تأملات في أحوال الجوارح يوم القيامة ـ الجزء الأول ( أحوال البصر )

ملتقى الإيمان



من المواضع التي تلفت نظر المتأمل لكتاب الله العظيم ، هو الأحوال التي تمر بها جوارح الإنسان ، بدءً من نزع الروح إلى أن تصير إلى مصيرها ، إما إلى جنة أو إلى نار ـ نعوذ بالله من ذلك ـ .

لقد تبين ـ من خلال البحث ـ أن القرآن الكريم أولى هذه الجوارح عناية عظيمة في ذلك اليوم المهول ، والسر في ذلك ظاهر ، فالأمر ـ كما قال سبحانه ـ (يوم ترونها ... تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وتضع كل ذات حملٍ حملها ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد) .

==============================================

وقد بدأت بجارحة البصــــــــــر ،لأنها ـ بعد التأمل ـ هي أكثر الجوارح التي وصفت بأوصاف متنوعة ـ كما سيتبين بإذن الله تعالى ـ .

1 ـ أول أحوال البصر ، هو ما دل عليه قوله تعالى : ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ) .
والشخوص ، هو إحداد البصر ، دون تحرك كما يقع للمبهوت .
قال تعالى : ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ).


2 ـ بعد هذا الشخوص للأبصار من هول ما رأت ، تأتي الحال الثانية ، وهي من أكثر الأحوال التي تكرر ذكرها في القرآن ، وهي خشوع الأبصار ، أي انكسارها ، وغشيان الذل لها ، فلا تستطيع أن تنظر في الناس من حولها ، وهي نظرة الخائف المفتضح ،وهذا معروف من أحوال الناس ، فإن ذلة الذليل ، وعزة العزيز تظهران من عيونهما ، يقول سبحانه : ( وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ) .
ويقول سبحانه : ( خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) ، ( خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) .
ومعنى ترهقهم : تحل بهم ، وتقترب منهم بحرص على التمكن منهم ، وبسرعة .
ويقول تعالى : (يوم يخرجون من الأجداث سراعا ، كأنهم إلى نصب يوفضون * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) ، ويقول سبحانه : ( أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ) .



3 ـ تصور كيف هي ألوان عيون هؤلاء الكفرة حينما يحشرون ؟ ( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) ـ وهذا على رأي بعض المفسرين أن المراد بالزرقة زرقة العيون لا الوجوه ـ ، فإذا ضممت إلى هذا سواد وجوههم ، فما ظنك بقبح أشكالهم ؟ ولك أن تتصور شخصاً أسود الوجه مزرق العينين ! الأمر فظيع .


4 ـ ورغم طول مدة الحشر ( خمسين ألف سنة ) إلا أنهم لا يرتد إليهم طرفهم أكثر مدة المحشر ، كما قال تعالى : ( مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ) ، وإنما قلت : أكثر مدة المحشر وليس كلها ، مع أن ظاهر الآية أن عدم ارتداد طرفهم مستغرق للوقت كله ـ إنما قلت هذا ـ لأن الآيات الأخرى دلت على أن للبصر أحوالاً أخرى من الشخوص والنظر من طرف خفي .


5 ـ مرحلة شهادة هذا البصر على ما رأى ، يقول تعالى : ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) .


6 ـ حشر المجرم أعمى البصر ‘لى النار وبئس المصير ، يقول تعالى : ( ونَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ) ، ويقول سبحانه :
( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً )

فإن قلت : كل الآيات السابقة عن الكفار ، فأين أبصار المؤمنين ؟
لماذا لم تذكر ؟ ما السبب ؟


فيقال : إنه لما كان تقلب البصر واضطرابه إنما هو بسبب الخوف والحزن ، وهذا منتف في حق المؤمنين ، قال تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ، وقال سبحانه في المؤمنين ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الآكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ، لذا لم يذكر الله تعالى شيئا في وصف أبصارهم ، بل إن الله تعالى أشرف أحوال أبصار المؤمنين يوم القيامة يوم تكتحل برؤية الرب العظيم ، كما قال تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) ، ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) .


م/ن

تابعوا معنا بعون الله تعالى.. الجزء الثاني ..( أحوال الوجه ) !!!

م/ن
8
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

اشراقات ايمانية
جزاك الله خيرا وبارك فيك
ما زلت للعلم صغيرة
وإياك عزيزتي
لاما السعوديه
جزاك الله خير
والله يرحمنا ووالدينا والمسلمين برحمته

رفع
nadoah
nadoah
جزاك الله كل خير
22سماء
22سماء
جزاك الله كل خير