الشيخ إبراهيم بن صالح العجلان
الخطبة الاولى
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، وأيده بنصره يوم تحزبت عليه الأحزاب، أحمده سبحانه وأشكره على ما أعطى وأثاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ما سأله سائل فخاب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خير من صلى وصام واستغفر وأناب، صلى الله عليه وعلى آله وإخوانه الأصحاب، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الحساب.
أما بعد:
فاتقوا الله معاشر المؤمنين حق التقوى.
بغزة في العراء تصيح ثكلى فترجم بالقذائف والرعود
وأشلاء مبعثرة لقوم يزين جباههم أثر السجود
وأطفال الحصار قضوا سراعًا ضحايا كل كاذبة الوعود
مجازر ضجَّت الفلوات منها وشاب لهن ناصية الوليد
يحتار الجنان، ويعجم البيان، ويكلُّ اللسان عن تصوير حالة البؤس والبأساء، واللأواء والضراء لأهلنا في غزة المكلومة المحاصرة...
فهل نتحدث عن المحرقة اليهودية، التي تقصف بلا رحمة ولا إنسانية، الجوامع والجامعات، والمدارس والجمعيات؟
أم نتكلم عن شلالات الدماء، ومجازر الأشلاء،لأطفال في عمر الزهور يُمزقون، أو يئنون ويتوجعون؟
أم نصوِّر مرارات الأمهات، وقد تعالت صيحاتهم، واصفرت وجوههم، وطالت همومهم حتى طار الرقاد من جفونهم؟
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
هذه هي يهود، هذه طبيعتهم، هذه نفسيتهم التي طالما خُدِّرنا بسلام وتعايش سلمي معهم هذه حقيقتهم كما صورها القرآن الكريم.
ماذا ننتظر من قوم قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة؟
ماذا ننتظر من قوم ملطخة أياديهم بدماء الرسل والأنبياء، فكيف بالعزَّل الأبرياء؟
ألم يقل الله عنهم: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} ، ألم يقل الله عنهم: {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ؟
ماذا ننتظر من قوم فقدوا الأدب مع الله، فقالوا لموسى عليه السلام: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} ، وقالوا: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} ، وقالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} ؟
هذه الأمة المرذولة الملعونة تتعطش للدماء والحروب {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} .
هؤلاء تربِّي فيهم عقيدتهم الأنانية واحتقار البشر، فهم في نظرهم شعب الله المختار، وهم أبناؤ الله وأحباؤه.
ثم لا تسل عن أي نوع من البشر تصنعه تلك النفسية المتغطرسة والمجرمة، هل تظن بعد ذلك أن يكون عندهم احترام لمخلوق، أو تقدير لإنسان: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} .
إننا يجب أن نستيقن عباد الله أن يهود الأمس هم يهود اليوم، وهم يهود الغد، اختلفت قوالبهم، واتحدت قلوبهم، فجرائم يهود الآن التي نراها هي ذاتها الجرائم التى قامت بها عصابات يهود عند تأسيس دولة إسرائيل.
ومجازرهم البشعة اليوم هي امتداد لمجزرة دير ياسين والمجازر بعدها، وقادتهم المجرمين اليوم ليسوا إلا أبناء لآبائهم المحتلين المغتصبين،، إن هذا كله ليؤكد لنا أن ما تفعله دولة يهود وبحبل من النصارى إنما هو حلقة من سلسلة العداء التي كانت ولا زالت على دين محمد صلى الله وسلم وأتباعه في أرض الإسراء.
وسيبقى عداؤهم لنا متجددًا وماثلًا ما دام فيهم عرق ينبض، أو قلب يخفق.
عباد الله:
ويبقى السؤال الأهم: لما أمطرت يهود صواريخها، وأنزلت عناقيد غضبها على غزه الأبية؟
لماذا غزة قدرها الحصار والتجويع، والحرب والترويع؟
لأن غزة الآن هي التي تحتضن بين جنبيها أبطال فلسطين، الذين أعلنوا مبدأ المقاومة والجهاد أما الإملاءات اليهودية.
لأن أبطال غزة هم الذين قالوا مرحبًا بالمنايا، في سبيل كرامة الأمة وعزتها، وحفظ مقدساتها.
لأن رجال غزة رفضوا منطق الاستسلام باسم السلام، أمام من لا يؤمن بعهد ولا ميثاق.
رفضوا حياة الذل والترقيع والهوان، ولسان حالهم:
لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فأسقى بالعز كأس الحنظل
لأنهم الأبطال الذين قالوا للأمة بعز وشموخ:
لا تبكوا على الشهيد فعندنا مولود جديد
يذكر بني صهيون بسعد وابن الوليد
فتحية إجلال إلى أولئك الرجال الذين صدقوا ما عهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً.
