تدبرات فى أسماء الله الحسنى ( الملك ) الحلقة الاولى

ملتقى الإيمان


الملك
إن من أسماء الله الحسنى: الملك، "وإن لله تسعةً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة" ، قال تعالى: }هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{ .
وقال تعالى: }مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{
وعند السادة الشافعية يجب أن يقرأ المصلي في الركعة الأولى: مالك يوم الدين، وفي الركعة الثانية: ملك يوم الدين، وقد ورد هذا الاسم في آية أخرى قال تعالى:
}فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ{ .
وفي آية رابعة قال تعالى: }قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَالْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{ . وفي آية خامسة قال تعالى: }فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{.
تعريف الملك:
القدرة على التصرف إذاً هو من أسماء الذات، ويمكن أن يكون من أسماء الأفعال، ومعناه المتصرف.
قرأ مالك بن دينار في الكتب أن الله يقول:
"أنا ملك الملوك، ومالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، وإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإنِ العبادُ عصوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالسخط والنقمة... فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك، وادعوا لهم بالصلاح، فإنّ صلاحهم بصلاحكم".
الله: ملك بل مالك الملوك ومعنى هذا أن أي شيء يُملَّك: مالكه الله سبحانه وتعالى، وقال بعض العلماء: الملك هو الذي يحكم ولا يملك، والمالك هو الذي يملك ولا يحكم، والله سبحانه وتعالى مالك وملك.
أحياناً يملك الإنسان الشيء ولا ينتفع به وليس من حقه أن يتصرف فيه، وأحياناً ينتفع به ويتصرف فيه ولا يملكه، وأحياناً يملك الشيء وينتفع به ويتصرف فيه وليس المصير له.
مثال: بيت يملكه إنسان ملكاً حراً شرعياً يسكنه، ويملكه، وينتفع به،فإن صدر قرار استملاك فلا يكون مصيره إليه، إذاً إذا قلنا: إن الله سبحانه وتعالى هو مالك الملك فهو يملك الشيء، ويتصرف به ومصيره إليه، فتكون أعلى درجات الملكية هي ملكية الله سبحانه وتعالى.
سئل أعرابي يملك قطيعاً من الإبل: لمن هذه؟ قال: لله في يدي، فالمؤمن الصادق: بيته، متجره، سيارته، خبرته، مكانته، شهاداته، يراها بملك الله عز وجل.
مثال: أعلى طبيب في اختصاصه، إذا تجمدت خثرة في دماغه، يفقد ذاكرته فمصيره إلى مستشفى المجانين، إذاً مَن مالك الملك؟ الله سبحانه وتعالى.
هذه العين التي ترى بها، من مالكها؟ الله سبحانه وتعالى، هذه الأذن، هذا اللسان، هذه الحركة، هذه القوة، أيْ: مِن لوازم الإيمان أن ترى أن كل شيء بحوزتك هو ملك لله عز وجل سمح لك أن تتصرف به.
لمن هذه الأرض؟ لله في يدي، وبيتك لله في يدك، ومتجرك لله في يدك، مركبتك لله في يدك.
الآن إذا قلنا: فلان ملك، هل نقصد بها حقيقةً أم مجازاً؟ العلماء قالوا: لا يمكن أن يملك حقيقةً إلا الله، وأيُّ وصف للملكية لغير الله فهو على سبيل المجاز فقط، لأن الملك هو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود، فهل من ملك يستغني في ذاته عن كل موجود؟ ألا يستنشق الهواء، ألا يشرب، ألا يأكل، ألا يشعر بحاجتهإلى النوم، ألا يخاف، ألا يحزن، ألا يتمنى أن يكون له أعوان كثر، إذاً أي إنسان مفتقر في وجوده وفي صفاته إلى إنسان آخر، لا يمكن أن يكون ملكاً حقيقياً، الملك الحقيقي هو الله عز وجل، وإذا سمينا فلاناً ملكاً فهو من باب المجاز.
الملك الحقيقي الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود ويحتاجه كل موجود، بل لا يستغني عنه شيء في شيء لا في ذاته ولا في صفاته، فهو ملك في ذاته، في وجوده، في صفاته، مستغنٍعن كل شيء، بحاجة إليه كل شيء، هذا هو الوصف الدقيق للملك ولا يستحقه إلا الله عز وجل، إذاً الملك الحقيقي هو الله، وكل من يصف نفسه: أنه ملك أو مالك هذه الدار أو مالك هذه الدكان أو مالك هذه التجارة أو صاحب هذه الشركة هذا من باب المجاز، اعرف حجمك الحقيقي رحم الله عبداً عرف حده فوقف عنده.
