تحريض المؤمنين على القتال

الملتقى العام

رذائل ثلاث اجتمعت في حق كل من ولي بحق الدفاع عن أعراض المسلمين وظيفة ثم خانها، واستحل ما يأتيه من مال أو دنيا على هذه الخيانة،وكذا من يطيع بحكم عمله سادته ورؤساءه في حصار ومحاصرة والتضييق على المجاهدين وتخذيلهم طمعًا في علاوة وحرصًا على دنيا هي عن قريب زائلة (وفي الآخرة) بعد الخزي في الدنيا( عذاب شديد).

أخرج أبو داود والطبراني بإسناد حسن عن جابر وأبي طلحة النصاري رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من امرئ يخذُلُ مسلمًا في موطن يُنتقصُ فيه من عِرضه ،ويُنتهكُ فيه من حُرمته إلا خَذله الله في موطن يُحبُّ فيه نُصرته، وما من امرئ ينصر مسلمًا في موطن يُنْتقصُ فيه من عرضه،وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يُحبُّ فيه نُصرته"


إن هذه الصورة من صور التخذيل وإن كانت أقبحها فهي كبيرة من الكبائر لا يقبل الله معها عذرا، ولايقيم لأهلها وزنا، لا يقبل منهم صرفا ولا عدلا،

يقول الحافظ ابن حجر: من الكبائر ترك الجهاد عند تعينه بأن دخل الحربيون دار الإسلام أو اخذوا مسلما، وترك الناس الجهاد من أصله، وترك اهل الإقليم تحصين ثغورهم بحيث يُخافث عليها من استيلاء الكفار بسبب ترك ذلك التحصين.


قال العلماء: والتخلف عن الجهاد هو أن يتقاعس المسلم ويتأخر عن استفراغ وُسعه في مدافعة العدو من الكفار والمشركين، الأمر الذي يفضح الله به حقيقة صاحبه ويجمع به عليه عذاب الدنيا والآخرة.


أخرج أحمد والطبراني عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أنه قال " من أُذِلَّ عِنده مؤمنٌ فلم ينصُرْْه وهو قادر على أن يَنصُرَهُ أذلَّه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة"

وفي الصحيح للبخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلَّفوا عنه، وفرِحوا بمقعدهم خِلاف رسول الله، فإذا قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه، وحلفوا، وأحبوا أن يُحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت
(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (آل عمران: 188)،

إنه نموذج من نماذج البشرية يقتات الجبن والادعاء دائما، يتوعده الله جل جلاله، الله مالك السموات والأرض، القادر على كل شيء بالهلاك والخزي بعد الدمار، فأين المفازة له.

إن هذه الأمة يغسل الله عارها اليوم بدماء شهدائها، فلا تلوثوا أنفسكم بانصرافكم عن متابعة أخباره وأخبار أهله إلى متابعة الرخيص من مناكر الأقوال والأفعال فتُحرَموا شرف التطهر به .
يقول الحق جل جلاله :
(فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) (النساء:84).

قاتل في سبيل الله إذا تعينت المقاتلة سبيلا لأداء الحق، والدفاع عن الحرمات، قاتل ولو كنت وحدك، فليس عليك إلا نفسك، قاتل وحرِّض المؤمنين،والتحريض هو الحثٌّ والإحماء، والتحريض فريضة كفريضة القتال سواء بسواء، لايؤتي أُكَلَه إذا كان القلب بالفنون الهابطة وأمثالها من المحرمات فاسدا.

وإذا كان لكل فريضة شروط لا تصح بدونها، وأركان لا تتحقق إلا باستيفائها، فإن من شروط سلامة سلاح التحريض -وهو ليس بالأمر الهيِّن إذا صدقت عنده وله العزائم، وهي كلها ممكنة لكل غيور-،

مخاصمة معالم العبث، و اللهو، وأنديتها، وقنواتها، ومجالسها، واصحابها، فإن ذلك كله مما يتَوَسَّلُ به عدوُّنا للنفاذ به إلى قلوبنا،
مع غيره من المعاصي والمخالفات من مثل تحليل الحرام، وتجريم أداء الواجبات، وتحريم الحلال، ومن ثم تصرف الهمم عن معالي الأمور بسفسافها وقبائحها،واستباحة المحرمات،
فإن الرجاء في الله لا يستقيم مع المحادة له، والانصراف عنه، والانشغال بما يفسد القلوب ويسكر العقول، ويعطل المواهب، ويلغي معالم الشريعة الحقة، وبذلك تستحق الأمة كلها ما لايليق إلا بعدوها من ضربها بالذل والهوان.

