تحبي تكوني قنوعه .. اقرأي هذا الموضوع للفائده

الأسرة والمجتمع

من كتاب العلامة أبو حامد الغزالي "إحياء علوم الدين"
بـيان علاج الحرص والطمع، والدواء الذي يكتسب به صفة القناعة:
اعلم أنّ هذا الدواء مركب من ثلاثة أركان: الصبر والعلم والعمل، ومجموع ذلك خمسة أمور:
الأول: وهو العمل؛ الاقتصاد في المعيشة والرفق في الإنفاق، فمن أراد عز القناعة فينبغي أن يسدّ عن نفسه أبواب الخروج ما أمكنه ويردّ نفسه إلا ما لا بدّ منه، فمن كثر خرجه واتسع انفاقه لم تمكنه القناعة، بل إن كان وحده فينبغي أن يقنع بثوب واحد خشن، ويقنع بأي طعام كان؛ ويقلل من الإدام ما أمكنه، ويوطن نفسه عليه وإن كان له عيال فيردّ كل واحد إلى هذا القدر؛ فإن هذا القدر يتيسر بأدنى جهد. ويمكن معه الإجمال في الطلب والاقتصاد في المعيشة وهو الأصل في القناعة؛ ونعني به الرفق في الإنفاق وترك الخرق فيه، قال رسول الله : «إنَّ الله يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأمْرِ كُلِّهِ» ، وقال : «ما عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ» ، وقال : «ثَلاثٌ مُنْجِيَاتٌ؛ خَشْيَةُ الله فِي السِّرِّ وَالعَلاَنِيَةِ، وَالقَصْدُ فِي الغِنَى والفَقْرِ، وَالعَدْلُ فِي الرِّضَا وَالغَضَبِ» ، وروي أن رجلاً أبصر أبا الدرداء يلتقط حباً من الأرض وهو يقول: إن من فقهك رفقك في معيشتك. وقال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: قال النبـيّ : «الاقْتِصَادُ وَحُسْنُ السَّمْتِ وَالهَدْيُ الصَّالِحُ جُزْءٌ مِنْ بِضْعٍ وَعِشْرِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ» .
وفي الخبر: «التَّدْبِـيرُ نِصْفُ المَعِيشَةِ» ، وقال : «مَنِ اقْتَصَدَ أَغْنَاهُ الله، وَمَنْ بَذَّرَ أَفْقَرَهُ الله، وَمَنْ ذَكَرَ الله عَزَّ وَجَلَّ أَحَبَّهُ الله» ، وقال : «إذا أَرَدْتَ أَمْراً فَعَلَيْكَ بِالتُّؤَدَةِ حَتَّى يَجْعَلَ الله لَكَ فَرَجاً وَمَخْرَجاً» ، والتؤدة في الإنفاق من أهم الأمور.
الثاني: أنه إذا تيسر له في الحال ما يكفيه فلا ينبغي أن يكون شديد الاضطراب لأجل المستقبل، ويعينه على ذلك قصر الأمل، والتحقق بأن الرزق الذي قدّر له فلا بدّ وأن يأتيه وإن لم يشتد حرصه، فإن شدّة الحرص ليست هي السبب لوصول الأرزاق، بل ينبغي أن يكون واثقاً بوعد الله تعالى إذ قال عز وجل: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ في الأرْضِ إلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} وذلك لأن الشيطان يعده الفقر ويأمره بالفحشاء ويقول: إن لم تحرص على الجمع والادخار فربما تمرض وربما تعجز وتحتاج إلى احتمال الذل في السؤال، فلا يزال طول العمر يتعبه في الطلب خوفاً من الفقر، ويضحك عليه في احتماله التعب نقدا مع الغفلة عن الله لتوهم تعب في ثاني الحال وربما لا يكون.

