تدبرات فى أسماء الله الحسنى ( الجبار) الحلقة السابعة

ملتقى الإيمان






الجبار
اسم الجبار اسم من أسماء الله الحسنى، وقد ورد في آية: }هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{ . تتداخل أحياناً صفات الإنسان مع صفات الخالق فلا بد من التوضيح بأن هناك صفات إذا نسبت للخالق فهي صفات كمال أما إذا نسبت إلى المخلوق فهي صفات نقص، فإذا وصفنا إنساناً بأنه جبار فهذه صفة نقص فيه، لماذا؟ إن وجود الإنسان مستعار، وهو مستمد من الله عز وجل، خلق الإنسان ضعيفاً، خلق الإنسان عجولاً، خلق الإنسان هلوعا، هذا الإنسان الذي يوصف بأنه جبار هل بإمكانه أن يضمن استمرار حياته ثانية واحدة؟ عشرات الأشخاص كل يوم يموتون بسبب وبلا سبب ومع تقدم العلم أصبح يقول الطبيب: سكته دماغية أو سكته قلبية أو هبوط مفاجئ في وظائف الكليتين، أو تشمّع في الكبد، ونحن بين أظهرنا أشخاص كثيرون كانت لهم آمال طويلة جداً كل هذه الآمال تبددت لأن خللاً طفيفاً جداً أصاب أجهزتهم.
شاب كان في الصف الرابع في كلية الطب وكان من أذكى الطلاب ومن أصحهم جسماً ومن ألينهم عوداً يتمتع بصفات في شبابه نادرة ومن أسرة ميسورة، فجأة شعر بوهن في جسمه وبضعف في قواه، وبدا اصفرار في وجهه، الطبيب الأول قال: هناك فقر في الدم، وكذلك أكد الطبيب الثاني، بأن هناك فقرا في الدم، ليس لهذا الفقر أسباب، شاب في ريعان الشباب، من أسرة ميسورة، أي فقر دم هذا؟ ثم اكتشف في النهاية أن في طحاله نشاطاً زائداً.
الطحال مستودع للدم، ومعمل احتياطي لكرات الدم، ومقبرة لكرات الدم الميتة، ففي الثانية الواحدة يموت في جسم الإنسان مليونان ونصف كرية دم، هذه الكريات التي ماتت تذهب إلى الطحال وفي الطحال وبطريقة اقتصادية تُهدَّم هذه الكريات وتعاد إلى أصول تكوينها: حديد وهيموغلوبين، الحديد يرسل ثانية إلى معامل كريات الدم الحمراء في نقي العظام ليعاد تصنيعه والهيموغلوبين يذهب إلى الكبد ليشكل الصفراء، أُخذت خزعة من طحال هذا الشاب وأرسلت إلى بلد غربي متقدم، فكان الجواب أن الطحال يقوم بنشاط زائد يأخذ الكرية الحمراء الميتة ويحللها ويأخذ الكرية الحية ويميتها ويحللها، فأصبح هناك نقص مستمر في كريات الدم الحمراء وانتهى أجله ومات في ريعان الشباب، فإذا قال: أنا! من أنت؟ فالطحال لأنه عمل بنشاط أكبر كان سببا في إنهاء حياة الإنسان.