والله سيشهد التاريخ أن الصابرين الصامدين هناك وقفوا أمام غطرسة يهود بسلاح الإيمان.
سيشهد التاريخ أن رجال غزة قدموا أطفالهم قربانًا لقضية فلسطين.
سيشهد التاريخ أن أبناء ياسين وأحفاد عز الدين القسام ما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا، والله يحب الصابرين.
يا أبطال غزة:
علمونا بعض ما عندكم، فنحن نسينا!! علمونا بأن نكون رجالًا فلدينا الرجال صاروا عجينا!! يا رجال غزة لا تبالوا بإعلامنا ولا تسمعونا، فلقد صغرنا أمامكم ألف قرن!! وكبرتم خلال شهر قرونا.
هذه هي غزة الأبية، وهذا خبرها، فما خبر أمتنا؟
ما خبر ألف مليون، وقد دعتهم الجراح، ونادتهم المأساة؟!
يا أهل غزة:
لا عذر فنعتذر، وما لنا عن سهام العار مستتر..
عذرًا آل غزة؛ فقد أقعدنا الهوان، وأعجزتنا الحيلة عن نصرتكم وإغاثتكم.
عذرًا غزة الشريفة؛ فقد طفئت غيرتنا، وبردت نخوتنا، فتخلينا عن قضيتك لتستفرد بك أيادي الإجرام والإرهاب.
عذرًا غزة؛ فما في الأمة معتصم، ولا نور الدين، أو صلاح..
عذرًا، عذرًا؛ فغابة شجاعتنا ونجدتنا أن نطالب بفتح المعابر لنكون لكم هلالًا أحمرًا.
عذرًا، عذرًا؛ فقد لجمت أفواه رجالاتنا أن تطلقها صيحة للجهاد والوقوف معكم، وأضحى الحديث عن المقاومة في زمن التعايش السلمي الأعور جريمة لا تغتفر.
عذرًا موطن غزة؛ ففينا من الحزن والغم لجرحكم ما لا نبثه ونشكوه إلا إلى الله.
فصبرًا يا أهل الرباط، صبرًا يا من قطعتم أطماع اليهود عن جسد أمتنا.
صبرًا فإن موعدكم النصر أو الجنة، بشراكم يا شامة الأمة قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك))، قيل: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ((ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس)) رواه الإمام أحمد وغيره.
إخوة الإيمان:
أنْ تعربد يهود على أرضنا وأشلاءنا؛ فهذا ليس بمستغرب، بل المتوقع والمنتظر منهم مثل هذا أو أكثر، ولكن العجب الذي لا ينقضي أن نسمع ونرى أصواتًا وأقلامًا ليست بخافته تصور أن ما جرى هو بسبب المقاومة التي لا تقدر مآلات موقفها.
وكأن يهود حمل وديع، كأنهم لم يكونوا محتلين لمقدساتنا!!
عار والله؛ أن نرى شعبًا يعيش حياة القهر والظلم والضيم ستين سنة، ثم يخنق ويجوع ويحرم من كل شيء إلا من الهواء، ثم يأتي من يأتي ليلوم المظلوم،ويسكت عن الجلاد والظالم.
إننا والله لا نجد مثلًا لهؤلاء الأعزة الشرفاء وهؤلاء اللائمين القاعدين إلا كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} .
هل هؤلاء بحاجة أن يُعلَّموا أن فلسطين محتلة ومغتصبة، وأنَّ حق مقاومة الشعوب تُقرُّه كل قوانين الأرض؟
هل هؤلاء بحاجة أن يُدرَّسوا بأن صراعنا مع يهود صراع عقائدي ديني لا يرجى سِلْمه؟
كل العداوة تجرى مودتها إلا عداوة من عاداك في الدين
هل هؤلاء بحاجة إلى أن يُذكَّروا بأن سنة الله في أرضه أن يبتلي هذه الأمة ليتخذ منها شهداء، ويمحص أهل الإيمان منها، وليعلم الذين نافقوا فيها؟
هل نسي هؤلاء أو تناسوا أنَّ يهود لم تحترم التهدئة التي تمت بشروط، والتي من بينها: وقف الاغتيالات، وفتح المعابر، فأي الفريقين أحق باللوم إن كنتم صادقين!!!.
ثم ما الفرق بين منطق هؤلاء اللائمين وتبرير يهود عن حربهم بأنها دفاع عن أنفسهم، وأنهم ما حرَّكوا حملتهم المسعورة إلا لأنهم استفزوا.