وفي مثله قيل:
مَنْ ينفقِ السَّاعات في جمع مالهِ
مخافة فقرٍ فالذي فعل الفقر
وقد دخل ابنا خالد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما: «لا تَيْأَسا مِنَ الرِّزْقِ ما تَهَزْهَزَتْ رُؤُوسُكُمَا فَإنَّ الإنْسَانَ تَلِدُهُ أُمُهُ أَحْمَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرٌ ثُمَّ يَرْزُقُهُ الله تَعَالَى» ، ومرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن مسعود وهو حزين فقال له: «لا تُكْثِرْ هَمَّكَ ما قُدِّرَ يَكُنْ وَمَا تُرْزَقْ يَأْتِكَ» ، وقال : «أَلا أَيُّها النَّاسُ أَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإنَّهُ لَيْسَ لِعَبْدٍ إلاّ ما كُتِبَ لَهُ وَلَنْ يَذْهَبَ عَبْدٌ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَهُ ما كُتِبَ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ» ، ولا ينفك الإنسان عن الحرص إلا بحسن ثقته بتدبـير الله تعالى في تقدير أرزاق العباد، وأن ذلك يحصل لا محالة مع الإجمال في الطلب، بل ينبغي أن يعلم أن رزق الله للعبد من حيث لا يحتسب أكثر. قال تعالى: {وَمَنْ يتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} فإذا انسد عليه باب كان ينتظر الرزق منه فلا ينبغي أن يضطرب قلبه لأجله، وقال : «أَبَى الله أَنْ يَرْزُقَ عَبْدَهُ المُؤْمِنَ إلاّ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» ، وقال سفيان: اتق الله فما رأيت تقياً محتاجاً. أي لا يترك التقي فاقداً لضرورته، بل يلقي الله في قلوب المسلمين أن يوصلوا إليه رزقه. وقال المفضل الضبـي: قلت لأعرابـي من أين معاشك؟ قال: نذر الحاج، قلت: فإذا صدروا، فبكى وقال: لو لم نعش إلا من حيث ندري لم نعش. وقال أبو حازم رضي الله عنه: وجدت الدنيا شيئين: شيئاً منهما هو لي، فلن أعجله قبل وقته ولو طلبته بقوة السماوات والأرض. وشيئاً منهما هو لغيري فلذلك لم أنله فيما مضى فلا أرجوه فيما بقي، يمنع الذي لغيري مني كما يمنع الذي لي من غيري، ففي أي هذين أفني عمري؟ فهذا دواء من جهة المعرفة لا بد منه لدفع تخويف الشيطان. وإنذاره بالفقر.
الثالث: أن يعرف ما في القناعة من عز الاستغناء وما في الحرص والطمع من الذل، فإذا تحقق عنده ذلك انبعثت رغبته إلى القناعة لأنه في الحرص لا يخلو من تعب، وفي الطمع لا يخلو من ذل. وليس في القناعة إلا ألم الصبر عن الشهوات والفضول. وهذا ألم لا يطلع عليه أحد إلا الله وفيه ثواب الآخرة. وذلك مما يضاف إليه نظر الناس وفيه الوبال والمأثم. ثم يفوته عز النفس والقدرة على متابعة الحق فإن من كثر طمعه وحرصه كثرت حاجته إلى الناس فلا يمكنه دعوتهم إلى الحق ويلزمه المداهنة، وذلك يهلك دينه ومن لا يؤثر عز النفس على شهوة البطن فهو ركيك العقل ناقص الإيمان، قال : «عز المؤمن استغناؤه عن الناس» ، ففي القناعة الحرّية والعز. ولذلك قيل: استغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، وأحسن إلى ما شئت تكن أميره.


الرابع: أن يكثر تأمله في تنعم اليهود والنصارى وأراذل الناس والحمقى من الأكراد والأعراب والأجلاف ومن لا دين لهم ولا عقل. ثم ينظر إلى أحوال الأنبـياء والأولياء، وإلى سمت الخلفاء الراشدين، وسائر الصحابة والتابعين، ويستمع أحاديثهم ويطالع أحوالهم. ويخير عقله بـين أن يكون على مشابهة أراذل الناس أو على الاقتداء بمن هم أعز أصناف الخلق عند الله، حتى يهون عليه بذلك الصبر على الضنك والقناعة باليسير، فإنه إن تنعم في البطن، فالحمار أكثر أكلاً منه، وإن تنعم في الوقاع فالخنزير أعلى رتبة منه، وإن تزين في الملبس والحلي ففي اليهود من أعلى زينة منه، وإن قنع بالقليل ورضي به لم يساهمه في رتبته إلا الأنبـياء والأولياء.
الخامس: أن يفهم ما في جمع المال من الخطر ــــ كما ذكرناه في آفات المال ــــ وما فيه من خوف السرقة والنهب والضياع؛ وما في خلو اليد من الأمن والفراغ، ويتأمل ما ذكرناه في آفات المال مع ما يفوته من المدافعة عن باب الجنة إلى خمسمائة عام، فإنه إذا لم يقنع بما يكفيه ألحق بزمرة الأغنياء وأخرج من جريدة الفقراء. ويتم ذلك بأن ينظر أبداً إلى من دونه في الدنيا لا إلى من فوقه، فإن الشيطان أبداً يصرف نظره في الدنيا إلى من فوقه فيقول لم تفتر عن الطلب وأرباب الأموال يتنعمون في المطاعم والملابس ويصرف نظره في الدين إلى من دونه فيقول: ولم تضيق على نفسك وتخاف الله وفلان أعلم منك وهو لا يخاف الله؟ والناس كلهم مشغولون بالتنعم فلم تريد أن تتميز عنهم؟ قال أبو ذرّ: أوصاني خليلي صلوات الله عليه أن أنظر إلى من هو دوني لا إلى من هو فوقي أي في الدنيا. وقال أبو هريرة: قال رسول الله : «إذا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إلَى مَنْ فَضَّلَهُ الله عَلَيْهِ فِي المَالِ وَالخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ» ، فبهذه الأمور يقدر على اكتساب خلق القناعة. وعماد الأمر الصبر وقصر الأمل، وأن يعلم أن غاية صبره في الدنيا أيام قلائل للتمتع دهراً طويلاً، فيكون كالمريض الذي يصبر على مرارة الدواء لشدّة طمعه في انتظار الشفاء».


موضوع قرأته فأحببت ان أنقله لتعم الفائده :27:

4
796

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

حلا الروح..
حلا الروح..
جزاك الله خيرا

الله يرزقنا القنــــــــــــــــــــــاعه
آنسه فواكه
آنسه فواكه
بارك الله فيك
آنسه فواكه
آنسه فواكه
سبحان الله وبحمده
آنسه فواكه
آنسه فواكه
up