السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اهلا بكم اخواتي الفاضلات
كثيرا منا ما نسمع بين مشاكل بين الزوجة والحماة ونادرا ما نرى عن علاقة ود ومحبة بينهما ،
تعالوا معي اليوم نقرا هذا الموضوع واتمنى ان تستفيدوا منه.
اترككم مع الموضوع
بين بر الأم وحقوق الزوجة....
في رحاب الأم
كانت تترقب أن تأتيها دلالة على أن البذرة التي في أحشائها قد أثمرتْ، ولما حصلَ ذلك وجاءت نتائجُ التحليل موجَبة شعرت أنها تطيرُ بلا جناح ... إذنْ سيكون لها طفلٌ وستضمه إلى صدرها عندما يولد.
وهي لم تزلْ في طريقها إلى البيت هيأت نفسها فكرياً وجسدياً لتقوم بدور الأم.
ستترك هذا الكون الفسيح لتعيش مع العلقة التي ثبتها الله في رحمها.
سيكون من هذهِ اللحظة ملبسها ومأكلها ومشربها وجلوسها وتحركها مرتبطاً بهذا الشي الذي خلقهُ الله في أحشائها، لن تأكل ولن تشرب إلا ما ترى فيه فائدة لنموه على أحسنِ حال.
ستدعو من الله سبحانه وتعالى آناء الليل وأطرافَ النهار أن يتم خلقه خلقاً سوياً كاملاً وستدعو منذ الآن أن يجعلهُ اللهُ مولوداً صالحاً تقياً موفقاً للخيرات وأن يجنبه مواطنَ الشرِّ والفساد والضلال ذكراً كانَ أم أنثى.
هي ذا تتهيأ لتقوم بأعظمِ دورٍ للإنسان على وجه البسيطة "دور الأم".
لقد كرم الله ابن آدم وكرم المرأة بأن بثَّ في قلبها ووجدانها من العطفِ والحنانِ والصبرِ والرأفةِ والأيثار والمحبة ما يجعلها أهلاً لأخطرِ مهمةٍ في الحياة وهي تربيةُ الأجيال.
إنها الآن تثبت لاقطات من بناتِ خيالها في جدارِ الرحم لتراقب نموه لحظة بلحظة ويوماً بيوم... ستعرف مراحل نموه كما ذكرها الخالق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز.
﴿ المؤمنون: ثمَّ جعلناهُ نطفةً في قرارٍ مكين"١٣" ثمَّ خلقنا النطفةَ علقةً فخلقنا العلقةَ مضغةً فخلقنا المضغةَ عظاماً فكسونا العظامَ لحماً ثمَّ أنشأناهُ خلقاً آخرَ فتبارَكَ اللهُ أحسنُ الخَالِقين "١٤"﴾.
وستراقب بشغفٍ ولهفةٍ أولَ حركةٍ للجنينِ في بطنها عندها ستشعرُ بسعادةٍ بالغة لا توصف... إذن قد بث اللهُ الحياة في جنينها وتشكر الله وتحمده على ذلك.
إن الوقتَ يمر والجنينُ يكبر في أحشائها وبإمكانها أن تتلمسَ مكانَ رأسِه أو قدمه بنشوةٍ غامرة. وكلما مرَّتِ الأيام ازدادت به شغفاً وحباً وهياماً وتتطلعُ إلى يومِ ولادتهِ وسماعِ صرختهِ الأولى.
إنها تهيّء أجواءَ بيتها وأسرتها كلها لاستقبال هذا الأمر الجلل وتلجأ في ذلك إلى كلِّ من حولها لمساعدتها في تهيئة أمور المولود.
وجاءَها المخاضُ بآلامهِ وشدتهِ وقسوته ومرَّت عليها لحظات صعبة تمنت لو كانت وقتها نسياً منسياً. ولكنها الآن وهي تضم مولودها الذكر إلى صدرها وتتطلع بحبٍ في تقاسيمِ وجههِ وتلمسُ أصابعه الغضة الطرية وكفه الصغيرة لم تعد تتذكر أنها مرَّت بكلِّ تلكَ الآلامِ المبرحة.