شخص آخر أصيب بمرض نادر فقر دم لا مُصَّنِع أي: إن معامل كريات الدم الحمراء تكف ذاتياً عن صنع هذه الكريات، وهذا المرض العضال مجهول الأسباب، ويعد سببا في إنهاء حياة الإنسان، وهناك الهبوط المفاجئ في وظائف الكليتين مرض عضال يجعل حياة الإنسان جحيما لا يطاق، وهناك التشمع في الكبد... فالإنسان لا تستمر حياته بلا كبد أكثر من ثلاث ساعات، وهناك نقطة دم تتجمد في بعض شرايين المخ، في مكان ما يصاب الإنسان بالصمم، في مكان آخر يصاب الإنسان بالعمى، في مكان ثالث يصاب الإنسان بفقد الذاكرة، في مكان رابع يصاب الإنسان بالشلل، فهذا الذي يقول: أنا... هو أحمق لمجرد أن يقول: أنا، فإذا وصف الإنسان بأنه جبار هذه صفة ذم في الإنسان لأن وجود الإنسان مفتقر إلى إمداد الله عز وجل، وجود الإنسان تابع لمشيئة الله، قوة الإنسان تابعة لمشيئة الله، محاكمة الإنسان تابعة لمشيئة الله، عقل الإنسان تابع لمشيئة الله، فإذا قلنا: فلان جبار فإننا نصفه بالحمق لأنه يدعي ما ليس له، يدعي حجماً ليس له، يدعي قوة ليست قوته، أما إذا وصفنا خالق الكون الواحد الأحد الفرد الصمد الحي القيوم الذي لا راد لحكمه إذا وصفنا خالق الكون بأنه جبار فهذه صفة مدح وصفة تنزيه من جهة وصفة من صفات الذات لله عز وجل.
ويقاس على ذلك... إذا قلنا: فلان متكبر، فهذه صفة ذم، أما إذا قلنا: الله عز وجل متكبر، فهذه صفة مدح، الإنسان إذا تكبر يتكبّر بغير حق، أما ربنا عز وجل فمتكبر لأنه كبير فعلاً، لأنه عظيم لأنه قوي لأنه خالق لأنه رب لأنه مسير.
أردت من هذه المقدمة أن يتقبل القارئ فكرة أن يتصف إنسان بصفة فنعدها ذماً وأن يوصف خالق الكون بهذه الصفة فنعدها مدحاً.
نحن في حياتنا عندنا شيء من هذا القبيل يوصف الرجل بأنه كريم مدحاً وتوصف المرأة بأنها كريمة ذماً لأن المرأة إذا بذلت من مال زوجها من دون إذنه وأتلفت ماله... هذه صفة ليست صفة مدح في المرأة، إنها صفة ذم، نصف إنساناً أحيانا بالجرأة، وهو في موقع، وقد تكون هذا الجرأة في موقع آخر تهورا وحمقا.
كلمة الجبار لها معانٍ عدة:
المعنى الأول: الجبار هو العالي الذي لا يُنال، نقول: نخلة جبارة لارتفاعها، فلا نستطيع قطف ثمرها، نقول: ناقة جبارة يصعب أن نركبها، والله سبحانه وتعالى يقول في قرآنه الكريم:
}قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ{ .
أي: أقوياء أشداء، لا يرحمون ولا يلينون.
أما إذا قلنا: فلان جبار أي: إنه إنسان لا يتواضع متعاظم متكبر لا ينقاد إلى أحد، ولكن تأكدوا أن هذا الذي يصف نفسه بأنه جبار، أو يتصرف على أنه جبار، أي متعاظم متكبر، لا ينقاد إلى أحد، لا يخضع لأحد، لا يتواضع أبدا، مثل هذا الإنسان، لا بد أن يقصمه الله عز وجل قصماً، لذلك ترون وتسمعون في كل زمان وفي كل مكان عن جبار من جبابرة الأرض قصمه الله عز وجل، وجعله عبرة لمن يعتبر، لأن الكبرياء من صفات الله عز وجل، والعظمة من صفات الله عز وجل، فإذا جاء مخلوق حادث ضعيف، ونازع الله هذه الصفات، قصمه الله عز وجل.
الجبار هو الله عز وجل، لأنه لا تناله الأفكار، ولا تحيط به الأبصار، ولا يصل إلى كنهه عقول العقلاء، كل من بحث في أسماء الله الحسنى إلى يوم القيامة، لا يستطيع أن يحيط بذات الله عز وجل، كل ما كتب لم يكن سوى عملية تبسيط، وعملية تقريب، وعملية توضيح، أما أن تستطيع أن تحيط بالله عز وجل هذا شيء مستحيل، لذلك الجبار هو الله عز وجل الذي لا تناله الأفكار، ولا تحيط به الأبصار ولا يصل إلى كنهه عقول العقلاء.
