تحية إجلال و إكبار

ملتقى الإيمان

تحية إجلال وإكبار
في يوم من الأيام ذهبت قاصداً بيت الله الحرام في هذا الشهر الفضيل لآتي بعمرة علّي أحظى بأجر حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعند الوصول إلى الحرم رأيت ما فاجأني ودفعني للتأمل!!

منظر غريب عجيب، والعجيب فيه أنه في بيت الله الحرام؟

شيء لا تراه في قصور الملوك والأمراء.

والله لا بهذا الإتقان، ولا بهذه النفس الطيبة، ولا بهذه الخلفية البسيطة في التدريب، ولا الحجم المهول من العمل.. لا والله، إلا كونه توفيق من الله.

إنها حالة من النظافة والطهارة والترتيب في كل مكان.

إنها الطهر والصفاء والنقاء مع توفر جميع أسباب الضد في المكان والزمان.

فالمكان بيت الله الحرام مقصد الملايين من كل مكان، في ليلة واحدة يكاد يكون مجموع العمّار والزوار في الحرم المكي الشريف ما يربوا على المليونين، وجميعهم متمركز في منطقة الحرم في داخله وفي الساحات من حوله، على الأرض يقضون الشهر كله هناك، ثقافاتهم مختلفة ومشاربهم متعددة ومستوياتهم المعيشية مختلفة، فهذا يرى أن لا مشكلة في قضاء الحاجة في الطريق، بينما الآخر يرى إلقاء عود ثقاب على الأرض مشكلة لا يسكت عنها فتحدث عندها مشادّة!!، هذا يخجل من النوم أمام الناس دون ترتيب أوضاع النوم، بينما غيره متى ما طرقه النعاس وضع نعله تحت رأسه ونام وإن كان لا يزال في لباس الإحرام دون ساتر أو في طريق يسير به الآلاف فلا مشكلة عنده فالنوم عنده سلطان.

والزمان شهر الصيام والقيام، الشهر الذي عمرة فيه بحجة معه صلى الله عليه وسلم، فالأمة صائمة، الزوار والمعتمرون والمصلون وأهل البلد صائمون، وعند رفع الحروف الأولى من ( الله أكبر ) تتسابق التمرات إلى الفم وتتسابق النويات منه، فدخول وخروج.. دخول وخروج.. والسؤال إلى أين الخروج؟

أعود وأقول بأن من الناس من لا مشكلة عنده هنا في بصق النواة على الأرض وإن كانت الأرض هي أطهر بقاع الأرض وإن كانت في بيت الله الحرام، ولا مشكلة عنده في غسل يديه بماء زمزم على الأرض وفي الحرم كذلك، إذا فعل هذا ما فعل، وفعل الآخر ذات الفعلة، والرابع والخامس والمليون فكيف تكون حالة المسجد الحرام عندها؟!!!

هل فكر الواحد منا للحظات كيف يبقى الحرم طاهراً مع هذا التجمع الضخم من الناس، والجهل المتفشي بينهم ومستوى اللانظافة - بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى - المنتشر بين بعضهم؟

إن أولئك الرجال العظام ذوي الأزياء الموحدة لا شك أنهم هم الجنود الأخفياء في مثل هذا الموقف. المئات منهم يقومون على خدمة بيت الله ورعايته ويا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً.

فطائفة جعلت قصدها السقيا، فهي ترعى زمزم كما ترعى الأم رضيعها، وتسقي الظمآن دون ملل ولا كلل لتذهب عنه حرارة الجو وعطشة الصائم..

مئات المئات من حافظات الماء تنظف وتعباً وتوزع يومياً أكثر من مرة، وهي في أبهى حلة وأكمل منظر، الأكواب الجديدة متوفرة دائماً، والمتسخة منها تُزال بسرعة حتى ليستغرب المرء منا متى جمعت!.

وطائفة تحمل سلاحها في يدها تجوب بها جنبات البيت العتيق، تزيل الأوساخ من هنا، والماء المتجمع على الأرض من هناك، المناديل المستعملة من هذه الزاوية وبقايا الطعام المهرّب من هناك، ترافقهم على مدار الساعة أكياس المهملات يذودون بها الدرن عن بيت الله، دائماً في حركة ونشاط، وكأن الناظر إليهم وهم يمسحون أرضية المسجد بالماء يظنهم في لعب وتسلية، فتسابق ثم تزحلق وتزلج على الرخام، والماء من أمامهم لا يجد منهم مهرباً، ونتيجة عملهم نظافة ورائحة طيبة على الدوام.

وطائفة أينما وجدوا عطباً في آلة أو بوابة أو نافذة أصلحوه، وكيف يتركون بيت ملك الملوك على حالة وهيئة تنقص من كمال هذا البيت وعظيم مكانته.

وطائفة أخرى رهنت نفسها لخدمة ضيوف الرحمن، فإجابة السائل ودلالة التائه ومساعدة المحتاج واستنقاذ الولد الضائع، وحفظ الأمانات والودائع، وحراسة البيت من قاصدي السوء، هذا عملهم وتلك مهمتهم لا يريدون منها جزاءً ولا شكوراً سوى رضى العزيز الغفور.

أيها الأحباب.. هل فكرنا يوماً من الأيام أن غياب مثل هؤلاء سيحدث للأمة مشكلة؟ أليس من الجميل شكرهم وتقديرهم والدعاء لهم في ظهر الغيب؟، أقول وبصوت عال: أليس من المناسب إعطائهم شيئاً من المال إن أمكن!!

أيها الأحباب.. لما استفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة التي كانت تقم – تنظف – المسجد وسأل عنها أصحابه، فأخبر أنها توفيت وصلي عليها ودفنت، قام عليه الصلاة والسلام من مجلسه على الفور وصلى عليها ودعا لها وسأل الله لها المغفرة، لماذا؟

لذات السبب الذي يستحق منا تكريم أصحاب الأزياء الموحدة في الحرم المكي والمدني على السواء، إنها خدمة بيت الله تعالى، ويا لها من خدمة نسأل الله عز وجل أن يرزقنا إياها ويحفظ بيته الحرام من كل سوء.



موقع العمل للإسلام



www.workforislam.com


--------------------------------------------------------------------------------
0
359

هذا الموضوع مغلق.

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️