أخرج أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي اله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا تبايعتم بالعينة،وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذُلا لاينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"

والعيْنةُ نوعٌ من أنواع الاحتيال على إباحة الربا، بأن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل، ويسلمه إلى المشتري، ثن يشتريه قبل قبض الثمن بثمن أقل من ذلك القدر يدفعه نقدا، ويبقى الباقي على المشتري الأول في الذمة. وهو أقل قبحا مما يدعو إليه الآن وفي هذا الظرف أحد المتفيهقين من إباحة فوائد وربا البنوك بعد أن قال بتحريمها من قبل، وفي هذا الوقت! وبعد أن خرص هو ومن معه عن الحيث عن حق المستضعفين في غزة إلا من عبارة أتت منه على استحياء لاتقدم ولا تؤخر منه لامن شيخه، وبعد أن أن هُتِك سترُ الفائدة، ولم يعد يخفى على أحد ما جرَّتْه على العالمين من ويلات وكوارث ياتي المتفيهق ليقول بتحليل خبيثها.
إن الشيخ وشيخه لايغيب عنهما حقيقة المعركة، فالمعركة ليست معركة أسلحة وخيل ورجال وعدة وعتاد، وتدبيرحربي فحسب، بل إنها معركة تشمل الأحكام والقوانين، وتدور رحاها في القلب والضمير مع الأوضاع التنظيمية، والسياسات التعليمية، والعسكرية، والاقتصادية، ولأمر ما لم يخف على الشيخين جعلَ الله حديثه عن الربا يأتي عقب حديثه عن فضله على المسلمين في معركة بدر في سورة آل عمران، لأن النصر لايأتي على أمة لاتُحَرِّم ما حرَّم الله، (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) .وهذا هو حديث الله عن الربا لا حديث المتفيهق.
(إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ* بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ *وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ* لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ* وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) آل عمران الآيات 124: 2 .13


خرج الطبراني بإسناد حسن عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ما ترك قوم الجهاد إلا ذلُّوا"


كماأخرج أبو داود بإسناد حسن عن أبي امامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" من لم يغزُ،أو يجهِّز غازيا،أو يخلُف غازيا في أهله بخيرً أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة"،

وما أكثر القوارع الفاضحات التي نزلت ولا تزال تنزل في الأهل، والشرف، والمال، وقد لُوِّثت بها عرصات المحاكم وموجات الأثير.

وقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" من مات ولم يغز، ولم يُحدِّث به نفسه مات على شعبة من شعب النفاق"

××××××××××××
إن تحريض المؤمنين و استنهاض الهمم، واستجاشة العزائم للجهاد فريضة من الله تعالى على كل مسلم،

لا يعذر فيها أحد، لأن كلفتها غير شاقة،

ونتائجها إن شاء الله ليست بالضعيفة، فالمؤمنون به أكفاء لعدو الله وعدوهم، لأن أعداءهم قوم لا يفقهون (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (لأنفال:65) ،

فالفئة المؤمنة هي التي تفقه، تفقه الحقائق، وتدرك معنى الإيمان، فتستعلي به، وتخِفَّ له، وتدعوا ولو بدمائها وأشلائها إليه، وتثق في موعود الله تعالى لها

( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51)

ومن هذا الفقه يأتي رعاية حقِّ التحريض، والإعداد المناسب له، ومطاردة مفسداته من الركون إلى مواطن العبث، والإخلاد إلى أسباب الدعة،تلك المفسدات التي يزينها شياطين الساسة، ويروجها أبالسة المتفيهقين، فينتج عن ذلك شرُّأنواع العبوديات، عبودية القلب لمطالب الهوى وجنوده،فيضيع بذلك الرجاء في الله، لأن الذنوب والسيئات تضر الإنسان أعظم مما تضره السموم- .