إنه الآن يحرِّك شفتيهِ بحثاً عن صدرِها وعندما تلقمه ثديها ويتلقفه بشغفٍ ونَهَم تشعرُ أنها لا ترضعه الحليب من صدرها فقط، بل ترضعه الحليب ممزوجاً بنسماتٍ من روحِها ونبضاتٍ من قلبها وبكلِّ الحبِ والحنان الذي بثهُ اللهُ في أعماقها.
تشعر الآن أنها كيانٌ آخر... لم تعد مجرد أنثى... انها " أم " بكل ما في هذه الكلمة من قدسية ومعاني سامية.
من هذه اللحظة ستكون مسؤولة عن هذا المخلوق الغض وإلى أن يصيرَ شاباً ويشتد ويصلب عوده... ستتابعه في كل شؤونه الحياتية من ملبس ومأكل ومشرب وطبابة، سيكون زوجها إلى جوارها بطبيعة الحال ولكن دوره يكون مسانداً وداعماً وكلما دعت الحاجة إليه، أمّا الثقلُ الأكبر فستتحمله هي، فهي التي ستنتفض من النوم في جوف الليالي كلما سمعت صرخته أو حتى همهمته... وهي التي ستجلس إلى جوارِ فراشهِ الليل بطولهِ إذا ما داهمته حمى أو ألمَّ بهِ مرض، قلبها ونظراتها معلقة بالسماءِ تطلبُ لهُ الشفاءَ العاجل ويدها تتلمس جبينه أو تربت على رأسه وتود صادقة من كلِّ قلبها أنْ لو كانت هي مكانه وتتحمل عنه آلامَ الحمَّى وأنّات المرض.
ويكبرُ ولدها وفلذة كبدها ونور عينيها وتكبر معه مسؤولياتها ومهامها، ستكون معهُ عندما يخطو خطواته الأولى، وستكون معه عندما ينطق كلماته الأولى، وستكون بقربه عندما يتعلم درسه الأول.
وهي تقوم بواجباتها المنزلية أو الوظيفية يكون قلبها معلقا به وقد غادرها إلى الروضة أو المدرسة وتنتظر قدومه بفارغ الصبر لتأخذه في أحضانها على عتبة الدار، تراقبه على الدوام في كل حركاته وتوفر له أفضل ما يمكن حسب إمكانيات وقدرات الأسرة.
في مدرستها سيتعلم معاني الصدق والوفاء والمحبة والاحترام، ويتعلم المبادئ الأولى لعلاقة الفرد بالخالق، كما يتعلم طريقة التخاطب والتعامل مع محيطه.
تراقبه وهو يخطو نحو فترة المراهقة الصعبة وتكون إلى جواره كما يكون والده الذي تنقل إليه أية ملاحظات قد تراها أنَّ الأصلح أن يكون للأبِ الدورُ الأكبر فيها.
هي إذن تشكّلُ دوراً محورياً في حياةِ ابنها لأنها تُسخِّر جُلَّ وقتها ومعظم حياتها له هو فهي تلبي احتياجاته الحياتية اليومية وهي التي تهتم بشؤونه وتساهم وتحرص على تربيته وتنشئته.
هو ذا الآن قد أصبح شاباً ناضجاً وقد شقَّ لهُ طريقاً في الحياة لبناءِ شخصيتهِ ومستقبلهِ وها هو الآن على عتبة أبوابِ المستقبل ليختارَ شريكةَ حياتهِ. وهنا أيضاً تريد الأم أن يكون ابنها ناجحاً في حياته العملية وناجحاً في زواجهِ واختيارِ عروسه.
إنها تتمنى أن تهطل السماءُ عليهِ مالاً وجاهاً وعافية. وهي إذ تريد له كل ذلك تطلبُ من الله أن يبقيه قريباً من خيمتها لتطمئن على أحوالهِ وتكحل عيونها برؤيته ورؤية أولاده بعد ذلك.
