حلال العقد
اجتمعت عليك همومك....؟؟
وتفرق قلبك في كل واد وتفكيرك..؟؟
احترت فيما نزل بك ...وما أشكل عليك....؟؟
اغلقت الأبواب في وجهك أينما اتجهت..؟؟
ضاقت عليك الأرض بما رحبت...؟؟
أنت ضعيف ...أنسيت ذلك...؟؟
اتريد الحل...؟؟
فوض أمرك إليه .....
فهو معنى التوكل عليه....
اعترف بأنك لاتملك حولا ولا قوة ولا علما....
وأن الله كافيك وقائم على أمورك ومصالحك...
لينطرح قلبك بين يدي ربك ...ومولاك والعالم بأمرك.....
كانطراح الميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء...
واسترسل مع الله فيما قدره لك وقضاه...
وسلم لمولاك وأعلن رضاك ...
وردد :
( فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَـادِرُونَ )
أخي ...أختي...
إن توكلك على الله ليس باللسان ....
بل برضاك عن ربك بما فعل بك......
تعلق به في كل حال لا في الشدائد فحسب ....
بل حتى في النعم إذ يرزقك من حيث لا تحتسب...
سبحان الله...أتشك في الله أن لا يختار لك ما هو أصلح بك...؟؟
إن هذا لا يليق بك مع الملوك ...فكيف بملك الملوك...؟؟
حرك جوارحك واعمل الأسباب الظاهرة ...
ولكن ليسكن باطنك ... برضاك عن ربك..
أخي ...أختي...
لا توكل صحيح بدون عمل بالأسباب
وإنما المطلوب :
قطع علائق القلب بغير الرب ....وأن تبذل السبب...
توكل عليه....وستجد ما وعدك به...
وسلم له...وسترى فعله...وفوض أمرك إليه وستشاهد حكمته...
أخي ...أختي...
إن بداية الطريق إليه...وشرط التوكل عليه
أن تعرفه إذ كيف تتوكل على من تجهله...؟؟
فهل عرفت قدرته...؟؟ وهل عرفت كفايته وقيوميته...
هل عرفت أن الأمور تبدأ منه وتنتهي إليه..
وهل عرفت أنه لا يكون شئ إلا بعلمه وحكمته...؟؟
وهل تعلق قلبك بأسمائه وصفاته...
تأمل وعلق قلبك بصفات ربك :
الفتَّاح الوهَّاب الرزَّاق المعطي العفو الرحيم التواب
ستكتشف بعدها أنك :
كلما قويت معرفتك بالله قوي توكلك عليه...
أخي ...أختي...
إن من شرط التوكل أيضاًُ :
أن تعمل بالأسباب ولا تنفيها ...
فقد قضى الله عزوجل بحصول أي أمر لك إذا فعلت سببه....
فقد قضى بالشبع لمن أكل وبالرِّي لمن شرب..
فمن اعتمد على الأسباب ضل وزل..
إذ لم يعتمد على الله عز وجل...
ومن نفاها وأنكرها لم يعرف طريق التوكل على ربه...
بل اتهمه في عقله....
أخي ...أختي...
من شرط التوكل عليه :
صحة التوحيد وسلامة المعتقد...
فبقدر توحيد القلب.... يكون التوكل على الرب....
ومتى التفت القلب لغير الله.... وكله إليه الله...
أخي...أختي...
متى يسكن قلبك .... راضيا عن ربك فيما قضى لك...؟؟
إذا أقبلت إليك الدنيا فلا تبالي بها ولا تتعلق بها ...!!!
فقد وكلَّت ربك في تدبير شؤونك...
وإذا أدبرت عنك وولت وتخلت....
فاعلم أنك وكلت من بيده خزائن السماوات والأرض..
يا أيها المتوكل الراضي عن ربه...تذكر أنك في حفظ الله وحصنه..
فلماذا يضطرب قلبك عندما ترى عدوك...أنسيت أنك في الحصن..؟؟
أخي ...أختي..
أتذكر أيام طفولتك...!!
لقد كان حال طفولتك خير من حال شبتك وقوتك ؟
كنت لا تعرف شيئا تأوي إليه إلا ثدي أمك..
لقد وثقت به وتوكلت عليه..