الله سبحانه وتعالى: مالك مُمَلِّك، والشخص الذي لا يستطيع أن يملكك فليس ملكاً، فمن لوازم هذا الاسم أن الله مالك مملك، والدليل قال تعالى:
}قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{
والملك الحقيقي هو أن يملك هواه ولا يملكه هواه، والذي أُعتِق من أَسْرِ نفسه وليس ملكاً لنفسه، قال تعالى:
}رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ{ هذه الآية دقيقة جداً: سيدنا يوسف يصف بأنَّ الله قد آتاه الملك: أيُّ مُلْكٍ آتاه! لم يكن أميناً على خزائن الأرض فحسب، بل آتاه الله كذلك الملك الحقيقي، فهذا الملك الذي يؤتيه الله لمن يشاء ملك زائل، وليس مزية يفتخر بها، فما الملك الحقيقي؟ هو أنه ملك نفسه، لمجرد أن قال: معاذ الله حينما دعته امرأة ذات منصب وجمال، حينما قالت: "هيت لك" قال: "معاذ الله"، هذا هو الملك الحقيقي، الملك الذي لا يزول، الملك الذي تسعد به إلى الأبد، أن تملك نفسك ولا تملكك، أن ينقاد لك هواك ولا تنقاد له، إذا انقاد لك هواك وسيطرت عليه فأنت ملك، إذا سيطرت على نفسك فأنت ملك، إذا ملكت زمام نفسك فأنت ملك، إذا سيطرت على شهواتك فأنت ملك، إذا قدت نفسك إلى طريق الخير والسعادة فأنت ملك أما إذا قادتك نفسك إلى الضلال والشهوات والمعاصي والأثام فأنت مملوك، إذا قادك عقلك أنت ملك، إذا قادك هواك فأنت مملوك، وشتان بين أن تكون ملكاً وبين أن تكون مملوكاً.
أحد أكبر زعماء أوروبة في الحقبة السابقة والذي حقق انتصاراً ساحقاً في الحرب العالمية الثانية له كلمة لا أنساها، قال: ملكنا العالم ولم نملك أنفسنا، نحن ضعاف أمام أنفسنا. شخصية كبيرة تغريه امرأة تعمل معه، تنهار نفسه أمام فتنتها. إذاً أنت مملوك، كل أهل الدنيا عندهم نقطتا ضعف مدمرتان: المال والنساء، أي: يملك أشياء كثيرة وله اطلاع واسع، له قدرات عجيبة، ومع ذلك المرأة والدرهم والدينار تمتلكه، إذاً هو مملوك.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ" .
المملوك من كان في خدمة المال ولم يجعل المال في خدمته، المال أصلاً مُسخر لك لكنك سُخِّرت له فأنت عبد له، تعس عبد الفرج تعس عبد البطن تعس عبد الخميصة. (أي الثوب) أي أنت مملوك.
إذا قرأتم هذه الآية ترنموا بها: (ربِّ قد آتيتني من الملك) الملك الحقيقي أن تملك نفسك لا أن تملكك، أن ينقاد لك هواك لا أن تنقاد له، أن تسيطر على شهواتك، أن تكون مع الحق حيث كان الحق، أن تكون وقَّافاً عند كتاب الله، أن تعترف بالحق الذي لغيرك عليك وإن كان مراً، هذه هي البطولة الحقيقية، هذا ما اتجه إليه معظم المفسرين في قوله تعالى: }رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَاوَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ{ .
بعضهم قال: المَلِكُ: الذي ملك قلوب العابدين فأقلقها، والحقيقة أن الإنسان منذ أن عرف الله عز وجل، أو منذ أن بدأ في معرفة الله، دخل في دوَّامة الحب، أصبح مشغولاً، أصبح عظيماً بعد أن كان تافهاً، فالمؤمن قلق، لا ينزاح عنه قلقه حتى يلقى الله عز وجل، هل اللهُ راض عني؟ هل عملي وفق ما يرضي الله؟ هل الله يحبني؟ هل في عملي إخلاص؟ هل في عملي زيغ؟ هل هناك ما أرجوه غير الله عز وجل؟
ومَلَكَ قلوبَ العارفين فأحرقها، المَلِكُ مَنْ إذا شاءَ مَلَّك ومن إذا شاء أهلك:
}إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ{ .