الكثير من المحطات آنفة الذكر في عمر الابن تبقى مضيئة في ذاكرةِ ووجدان الأم مهما تقدم العمر بها هي أو بإبنها.
والخالقُ سبحانهُ وتعالى وقد شرَّف الأم بهذه المهمة الخطيرة الجليلة قد جعل من البرِّ بها من الأبناء باباً للفوز بالجنة ونعيمها وسبباً لقبولِ طاعاتهم وأعمالهم، وفرضَ عليهم حسنَ التعاملِ والمصاحبة وعدم إيذائها بالفعل أو القول جنباً إلى جنب مع الأب ولكن لبرِّ الأمِ منزلةً أعلى وأعظم.
وهذه ليست منةً يمنُّ بها الآبناء على الوالدين بل أمرٌ فرضَهُ الله سبحانهُ وتعالى واجب التطبيق والناكر له أو المفرط فيه يكون قد باءَ بسخطٍ وغضبٍ من الله.
﴿ العنكبوت: ووصينا الإنسانَ بوالديهِ حُسناً وإنْ جاهَداكَ لتشرِكَ بي مَا ليسَ لكَ بهِ عِلمٌ فلا تُطِعْهُمَا إلَيَّ مرجعُكُمْ فأنبِئكمْ بمَا كنتمْ تعمَلون "٨"﴾.
﴿ لقمان: ووصَّينَا الإنسانَ بوالديهِ حَمَلتهُ أمُّهُ وَهناً على وَهنٍ وفصَالهُ في عامينِ أنِ اشكُرْ لي ولوَالديك إليَّ المصير "١٤" وإنْ جاهداك أنْ تشرِكَ بي ما ليسَ لكَ بهِ عِلمٌ فلا تطِعْهُما وصَاحِبهُمَا في الدنيا معروفاً.. "١٥"﴾.
هذا التكريم الالهي لمقامِ الوالدين على الأبناء مراعاته حتى عند اختلاف الرُّؤى والأفكار بين الطرفين، بل وحتى عندما يصلُ الخلاف إلى جوهرِ العقيدة وحتى إذا بذلَ الوالدان كلَّ مجهوداتهما لتحريفِ عقيدةِ الأبناء من الوحدانية إلى الشركِ والضلال فإنَّ وصية اللهِ سبحانهُ وتعالى للأبناء عدمَ إطاعتهما في هذه الجزئية المهمة مع الحرص على المصاحبة بالمعروف والمعاملة بالحسنى في كلِّ شؤونِ الحياة.
ويأخذ هذا التكريم شأواً أبعدَ ومنزلةً أرفع عندما يقرن الحق عبادةَ الخلقِ لهُ وحدهُ سبحانه وتعالى بالإحسانِ للوالدين.
﴿ الإسراء: وقضى ربكَ ألا تعبدوا إلا إياهُ وبالوالدينِ إحساناً إمّا يبلغَنَّ عندَكَ الكِبَرَ أحدُهُما أو كلاهُما فلا تقُلْ لهُمَا أفٍ ولا تنهَرهُمَا وقلْ لهُمَا قولاً كريماً "٢٣" واخفِضْ لهُمَا جناحَ الذّلِ منَ الرَّحمةِ وقلْ ربِّي ارحَمهُما كمَا ربَّياني صغيراً "٢٤" رَبُّكم أعلمُ بمَا في نفوسِكم إنْ تكونُوا صالحين فإنهُ كانَ للأوابينَ غفوراً "٢٥"﴾.