لذلك من الجهل، والتنطع والتطاول أن تظن أنه بإمكانك أن تفهم كل شيء عن الله، هذه فكرة مغلوطة، فعين العلم به عين الجهل به وعين الجهل به عين العلم به، والعجز عن إدراك الإدراك إدراك، أي: إذا قلت: لا أعلم عن الله إلا في حدود ضيقة جداً فأنت عالم، هذه صفة علم فيك، إذا قلت: لا أعلم فأنت العالم، أما إذا أردت أن تقنع الناس ببساطة أنه بإمكانك أن تعرف كل شيء فهذا دليل عجز، هذا المعنى الأول من معاني اسم الجبار الإله العظيم التي لا تناله الأفكار ولا تحيط به الأبصار ولا يصل إلى كنهه عقول العقلاء وهو من صفات التنزيه.
المعنى الثاني: الجبار، والقول المشهور: ما عبد الله في الأرض بأفضل من جبر الخواطر، جبرت العظم: أصلحته المجبر: هو الذي يجبر العظم، الجبار بهذا المعنى هو: المصلح للأمور، كلما حصلت مشكلة، تهدم شيء، افتقر إنسان، تضعضع إنسان، خالق الكون، رب العالمين، هو الجبار يرأب الصدع، ويلم الشمل ويغني الفقير ويجبر الكسير ويعطي المحروم ويرفع الذليل، لذلك كلما جئت الله عز وجل خاضعاً منكسراً جبر كسرك، ولمَّ شعثك، ورأب صدعك، وقوى ضعفك، وأغنى فقرك، ورفع شأنك، هذا معنى آخر للجبار: المصلح.
المصلح للأمور، تقول: جبرت الكسر إذا أصلحته، جبرت الفقير إذا أنعشته فهو جابر، أما الجبار فهو كثير الجبر نوعاً وكماً، تقول مثلا: جبار، لإنسان أعطى مئة رجل فقير لم تقل له: جابر بل: جبار لأن عطاءه شمل مئة إنسان وأما إذا أعطى إنسانا واحدا عطاء كبيراً فهو أيضا: جبار فالمبالغة مبالغة عدد أو النوع، على كل الجبار هو المصلح إن جبر الفقير أغناه، وإن جبر المريض شفاه، وإن جبر الذليل أعزه، وإن جبر الضعيف قواه، وإن جبر الخائف أمّنه، فالجابر هو المصلح والجبار كثير الإصلاح، كمّاً ونوعاً هذا هو المعنى الثاني.
إذاً قل: يا جبار، يقول التجار: يا جبار! لأن بيع البضاعة عند التاجر جبر، وربنا عز وجل ما ذكر من صفات التجارة إلا صفة واحدة فقال:
}وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا{ .
ما من منظر يتفتت له قلب التاجر كأن يرى بضاعته مكدسة في المستودع، ولا أحد يسأله عنها، لذلك الله عز وجل عندما ذكر التجارة ذكر الشيء المؤلم عند التاجر، إذا يا جبار! أي: يا رب اجعل هذه البضاعة نافقة، وحبب الناس بها، واجعلهم يقبلون عليها.
"يا جابر كلَ كسير".
فالحزانى في كنف الله، إن الله يحب كل قلب حزين، والحزانى معرضون للرحمة.
أي إذا كان المرء في خصومة، وكان قويا، واستعمل قوته في الظلم، فليس رابحا، وليس منتصرا لأن هناك جبارا أعلى سوف يقصمه، روي في الأثر:
"بئس العبد عبد تخيل واختال، ونسي الكبير المتعال، بئس العبد عبد تجبر واعتدى، ونسي الجبار الأعلى، بئس العبد عبد سها ولها، ونسي المقابر والبلى، بئس العبد عبد عتا وطغى، ونسي المبتدأ والمنتهى".
أما إذا كان هذا المرء هو الجانب الأضعف فالجبار سيرحمه.