إن الحرية هي حرية القلب من سلطان الأهواء، وغلبة الذنوب، وقهر المطامع الرخيصة،وذل المناصب والألقاب التي أتتهم بغير رصيد.

يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه:
أَمَتُّ مطامعي فأرحتُ نفسي فإن النفس ما طمعت تهون
والقلب المشغول بالمعاصي قلب مسترق،لا تدعه المعاصي وحيدا بغير أن تشغله بأخواتها،وتحبب إليه الفجور الذي فيه هلاكه وضياعه وضياع من معه.

يقول الإمام ابن القيم: تزوجت الحقيقة الكافرة بالبدعة الفاجرة فتولد منهما خسران الدنيا والآخرة..

وقال شيخه ابن تيمية "تزوجت بدعة الأقوال ببدعة الأفعال، فاشتغل الزوجان بالعرس، فلم يفجأ المسلمين إلا أولاد الزنا يعيثون في بلاد الإسلام، تضج منهم البلاد والعباد" .


ومن هذا المنبت الخبيث تأتي الثعالب وتتوالد الخفافيش،

الخفافيش التي يقتلها دائما النور، ويُحييها الظلام، فلا تفتأ تتخابث وتمكر، استكبارا في الأرض، وعبثا بالحق، واستمتاعا برضاب الآثمين، ومثلها إن مُكِّن لها- ولا يكون إلا عن غفلة من الأمة وتقصير- لا يخرج منها إلا الرخيص من الأفعال، والساقط من منكر الأقوال وزورها، مما يُفسد على فريضة التحريضِ عملها، ويُبْطِلُ سعي المُحَرِّضين في تحريضهم، فليس يصلح عليها التَلّبُسُ بشيء من مسكرات الفنون، ومخدرات العصبيات التي بالغوا فيها حتى استنبتوا بها في الأمة كل مسترذل ومستقبح، وفضحت به المعالم، وسقطت الأقدار.


يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه" المنافقون ليس لهم همٌّ إلا أنفُسهم، أجبنُ قومٍ وأَرغبُه، وأخذلُه للحق"

نُعيذ أمتنا بالله أن يكون فيها من يرضى لنفسه بالهوان، "فإن شرَّ الناس من ينصرُ الظلومَ ويخُذلُ المظلوم" فاحتسبوا أنفسكم أيها المسلمون جميعا على الله، لاتحرموا انفسكم شرف الشهادة بطلبها، وأخذ الأهبة لها كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه" فقد قال" كرُم المؤمن تقواه، ودينُه حسَبُه، ومروءتُهُ خُلُقُه، والجبانُ يَفِرُّ عن أمه وأبيه، والجرئ يقاتل عما لايؤوب به إلى رحله، والقتلُ حَتْفٌ من الحُتُوف، والشهيد من احتسب نفسه على الله" .

(فاتقوا الله وأطيعون *وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ *الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) (الشعراء 150 :152).
يعني : رؤساءهم وكبراءهم ، الدعاة لهم إلى الشرك والكفر ، ومخالفة الحق .
تفسير ابن كثير
6
3K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

دندونه لودي
دندونه لودي
صحيح البخاري
محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي

دار ابن كثير
سنة النشر: 1414هـ / 1993م
رقم الطبعة: ---
عدد الأجزاء: سبعة أجزاء


كتاب الجهاد والسير » باب التحريض على القتال




مسألة:

باب التحريض على القتال وقوله تعالى حرض المؤمنين على القتال

2679 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا أبو إسحاق عن حميد قال سمعت أنسا رضي الله عنه يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال
اللهم إن العيش عيش الآخره فاغفر للأنصار والمهاجره
فقالوا مجيبين له
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا
دندونه لودي
دندونه لودي
( في ما جاء في التحريض على الجهاد )


قال تعالى :{ و حرض المؤمنين عسى الله ان يكفَّ بأس الذين كفروا و الله أشد بأسا و أشد تنكيلا } ( النساء : 84) .

{ يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين و إن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون } ( الأنفال : 65 ) .