وقضى ربُّك... والقضاءُ الرباني هوَ القضاءُ الذي لا رجعةَ فيهِ وحكمُهُ هوَ الحكمُ الذي لا استئنافَ ضدَه. لأنه قضاءٌ وحكمٌ صادرٌ من مَعين العدلِ الإلهي المطلق، والإحسانُ يمتد ليشملَ السلوك والجوارح فلا يقال لهما إلا الكلام اللين الكريم الذي ينم عن احترامٍ كبير وتكون مظاهر الرحمة والرأفة لهما باديةً على قسماتِ وجوههم وأعطافهم، وحتى عند احتدامِ الصراع وتهيج الأنفس لأيِ أمرٍ كانَ بينَ الأبناءِ والاباءِ فإنَّ الخالقَ سبحانه وتعالى قد رسَمَ خطوطاً حمراء لا يجوز للأبناءِ اجتيازُها أوِ التطاولُ عليها... ﴿ ..فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً ﴾.
والله سبحانهُ وتعالى وهو الخالق للنفسِ البشريةِ وهو العالمُ بمكنوناتها، عندما يصدرُ قضاءه وحكمه بين الأبناء ووالديهم بهذه الصفة القطعية فإنه لا يتركُ فسحةً للإجتهادِ لأيِ ولدٍ عاق يريدُ أن يتجاوزَ على حكمِ الله في اسلوبِ تعاملهِ مع والديه.
فحكم الله لا لبسَ فيه ولا مجالَ للإجتهادِ والتبرير إذن، والعاق لوالديه إنما يرتكبُ كبيرةً من أعظمِ الكبائر.
والحبيبُ المصطفى (r) قد جعلَ لبرِّ الأم ثلاث درجات بينما جعل للأبِ درجةً واحدة دون أن ينقص ذلك من حقِ الأب على الأبناء من شئ وكما وردَ في الأوامر الالهية آنفةِ الذكر.
ولكنَّ الأم وهي تتحمل عظم المسؤولية الجسدية أيامَ الحملِ والولادة والرضاعة وفي المراحل اللاحقة وإلى أن يصلب عود الولد ويعتمد على نفسه.
وكذلك خطورة المسؤولية التربوية بإعتبارها المدرسة التي يتخرج فيها النشئ والأجيال كان لا بد أن يكون البر للأم أضعافاً مضاعفة.
من أجل ذلك حض الرسول الكريم المسلمين أن يكون المعيار الأهم في اختيارِ الشريك لكلٍ من الرجل والمرأة هو الدينُ والأخلاق الحميدة من أجلِ أن تبنى الأسرة على أسسٍ سليمة ودعائمٍ قوية ويكون تربية النشئ في المدرسة الأولى على هدي منهج مدرسة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
مع أحلام الزوجة
مذ وصلت البلوغوعرفت أسرار النساء وهي تحلم أن تكونَ في بيتٍ هيَ السيدةُ الأولى فيه، بيتٌ يجمعها مع زوجِ المستقبل الذي تتوسم فيه كل صفات الرجولة والشهامة.
في بيتِ الأسرة بين أبويها وإخوتها وأخواتها قد لا ينقصها شئٌ يذكر من الأمور الحياتية الاعتيادية، ولكن شأنها شأن كل فتاة ترى أنها لم تخلق لتعيشَ وتموت في بيتِ الأسرة. لا بدَّ أن يكونَ لها زوجٌ تشكل معه نواة أسرةٍ جديدة مستقلة وأن يكونَ لها أطفال لتحسَ بكاملِ انوثتها بأن تكون الزوجة والأم معاً وهي تتمنى على الله أن يحقق لها ذلك.
تكبرُ وتكبرُ معها أحلامُها... تبني في خيالها شكلَ بيتِ المستقبل، هكذا ستكون غرفة النوم... وغرفة الطفل تكون قريبة منها... هنا الجلوس وهناك المطبخ حيث تثبت مهارتها في فنِّ الطبخ... وهذه وتلك....الخ.
ويأتيها العريس وتحصل موافقةُ الأسرةِ عليه وموافقتها هي أيضاً. وفي فترةِ الإعدادِ للزواج وبعد عقد القِران تحاولُ أنْ تجَسِد أحلامها في شكلِ البيت والأثاث وكل مستلزماته برفقة عريسها وبالقدر الذي تسمح به إمكانياتهما.