إذا أعطى أدهش، وإذا حاسب فتّش، أعطانا قبل سنوات أمطاراً غزيرة أخرجت سبعين ضعفاً عن إنتاج السنوات السابقة من القمح وإذا انحبست أمطار السماء، فَمَنْ في الأرض كلها يستطيع أن يصدر قراراً بإنزال المطر؟! ولو اجتمعت الأمم كلها، المجالس كلها، والقيادات كلها، وإذا انحبست الأمطار مات الزرع وتبعه الضرع وتبعه الإنسان.
فنحن عبيد لأننا مفتقرون إلى ماء السماء:
}قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ{ .
اللهُ سبحانه وتعالى المَلِكُ من إذا شاء ملّك وإن شاء أهلك، الملك الحق من لا ينازعه معارض، لا معارضون لا مُشَوشون منتقدون، ولا يمانعه ناقد فهو في تقديره منفرد، وبتدبيرهُ متوحِّد، ليس لأمره مرد ولا لحكمه رد، والمَلِكُ من دار بحكمه الفلك.
ذكر الله تعالى في آية واحدة خمسة بنود للملكية، قال تعالى:
}قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{.
العلماء فسروا المُلْك أنه ملك الآخرة كما فسَّروه أنه ملك الدنيا، فإذا كنت مؤمناً، مستقيماً، صادقاً مخلصاً، لك عمل طيب فأنت ملك، ولكن مِن ملوك الدار الآخرة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟ والإمام علي يقول: "الغنى والفقر بعد العرض على الله"، وقال سبحانه: (تؤتي الملك من تشاء) ولكن ما معنى: من تشاء؟ إذا قال الله عز وجل: (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) ما معنى: يهدي من يشاء؟ يعني: من شاء الهداية هداه الله، (فيضلالله من يشاء): من شاء الضلالة أضله الله، فالهداية والضلالة أصلهما هداية جزائية أو ضلال جزائي مبني على هداية أو ضلال اختياريين، قال تعالى:
}وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{.
تؤتي الملك من تشاء: تؤتي الهداية من شاءها، وتنزع الملك ممن تشاء: رفض الدين، رفض رحمة رب العالمين، رفض وعده العظيم، أراد الدنيا، أراد شهواتها، ينصرف الإنسان إلى الملاهي، إلى شهواته، إلى معاصيه، إلى انحرافاته.
بالمناسبة مُلْك الدنيا: يؤتيه الله لمن يحب ولمن لا يحب، وأما مُلك الآخرة فلا يؤتيه إلا لمن يحب.
المعنى الثاني: ملك الدنيا، الله سبحانه وتعالى يقول:
}وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ{.
مَن مَلَّكَكَ هذا البيت؟ الله سبحانه وتعالى، لمن كان هذا البيت؟ لفلان، كيف باعه؟ ضاقت به الأمور فباعه، من الذي جعلك خليفة له في هذا البيت؟ الله سبحانه وتعالى، هذا العمل من ولاّك إِياه؟ الله سبحانه وتعالى، لماذا عُزِل فلان؟ بحكمة الله وتقديره، إذاً المعنى الآخر: تؤتي الملك مَنْ تشاء، المعنى الدنيوي، الله سبحانه وتعالى يقول: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض) ما الحكمة؟ لماذا أعطى فلاناً ومنع فلاناً؟ ومَلَّكَ فلاناً ونزع من فلان؟ لماذا رفع فلاناً وخفض فلاناً؟ الجواب: (ليبلوكم أَيُّكم أحسنُ عملاً) يمتحنك بالغنى وبالفقر، بالصحة وبالمرض، بالقوة وبالضعف، فإذا كان هذا العبد متمرداً فما الجواب؟ قال: (إن ربك سريع العقاب) فإذا كان طائعاً فما الجواب؟ }وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى{ .
إذاً: جعلكم خلائف الأرض، ووزع الحظوظ توزيع ابتلاء وسوف تُوَزَّعُ في الآخرة توزيع جزاء إذاً هو مالك الملك: إِما أن يُمَلِّكك ملك الآخرة أو ملك الدنيا أو ملك الآخرة والدنيا.
