بينَ "حَوْرَاءِ" (القرَنيِّ) و"كَـيَّـةِ" (الحَبِيبِ).!

بَينَ "حَوْرَاءِ" (القرَنيِّ) و"كَـيَّـةِ" (الحَبِيبِ).!

اشتَغَل الشَّارعُ الإعلاميُّ في الأيام الخمسة الخاليةِ بكلامٍ بسيطٍ للبروفسيور النفسيِّ "طارق الحبيب" , وكانَ كلامهُ حمَّـالَ أوجُـهٍ , فتلقَّـاهُ النَّـاسُ كلٌّ بحسب حدَّة البصر ومُستوى البصيرةِ , ولن أقفَ هُنا مدافعاً ولا مُعاتِباً ولا مُبرراً لأنني لستُ شمالياً ولا جَنوبياً ولا شَرقياً ولا غربياً ولا وسطياً ولكنني (بْتَاعْ كُلُّهْ) , لكنني سأقفُ ملياً عند ردَّة فعلٍ عجيبةٍ ما خَطَرت لي ببالٍ , وهي ردَّةُ فعل العلاَّمةِ النحرير , وشيخ المنقول والمعقول/ عايض القَرَني حفظه الله.!
فقد كان الفيس بوك , والصحف الإلكترونية , وأرصفةُ المدارس بين فترتي الامتحانات , وبوفيهات الإفطار على طريق الساحل والعقبة , تضج بردود فعل البُسطاء والسطحيينَ والمُراهقين المتعصبين الذين أنهوا امتحاناتهم أو وجدوا مبررا للتَّشَـاغل عن الباقي منها , وشاركهم في العتاب والمدافعة بعضُ المُثقفينَ في الصحف السيارة , ونالَ كبار السن الأمِّيونَ والمتقاعدونَ من العوامِّ حظيهم فرضاً وتعصيباً من الدافعة والنقمة لأنهم يعتقدون كلام البروفيسور النفسي قاصمةَ الظهر وخسارة الدين والدنيا والآخرة , وهذا شأنُ العوام في كل شمالٍ وجنوب وشرقٍ وغربٍ ووسط.!
وفي وسط هذه السوق التي راجت فيها ردود الأفعال المتعقلةُ والمنفلتةُ مارَسَ الإمامُ عايض القرَني هِوايتهُ في اختطاف الأضواء وسلبِ الاهتمام وتسليط الضوء على ذاته "الطُّبُوليَّـةِ" ففجَّر قُنبُلةً وسط السوق وقال إنَّهُ يقتَرحُ على صديقِ عُمرهِ (عادل الكلباني الذي لهُ الفضلُ على الشيخِ في تصوير كثير من محاضراته في محراب جامعه) أن يرقي طارق البروفيسور طارق الحَبيب , فإن برئَ وإلاَّ فالكيُّ لأنهُ آخِرُ العلاجِ.!
هُـنا توجَّعَت ذاكرَتي التي رضَّـها القَرَني بفريتهِ العظيمة على الشناقطة وآباء الشناقطةِ وآباء أبائهم وذرياتهم وتلاميذهم وقُراء كتُبهم وحُفاظ منظوماتهم قبل أشهُـرٍ , فقلتُ في نفسي:
هل يُسيئُ الإمام عايض القرَنيُّ ويتناسَى الإساءةَ بكل هذه السرعة فينزَعُ لَبوس الإساءة والإزراء ويتَقنَّـعُ ببرقعِ التظلُّمِ فيتظاهرُ لنا بلطميَّـةٍ بُكائية - في غير عاشوراء - يقترحُ فيها رقيةَ "الحبيب" أو كيَّـهُ.؟؟؟

يا شيخَ الإسلام:أنتَ قُدوةُ الأنام , وحُجَّـةُ الأعلامِ , وبُرهانُ المُتعلمين , وكنزُ المُستفيدينَ , وعمدةُ الحُفاظ , وفارسُ المعاني والألفاظِ , ولكن في علمِ (السخرية بالشعوب وإدارة مدرَسة الاستِهزاء) فهل هي موهبةٌ خالصةٌ لكَ من دون المؤمنين , أو ملكٌ لا ينبغي لأحدٍ بعدكَ من العالمين..؟

يا شيخَ الإسلامِ: اللهُ يعلمُ أني أعرَفُ بابن المُذلق وبأشج عبد القيس مِنِّي بكَ وبطارق الحبيب , ولكن البروفيسور النفسي , كما فهم المُحايدونَ كلامهُ حكَى واقعاً لا يُنكَرُ , فأنتَ عند سُخريتِكَ وحكاياتِك وأضاحيككَ الرمضانية في قناة (دليل) نلحظُ في سُلَّم لهجَتكَ ومخارج حُروفك والنَّبر في كلماتك وتراكيبكَ شَبَهاً كَبيراً بلهجَة وخفَّـةِ دمِ الكوميدي اليمني (محمد قحطان) , وما ذاك لأنهُ سعوديٌّ أو لأنك يمنيٌّ , ولكن بكل بساطة لأنَّ المسافة بين مسقَطِ رأسيكُما, ومرتعِ صِباكُما , وملاهي شَبابِكُما, ومهابِّ أنفاسِكُما , ومهوى فؤادَيكُما , لا تزيدُ عمَّا بين الحرَمينِ (مكةَ والمدينةِ) , ونفسُ الأمر مُلاحظٌ بين الداعية الإسلامي الوقور/ سعيد بن مسفر والداعية الإسلامي الكبير/ عبد المجيد الزنداني , وأهل الشرقية والبحرينيون كذلك , وأهل الحدود الشمالية مع العراق والأردن كذلك.

هذا ما يلاحِظُه المُحايِدونَ – مثلي - في أقصى الشمال المغربي على التركيبة السُّكانية في السعودية وهو واقعُنا في شنقيط وليسَ مثار خلافٍ ولا محل نقاشٍ , ولكنَّ محلَّ النقاش والسؤالَ الموجه إلى سماحتِكم: إذا كان حاكي الحقيقةِ ومُجسِّدَ الواقعِ حرياً بالكي والرُّقَـى , فكيفَ حالُ من يغَطي الشمسَ بالغربال , ويسخَر بالأمم والشعوب الأحياء منهم والأموات عجزاً من كَتبَتهِ الكِرام الحافِظينَ عن ملإ عمُوده اليومي بمفيدٍ جديدٍ ينضافُ إلى صورته الأنيقة على خَضراء الدمَن.؟

إذا كان حاكي الحقيقةِ ومُجسِّدَ الواقعِ الذي لم يتجاوزْ تخصصَهُ ودار في فلك طبه النفسيِّ حرياً بالكي والرُّقَـى , فكيفَ حالُ من لم يترُك فناً شرعياً وغيرَ شِرعي إلا جلسَ بين أربابهِ وحُماته , وصدَّقت عليه نفسهُ ظنَّـها حتى منحتهُ إجازة الاجتِهاد والفُتيا في كل ما تُبصرون وما لا تُبصرون , وتحليلِ ونقدِ وتقويمِ ما كانَ وما لم يكن وما سيكون.؟
إذا كان حاكي الحقيقةِ ومُجسِّدَ الواقعِ حرياً بالكي والرُّقَـى وهو يحترمُ نفسهُ وتخصصهُ , فكيفَ حالُ من يُراوحُ بين الشيلات الشعبية والتفسير الميسر والعلوم السياسية , أليسَ الأخير أشبه بالمُهلوِس من الأول.؟ اللهم نعم.

ورَيثَما يصلكُم الاستفتاءُ فلتسمحوا لي بالتقدُّم بين يديكم لأقول: إنَّ سماحتَكُم أحقُّ بكيَّـةٍ (حوراءَ) كما يقول العربُ , وكما في عنوان الموضوعِ , والكيَّـةُ الحوراءُ هي الكيَّـةُ المُدَوَّرةُ والتي تترُك بياضاً في جَسَد المكويِّ (شَرواكُم) , ولذا تقولُ العربُ (حَوَّرَ عَيْنَ البَعِيرِ تَحْوِيراً إذا أُديرَ حَوْلَهَا المِيسَمُ من داءٍ يُصيبُها) ولك العُقبى بالكيِّ , والوعدُ بعدئذٍ بالشفاء التام , من غير أن تُرقَـى – حماكَ الله – لأنَّ ما أصابكَ من (هلوسة السخرية بالشعوب) كان عقبَ فراغِكَ من تفسير القرآن وسورة الحُجُراتِ منهُ على وجه التحديدِ , فما دامت قراءةُ والقرآنِ وتفسيرهُ والدعايةُ له عبر قناة الفجر لم يمنعاكَ الداءَ , فليسَ لكَ غيرُ الكيَّةِ الحَوراءِ.!

يا شيخَ الإسلام: إن اعتبار الحدود بين البُلدان وتأثيرهُ على المُجاورينَ مما استقرَّ عليه عملُ الفُقهاءُ , فهل ستَكوي بعد طارق الحبيب فُقهاء المُسلمينَ الذينَ يعتَبرونَ المُجاوَرَةَ فيصلاً في الصوم والحج والفطر عند اختلاف المطالع وانعِدام الرؤيةِ ووجوب جهاد الدفعِ , فإذا كان الأمرُ كذلك في أركان الإسلامِ فهو أحرى في اللهجة والتعاطف والوِفاقِ في العادات.

يا شيخَ الإسلام: أرجو أن تُكلفَ كتبَةَ مقالاتكَ من مُريديكَ النُّجَباء (إن لم تصدقني في أحقيَّتك بالكي) بالمُقارنة بين سُخريتَكَ بنا وبتاريخنا وبآبائنا , وبين كلام الحبيب الذي شخَّصَكُم نفسياً وأصدر حُكمهُ فيكم , لتعلمَ أنَّا – معشر الشناقطة - لو حكَمنا فيك بحُكمكَ عليه لجُدنا لك بشَـوَّايةٍ دوَّارةٍ تتأرجحُ عليها بُكرةً وعشياً.!


وكتبَ: محمَّد الزين بن العاقب المجلسي الشنقيطي
محظرة الإمام مالك بمدينة الزويرات - موريتانيا
منقوووووول