وتتطلع إلى الإنتقالِ إلى عشها حيث ستنعم فيه بالسعادة مع زوجٍ محبٍ وعطوف تكونُ سيدةَ بيتهِ كما هي سيدة قلبهِ وعواطفه وسيشقان طريقهما في الحياة معاً ويضعانِ أسس ودعائمَ أسرتهما الصغيرة دون أن يشاركهما في ذلكَ أحد.
وتنتقل إلى بيتها الجديد تسبقها أحلامها وتاركة وراءها دلالَ الأم والأب وعطفَ الاخوةِ والأخوات لتضطَلع بمهامها كزوجةٍ وسيدةَ منزل. وهذا الأمر لا يخوفها في شئٍ البتة طالما أنَّ البيتَ الذي ذهبت إليه سيضمّها مع الرجل الذي أحبته وارتضته زوجاً وحبيباً ووالداً لأطفالها إذا أكرمَها الله بذلك.
الأم والزوجة تحت خيمة واحدة
بديهي أن يكون للرجل المتزوج حديثاً عائلتهُ الأصلية التي تضمُّ والديهِ وإخوته وأخواته وأقرباءه وأن يكون للزوجة مثلُ ذلك. ويفترض أن يندمج الزوج في عائلة زوجته وتندمج الزوجة في عائلة زوجها اندماجاً ينجم عنه بث روابطِ الألفةِ والمحبة بين العائلتين الكبيرتين وتكون الأسرة الصغيرة المُشكَّلة حديثاً حلقةَ الوصلِ في ذلك. ولا يشترط أن تفقد الأسرة الصغيرة خصوصياتها كأسرةٍ جديدة في كنفِ العائلتين أو أنْ يفقدَ أحد الزوجين أو كلاهما خصوصياته وتذوب شخصيته ثمناً لهذا الاندماج.
الأطرافُ الرئيسية المؤثرة بعد عمليةِ الاندماج أو المصاهرة همْ أمُّ الزوج وأمُّ الزوجة والزوجة، أمّا الآباء فهم عادةً لا يتدخلونَ في جزئياتِ حياةِ أولادهم بعدَ الزواج مثلما تفعلُ الأمهاتُ أو بعضُهن على الأقل. الآباء يتدخلون في حالاتٍ نادرة عندما يطفحُ الكيل ويكون تدخلهم ضرورياً لتقويمِ إعوجاجٍ أو دَرأ خطرٍ أو ضررٍ واقع أو يوشكُ أن يقعَ على أولادهم أو لمنعِ انشقاقٍ قد يفضي إلى الهجرِ والطلاق إذا تُرِك ليستفحل. ولكلِ قاعدةٍ شواذ بطبيعةِ الحال.
والعلاقة بينَ الرجلِ وحماتهِ تكون حسنةً في الغالب لأنَّ الأم وهي ترى إبنتها قد غادرتها والتحقَتْ بزوجهَا لتكوِّن أسرتها الجديدة تبذلُ قصارى جهدها من أجلِ أن تكونَ الأجواءُ في بيتِ ابنتها على أفضلِ ما يرام وتساهمُ في كلِّ جهدٍ أو فعلٍ أو قولٍ يقود إلى ذلك.
والأم الصالحة التي تريد الخيرَ لإبنتها في حياتها الجديدة ليس من المنطق أن تحرضها على زوجها أو أهلهِ أو تدعوها لِتحَمِّلَ زوجَها فوقَ طاقته، والأم التي تفعل عكسَ ذلك إنما تخلقُ مشاكل ومصاعب لإبنتها وتحدِث انشقاقاً بينها وبين زوجها قد يتسعُ ويتعاظمُ شأنه ويؤدي إلى الطلاقِ إذا كان تدخلها سافراً وتحريضياً يتصلُ بخصوصياتِ زوجِ ابنتها أو مسؤولياته في بيتهِ أو إذا لم تستدرك الزوجة فتكفّ يدَ أمها في حياتها بشكلٍ هادئ وعقلاني لا يخرجها من مسؤولياتها الأخلاقية والشرعية في البرِّ بإمِّها.