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
(وتعز من تشاء وتذل من تشاء) دخلنا في باب العز والذل، هنالك شيء دقيق جداً: إذا أعزك الله سخر لك أعداءك، وإذا أراد الله أن يذل عبداً ما، أذله أقرب الناس إليه، }ومَنْ يُهِنِ اللهُ فما له مِنْ مُكرم{
اجعل لربك كل عزك يستقرَّ ويثبُت
فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميّت
إذاً من لوازم أن الله مَلِك أنه هو الذي يعز وهو الذي يذل، فكن مع العزيز.
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا فإنا منحنا بالرضا من أحبنا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنابنـا لنحميك مما فيه أشرار خلقنا
بيدك الخير، إذاً فالذلُّ خير، ونزع المُلكِ خير، ولكن يسمى شراً من وجهة نظر الإنسان.
تولج الليل في النهار، تصريف الكون، تسيير الكون، الأرض تدور حول الشمس بمدار إهليلجي بيضوي، مَن يجعلها على مسارها تماماً؟ هل في الكون كله قوة تستطيع أن تجعلها على مسارها لو خرجت؟ إنها إن خرجت انتهت وجذبتها كواكب أخرى!!
}إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً{ .
يمسكها على مسارها، إذا خرج القطار عن سِكَّته، طفل رضيع أو نملة صغيرة أو ذبابة حقيرة هل بإمكانها أن تعيده إلى السكة؟ (ولئن زالتا إن أمسكهما من أَحد مِن بعده) مَن جعل الأرض تسير في الثانية 30 كم؟ مَن جعلها تدور في الساعة 1600 كم؟ مَن جعلها بهذا الحجم؟ من جعل بعدها عن الشمس بهذه المسافة؟ هذا من اسم الله: الملك.
}تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ{
ظاهرة توالد الإنسان، تكاثر الحيوان، ظاهرة النبات، وتكاثره (وتخرج الحي من الميت): بذرة الزيتون تبدو لك قطعة من الخشب كامن فيها شجرة بقوة هذه البذور، هذه أنماط الحياة، دورة الحياة، الشجرة يابسة في الشتاء كأنها خشب يأتيها الربيع فإذا هي خضراء.
مرة طلب سيدنا عمر من سيدنا عمرو بن العاص أن يصف له مصر وكان بليغاً، قال:
"يا أمير المؤمنين! مصر طولها شهر، وعرضها عشر، (يعني طولها مسيرة شهر وعرضها مسيرة عشرة أيام)، يخط وسطها نهر ميمون الغَدَوات مبارك الرَّوْحات، يا أمير المؤمنين بينما هي عنبرة سوداء(ترابها أسود اللون لخصوبته) إذا هي درَّة بيضاء (طوفان النيل) إذا هي زبرجدة خضراء، فتبارك الله الفعال لما يشاء".

وصف مصر في الشتاء وفي فيضان النيل وفي الربيع والصيف، وصف طولها ووصف عرضها.
إذاً مِن معاني الملك أنه يقلب الليل والنهار، ويخرج الحيَّ من الميت ويخرج الميت من الحي، ومن معاني أنه يخرج الميت من الحي والحي من الميت: أن الكافر قد يلد مؤمناً وأن المؤمن قد يلد كافراً.
}وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍفَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ{.
آخر بند في المُلْكية: (وترزق من تشاء بغير حساب)، قد يرزق الإنسان الضعيف، وقد يفقر القوي الذكي، لذلك التجار يقولون: ليس عند الله تاجر ذكي، ومن دعاء المؤمنين على الكافرين "اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم" فالكافرُ يدبر فإذا هو يدمر نفسه. "ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
هناك سؤال: هل يملك العبد بالتمليك، لو أنّ إنساناً ملَّكَك شيئاً هل تملكه، كيف نناقش هذه الفكرة؟ مالك هذه الدار، هذه المركبة، تملَّكَ بالثبوتيات تملكا كاملا، هذا كلام نقوله نحن، لكن هناك غلط كبير في هذا الكلام، العلماء قالوا بالحرف الواحد: الأصح أن الإنسان لا يملك! لماذا؟ لأن استقلاله بالتصرف في شيء ما فرع من كونه مستقلاً في نفسه، فإذا كان العبد لا استقلال له في نفسه وذاته البتة، فكيف يكون مستقلاً في تصرفه في غيره؟ ولهذا قال ربنا عز وجل مُعلماً رسولاً ومن بعده عباده:
}قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{
إذا كان النبي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، أفيملك النفع والضر للآخرين؟ الجواب لا، مِن باب أولى، إذا كنتُ عاجزاً عن هداية ابني! فهل بإمكاني أن أهدي ابنك؟ مستحيل! لذلك فالكلام القطعي والثابت أن الله سبحانه وتعالى هو المَلِك الحقيقي وأن الإنسان إذا ملك فملكيَّةُ مجازية، فمثلاً، قد يقول لك مستخدم في وزارة الخارجية: والله عينا فلاناً سفيراً! هذا كلام مجازي، إنَّ الذي عين فعلاً، ليس المستخدم بل الوزير، أَّما في الحقيقة المطلقة: الذي ملك هذا الإنسان هذا المنصب، هو الله سبحانه وتعالى.
