها علناً بحجة أنها لاتحصل على حريتها في بيتها.. وتستمتع بالسخرية منها أمام أقاربها وصديقاتها وتصفها بأبشع الصفات أمامهم وعلى مسمع منها, حتى أنها سمعتها يوماً تقسم بسخرية "وحياة حماتي" ثم تتعالى الضحكات منها ومن صديقاتها..
كانت ترفض وضع ثيابها القليلة في الغسالة بحجة أنها تخاف على ولدها من الحساسية وتطلب منها غسل ثيابها بيديها!! .. حتى أنها سمعتها يومها تدعو الله أن يأخذها لكي ترثها... لم تكتف الزوجة بذلك بل كانت تنصب لحماتها المكائد وتتهمها تهماً باطلة وتبدأ بالبكاء عند عودة زوجها من عمله تشكو أفعال أمه الظالمة .. إلى أن أصبح ولدها يكرهها ويوجه لها ألفاظاً مؤلمة ويدعو الله أن يخلصه منها..
كأي جدة ترغب بحمل حفيدها ومداعبته كانت تفعل ذلك خلسة لأن أمه كانت تنهره وتطلب منه الابتعاد عنها بلا رحمة
لاتدري أين تذهب!! فلا بيت تملكه ولامورد لها سوى تقاعد زوجها الذي بالكاد يكفيها!! هي لاتريد شيئاً من الحياة سوى رؤية ولدها سعيداً وقضاء ماتبقى لها من عمر بسلام وهدوء.. لذلك طلبت من بعض المقربين السعي لمساعدتها في دخول دار للعجزة!!
في يومنا هذا غابت الصورة التقليدية المعروفة عن الحموات, فمعظم الناس يمتلكون الثقافة والوعي وهناك نسبة كبيرة من السيدات العاملات من الحموات والأمهات.. وظروف العمل تمنعهن من التماس المباشر مع زوجات أبنائهن
ولكن لكل قاعدة شواذ والنسبة الأكبر من الحموات التقليديات يتواجدن في بيئات غير مثقفة أو نساء غير عاملات.
مشاركة الزوجين لأم أحدهم في المسكن تحت ضغط الظروف الاقتصادية ينجم عنه خلافات كثيرة بسبب رغبة الزوجة الفطرية في الاستقلال ببيتها وتكون هي الملكة المتوجة عليه لايشاركها فيه أحد.
ولكن لابد أن يسعى كل طرف (الزوجة والحماة) إلى تفهم مشاعر وظروف الطرف الآخر لأن الأم تشعر أن الزوجة قد استولت على ابنها وأخذته منها وأن الابن تحول بحبه واهتمامه إلى زوجته, وبالتالي تشعر الأم أن الزوجة تنافسها على قلب ابنها.
على الزوج التحلي بالحكمة والصبر والتصرف بهدوء وموازنة الأمور ووضع خطوط حمراء على الأم والزوجة الالتزام بها وعدم تجاوزها, حتى لاتتطور الأمور إلى مشاكل خطيرة قد تؤدي إلى الطلاق لاسمح الله..
أيضاً على الزوجة تفهم الظروف النفسية للأم حتى تستطيع التعامل معها بشكل بعيد عن العدوانية وتعمل على كسب ودها بالكلمة الطيبة أو هدية بسيطة أو الاتصال بها من وقت لآخر للاطمئنان عليها وإشعارها بالاهتمام .. ومن المؤكد أن أم الزوج ستسعد عندما تجد ابنها سعيداً وستعمل هي الأخرى على إسعاده أكثر, لأن العلاقة الزوجية غير المستقرة يمكن أن تساهم في بروز دور الحماة التقليدي
مما راق لي