في خضمِّ هذه العلاقات تبرز علاقة الزوجةِ بحماتِها كعنصرٍ قلق يحتاجُ للكثير من الصبرِ والحكمة والتأني بين الطرفين.
فالأم تستحضر أمامها على الدوام تأريخ ارتباطها العضوي والوجداني بإبنها منَ اللحظة التي خلقه الله نطفة وجعلهُ في قرارٍ مكين في رحمها مروراً بكلِّ المراحل التي أشرنا إليها آنفاً. لذلك لا يمكنها التخلي عن كل هذا الإرث من العواطف التي تشكل جزءاً مهماً من حياتها وتريد لهذا الإرث أن ينمو ويمتد ليشملَ أحفادها أيضاً، ولا يمكنها أن تتصور أن يتنكر ابنها لكلِّ هذا السجل الزاخر بالعطاء والتضحيات فيفضلَ زوجتهُ عليها فمهما تفعل الزوجة لن يكون بمقدورها أن تمنحه ما منحته هي من الحب والحنان والرعاية طوال أكثر من عقدين من عمره.
وترى الأم أن الله قد ثبت حقوقها على ابنها في قرآنٍ يتلى إلى يوم القيامة وهي تريده أن يكون ابناً باراً ليكسبَ رضاها ورضا الله فيفوز بالجنة ولا تريده أن يكون ولداً عاقاً فيقعَ عليهِ سخطُ اللهِ وغضبه.
الزوجة بالمقابل ترى أنها اختارت زوجها ليكون شريكاً لحياتها وهي تفهم الشراكة أن تكون بينها وبين زوجها فقط دون شريكٍ ثالث.
وهي تريد أن تخطط لحياتها وتتصرف بشؤونِ أسرتها وزوجها من دون رقيبٍ أو وصاية وتريد لزوجها أن يتخلص هو أيضاً من التبعية القديمة لأمهِ وعائلته لتكون حِمى أسرتهِ الصغيرة هي حِماه التي يذودُ عنها ويعملُ لأجلها في المقام الأول.
لذلك لا بد من الإقرار بوجودِ خيطٍ خفي من التنافس على الرجل من أمهِ وزوجتهِ وهذا الخيط مهما بدا ضعيفاً وواهياً فإنهُ يقودُ إلى نوعٍ منَ التنافر الحسي بينهما قد يبقى راقداً في أعماقهما يمنع ظهوره الألفة والمحبة التي تشعُ في الأجواء كلها.
ولكن هذا الرقود ليسَ أبدياً لأنه يظهرُ من جديدٍ عند كلِّ نقطةِ خلافٍ أو تصادمٍ في الآراء.
وهذهِ العلاقة تأخذُ مستوياتٍ وأبعاداً مختلفة وحسب طبيعةِ الطرفين والموروث الشخصي والفكري والإجتماعي والأخلاقي لكلِّ طرفٍ وكذلكَ حسبَ فهمهما وتقبلهما للمنهج الإسلامي في العلاقات وإدراكهما للحس الإنساني الراقي في التعامل.
فتكون علاقة متذبذبة بين الحميمية المطلقة أحياناً والحميمية المقرونة بنوع من التوجس أحياناً أخرى أو الحذر الدائم الذي يقود إلى التصادم لأتفه الأسباب.
رصد بعض الحالات
لا يمكن حصر العلاقة بين الزوجة وحماتها في حالاتٍ ثابتة معدودة فهناك آلافُ الحالات التي قد لا تشبه بعضها البعض باعتبارها تتعلق بالسلوكِ الفردي والشخصي ولكن قد يمكن الإشارة إلى بعضِ جوانبِ التفكير المشترك الذي يجمع بينَ معظمِ العلاقات هذه لنفهمَ كيف يفكرُ كل طرف بالآخر.
