ه
الحج ...
عبادة تبني الأمة ..
فهي الخلاصة الجامعة ..
التي تنصهر ببوتقتها.. سائر العبادات،
ولما تقتضيه من تحمل وصبر ..
وماتحويه من دروس وعبر...
يستشعر الحاج معانيها ويعيشها ..
في مسيرة هذه الرحلة المباركة .
الحج ...
مؤتمر إسلاميٌّ ضخم ...
بأبعاده الروحية والاجتماعية الواسعة ..
وهو إعداد الهي يهدف إلى إصلاح حياة الانسان ..
من خلال الشعائر التي يؤديها،
ويروض بها نفسه على الاستقامة في الطريق السوي .
وقفة مشتاق
كان أبو عبيدة الخواص يقول في الموقف:
واشوقاه إلى من يراني ولا أراه،
وبعد ما كبر يأخذ بلحيته ويقول:
يا رب، قد كَبرتُ فأعتقني..
معنى الحج ::
أصل الكلمة في اللغة يدل على قصد الزيارة
ولكنها استعملت في العبادة المعروفة..
فصار القصد من الحج ( زيارة البيت الحرام )
بمواقيت ومناسك معينة.
والحِجّة يراد بها (السنة ) ونلمس ذلك في قوله تعالى:
(ثماني حجج) أي ثماني سنوات .
رحلة الحج هي رحلة القلوب مع الأجساد..
ورحلة الإيمان مع تحرك الأبدان .. فيها عبر ودروس وتذكير ..
فهيا لنتأمل الحكمة من بعض مواقفها :
1- الحج تذكير بالحشر ..
وبمصاعب وشدة ذلك اليوم العظيم
حيث يملأ الناس أرض المحشرمتجهين بجموعهم إلى الله
في هيئة واحدة وفي ساعة بعث واحدة ..
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة،
يومٍ لاتغيب شمسه وتقترب ، من رؤوس الخلائق قدر ميل..
فيغرق الناس في عرقهم ... يومٌ ملئٌ بالكرب والأهوال .
يتذكر الحاج هذا اليوم ..
وهو تحت حر الشمس ولهيبها..
في النفرة من مزدلفة ، والوقوف بعرفة
والتوجه لرمي الجمرات ..
وفي كل تنقلاته في أداء مناسكه ..
وها هي الآيات في أول سورة الحج
ترسم لنا هذا المشهد الهائل ليوم الكرب العظيم ..
في تنبيه للمؤمنين من غفلتهم ،
ودعوتهم إلى تصحيح مااعوج من مسيرة حياتهم
اتقاءً لهول ذلك اليوم ..
بالإنابة إلى الله ... والتوبة النصوح
وطرح أدران النفس ، والتحرر من ربقة الذنوب..
يقول تعالى :
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ،
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ،
وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا
وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)..
تصوير لاأبلغ ولا أعمق منه قرعاً على النفوس !
آيات يقشعر من هول إيحاءاتها البدن ..
خشيةً وإشفاقاً..من مشهد يوم عظيم .!
( فهلا تداركنا ذنوبنا .. وهدنا إلى الله ؟)
2- تذكير بالجهاد ..
لما فيه من ارتحال من مكان لآخر ، وتدريب قاسٍ ،
وتعب ومشقة والتزام بأوقات وشعائر
أمر بها الله تعالى.. وعلمنا رسوله الكريم إياها.
وفيها جهاد للنفس وقمعها وترويضها على
مغالبة هواها .. والالتزام بالطاعة ..
ولذا نرى أن آيات الجهاد في سورة الحج..
جاءت مباشرة بعد آيات الحج .
3- تذكير بالعبودية لله تعالى
فالكل عبيده .. خاضعين لمشيئته .. ملبين نداءه ..
لافرق بين هذا وذاك .. ولا تميّز
ولا أفضلية .. ولا طبقية ..مهما كان انتمائه ..
ومهما علت منزلته .. وكبر شأنه ..
الكلٌ سواسية.. يدعون إلهاً واحداً
ويلتزمون شعائر واحدة .. ويقفون سويةً
لا فرق بين عبد .. وعبد.. إلا بالتقوى ..
فالأتقى عند الله ..الأكرم عنده .
4- الحج رحلة سلام روحي ..
حين يتنقل الحاج بين أماكن الشعائر ، فكأنه ينتقل من الحاضر الى التاريخ
ومن التاريخ الى الحاضر .. عبر مشاهد تغلب عليها الرمزية ..
هناك تتلاقى مشاعر الايمان والانتماء الديني والاجتماعي الواحد
ومشاعر الاخوة والوحدة بينه وبين الحجاج على اختلاف ألوانهم ،
فالحج ساحة سلام روحي يحقق في عالم الروح والشعور
من الوحدة والتقارب .. ما تخفق السياسة في تحقيقه واقعاً.
5- مابين الصفا والمروة
في السعي ذهاباً وإياباً يستحضر المسلم فقره وذله
وحاجته إلى الله في هداية قلبه، وصلاح حاله، وغفران ذنبه ،
وأن يهديه إلى الصراط المستقيم ، وأن يثبته عليه إلى مماته،
وأن يحوله من حاله الذي هو عليه من الذنوب والمعاصي،
إلى حال الغفران والسداد والاستقامة،
يستحضر هرولة هاجر ، ومعاناتها ، وما لاقت من المشاق والنصب
يعيش بقلب هذا الحدث مسترجعاً ذلك الزمن،
مع موقف خلده الله تعالى وكُرمت به هاجر جزاء صبرها وجلدها ..