العبد مثلاً متى يكون مسافراً؟ إذا سافر سيده، متى يكون مقيماً؟ إذا أقام سيده، هل للعبد استقلال في حركته عن سيده؟ لا، إذاً كلام قطعي: يجب أن تشعر وأنت تملك أوراق الملكية للبيت أن هذا البيت ملك الله عز وجل، وفي أية لحظة يمكن أن تبيعه، قد يتعطل جهاز بالجسم، فيقال لك: هذه العملية تكلفتها 800 ألف ليرة ومصاريف سفر وإقامة، وبالعملة الصعبة، والنتيجة بيتك ثمن للعملية، فتعرضه للبيع، فسبحان مالك الملك.
ومثل آخر: كُلْيِة تكلفة زراعتها مليون ليرة، وكل شيء تملكه ثمن لهذه العملية، صمام القلب كلفته نصف مليون ليرة، فالإنسان إذا عافاه الله فهو غني وغني بالمعنى الحقيقي.
هناك موضوع دقيق بعض الشيء، وقبل الوصول إليه، يقول تعالى:
}ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{ .
إذا كان العبد مملوكاً لا يقدر على شيء، فهل يكون مالكاً؟ أَيْ:متصرفاً في ملك الآخرين، هذا مستحيل! لكن ما بال الآية الكريمة تقول:
}فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ{.
فتبصَّر يا أخي المؤمن، الأمر دائماً بيد الله فكيف نفسر قوله تعالى:
}يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ{ .
الآن، الأمر لله وفي آية أخرى: (لله الأمر من قبل ومن بعد) وفي آية أخرى:
}ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ{
وفي آية أخرى:
}وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{ .
وفي الدنيا لمن الحكم؟ أليس الحكم لله؟ بلى.
مثال آخر:
}وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ{
وكما يقول الله تعالى:
}صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ{ .
بيدِ مَنْ كانت إذاً؟ هنا العلماء وقفوا وقفة رائعة قالوا: الحقيقة أَنَّ الأمر بيد الله من قبل ومن بعد والحقيقة أن الحكم لله دائماً والحقيقة أنه إليه يرجع الأمر كله دائماً، لكنِ الكفار الغافلون الشاردون الضعاف يرون أنَّ الأمر بيد زيد أو عبيد في الدنيا والحكم بيد فلان والأمر بيد علان أما إذا كان يوم الدين كل الخلائق قاطبة ترى أن الأمر بيد الله وأَن الحكم لله وأنه إلى الله تصير الأمور، فالبطولة أَنْ ترى هذا الشيء في الوقت المناسب.
إذاً حتى الكفار والشاردون وحتى أعتى الكفرة سوف يرون أن الأمر بيد الله وأَنَّ الحكم لله وأَنَّه إليه يرجع الأَمر كله. ولكنهم في الدنيا لا يرون الله عز وجل، يرون أولياء من دونه، يرون مراكز القوى في الحياة هم يعبدونها من دون الله، ويوم القيامة يرون الحقيقة.
إذاً القضية قضية وقت فقط، إما أن ترى الحق في الوقت المناسب قبل أن يفاجئك الموت أو لا بد أن تراه يوم القيامة فتكونالحسرة أية حسرة إذاً البطولة لا أن تنتظر إلى أن ترى مع الآخرين الحقائق، البطولة أن ترى الحقيقة في الوقت المناسب كي تستفيد منها.