واليوم لا تعرف كيف تأوي إلى ربك..؟؟
وقد عقلت دينه ...وعلمت قدرته...!!!
سبحان الله ....!!
ما نقص توكلك على الله إلا بسوء ظنك بالله...
وما قوي توكلك إلا بحسن ظنك في ربك...
فأحسن الظن فيه...يكن عند ظنك به...
أخي...أختي...
هيا استسلم لله فيما دبره لك وفيما فعله بك...
واعمل ما أمرك بفعله واترك ما دعاك لتركه...
تكن متوكلا عليه راضيا به...
انظر إلى طفلك ...كيف تعلق بك ووكل كل أمره لك...
فضعفه وقلة حيلته وعجزه جعله يفوض فيك أمره...
ولعلمه بشفقتك به ورحمتك وحسن كفايتك وولايتك..
أعظم من عنايته هو بنفسه..
فكن كذلك مع ربك.... وفوض له جميع أمرك...
وتذكر الطير في السماء وتوكله على الله..
قَالَ رَسُولُ الله: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى الله حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ
كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَاناً» .
أخي ...أختي...
لمحة خاطفة سريعة...
في سيرة صاحب الشريعة..
تأمل معي فيها ما قاله سيد المتوكلين على الله ....
رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستخارة :
(اللَّهمَّ إني أستخيرُكَ بعلمك، وأستَقدِرُكَ بقُدرَتِكَ، وأسألُكَ من فضلكَ العظيمِ،
فإنَّكَ تَقدِرُ ولا أقدِرُ، وتَعلمُ ولا أعلَمُ وأنتَ علاَّمُ الغُيوب. اللَّهمَّ إن كنتَ تَعلمُ
أنَّ هذا الأمرَ خيرٌ لي في دِيني ومَعاشي وعاقبةِ أمري ـ أو قال:
عاجِل أمري وآجلِهِ ـ فاقدُرْهُ لي، ويَسِّرْهُ لي، ثمَّ باركْ لي فيه.
وإن كنتَ تَعلمُ أنَّ هذا الأمرَ شرٌّ لي في دِيني ومَعاشي وعاقبةِ أمري ـ أو قال:
في عاجل أمري وآجله ـ فاصرِفهُ عَنّي واصرفني عنهُ،
واقدُر لي الخيرَ حيثُ كان، ثمَّ أرضني به )
انظر إلى التوكل منه قبل الفعل ....
والرضا منه بعد الفعل...
انظرالى التبرؤ من الحول والقوة والعلم...
نعم لقد توكل عليه في كل شئ
صلى الله عليه وسلم...
انظر إليه يقوم بالأسباب المنوطة به والواجبة عليه....
ثم يمد يديه : ( اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل )
وها هو يقوم ليله مناجٍ ربه:
(اللهمَّ لك أسلمتُ وعليك توكلتُ وبك آمنتُ وإليك أنبتُ )
وكَانَ إذَا رَكَعَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ
أَنْتَ رَبِّـي خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَدَمِي وَلَحْمِي
وَعَظْمِي وَعَصَبِـي للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».
وكان يقول : «اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ. وَبِكَ آمَنْتُ. وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ . وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ.
وَبِكَ خَاصَمْتُ . اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ،
أَنْ تُضِلَّنِي. أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ. وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ».
كان إذا خرج من بيته قال: «بِسْمِ الله تَوَكَّلْتُ عَلى الله، اللّهُمَّ إنّي أَعُوذُ بِكَ
مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ أو نظلم، أَوْ نُظْلِمَ، أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنا» .
أخيراً...