وجعله آية تتلى ومنسكاً يؤتى.. قال تعالى :
( إن الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّه).
أشواق عابدة ~
قال شاهد :
حج قوم من العبّاد و فيهم عابدة، فجعلت تقول:
أين بيت ربي، أين بيت ربي؟ فيقولون: سترينه الآن
إذا دنت المنازل زاد شوقي - ولا سيما إذا دنت الخيامُ
فلما لاح البيت، قالوا لها :
هذا بيت الله ..بيت ربك وربنا ..
فاسرعت الخطى واللهفة والشوق يسبقانها وهي غير مصدقة عينيها
ومازالت تردد وتقول: بيت ربي، بيت ربي،
حتى وضعت جبهتها على البيت وسكنت على هيئتها
فلما رفعت كانت قد أسلمت الروح .
على صعيد عرفة ~
هو ذلك اليوم التاسع من ذي الحجة ..
اليوم الذي يباهي الله بأهل الموقف ملائكته ويبسط فيه
يد الرحمة والعفو والتوبة... ومن فاته هذا الموقف فقد فاته الحج..
فبه يبلغ الحاج قمة السمو الروحي
ويصل أعلى درجات الاجتهاد الإيماني..
واسمى منازل القرب من الله تعالى ..
كلما اجتهد قلبه في التهدج والاستغفار ..
وكلما انغمرت روحه في مسالك الدعاء ..
وكلما خشعت عيناه وأجهشت بالبكاء..
ندماً على مااقترف من الذنوب والمعاصي
وما قصر فيه من عبادات وطاعات
وما فاته من أعمال الخير ..
وما جناه وما ارتكبت يداه ..
يمر شريط حياته أمامه في هذا الموقف العظيم
فيدمى فؤاده ندماً .. ويتذلل في طلب المغفرة بقلب منيب
خاشعاً متمثلاً عظمة الخالق ، وعظم تقصيره في حقه ..
وكلما لجّت نفسه في طلب الغفران ...
وتمثل لها حجم ماارتكبته ..
كلما شعر بأنه بدأ يتحرر من عبء ثقيل كان يجثم على قلبه ..
وحمل ثقيل كان ينوء به كاهله
ويشعر وهو في استغراقه في موقفه الروحي..
بشدة القرب من الله ..وشدة الفقر إليه ..
وبذنوبه وهي تتساقط عنه ..
تساقط الورق الميت عن الشجرة الحية ..
ويشعر أن ما كان يرين على قلبه.. قد انجلى عنه
تاركاً صفحته بيضاء نقية ..
فمن منّ الله عليه بذلك ..
ووصل إلى هذه الدرجة من الشعور واليقين
فقد نال الجائزة الكبرى ..
جائزة العفو والغفران.. وهبات الرحمن التي لاتحصى ...
وعاد خفيف النفس من الأوهاق .. نقي الضمير من الذنوب ..
عاد إنساناً بفطرته السوية.. التي فطره الله عليها
كهيئته يوم ولدته أمه .
خاتمة ~
ويظل نداء الحج التوحيدي دائماً ..
تذكيراً لأمة الإسلام ..
بأن في مقدورها أن تنشر رسالة الوحدة والسلام
في إطار روحانية الدين..
إلى ديار الأمة الإسلامية كلها
وعالم الإنسانية أجمع ..
إذا هي صممت وتمردت على الشيطان ..
ولم تتردد في رجمه ومحاربته..
والتصدي لدعوات الشر التي ينفثها في روع المخدوعين
ليمزق وحدة المسلمين .. ويحقق شتاتهم ويفرق شملهم ..
فيا معشر الحجيج :
أخلوا قلوبكم عن ملهيات الدنيا ولبوا ..!
وبقولكم لبيت :
ادعو الله أن يشد أزر أمة الإسلام .. ويوحد شملها ..
ويعيد مجدها .. ويمحي انقسامها .. ويلم شعثها ..
ويلحم صدعها .. ويحيل هزيمتها نصراً .. ويرد ماسلب من مجدها
وما استبيح من أرضها ..
اللهم آمين .
فيضٌ وعِطرْ @fyd_oaatr
فريق الإدارة والمحتوى
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
امي حب دائم :موضوع قيم و مفيذ جزاك الله خيرا اخيتي على هذا الموضوع الجامع و الكلمات المعبرة و الجهذ المبدول و جعله في ميزان حسناتكموضوع قيم و مفيذ جزاك الله خيرا اخيتي على هذا الموضوع الجامع و الكلمات المعبرة و الجهذ...
أختي الغالية :
شكراً لفرات حرفك ..
أفاض الله عليك الخير ..
وبارك بك .
شكراً لفرات حرفك ..
أفاض الله عليك الخير ..
وبارك بك .
الجيل الجديد . :بارك الله فيكِ أختي فيضبارك الله فيكِ أختي فيض
شكراً لك مرورك الكريم
أختي الجيل
وجزاك الله كل الخير
أختي الجيل
وجزاك الله كل الخير
الصفحة الأخيرة
جزاك الله خيرا اخيتي على هذا الموضوع الجامع و الكلمات المعبرة و الجهذ المبدول
و جعله في ميزان حسناتك