الأم (الحماه): كيف تفكر ؟؟
· ترى بذخَ زوج ابنتها في بيتهِ دليلاً على جودهِ وكرمهِ. في حين ترى بذخَ ابنها في بيتهِ دليلَ إسرافٍ لا مبررَ له.
· ترى أنَّ موافقة زوجِ ابنتها على مطالبِ ابنتها تنم عن مدى حبهِ وإخلاصِه لها، في حين ترى تنفيذ تلكَ المطالبِ من قبل ابنها دلالة على ضعفهِ وخضوعهِ لزوجته.
· ترى أنَّ عدم موافقةِ زوجِ ابنتها على تدخل أمه في حياتهِ الشخصية دليل على حرصهِ على زوجتهِ وأسرته، بينما ترى عدم موافقةِ ابنها على ملاحظاتها دليلَ جحودٍ وإنكار في حقها كأم.
· ترى ارتباط ابنتها بها وبعائلتها دليلَ أصالة، وترى ارتباط زوجةِ ابنها بعائلتها دليلاً على عدمِ رغبتها في الإندماج بعائلةِ زوجها.
· ترى في إسرافِ ابنتها في التزين لزوجها دليلاً على حبهما وتمسكِهما ببعض في حين ترى تزين زوجةِ ابنها خروجاً عن المألوف ومبالغ فيه.
الزوجة: كيف تفكر ؟؟
· ترى تدخل أمها في كل شؤونها نابع عن الحرصِ على مصلحتها وتأتي من بابِ النصيحة والإرشاد، وترى أن تدخل حماتها في بعضِ شؤونها نابع عن الرغبة في الهيمنة والتسلط عليها.
· ترى أنَّ معاملة أمِها لأولادها تأتي في إطارِ التربية الشاملة لهم، وترى في معاملة حماتها لأولادها إفساداً لطباعهم وإضعافاً لشخصيتهم.
· ترى أن حبَّ أمها لزوجها وعلاقتها به امتداد لحبها لها هي، وترى أن حبَّ حماتها لإبنها(زوجها) مصطنع تروم به إثارةَ غيرتها.
· ترى أنَّ أمَها تحرص على العلاقة الحسنة بينها وبين زوجها (صهرها) وتريد لزواجهما النجاح والإستمرار، وترى أنَّ حماتها غير مكترثة بهذهِ العلاقة بل قد تحرض إبنها عليها.
· ترى أن علاقتها بأمها تدخل في إطارٍ مشروع من التعقل والحكمة، وترى علاقة زوجها بأمه دليلاً على ضعفه واستمرارِ نفوذِها عليه.
· تعاملُ أمَّها في بيتها كأنها صاحبة البيت وتعاملُ حماتها كأنها ضيفة ليسَ إلا.
· تشعر بالغبطةِ والفرح عندما ترى ارتباط أولادِها بأمها وحبهم لها، وتشعرُ بالإنقباض إذا رأت أواصرَ المحبة ممتدة بين أولادها وحماتها.
نظرة الأم إلى زوجةِ إبنها أو نظرة الزوجة إلى حماتها قد لا تكون بهذه القسوة والجفوة التي عبرنا عنها في الحالات السابقة، ولكن بحكم التنافر الخفي أحياناً والشديد أحياناً أخرى فإن التعامل وفق الأمثلة السابقة قد يأخذ مديات أوسع وأقسى وتخرج عن الطابع الإنساني حتى. أو قد تضعف وتخمد حتى تصل إلى حدِ الضمور والانزواء.
وخفوت التنافر أو شدته يعتمدان على الإيمان بالميزانِ الأخلاقي الإسلامي ومدى تطبيقه من كِلا الطرفين وكذلك على الموروث الشخصي والعائلي والإجتماعي لهما.