اللهم اجعلنا من المتوكلين عليك برحمتك يا أرحم الراحمين
وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
محبكم
متأمل
( حلال العقد )

الكادي-83 @alkady_83
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

الكادي-83 :
أروي لكم قصة نقلتها عن التوكل على الله سبحانه { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } حكي أن حاتما الأصم كان رجلا كثير العيال، وكان له أولاد ذكور وإناث، ولم يكن يملك حبة واحدة، وكان قدمه التوكل. فجلس ذات ليلة مع أصحابه يتحدث معهم فتعرضوا لذكر الحج، فداخل الشوق قلبه، ثم دخل على أولاده فجلس معهم يحدثهم، ثم قال لهم: لو أذنتم لأبيكم أن يذهب إلى بيت ربه في هذا العام حاجا، ويدعو لكم،ماذا عليكم لو فعلتم؟ فقالت زوجته وأولاده: أنت على هذه الحالة لا تملك شيئا، ونحن على ما ترى من الفاقة، فكيف تريد ذلك ونحن بهذه الحالة؟ وكان له ابنة صغيرة فقالت: ماذا عليكم لو أذنتم له، ولا يهمكم ذلك، دعوه يذهب حيث شاء فإنه مناول الرزق، وليس برازق، فذكرتهم ذلك. فقالوا: صدقت والله هذه الصغيرة يا أبانا، انطلق حيث أحببت. فقام من وقته وساعته واحرم بالحج، وخرج مسافرا وأصبح أهل بيته يدخل عليهم جيرانهم يوبخونهم، كيف أذنوا له بالحج، وتأسف على فراقه أصحابه وجيرانه، فجعل أولاده يلومون تلك الصغيرة، ويقولون: لو سكت ما تكلمنا. فرفعت الصغيرة طرفها إلى السماء وقالت: إلهي وسيدي ومولاي عودت القوم بفضلك، وأنك لا تضيعهم، فلا تخيبهم ولا تخجلني معهم. فبينما هم على هذهالحالة إذ خرج أمير البلدة متصيدا فانقطع عن عسكره وأصحابه، فحصل له عطش شديد فاجتاز بيت الرجل الصالح حاتم الأصم فاستسقى منهم ماء، وقرع الباب فقالوا: من أنت؟ قال: الأمير ببابكم يستسقيكم. فرفعت زوجة حاتم رأسها إلى السماء وقالت: الهي وسيدي سبحانك، البارحة بتنا جياعا، واليوم يقف الأمير على بابنا يستسقينا، ثم أنها أخذت كوزا (وعاء صغير للشرب) جديدا وملأته ماء، وقالت للمتناول منها:اعذرونا، فأخذ الأمير الكوز وشرب منه فاستطاب الشرب من ذلك الماء فقال: هذه الدار لأمير، فقال: لا والله، بل لعبد من عباد الله الصالحين عرف بحاتم الأصم. فقال الأمير: لقد سمعت به. فقال الوزير: يا سيدي لقد سمعت أنه البارحة احرم بالحج وسافر ولم يخلف لعياله شيئا، وأخبرت أنهم البارحة باتوا جياعا. فقال الأمير: ونحن أيضا قد ثقلنا عليهم اليوم، وليس من المروءة أن يثقل مثلنا على مثلهم. ثم حلّ الأمير منطقته من وسطه ورمى بها في الدار، ثم قال لأصحابه: من أحبني فليلقِ منطقته، فحل جميع أصحابه مناطقهم ورموا بها إليهم ثم انصرفوا. فقال الوزير السلام عليكم أهل البيت لآتينكم الساعة بثمن هذه المناطق، فلما نزل الأمير رجع إليهم الوزير،ودفع إليهم ثمن المناطق مالا جزيلا، واستردها منهم. فلما رأت الصبية الصغيرةذلك بكت بكاء شديدا فقالوا لها: ما هذا البكاء إنما يجب أن تفرحي، فإن الله وسع علينا. فقالت: يا أم، والله إنما بكائي كيف بتنا البارحة جياعا، فنظرإلينا مخلوق نظرة واحدة، فأغنانا بعد فقرنا، فالكريم الخالق إذا نظر إلينا لا يكلنا إلى أحد طرفة عين، اللهم انظر إلى أبينا ودبره بأحسن تدبير. هذا ما كان من أمرهم. وأما ما كان من أمر حاتم أبيهم فإنه لما خرج محرما، ولحق بالقوم توجع أمير الركب، فطلبوا له طبيبا فلم يجدوا، فقال: هل من عبد صالح؟ فدلّ على حاتم، فلما دخل عليه وكلمه دعا له فعوفي الأمير من وقته، فأمر له بما يركب، وما يأكل، وما يشرب. فنام تلك الليلة مفكرا في أمر عياله، فقيل له في منامه: يا حاتم من أصلح معاملته أصلحنا معاملتنا معه، ثم أخبر بما كان من أمر عياله، فأكثر الثناء على الله تعالى، فلما قضى حجه ورجع تلقاه أولاده فعانق الصبية الصغيرة وبكى ثم قال: صغار قوم كبار قوم آخرين وإن الله لا ينظر إلى أكبركم ولكن ينظر إلى أعرفكم به فعليكم بمعرفته والاتكال عليه، فإنه من توكل على الله فهو حسبه...... اللهم ارزقني حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك يا اللهأروي لكم قصة نقلتها عن التوكل على الله سبحانه { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } حكي أن...