هناك شيء آخر: لماذا لا يكون العبد مالكاً مطلقاً؟ قيل: لأنه لا يستغني عن كل شيء: فلو افترضنا أنّ ملكاً عظيماً يستغني عن كل أفراد رعيته، فهل يستغني عن الهواء أو عن الماء أو عن الطعام أو عن الزواج؟ لذلك حين طلب هارون الرشيد الخليفة العباسي الذي ترامت أطراف دولته إلى أقاصي الدنيا، كأس ماء، قال له ابن السماكوكان واعظا ذكياً: يا أمير المؤمنين! بكم تشتري هذا الكأس لو منع عنك؟ قال: بنصف ملكي، قال فاشرب هنيئا فلما شرب قال: أرأيت لومنعت خروجه بكم كنت تشتري؟ قال: بنصف ملكي الآخر، قال: إنملكا قيمة نصفه شربة ماء وقيمة نصفه الآخر بولة، لخليق أن لا يتنافس فيه، فبكى الرشيد .
في بعض متاحف القاهرة فرعون من فراعنة مصر الكبار اسمه توت عنخ آمون كشفت مقبرته بأكملها، كما دفن معه طبعاً من الذهب والحلي والأغراض ما لا سبيل إلى وصفه، ولكن وقفت عند نقطة واحدة: أن هذا الملك مات شاباً في الثامنة عشرة من عمره، حيث إِنّ التابوت قصير جداً والجثة قصيرة جداً، قلت وقتها: سبحان الله! مهما كان الإنسان مالكاً ولديه من الثروات ما لديه تبقى الحياة بيد الله عز وجل، فمصر كلها كانت بيده، مقدرات مصر كلها بيده، ومع ذلك توفاه الله في الثامنة عشرة من عمره، فالمقبرة عامرة بالذهب وبشتى أنواع الحلي وبشيء تحار فيه العيون ومع ذلك مات في سن مبكرة فما أغنى عنه مالُه ولا رَدَّ الموت ملكه، إنه مُلك، ولكنّه عارية.
قال بعض الأمراء لبعض الصالحين وقد التقيا يوماً: سلني حاجتك؟ فقال له الصالح: إليَّ تقول؟! قال الأمير: نعم، قال الصالح: لي عبدان هما سيداك، قال الأمير: ومن هما؟ قال الصالح: الحرص والأمل؛ الحرص على الدنيا والأمل المديد هما عبدان عندي وهما سيداك، فقد غلبتهما وغلباك، وملكتهما وملكاك، فالإنسان يكون ملكاً إذا سيطر على شهواته.
عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: خرج عطاء بن يسار وسليمان بن يسار حاجين من المدينة ومعهما أصحاب لهم حتى إذا كانوا بالأبواء نزلوا منزلا فانطلق سليمان وأصحابه لبعض حاجتهم وبقي عطاء بن يسار قائما في المنزل يصلي.
قال: فدخلت عليه امرأة من الأعراب جميلة فلما رآها عطاء ظن أن لها حاجة فأوجز في صلاته ثم قال: ألك حاجة؟ قالت: نعم! قال: ما هي؟ قالت: قم فأصب مني فإني قد ودقت ولا بعل لي.. فقال: إليك عني لا تحرقييني ونفسك بالنار.
ونظر إلى امرأة جميلة فجعلت تراوده عن نفسه ويأبى إلا ما يريد قال: فجعل عطاء يبكي ويقول: ويحك! إليك عني! قال: فاشتد بكاؤه فلما نظرت المرأة وما داخله من البكاء والجزع بكت المرأة لبكائه قال فجعل يبكي والمرأة بين يديه تبكي! فبينما هم كذلك إذا جاء سليمان من حاجته.
ولبث سليمان بعد ذلك وهو لا يسأل أخاه عن قصة المرأة إجلالا له وهيبة قال وكان أسن منه.
قال ثم إنهما قدما مصر لبعض حاجتهما فلبثا بها ما شاء الله فبينا عطاء ذات ليلة نائم إذا استيقظ وهو يبكي فقال سليمان: ما يبكيك يا أخي؟ قال: فاشتد بكاؤه، قال: ما يبكيك يا أخي؟ قال رؤيا رأيتها الليلة قال: وما هي؟ قال: لا تخبر أحدا ما دمت حيا رأيت يوسفالنبي صلى الله عليه وسلم في النوم فجئت أنظر إليه فيمن ينظر إليه فلما رأيت حسنه بكيت فنظر إلي في الناس فقال ما يبكيك أيها الرجل؟ فقلت: بأبي أنت وأمي يا نبي الله! ذكرتك وامرأة العزيز وما ابتليت به من أمرها وما لقيت من السجن وفرقة يعقوب فبكيت من ذلك وجعلت أتعجب منه! قال: فهلا تعجبت من صاحب المرأة البدوية بالأبواء فعرفت الذي أراد فبكيت واستيقظت باكيا.