الرجل بين بر الأم وحقوق الزوجة
الرجل الذي ينظرُ بحياديةٍ تامة ويوزن الأمور بميزانِ العدل الإسلامي لا يجدُ أيَّ تقاطعٍ بينَ كاملِ البرِّ بأمِه وبينَ إعطاء الزوجة كل حقوقها المشروعة، والرجلُ الفطن بإمكانهِ أنْ يكون عنصر موازنةٍ حتى في حالِ بروزِ نوعٍ منَ التنافر بين أمه وزوجته بلْ يفترض بهِ أن يكون كذلك.
ولكن على الرجل أن ينتبهَ إلى نقطةٍ في غايةِ الأهمية والخطورة وهي أنَّهُ مهمَا اشتدَّ الصراع وعلا الضجيج وساءَتِ الأمورُ بينَ أمهِ وزوجته فعليهِ أنْ لا يتجاوزَ الخطوط الحمراء والنواهي الإلهية الصادرة للأبناء بحقِّ والديهم.
فمنَ الغباءِ والغفلة أن ينساقَ الإبن وراءَ ضغوطاتِ زوجتهِ أو يتبرَّمَ منْ مجملِ الإشكالات التي تحيطُ بالموضوع فيصدر عنهُ كلام قاسٍ أو جارحٌ في حقِّ أمه، عندَ هذهِ النقطةِ بالذات عليهِ أن يتيقن أن منزلة الأمِ محمية بأوامرِ إلهية فليسَ من المنطقِ والعقل والدين إذن أن يرتكبَ معصية تعدُّ منَ الكبائر ويتعدى حدودَ الله من أجلِ إرضاء زوجته.
وعليه أن يعلمَ أنَّ رضا الله من رضى الوالدين وليس من رضى الزوجة، ولا يعني ذلكَ التفريط في حقوق الزوجة بأيِّ حالٍ منَ الأحوال ولكن عليهِ أنْ لا يدعَ الأمور تصلُ أصلاً إلى نقطةِ اللاعودة والإختيار بينَ الأمِ أو الزوجة.
على الرجل أن يثبت لزوجتهِ بالقولِ والتطبيق أنَّه في الوقتِ الذي يكونُ باراً بأمِّهِ وأبيه عليها هي أيضاً أن تكونَ بارةً بوالديها فلا يجوزُ لكليهما التفريطُ في ذلك مطلقاً ومنْ أجلِ ذلك عليهما أن يتعاونا فيشد الرجل من عضدِ زوجته إذا وجد منها فتوراً في حقِّ والديها ويعاونها على تصحيحِ وضعِها، وعليها أنْ تعينه إذا رأتْ مِنهُ صدوداً أو إدباراً معَ والديهِ فتذكِّره بحقِّهما عليه.
والأسرة المسلمة الجديدة وهي تتلمس لها مكاناً في المجتمع يجب أن يكونَ بناؤها على رضا اللهِ ومحبته وليسَ سخطهِ وغضبه، ومباركة الوالدين لأبناءهم عندَ الزواج وبرُّ الأبناءِ لوالديهم يقعُ في دائرةِ رضوانِ الله سبحانه وتعالى.
والرجل الذي يتقي الله في حقِّ أمهِ تطبيقاً لأمرِ الله وإقراراً منهُ بحقِّها يكونُ أقربَ الناسِ مراعاةً لحقوقِ زوجتهِ وأسرتهِ عليه والعكسُ صحيح.
وليسَ صحيحاً أنْ يقالَ في هذا الشأن على الرجل أن يُمسِكَ العصى من الوسط لأن الموضوع ليسَ توازنات بينَ القوى وليستْ جبهة صراع بلِ الأطرافُ كلها تدور في فلكٍ واحد حولَ مركزٍ ونواةٍ واحدة.
المقال اعلاه هو ليس منقول انما من كتاب والدي (ومضات إيمانية ) وجزاكم الله خيرا على القراءة.
um susu @um_susu
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
noon140
•
جزاك الله اللللللللللللف خييييييييييييييييييييير
الصفحة الأخيرة