ثم هل هذا وقت لوم وملاومة، والعدو قد كشر وأزبد، وأحرق وأرعد.
عباد الله:
إن العقل والمنطق ليؤكد على كل غيور على دينه وأمته أن يترك لغة اللوم والعتب، فقضيتنا أكبر من أن نتراشق بالألفاظ، ونصفي الحسابات.
فالكل في خندق واحد، وصراع يهود، صراع مع كل من يحمل هوية الإسلام، ولن يرضوا عنا حتى نتخلى عن مبادئنا وعقيدتنا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} .
أقول قولي هذا.....
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا إخوة الإيمان:
ومع هذه الفواجع، وصور المواجع، فإننا على يقين من ربنا أن العاقبة للمتقين، وأن المستقبل ليس في مصلحة يهود، وأنَّ ظلمهم وعتوهم وعلوهم لن يطول ولن يدوم. مضت سنة الله فيهم يوم فسدوا وأفسدوا أن سلط عليهم من يسومهم سوء العذاب، ثم قال سبحانه: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} .
ومع هذه المآسي المتجددة، وظلامها الدامس نرى شعاع الأمل، والأمل بالله كبير.
فما زاد هذا الإجرام المسلمين في فلسطين إلا ترابطًا، وتماسكًا، وتعلقًا بحبل السماء.
رأينا هتافات التكبير لا تنقطع عن أهالينا في غزة، ارتفعت راية القرآن وعجت الألسنة بالآيات وسورة الأنفال، وأصبحت صيحات الناس هناك:
أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفداء
رأينا تفاعل المسلمين في جميع أقطار العالم الإسلامي يهتفون حانقين غاضبين من صلف يهود واستفزاز يهود.
وقد تصحوا القلوب إذا استفزت ولفح النار يوقظ من سبات
فهذا الغليان الجماهيري لأهل غزة مؤشر على سريان الحياة في الجسد الواحد، وعلى تداعي جسد الأمة لآلام غزة بالسهر والحمى.
عباد الله:
إن نصرة أخواننا في فلسطين واجب يمليه الدين، وتفرضه اللحمة، كل بحسبه ومكانه وقدرته: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} .
فبوسعي أنا وأنت يا عبد الله أن ننصر أخواننا بما يلي:
أولًا: أن تبقى قضيتهم حية في قلوبنا لها نصب من مجالسنا ومدارسنا، وصحفنا، وإعلامنا.
ثانيًا: الدعاء لإخواننا المستضعفين، في الجلوات والخلوات، أن تضج محاريبنا ومنابرنا بالاستغاثة بالله وطلب بالعون منه، فقد أقسم ربنا - ومن أوفى بعهده من الله - أن ينصر دعوة المظلوم ولو بعد حين.
ثالثًا: الدعم المادي لهم، فأعظم النفقة، النفقة في سبيل الله، ويعظم أجر الصدقة بقدر الحاجة إليها: ((ومَنْ خَلَفَ غازيًا في سبيل الله بخير؛ فقد غزا)).
والحمد لله أن قنوات التبرع قد فُتحت أبوابها؛ فشمرا واستمروا يا أهل البذل والعطاء، والأيادي البيضاء.
رابعًا: أن هذه الأحداث فرصة لأن يذكَّر الناس بعقيدة وعداء يهود كما سطرها القرآن، وصدَّقها الواقع الأليم مع كشف خطوات التطبيع الظالم الذي يسعى لمحو عقيدة البراءة من اليهود من النفوس.
خامسًا: توعية الناس بأهمية المقاومة لأمة يهود وأن هذه المدافعة هي التي تؤخر العدو عن أطماعة في المنطقة، ولو لم يأت من المقاومة إلا أنها حفظت لنا قضية فلسطين والقدس لكفى، وإلا لأصبحت قضيتها كقضية المسلمين مع بلاد الأندلس.
سادسًا: التواصل بالإعلام وعبر شبكات الإنترنت لتثبيت المقاومة معنويًا، وليعلموا أنَّ قلوبنا وأصواتنا تلهج لهم بالدعاء والثناء.
سابعًا وأخيرًا: أن نصلح حالنا، ونصحح في الحياة مسارنا، ونستغفر من ذنوبنا، ونتوب من خطايانا، ونكثر من الصدقات والقربات والصلاة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} .
اللهم صلى على محمد.....
om naser_64 @om_naser_64
عضوة مميزة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
zenadel
•
جازاك الله خيرا أم ناصر, قلوبنا تتمزق و أعيننا تدمع ولا نملك إلا الدعاء لأهلنا وإخوتنا في غزة....
الصفحة الأخيرة