عندما تسلب العقول وتفسد القلوب وتعمى البصائر، تختل الموازين، وتنحط القيم، ويخرج الإنسان من دائرة التمدن يخرج من دائرة التمدن إلى دائرة الغاب، ومن عالم البشر إلى عالم الحيوانات.
فيعتدي على ضرورات حياة الناس: دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، مسوغا كل ما يتعاطاه من تصرفات، بشتى أنواع المسوغات، يلبسها لباس الحرية وهو لمن يدعي تحريره مستعبِد، ويعلن أنه يريد تحقيق الديمقراطية وهو "دكتاتور" مستبِد، ويزعم أنه ينصر المظلوم على الظالم، وهو المعتدي الظلوم الغاشم.
يحرف معاني الكلمات ويغير ما تحمله المصطلحات، متبعا سيده الشيطان، الذي قال لأبي البشر مضلا له عن طاعة الخالق:
((قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى)) ومضاهيا لأخيه الغابر الذي جعل الرشد سفها والسفه رشدا، عندما أفحمه المؤمن من آله بقوة حجته، فلم يجد في الرد عليه إلا قلب الحقائق: ((قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ))
وهذا ما نراه اليوم من تصرفات اليهود والصليبيين المعاصرين، من عدوان سافر على الشعوب الإسلامية التي من أبرزها - بعد الأرض المباركة "فلسطين" - الشعب العراقي المسلم، الذي عاثوا فيه فسادا، وأهلكوا فيه الحرث والنسل.
إنهم يفعلون كل ذلك باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والتحرير والإعمار، يهدمون بهذا المسوغ الآثم المدن على ساكنيها، والمساجد على المصلين فيها، ويُجهزون برصاصهم على الجرحى العُزْل من السلاح، ويسحبونهم بأرجلهم في مساجدهم مظهرين التشفي بهم وإذلالهم بعد موتهم، ويركمون بعضهم فوق بعض، ويسحلونهم في الشوارع ثم يرمونهم كما ترمى جثث الكلاب، لا فرق بين صغير وكبير ولا رجل وامرأة، قتل شامل وإبادة جماعية، يرى بعضَها العالَمُ في وسائل إعلام المعتدين، ويخفون ما هو أفظع وأبشع عن الأعين، لمنعهم وسائل الإعلام المحايدة عن نقل الصورة الكاملة...
وحلت محل تلك الوسائل فضائيات أسماؤها عراقية، نبتت كما بنبت الفطر في وقت قصير، وحقيقة غالب برامجها السياسية والاجتماعية أمريكية، لتنوب عن الفضائية الأمريكية "الحرة" التي فشلت في إقناع العالم بتحسين الوجه القبيح للإدارة الأمريكية...
هذه الأعمال الوحشية هي عند شياطين الغرب وعملائهم تحرير وإعمار وديمقراطية وحماية لحقوق الإنسان، وفي مدينة الفلوجة حجة وبرهان!
حرب إبادة في الفلوجة
لثلاثاء 27/9/1425 هـ - الموافق9/11/2004 م
"في هذه الأثناء تواصلت حملات التنديد بما يجري في الفلوجة، فقد ناشد الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق الدكتور حارث الضاري الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وأصحاب الضمائر الحية في العالم التنبه إلى ما دعاها المجازر وحرب الإبادة في الفلوجة. وأكد الضاري أن المقاومة في العراق حق مشروع وأن الهيئة مع هذا الحق."
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/FF813A4F-B0A4-4EEA-86C1-A56ADAABE657.htm
http://www.qudspress.com/data/aspx/d27/8457.aspx
وفي دارفور حرب إبادة!
دارفور التي حدثت فيها الخلافات بين قبائلها، بأسباب المياه والزراعة ورعي المواشي، وبين حين وآخر تحاول حكومة الخرطوم التدخل في تلك الصراعات للحد من الاقتتال، وهي حكومة ذات سيادة على شعبها، لها حق التدخل لمنع عدوان بعض القبائل على بعض، بل إن ذلك الحق واجب عليها.
ومعلوم ما حدث ويحدث بين حكومات السودان المتعاقبة والأحزاب المعارضة من الخلاف والنزاع منذ نال السودان استقلاله، وهذا هو أصل البلاء الذي أفسد حياة السودانيين وكدر معاشهم، ولو سلموا منه لما استطاع أعداؤهم تحقيق مآربهم في شعبهم.
ومعلوم كذلك تدخل أعداء السودان من الغربيين، وبخاصة أمريكا في شئونه وإيقاد نار الحرب بين حكوماته وأحزابه وأعراقه، حرصا منهم على استمرار اضطرابه وتفتيت وحدته.
تشهد على ذلك السنوات الطوال التي أمدوا فيها المتمردين في الجنوب بالمال والسلاح، حيث أزهقت بذلك الألوف المؤلفة من الأرواح، واستنزفت فيه مليارات الأموال، وحطم به الاقتصاد، إضافة إلى تحريش بعض الدول المحيطة بالسودان على حكوماته، لإشغالها عن البناء والتنمية والتعمير.