الجبار الذي يقصم الظالم، والجبار الذي يرحم المظلوم، فإذا كنت الجانب الأضعف كان الله معك، فالله مع الضعيف، والله هو الجبار، سيجبر كسر الضعيف، وهو الجبار سيقصم الظالم.
زوجان تخاصما أحدهما تجاوز حدوده، هنيئاً لمن كان الأضعف هنيئاً لمن كان مظلوما، لأن الله مع المظلوم في الزواج، وفي الشراكة، وفي أي تعامل.
أب غني... ترك إرثاً كبيرا،ً وترك أولاداً... وأحد أولاده كبير قوي، والآخرون صغار ضعفاء، الكبير استطاع بذكاء، أو بحيلة، أن يأخذ معظم الثروة له، وأن يخص إخوته الصغار بشيء قليل، لا يسمن ولا يغني من جوع، الله جبار، يصلح الأمور ويقصم الجبابرة، فما زال أحد إخوته الصغار يوفقه الله عز وجل، ويمده، وما زال الله عز وجل يضعف الكبير، ويفقره، ويسد الطرق في وجهه إلى أن اضطر الكبير أن يبيع الصغير كل ما أخذه من أبيه غصبا، ثم اضطر الكبير أن يعمل عند الصغير محاسبا ومثل هذه القصص كثيرة جدا وكثير من كل الأسر.
اسم الجبار يقصم الظالم، واسم الجبار يرحم المظلوم، فالله جبار على الظالمين، جبار للمظلومين، جبار على الأقوياء، جبار للضعفاء، جبار على المتكبرين، جبار للمتذللين.
فالجبار المصلح لكل الأمور، المظهر لدين الحق، الميسر لكل عسير، الجابر لكل كسير، وهذه صفة من صفة أفعال الله عز وجل إنها صفة فعل.
المعنى الثالث: الجبار بمعنى أنه جبره على كذا أي: أكرهه على ما أراد بمعنى أجبره، الله عز وجل جبار أي: مشيئته هي النافذة، أنت تريد، وأنا أريد، والله يفعل ما يريد، ورد في الأثر القدسي: "أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد".
فرعون قال: }أنا ربكم الأعلى{ ، }ما علمت لكم من إله غيري{ ، رأى في المنام أن طفلاً من بني إسرائيل سوف يقضي على ملكه، فبدل أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يعود عن غيه، وعن ظلمه، وعن كبره، وعن ادعائه، خطر في باله أن يقتل كل أبناء بني إسرائيل، وهكذا فعل، لا تستطيع قابلة في عصره أن تخفي عن رجاله مولودا ذكرا ولد لبني إسرائيل، فإذا أخفت ذلك قتلت هي مكانه... يذبح أبناءهم.
أما هذا الذي سيقضي على ملكه، فقد رباه في قصره، الجبار الله عز وجل قهره، وهو يغرق قال:
}وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ{
إخوة يوسف أرادوا به كيدا، فجعلوه في غيابات الجب، أي: أرادوا أن يقتلوه، ما الذي حصل؟ دخلوا عليه وهو عزيز مصر قال: }أَنَا يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ{ ويقول الله عز وجل موضحا مغزى هذه القصة: }والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون{ ، هذه قصة ثانية.
إذا الله جبار فقد أحبط مسعى إخوته الذين أرادوا أن يجعلوه في غيابة الجب، وأرادوا أن يقتلوه، ثم صار عزيز مصر، إذاً الله جبار.
قوم إبراهيم أرادوا أن يحرقوه، وأن ينتهوا منه، والأمر بيدهم وهم أقوياء وجاؤوا بالنار، وأضرموها وألقوا إبراهيم عليه السلام فيها، وكان من الممكن أن يتفلت من أيديهم، كان من الممكن أن لا يعثروا عليه، كان من الممكن أن تأتي أمطار غزيرة فتطفئ نارهم، كان من الممكن ألا يعرفوا من كسر هذه الأصنام لكن أراد الله عز وجل أن يعرفوا أنه كسرها، وهو فتى وأن يعترف بفعلته، وأوقدوا النيران، واشتعلت النيران، وألقوه في النار، الله جبار... قال تعالى:
}قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ{ .
النبي عليه الصلاة والسلام ائتمروا على قتله، قاطعوه، نكلوا بأصحابه ثم دخل عليهم فاتحاً، وهم رهن إشارة منه، لو أعطى إشارة لقتلوا جميعاً قال: "ما تظنون أني فاعل بكم"؟ فقالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم فقال: "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم" الله جبار.
في غزوة الخندق ضاق الأمر على النبي وأصحابه إلى أن ظن بعض أصحاب النبي أن الأمر قد انتهى، وتكلم قوم بكلام قبيح فقال معتب بن قشير: يعدنا محمد كنوز قيصر وكسرى، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى حاجته!! ما الذي حصل؟ هبت الرياح العاصفة فقلبت قدورهم، واقتلعت خيامهم، وأطفئت نيرانهم، قال تعالى:
}وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً{ .
إذا المعنى الأول من معاني الجبار: الشيء العالي الذي لا يدرك فهو من أسماء التنزيه، أي: من المستحيل بأن تحيط بالله عز وجل حتى الأنبياء لم يعرفوا الله المعرفة المطلقة، عرفوا جانباً من كمال الله عز وجل، عرفوا طرفا من أسمائه، فلا يعرف الله إلا الله.
المعنى الثاني للجبار: المصلح الضعيف يجبره الكسير يجبره المظلوم يجبره الفقير يجبره.
أما المعنى الثالث: فهو الذي يجبر جميع الخلق على مشيئته، وعلى إرادته.
والله لقد سمعت قصة مؤثرة رجل معروف بالغنى الفاحش يعمل في تجارة ناجحة جدا، ورائجة جدا، ويحصل منها على أرباح طائلة خطب ابنته شاب مهندس، أخلاقي، دخله دخل مهندس، رفضه لفقره، لكن رفضه كان باستعلاء، وبكبر، وبغطرسة، هذه التجارة الرائجة، أساسها قانون، هذا القانون، أوقف العمل به، فجأة توقفت تجارته، فجأة أصبح تحت طائلة المطاليب هذا العم الغني تراجعت تجارته شيئاً فشيئاً إلى أن أصبح بحاجة إلى مصروف يومه، ثم توسط لدى بعضهم أن يقنع الشاب المهندس أن يطلب ابنته مرة ثانية وتزوجها هذا المهندس، وقد وفقه الله عز وجل في عمله، ثم عمل العم عند صهره المهندس موظفا، الله جبار.
امرأة قالت لضرتها التي لا تنجب، في بطني ولد وعلى يدي ولد، وها هو ذا ولد أمامي، ثلاثة أولاد، ولد يتحرك أمامها وولد ترضعه، وولد في بطنها، من يصدق أن هؤلاء الأولاد الثلاثة ماتوا تباعا، وأن التي لا تنجب رزقها الله خمسة أطفال ذكور؟!
الله الجبار، مع الضعيف المظلوم المقهور، ومع الكسير الحزين المستضعَف الله عز وجل معه دائماً يؤيده، وينصره ويوفقه أقول أنا أعرف من هو المظلوم، ومن هو الظالم من مستقبل الشريكين، فالذي وفقه الله عز وجل هو المظلوم والذي قصمه الله هو الظالم في الأعم الأغلب.
الزوجان طلقت امرأة من زوجها هو يدعي أنها زوجة سيئة وهي تدعي أنه زوج سيئ، في المستقبل إذا وفقت بزوج صالح أكرمها وورط الزوج بزوجة سيئة أزعجته معنى ذلك أنه كان ظالماً لها.
ويروى أن رجلاً كان جالسا مع زوجته يأكلان الدجاج طرق الباب طارق، قامت الزوجة لتفتح الباب فكان بالباب رجل سائل، ورغبت الزوجة أن تعطيه شيئاً من الطعام، فنهرها زوجها وقال: اطرديه، دارت الأيام وطلقت هذه من زوجها وخطبها إنسان ميسور الحال وهما جالسان يأكلان هذا الطعام نفسه، ولحكمة بالغة طرق الباب فانطلقت لتفتح الباب فاضطربت قال زوجها: من الطارق؟ قالت: سائل قال: لماذا اضطربت قالت: أتدري من السائل؟ إنه زوجي الأول قال: أتدرين من أنا؟ أنا السائل الأول، الله هو الجبار.
وفي كل زمان وفي كل مكان وفي كل عصر وفي كل مصر تجري مثل هذه القصص. غني يفتقر فقير يغتني ضعيف يقوى قوي يضعف، كم من إنسان كان في قبضة إنسان، يذيقه ألوان الإهانة والعذاب، فجأة وقع هذا القوي في قبضة المستضعف، فالإنسان المؤمن لو أن الدنيا أقبلت عليه، عليه أن لا يتكبر، ألا يتجبر، ألا يتعجرف.
والحقيقة، كما أن الله عز وجل يعطي المال بحجم كبير، فيدهش، ويأخذه دفعة واحدة، فيدهش.
كان هناك طبيب نسائي جبار، لا يوجد في دمشق غيره، قصة وقعت منذ سبعين عاماً تقريباً، لا يخرج من العيادة إلا بـليرة ذهب وعربة لتنقله لعدم وجود السيارات في زمنه، لا بد من دفع الليرة الذهبية ولو كانت المريضة فقيرة، ذكر لي بعضهم أن بعض الناس يضطرون لبيع الفراش من تحت المريضة ليعطوه الليرة، ولادة عسرة، وطبيب وحيد في البلد، ولا يخرج من بيته إلا بـليرة ذهب وعربة.
بنى بناء في أرقى أحياء دمشق، والبناء موجود الآن وهو من أندر الأبنية، بعد ما بناه أصيب بالفالج تحملته زوجته زمنا يسيرا ثم أمرت زوجته أن يوضع في قبو البناء، فوضعوه في القبو، وكانت تبعث له الطعام مع الخادمة فيسألها عن زوجته فتقول له: قلت لها ولم أدري لم لا تحضر، وقد طلبها أول مرة، والثانية والثالثة، وحينما تطل عليه زوجته بعد طلبه الملح تسمعه أقسى الكلمات، وتغيب عنه، بقي مشلولا ثماني سنوات، ويقدم له الطعام عن طريق الخادمة، وبسبب من الرائحة الكريهة التي تفوح من القبو أمرت زوجته أن ينقل إلى بيت بعيد ليبقى هذا البناء أنيقاً، وبعيداً عن رائحته الكريهة وعن صراخه، وهو الذي بنى هذا البناء وزينه وزخرفه.
الله جبار، لم يكن هذا الطبيب يرحم المرأة الفقيرة، فيباع الفراش من تحتها، ليأخذ الليرة الذهبية.
وكل إنسان يتجبر، ويتحكم بالناس بعلمه حيث يقول: لا يوجد غيري في هذا الاختصاص، أو بماله، أو بقوته، فليعلم أن الله جبار.
والله جبار مع الضعيف ضد القوي مع المظلوم ضد الظالم ومع الفقير ضد الغني الظالم، وليس كل غني بظالم.
فالله عز وجل جبار، هذا هو المعنى الثالث جبره على كذا أي: أكرهه على ما أراد. الجبار: هو الله عز وجل الذي أجبر الخلق على ما أراد وحملهم عليه، أرادوا أم لم يريدوا أحبوا أم لم يحبوا أي: لا يجري في ملكه إلا ما يريد ولا يحصل في كونه إلا ما يشاء ينفَّذ مشيئته على سبيل الإجبار ولا تنفذ فيه مشيئة أحد، سبحان من تنزه عن الفحشاء وسبحان من لا يجري في ملكه إلا ما يشاء.
فبعد توضيح المعنى الدقيق للجبار هل للإنسان علاقة مع غير الله عز وجل، هل يوجد جهة غير الله عز وجل أهل لأن تسأل وأن تخاف.
قال أحد العارفين: "يا رب عجبت لمن يعرفك كيف يرجو أحداً غيرك، وعجبت لمن يعرفك كيف يستعين على أمر بأحد غيرك، وعجبت لمن يعرفك كيف يلتفت لأحد غيرك".
بعضهم قال: "الجبار من لا يرقى إليه وهم ولا يشرف عليه فهم ولا يلحقه إدراك، ينفذ أمره في كل شيء ولا ينفذ فيه أمر شيء، من أصلح الأشياء بلا اعوجاج وأمر بالطاعة بلا احتياج".
هذا من تعاريف اسم الجبار.
وإذا كان الإنسان جباراً بالمعنى المذموم لا بد من أن يقصمه الله عز وجل، لكن يمكن للإنسان أن يكون جبارا من زاوية واحدة، فمن لم يكن أسيراً لحب المال، والجاه، لأن كل إنسان يحب المال يصبح حب المال نقطة ضعف فيه، أصبح ضعيفاً، مفتاحه المال، يقولون: فلان مفتاحه المال، فلان تعظّمه، فيلين معك، هذا يحب الجاه، فكل إنسان أسير للمال أو الجاه هذا إنسان ضعيف، فإذا تنزه الإنسان عن حب المال، وحب الجاه أصبح جباراً بالمعنى الذي يليق بالإنسان، لم يبق إنساناً ضعيفا تستطيع أن تملك مفتاحه.
فالمؤمن مفتاحه الحق لا يوصل إليه لا بالمال ولا بالمديح، لا تصل إليه إلا بالحق، فإذا كان هناك مؤمن أحب أن يتخلق باسم الجبار لا بمعنى المتكبر، ولا بمعنى القهار، ولا بمعنى الذي ينفذ مشيئته، بل بمعنى أنه ليس محتاجا إلى مديح ولا إلى ثناء ولا إلى مال.
ففي كل شخص مهما كان قوياً، نقطتا ضعف، المال والنساء، ولا يوجد إنسان يتآمر على إنسان إلا بهاتين النقطتين، إما بامرأة تغريه فيسقط، وإما بمال يأخذه حراما فيسقط، فإذا كان الإنسان محصناً من المال والنساء، لا يستطيع أعداؤه النيل منه.
فالجبار من الناس الذي يجبر الخلق بهيئته وصورته وأمانته وصدقه وعفته واستقامته على أن يقتدوا به، يفيد ولا يستفيد، ويؤثر ولا يتأثر، هذا هو النبي عليه الصلاة والسلام، بلغ من الكمال درجة أنه يعطي ولا يأخذ، ينفع الخلق كلهم ولا ينتفع منهم، يؤثر فيهم ولا يتأثر، روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين، فأعطاه إياه، فأتى قومه، فقال: أي قوم! أسلموا، فوالله! إن محمدا ليعطي عطاء ما يخاف الفقر.
إذاً الجبار إذا أمكن لإنسان أن يكون كريما فعليه أن يتنزه عن حب المال، وعن حب المديح والجاه.
6
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

رياح الهنا
رياح الهنا
معلش ساحونى حاولت اكبر حجم النص
ما عرفت
لان المنتدى على الجوال مومتوفر تكبير النص بس متوفر تلوين النص
وجه في الزحام
وجه في الزحام
الله يجزاك خير ويكتب أجرك
malake1967
malake1967
جزاك الله كل خير
وجعله في ميزان حسناتك
رياح الهنا
رياح الهنا
الله يجزاك خير ويكتب أجرك
الله يجزاك خير ويكتب أجرك
آمين وإياكم
رياح الهنا
رياح الهنا
جزاك الله كل خير وجعله في ميزان حسناتك
جزاك الله كل خير وجعله في ميزان حسناتك
آمين ...وإياكم