دخل أحد الصحابة مسجد رسول الله صلى عليه وسلم في غير وقت الصلاة .
فوجد غلاماً لم يبلغ العاشرة من عمره قائماً يصلى بخشوع
إنتظر حتى انتهى من صلاته
فجاء إليه وسلم عليه وقال له :
يا بني إبن من أنت ..؟
فطأطأ الغلام رأسه
وانحدرت دمعة على خده
ثم رفع رأسه
وقال : يا عم إني يتيم الأب والأم
فرق له الصحابي
وقال له:
يا بني أترضى أن تكون ابنا لي ؟
فقال الغلام: هل إذا جعت تطعمني ؟
قال: نعم
فقال الغلام: هل إذا عريت تكسوني ؟
قال: نعم
فقال الغلام: هل إذا مرضت تشفيني ؟
قال الصحابي
ليس إلى ذلك سبيل يا بني
قال الغلام: هل إذا مت تحيني؟
قال الصحابي:
ليس إلى ذلك سبيل
قال الغلام :
فدعني يا عم
للذي خلقني فهو يهدين
والذي هو يطعمني ويسقين
وإذا مرضت فهو يشفين
والذي يميتني ثم يحين
والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين
فسكت الصحابي ومضى لحاله
وهو يقول
آآآآمنت بالله ... من توكل على الله كفاه
فوجد غلاماً لم يبلغ العاشرة من عمره قائماً يصلى بخشوع
إنتظر حتى انتهى من صلاته
فجاء إليه وسلم عليه وقال له :
يا بني إبن من أنت ..؟
فطأطأ الغلام رأسه
وانحدرت دمعة على خده
ثم رفع رأسه
وقال : يا عم إني يتيم الأب والأم
فرق له الصحابي
وقال له:
يا بني أترضى أن تكون ابنا لي ؟
فقال الغلام: هل إذا جعت تطعمني ؟
قال: نعم
فقال الغلام: هل إذا عريت تكسوني ؟
قال: نعم
فقال الغلام: هل إذا مرضت تشفيني ؟
قال الصحابي
ليس إلى ذلك سبيل يا بني
قال الغلام: هل إذا مت تحيني؟
قال الصحابي:
ليس إلى ذلك سبيل
قال الغلام :
فدعني يا عم
للذي خلقني فهو يهدين
والذي هو يطعمني ويسقين
وإذا مرضت فهو يشفين
والذي يميتني ثم يحين
والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين
فسكت الصحابي ومضى لحاله
وهو يقول
آآآآمنت بالله ... من توكل على الله كفاه



الصفحة الأخيرة
{ ومن يتوكل على الله فهو حسبه }
حكي أن حاتما الأصم كان رجلا كثير العيال، وكان له أولاد ذكور وإناث،
ولم يكن يملك حبة واحدة، وكان قدمه التوكل. فجلس ذات ليلة مع أصحابه
يتحدث معهم فتعرضوا لذكر الحج، فداخل الشوق قلبه، ثم دخل على أولاده
فجلس معهم يحدثهم، ثم قال لهم: لو أذنتم لأبيكم أن يذهب إلى بيت ربه
في هذا العام حاجا، ويدعو لكم،ماذا عليكم لو فعلتم؟ فقالت زوجته وأولاده:
أنت على هذه الحالة لا تملك شيئا، ونحن على ما ترى من الفاقة،
فكيف تريد ذلك ونحن بهذه الحالة؟ وكان له ابنة صغيرة فقالت: ماذا عليكم
لو أذنتم له، ولا يهمكم ذلك، دعوه يذهب حيث شاء فإنه مناول الرزق،
وليس برازق، فذكرتهم ذلك. فقالوا: صدقت والله هذه الصغيرة يا أبانا،
انطلق حيث أحببت. فقام من وقته وساعته واحرم بالحج، وخرج
مسافرا وأصبح أهل بيته يدخل عليهم جيرانهم يوبخونهم، كيف أذنوا له بالحج،