وما قضية دارفور إلا واحدة من المآسي السودانية التي اهتبلها أعداء السودان ووسعوا دائرة الصراع فيها، وأغروا القبائل المتناحرة بالمزيد من التقاتل والتمرد على الخرطوم، ومقصدهم الحقيقي الذي لا يخفى على أحد، هو تقسيم السودان الذي حسدوه على مساحة أراضيه وما يحويه من خيرات، من مياه وأراض خصبة وبترول ومعادن.
والأهم من ذلك كله تمسك الشعب السوداني بإسلامه وعاطفته الجياشة، وحبه الخير لكل أقاليمه، التي سارع أهلها إلى الدخول في هذا الدين، استجابة لدعاة فقراء لا يملك غالبهم إلا قوت يومه وليلته، برغم ما تقوم به المؤسسات التنصيرية من حملات مدعومة بالمال والرجال، متخذة وسائل التعليم والصحة وغيرها من المرافق والإمكانات ذريعة لنشر دينها المحرف.
لقد اتخذت الإدارة الأمريكية وبعض الدول الغربية، قضية نزاع القبائل في دارفور ذريعة للتدخل السافر في شئون السودان الداخلية، وهولت الأمر وادعت أن الحكومة تدعم بعض القبائل، دعما أدى إلى حرب إبادة على القبائل الأخرى، وأن الحكومة تمنع وصول المواد الإغاثية للقبائل المغلوبة، و أن نساء تلك القبائل تعرضن للاغتصاب.
واستعانت بمجلس الأمن الذي غالبا ما تضغط عليه الإدارة الأمريكية حتى يقف بجانبها في حق أو باطل، مع العلم أن حكومة السودان بذلت كل ما في وسعها للتخفيف من الصراع، ومكنت هيئات الإغاثة من إيصال المؤن والأدوية والخيام إلى المتضررين، وأذنت لقوات أفريقية بدخول أراضيها لتثبيت الأمن في المنطقة... بل سمحت لطائرات الولايات المتحدة الأمريكية بنقل بعض الجنود من الدول الأفريقية لمراقبة الوضع هناك
ومع ذلك كله لا زالت أمريكا تتهم الحكومة السودانية بالانحياز لقبيلة ضد أخرى وتتهمها بالإبادة الجماعية، وهاهي هي أمريكا اليوم تدمر مساكن الفلوجة ومساجدها وتحرقها حرقا على أهلها وهم أحياء وتمنع عنهم الإسعافات الضرورية من طعام وماء ودواء، كما تمنع المؤسسات الطبية من الوصول إلى الجرحى لإسعافهم، وتمنع الناس من دفن الموتى الذين انتشرت جثثهم في الشوارع وتحت أنقاض منازلهم ومساجدهم التي دمرتها فوقهم، وأصبحت الكلاب تنهش أجسادهم...
http://www.islamonline.net/Arabic/politics/2004/06/article21.shtml
http://www.islamonline.net/Arabic/politics/2004/07/article13.shtml
http://www.islamonline.net/Arabic/news/2004-07/24/article03.shtml
السبب في هذه المواقف المتناقضة اختلال الموازين عند من سلبت عقولهم، وفسدت قلوبهم وانحطت قيمهم، فخرجوا من دائرة التمدن خرجوا من دائرة التمدن إلى دائرة الغاب، ومن عالم البشر إلى عالم الحيوانات.
فسموا الأمور بغير أسمائها، سموا إبادتهم الجماعية للعراقيين تحريرا، وسموا العدوان اليهودي في فلسطين دفاعا عن النفس، وسموا ما يجري في دارفور بين القبائل "إبادة جماعية" وحملوا الحكومة السودانية وزر ذلك كله.
لقد أظهرت الحملة الأمريكية الظالمة وجه الدوائر الغربية القبيح، الذي كان يرشح نفسه ليكون القدوة الحسنة التي يجب أن تحتذيه دول العالم كله، كما أظهرت سوءات الموالين لتلك الدوائر في البلدان الإسلامية الذين لم يعودوا يخجلون من انتسابهم إلى الاستخبارات الأمريكية التي لا يعتلون كراسي الحكم في بلادهم إلا بتزكيتها لهم، بعد أن يقدموا الأدلة اليقينية على إخلاصهم لخططها المجحفة ببلدانهم، كما يحصل اليوم في العراق من الإبادة الجماعية في الفلوجة بدعم من الحكومة المؤقتة التي ظهر بعض رجال جرسها الوطني المشارك للأمريكان في القتل والتدمير، وهم يرقصون فرحا وسرورا بالعيد الذي لم يجدوا ما يعطرون به أنفاسهم إلا روائح جثث إخوانهم العراقيين!
إنه عند أهل الظلم والجور ممن عميت بصائرهم "تحرير هنا وإبادة هناك!"
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
ام نضال
•
حسبنا الله ونعم الوكيل يا اخى \ الله ينصر المسلمين وين ما كانواامين يا رب العالمين
الصفحة الأخيرة