{ بين الانسان والحيوان !! }

الملتقى العام

قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}.
قال سفيان بن عيينة: ما في الأرض آدميٌّ إلا وفيه شَبَهٌ من البهائم؛ فمنهم مَن يهتصر اهتصار الأسد، ومنهم من يَعْدُو عَدْو الذئب، ومنهم مَنْ ينبح نُباح الكلب، ومنهم مَن يتطوَّس كفعل الطاووس، ومنهم مَن يُشبه الخنازير التي لو أُلقي إليها الطعام الطيب عافته، فإذا قام الرجل عن رجيعه ولغت فيه، فلذلك تجد من الآدميين مَن لو سمع خمسين حكمة لم يحفظ واحدة منها، وإن أخطأ رجل تروَّاه وحفظه.
قال الخطابي: ما أحسن ما تأول سفيان هذه الآية واستنبط منها هذه الحكمة! وذلك أن الكلام إذا لم يكن حكمُه مُطاوعًا لظاهره وجب المصير إلى باطنه، وقد أخبر الله عن وجود المُماثلة بين الإنسان وبين كل طائر ودابة، وذلك مُمتنِعٌ من جهة الخلقة والصورة، وعَدَمٌ من جهة النطق والمعرفة؛ فوجب أن يكون مُنصرفًا إلى المُماثلة في الطباع والأخلاق. (انتهى كلامه).
والله سبحانه قد جعل بعض الدوابِّ كسوبًا مُحتالاً، وبعضها متوكِّلاً غير مُحتال، وبعض الحشرات يدَّخر لنفسه قوت سنته، وبعضها يتَّكل على الثقة بأن له في كل يوم قَدْر كفايته رزقًا مضمونًا وأمرًا مقطوعًا، وبعضها يدَّخر، وبعضها لا تكسُّبَ له، وبعضها يؤثر على نفسه، وبعضها إذا ظفر بما يكفي أمَّة من جنسه لم يدعْ أحدًا يدنو منه.
وهذا كله من أدلِّ الدلائل على الخالق لها سبحانه وعلى إتقان صُنْعه، وعجيب تدبيره ولطيف حكمته، فإن فيما أودعها من غرائب المعارف وغوامض الحِيَل وحسْن التدبير والتأني لما تريده، ما يستنطق الأفواه بالتسبيح، ويملأ القلوب من معرفته.


يتبع ....
7
386

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الأندلسي المدني
طهارة النحل وقذارة قوم لوط


يقول ابن القيم: "في النحل كرامٌ عمال، لها سعيٌ وهِمَّة واجتهاد، وفيها لئامٌ كسالى، قليلةُ النفع، مُؤْثِرةٌ للبطالة، فالكرام دائمًا تطردها، وتنقيها عن الخليَّة، ولا تُساكنها؛ خشية أن تُعدي كرامها وتُفسدها".


"وكل نحلة تريد دخول الخلية بعد عودتها يشمُّها البوَّاب ويتفقَّدها، فإن وجد منها رائحة مُنكرة، أو رأي بها لطخة من قذرٍ، منعها من الدخول، وعزلها ناحيةً إلى أن يدخل الجميع، فيرجع إلى المعزولات الممنوعات من الدخول، فيتفقدهن ويكشف أحوالهن مرةً ثانية، فمن وجده قد وقع على شيء مُنتن أو نجس قدَّهُ نصفين، ومن كانت جنايته خفيفةً تركه خارج الخليَّة. هذا دأبُ البوَّاب كلَّ عشيَّة".
وقوم لوط كانوا أحقَر هِمَّةً من هذه الحشرة. قال تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}.
الأندلسي المدني
لنمل وبعدُ هِِمَّتِهِ:


والنملة تخرج من بيتها تطلب قوتها وإن بعُدت عليها الطريق، فإذا ظفرت به حملته وساقته في طُرُقٍ مُعوجَّة بعيدة، ذات صعود وهبوط، في غاية من التوعُّر، حتى تصل إلى بيوتها، فتخزن فيها أقواتها في وقت الإمكان.وهي على ضعْفها شديدة القوى، فإنها تحمل أضعاف أضعاف وزنها وتجرُّه إلى بيتها. ولها صِدْقُ الشمِّ، وبُعْدُ الهِمَّةِ، وشِدَّة الحرص. وكلُّ نملة تجتهد في صلاح العامَّة منها غير مُخْتلِسة من الحَبِّ شيئًا لنفسها دون صواحباتها.
الأندلسي المدني
المُبدِّلون أخسُّ هِمَّةً من القرود


"ومن عجيب أمر القرد، ما ذكره البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون الأودي قال: "رأيتُ في الجاهلية قرْدًا وقردةً زنيا، فاجتمع عليهما القرود، فرجموهما حتى ماتا". فهؤلاء القرود أقاموا حدَّ الله حين عطَّله بنو آدم"..
الأندلسي المدني
أبلدُ من حمار:


قال ابن القيم: "ومن هداية الحمار - الذي هو من أبلد الحيوان ? أن الرجل يسير به ويأتي به إلى منزله من البُعد في ليلة مُظلمة، فيعرف المنزل، فإذا خُلِّي جاء إليه، ويُفرق بين الصوت الذي يُستوقف به والصوت الذي يُحَثُّ به على السير". فمن لم يعرف الطريق إلى منزله ? وهو الجنة ? فهو أبلدُ من حمار!!
فحيى على جنات عدن فإنها *** منازلك الأولى وفيهاالمخيم
ولكننا سبي العدوفهل ترى *** نعود إلى أوطاننا ونسلم
الأندلسي المدني
أخسُّ من الذئاب:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: عدا الذئب على شاة فأخذها، فطلبه الراعي فانتزعها منه. فأقعى الذئب على ذنبه. قال: ألا تتقي الله! تنزع مني رزقا ساقه الله إليَّ. فقال: يا عجبي ذئب مقعٍ على ذَنَبِه يكلمني كلام الإنس! فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟! محمد صلى الله عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي: الصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للراعي: "أخبرهم" فأخبرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق والذي نفسي بيده".


ففي هذا الحديث ما يُفيد بأن هذا الذئب كان بالمدينة، وعلم بما يقوله عليه الصلاة والسلام، وأدرك مما يقوله عليه الصلاة والسلام، وحدّده بأنه كلام عن الأمم السابقة. فكيف بمن يعلمون كل شيء عن تاريخ المشركين والفراعنة، ولا يعلمون زِنة خردلة ومثقال ذرَّة عن حياة أئمة الموحِّدين من أنبياء الله!! بل ومنهم من يقول: أول مَن دعا إلى التوحيد إخناتون، وهو الذي كان يعبد الشمس، وأنَّ مزامير داود مُقتبسةٌ من نشيد الرعاة لإخناتون... كبرتْ كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا.