
زورقٌ مكدودٌ ! يوشك بحر الفناء أن يبتلعه ، في ليلٍ غامت مشاهده ولفه الضباب !
إلا خيالاً يرسم خطّ الهيكل الذي راح يغيّبه الظلام .!.
عامٌ لوّح لنا مودعاً ..
كسراج نفذ زيته .. وراحت ذبالته ترتعش ارتعاشة النفس الأخير ! عام عجن الذكريات بخبز أيامنا ، وصنع خميرتها من كل ماولد في رحم المعاناة ، فكانت قرصاً من الزاد لازلنا نقرض بقاياه التي جففتها النهاية الوشيكة ، فلم تعد له من طراوة البداية إلابقايا نكهته الأولى !
في مثل هذه الأيام من العام قبل الماضي ..كنتم عندي في غيهب الوجود ، أنا على
ضفة نهر الحياة ، وأنتم على الضفة الأخرى ، وكل هذا العالم الغامض ( النت) البعيد القريب غائباً عن الخاطر ..!..، بل أن غياب معرفتي به .. اقترن بالنفور منه ، والهروب من كل الطرق المفضية إليه ..!
رأيت فيه عدواً لصديقي الكتاب... فعاديته !
ولمست من خلال ماعايشت حولي دوره الحميم في قطع الروابط الحقيقية ... فآليت على نفسي مقاطعته !
واشتكت منه الرؤوس وجعاً، وعانت قلقاً ، وانتفضت أرقاً، وتمادت مع هذا هوساً... فنأيت عنه ..! بفكري .. بعواطفي ! ..بعملي .. !بروحي ..!
وفرغت من أمره ، ونفضت يدي .!
حتى جاءني يوماً ..! زاحفاً يطلب اللجوء وقد باعه من اشتراه لابثمن بخس ولكن بلا ثمن ..فكانت مكيدة مدبّرة لي لكي أرعاه ، وأكتشفه ..!
و يوماً بعد يومٍ .. وأنا أراه مهجوراًعلى رقعة المكتب كل صباح ..يتحرك في داخلي شيءٌ .. ! حتى بدأ زحف جحافل الفضول يسري تتملكه الرغبة لمعرفة المجهول وحل أبجدية لغزه .. !
وما هي إلا أياماً قضيتها بين الإقدام والإحجام ، حتى هزم تعصبي النمطي المتجذر في القديم الضارب عروقه في مآثر الأجداد المتمرغ بين دفتي كتاب يتنشق عبير أوراقه ، ويأنس بملمسه ، ويرتاح برؤياه.. وتغلب فضول المعرفة..!!
وما لبثت أن خضت غمراته ، وتسلحت بالصبر لمواجهة جهلي به ، ونفوري منه ..وكثيراً ماكنت أوحي لنفسي القبول بتساؤلي الدهش : كيف أفوّت على عقلي حلّ هذا اللغز أنا الناضجة ، والأطفال يرضعون شفرته مع اللبن ؟!
وأنا .. أنا لم أتذوقه حتى ..؟!
وكان .. ماكان .. !!!
وامتطيت صهوة المغامرة ، ومضى جوادي يقطع المضمار ..! وما زال الشوط حتى الساعة لم تتضح فيه ملامح النهاية .. وقد استوعب تعثرات البداية ..!
وانكشفت فرجةٌ من غطاء العالم المخفي أمامي...فمرقت منها !!.. وكان عالمٌ من نوعٍ آخر أوغلت في مسافاته ..!
وقرأت " منتديات " ! فطافت بخيالي .. حديقةٌ وصالون أدبي ، وقاعة ترفيه ، وكراسي تثرثرفوقها شلة من السيدات ..! ولكن لم ألبث أن نفضت ذلك الخيال بهزة من رأسي مبعدة تلك الشطحات ..فهذا خيال واقعٍ ، وذاك حقيقة صفحة ألكترونية !.
وأخيراً ، وبخطوات متعثرة مليئة بأخطاء أملاها الحذر من المجهول ، كانت أول
اكتشافاتي لمعالم الطريق في " منتدى بلدي " ، وأضفت إليه محطات أخرى وهنا أخيراً كانت نهاية جولاتي الإستكشافية وبينها وبين ماسبق فاصل زمني جد قصير! واقتربت مني مشاهد الضفة المجهولة الاخرى .. وتعاقبت الوجوه مرسومة على ضوء كل معرّفٍ اختارته صاحبته ليترجمها على الصفحة ..!
ولنوع الإختيار وقع مؤكد على الذهن ترسم من خلاله الصورة .. صورة الروح ، وصورة الملامح ، وصورة الشخصية ، وصورة الطباع تتشارك في ذلك مع القلم الذي يخط ، والمعاني التي تتحدث ..!.. صور خيالية وليدة العقل والشعور الباطن نعتنقها ونفضلها واقعاً وإن لم تكن كذلك ! ونلقيها في قاع الذهن !
ونصدقها حتى تصبح لامفر منها في تكوين الشخوص الكترونياً وبرمجة الإنطباع
عنهم .. وربما توافق الأيام حكمنا فنصيب .. أو تخالفه فنخيب !!
بهذا .. مضيت أرسم الوجود لكل روح وأستشعر مدى القرب من بعضها ..!
وهكذا مضت سفينة سندباد لتخوض غمار الحرف ، وتكتشف جزر الخوف ، وتلقي مرساها في رحلات العالم الغائب الحاضر على ضفاف الموانئ ،لتلتقط من بحارها حرائر اللآلىء ، و لتصنع منها عقداً يطوق جيد الزمن ، ويرحل مع صاحبه
في مجهول الآتي ..!!
وهنا عند ذؤابات العام الغائب .. ترفق الزمن فغدا المجهول قريب المعرفة ، وأصبح العدو رفيقاً .. فأعلنت الهدنة في ساحة القلب وصافح النت الكتاب .. ولبس الحلم حلة الحقيقة ، وتآلفت الأرواح المجندة وتعارفت واتفقت ..وزال الكثيرمن وحشة سكنت غاشية الفؤاد ...! وأضيء سراج لبعض الأيام المنطفئة ..! وانصهرت الروح بقرنائها بمحبة كبيرة الأبعاد ، شديدة الإئتلاف ، متجاوزة حدود الواقع لتبتسم في مدى ليلها الندي ، وتنتشي لصباحها الطري ...!
هكذا مرّ عامي ، بين " ابن بطوطة " و" وماجلان " وخرافيات السندباد ليتمخض
عن فيضٍ أخرى لها خريطة خاصة على جدران العمر.. تختلف عن خريطة بيتها
وطريق عملها ، وملامح بلدها !!.
عاماً مليئاً بالأطياب أرجوه لكل الأطياف التي مرت هنا وأقامت في شرفات الذاكرة ...!
أحبائي ...
ولمن تحب أن تهدي من قبس حروفها خلاصة الشعور ، وأهم مامرّ بعامها المنصرم من أحداث ، والأثر الذي خلفته تلك الأيام هنا ، والأرواح التي آلفتها .. .... أترك مساحة سندسية لتهندسها على قياسات مشاعر عامها الماضي و تترك في روضها زهورها المحملة برحيق الذكرى !!
وتنثر أمنيات عامها الجديد الذي قطعنا به أول شوط من أشواطه الإثنى عشر ..!
أمنياتي أن يحل السلام .. وترتفع عقيرة النصر بالأهازيج .. وتمتليء القلوب بالمحبة