وتأسف على فراقه أصحابه وجيرانه، فجعل أولاده يلومون تلك الصغيرة،
ويقولون: لو سكت ما تكلمنا. فرفعت الصغيرة طرفها إلى السماء وقالت:
إلهي وسيدي ومولاي عودت القوم بفضلك، وأنك لا تضيعهم،
فلا تخيبهم ولا تخجلني معهم. فبينما هم على هذهالحالة إذ خرج أمير البلدة
متصيدا فانقطع عن عسكره وأصحابه، فحصل له عطش شديد
فاجتاز بيت الرجل الصالح حاتم الأصم فاستسقى منهم ماء، وقرع الباب فقالوا:
من أنت؟ قال: الأمير ببابكم يستسقيكم. فرفعت زوجة حاتم رأسها إلى السماء
وقالت: الهي وسيدي سبحانك، البارحة بتنا جياعا، واليوم يقف الأمير
على بابنا يستسقينا، ثم أنها أخذت كوزا (وعاء صغير للشرب) جديدا وملأته ماء،
وقالت للمتناول منها:اعذرونا، فأخذ الأمير الكوز وشرب منه فاستطاب الشرب
من ذلك الماء فقال: هذه الدار لأمير، فقال: لا والله، بل لعبد من عباد الله الصالحين
عرف بحاتم الأصم. فقال الأمير: لقد سمعت به. فقال الوزير: يا سيدي لقد سمعت
أنه البارحة احرم بالحج وسافر ولم يخلف لعياله شيئا، وأخبرت أنهم البارحة
باتوا جياعا. فقال الأمير: ونحن أيضا قد ثقلنا عليهم اليوم، وليس من المروءة
أن يثقل مثلنا على مثلهم. ثم حلّ الأمير منطقته من وسطه ورمى بها في الدار،
ثم قال لأصحابه: من أحبني فليلقِ منطقته، فحل جميع أصحابه مناطقهم ورموا بها
إليهم ثم انصرفوا. فقال الوزير السلام عليكم أهل البيت لآتينكم الساعة بثمن
هذه المناطق، فلما نزل الأمير رجع إليهم الوزير،ودفع إليهم ثمن المناطق
مالا جزيلا، واستردها منهم. فلما رأت الصبية الصغيرةذلك بكت بكاء شديدا
فقالوا لها: ما هذا البكاء إنما يجب أن تفرحي، فإن الله
وسع علينا. فقالت: يا أم، والله إنما بكائي كيف بتنا البارحة جياعا،
فنظرإلينا مخلوق نظرة واحدة، فأغنانا بعد فقرنا، فالكريم الخالق إذا نظر إلينا
لا يكلنا إلى أحد طرفة عين، اللهم انظر إلى أبينا ودبره بأحسن تدبير. هذا ما كان
من أمرهم.
وأما ما كان من أمر حاتم أبيهم فإنه لما خرج محرما، ولحق بالقوم توجع أمير
الركب، فطلبوا له طبيبا فلم يجدوا، فقال: هل من عبد صالح؟ فدلّ على حاتم،
فلما دخل عليه وكلمه دعا له فعوفي الأمير من وقته، فأمر له بما يركب،
وما يأكل، وما يشرب. فنام تلك الليلة مفكرا في أمر عياله،
فقيل له في منامه: يا حاتم من أصلح معاملته أصلحنا معاملتنا معه،
ثم أخبر بما كان من أمر عياله، فأكثر الثناء على الله تعالى،
فلما قضى حجه ورجع تلقاه أولاده فعانق الصبية الصغيرة وبكى ثم
قال: صغار قوم كبار قوم آخرين وإن الله لا ينظر إلى أكبركم ولكن
ينظر إلى أعرفكم به فعليكم بمعرفته والاتكال عليه،
فإنه من توكل على الله فهو حسبه......
اللهم ارزقني حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك يا الله