{ يا أيها الذين امنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم ، تؤمنون بالله و رسوله و تجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } ( الصف : 10 ـ 11 ) .

و الآيات التي حرض الله فيها عباده على الجهاد في سبيله ، ورغَّبهم فيما عنده من الأجر و الثواب كثيرة جدا .

و إن سنة الله ماضية في التحريض على الجهاد و الترغيب فيه ، و آيات القرآن لا تخفى على أحد في التحريض على الجهاد ، و السنة النبوية مشحونة بذلك .

و لم يزل الصحابة و التابعون و تابعوهم و أئمة السلف الصالح رضوان الله عليهم مستمرين في التحريض على الجهاد .

و قد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : من حرّض أخاه على الجهاد كان له مثل أجره . .
و الدليل على ذلك حديث رسول الله عليه الصلاة و السلام : { من دل على خير فله مثل أجر فاعله } رواه مسلم .

و كانت الشاعرة الخنساء بنت عمرو تحرض أبناؤها على الجهاد ، فقد حضرت معركة القادسية ، و كان معها أربعة من أبنائها ، فحرضتهم على القتال و رغبتهم في الجنة و حثتهم على الاستشهاد ، فأبلوا في القتال و استشهدوا جميعا !
يتبع . . . .
دندونه لودي
دندونه لودي
ومن القصص في التحريض على القتال :

ما حكاه مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي عن أبي المظفر سبط ابن الجوزي . . انه جلس في ستمائة و سبع من الهجرة في مسجد دمشق يحرض الناس على قتال التتار ، الذين عاثوا في الأرض فسادا .

قال سبط ابن الجوزي : إن الذين حضروا درسه كانوا حوالي ثلاثين ألفا ، وكان يوما مشهودا في دمشق ، و كثر فيه التائبون و الراغبون في الجهاد و تبرعت فيه كثيرٌ من النساء بشعرهن ليكون لجاما و عقالا لخيل المجاهدين ، و صنعوا من شعر النساء ثلاثمائة عقال لخيل المجاهدين .

و خرج الناس للجهاد من دمشق ، وتوجهوا جنوبا نحو ( الكسوة ) ، وانضم إليهم المتطوعون للجهاد في (الكسوة ) و ( زملكا ) و غيرها .

و توجهت ألوف المجاهدين نحو الجولان ، و نزلت عقبة ( أُفيق ) من الجولان إلى غور الأردن ، ثم قطعوا الغور و توجهوا نحو مدينة ( نابلس ) و رحّب بنا و جلست في جامع نابلس أحرضُ الناس على الجهاد في سبيل الله .

وخرج الآلاف من المجاهدين من مدينة نابلس ، و هاجموا البلاد التي يحتلها الفرنج و قتلوا منهم جماعة ، و أسروا جماعة و عادوا سالمين . (1)


----------------------------------
(1) أوردنا خلاصة قصة سبط ابن الجوزي ببعض التصرف ، وانظرها في الأصل 1 : 214 ـ 215 .

يتبع . . . .
دندونه لودي
دندونه لودي
ومن القصص الجهادية المؤثرة قصة العابدة ( أم إبراهيم الهاشمية ) ، وقد أوردها ( أبو جعفر أحمد بن جعفر بن اللبان ) في كتابه ( تنبيه ذوي الأقدار على مسالك الأبرار ) .

وقد روى هذه القصة الإمام العالم المجاهد عبد الواحد بن زيد البصري ، وخلاصتها :
أغار الكافرون على ثغر من ثغور المسلمين ، ونفر الناس في البصرة للجهاد ، ووقف عبد الواحد بن زيد خطيبا يحضُّ المسلمين على الجهاد ، ويندبهم للخروج لقتال المعتدين .
واستخدم ابن زيد في تحريضه مختلف المؤثرات ، فأورد الآيات و الأحاديث ، وأورد الأشعار في وصف حور العين ، وترغيب المسلمين في الجهاد و الاستشهاد ، ليكرمهم الله بهنَّ في الجنة .
وكانت أم إبراهيم الهاشمية من الحاضرات ، وتأثرت بما سمعت من صفات الحور العين ، فأتت ابن زيد وأخبرته أنَّ ابنها إبراهيم لم يتزوج ، وأن أشراف ورؤساء أهل البصرة ، يتمنى كلٌّ منهم لو زوَّجه ابنته ، ولكنها تريد أن تزوجه جارية من الحور العين التي سمعت وصفها من ابن زيد !

أعطت أم إبراهيم ــ وكانت غنية صالحة ــ عبد الواحد بن زيد عشرة آلاف دينار مهرَ الجارية الحورية التي تحدَّث عنها ، على أن يخرج ابنها إبراهيم معه للجهاد ، لعل الله يرزقه الشهادة ، فيتزوج تلك الحورية ، وبذلك يكون شفيعا لأمه وأبيه يوم القيامة .
قال لها ابن زيد : لئن فعلتِ لتفوزنَّ أنت وولدك وأبو ولدك فوزاً عظيماً .
فنادت ولدها إبراهيم ، فوثب من وسط آلاف الناس الجالسين في مسجد البصرة ، وقال لها : لبيكِ يا أماه .
قالت له : رضيت بتلك الجارية الحورية زوجة ً لك ، على أن تخرج للجهاد وتبذل روحك لله ، وتنال الشهادة .
قال لها إبراهيم : نعم رضيت .
فقالت على مسمع من الموجودين : اللهمّ إني أشهدك أني زوّجت ولدي من الحورية ، ببذل روحه في سبيلك ، وترك العودة للذنوب ! فتقبَّله منّي يا أرحم الراحمين !! .
وأحضرت العشرة آلاف دينار ، وطلبت من عبد الواحد بن زيد أن يجهز بها المجاهدين ، وابتاعت لابنها فرسا وسلاحا للجهاد .

وقبل أن يخرج المجاهدين للجهاد ، أرادت أم إبراهيم فراق ابنها فقدمت له كفنا وحنوطا ، وقالت له : عندما يحين لقاء العدو ، فتكفن بهذا الكفن ، وتحنط بهذا الحنوط ! . . وإياك أن يراك الله مقصراً في سبيله !! .
ثم ضمته إلى صدرها وقبّلت بين عينيه ، وقالت له : يا بني ، أسأل الله أن لا يجمع بيني وبينك إلا في ساحة العرض يوم القيامة !! .

وسار المجاهدون لقتال الكفار ، وكان الإمام عبد الواحد بن زيد في مقدمتهم ، ونشبت المعركة حامية مع الأعداء .
ونظر ابن زيد إلى إبراهيم فإذا به في مقدمة المجاهدين ، يصول ويجول ، فقتل من الكفار خلقا كثيرا ، ثم اجتمع عليه الكفار ، فقتلوه . . ولقي الله شهيدا .

وعاد المجاهدون إلى البصرة ، وخرج الناس يتلقّونهم ، ورأت أم إبراهيم ابن زيد ، فسألته عن ابنها قائلة : يا أبا عبيد ، هل قُبِلَت مني هديتي فأهنـّأ ؟ أم ردت عليَّ فأُعَزّى ؟
قال ابن زيد لها : قد قبلت والله هديتكِ ، وإن ابنك إبراهيم الآن حيٌّ يرزق مع الشهداء !
فسجدت شكرا لله ، وقالت : الحمد الله الذي لم يخيب ظني ، وتقبل مني عبادتي !

وفي الغد أتت أم إبراهيم إلى ابن زيد في مسجده ، وقالت له : السلام عليك يا أبا زيد ، بشراك !
قال لها : لا زلت مبشَّرة بالخير ، فماذا عندك ؟
قالت رأيت الليلة ولدي إبراهيم في روضة حسناء ، وعليه قبة خضراء ، وهو على سرير من لؤلؤ ، وعلى رأسه تاج وإكليل !
وقال لي : يا أماه أبشري ، فقد قـُبلَ المهر ، وزفـَّتِ العروس !! (1)




--------------------------------
(1) انظر : قصة ( أم إبراهيم الهاشمية ) في الأصل 1 : 215 ـ 218 .

يتبع . . . .
خالة نونو
خالة نونو
جزاك الله خير اختي

اسال الله ان يوفقك وينصر اخوننا المسلمين في كل مكان