قال سليمان: أي أخي! وما كان من حال المرأة فقص عليه عطاء القصة، فما أخبر بها سليمان أحد حتى مات عطاء فحدث بها بعده امرأة من أهله قال وما شاع هذا الحديث بالمدينة إلا بعد موت إسماعيل بن يسار رضي الله عنهما.
هذا هو الملك الحقيقي عندما تطيع الله عز وجل.
ويروى أن امرأة العزيز قالت ليوسف عليه السلام بعد أن ملك خزائن الأرض وقعدت له على رابية الطريق في يوم موكبه وكان يركب في زهاء اثني عشر ألفا من عظماء مملكته سبحان من جعل الملوك عبيدا بالمعصية وجعل العبيد ملوكا بطاعتهم له، إن الحرص والشهوة صيرا الملوك عبيدا وذلك جزاء المفسدين وإن الصبر والتقوى صيرا العبيد ملوكا فقال يوسف كما أخبر الله تعالى عنه: إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
فالحقيقة هي: مَن تحقق مِن ملك سيده كأنه ملك كل ملك سيده.
حُكي عن شقيق البلخي أنه قال: كان ابتداء توبتي أن رأيت غلاماً في سنِة قحطٍ يمرح زهواً والناس تعلوهم كآبة، فقلت له: يا هذا ما هذا المرح؟ ألا تستحي؟ أما ترى ما فيه الناس من المحن؟ فقال: لا يحق لي أن أحزن ولسيدي قرية مملوكة أدخر فيها كل ما أحتاج، فقلت في نفسي: إن هذا العبد لمخلوق ولا يستوحش لأن لسيده قرية مملوكة، ومولاه مخلوق فقير، فكيف يصح أن أستوحش أنا وسيدي مالك الملوك فانتبهت وتبت - الغلام لقنه درساً في التوبة - إذاً بعضهم يقول: دبِّر أو لا تدبر، فالمدبر هو الله سبحانه:
كـن عـن همومـك معرضـا وكـل الأمـور إلى القضا
وابشر بخير عاجـل تنسى به ما قد مضـــى
فلرب أمر مسخـط لك في عواقبه رضـــا
ولربما ضاق المضيــق وربما اتسع الفضـا
الله يفعل ما يشـاء فلا تكن معترضـــــا
الله عودك الجميـل فقس على ما قد مضــى
ومن رائق الشعر قولهم:
ولرُبّ نازلةٍ يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرجُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرجت وكنت أظنها لا تُفرجُ
سمعت أنه نزلت في إيطاليا في عام من الأعوام أمطارٌ في ليلة واحدة تعادل أمطار العام بأكملِهِ وفي لحظة واحدة فإن الله عز وجل قادر على أن يرزقنا مطراً غزيراً يصبح المعدل فوق المعدل الطبيعي. ولو تأخر المطر، فالأمر بيد الله عز وجل، لكن لا تنسوا أنَّ تقليل الله عز وجل للماء تقليل تأديب لا تقليل عجز.
من آداب الإيمان بأن الله هو الملك، أن يكون العبد بما في يَدَيِ الله أوثق منه مما في يديه إذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يديِ الله أوثق منك مما في يديك، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، إذا أردت أن تكون أكرم الناس منزلةً فاتق الله.
حاتم الأصم كان صائماً يوماً فلما أمسى قُدِّم إليه فطوره فجاء سائل فدفع ذلك الفطور إليه فَحُمِلَ إليه في الوقت ذاته طبق عليه كل ألوان الأطعمة فأَتاه سائل آخر فدفع إليه كل ذلك، ففتح بصره فإذا دنانير في الوقت نفسه بين يديه، فلم يتمالك أن صاح: الغوث من الخَلفِ. وكان في جيرانه من يسمى "خلفاً" فتسارع الناس إليه وقالوا: يا أخي؟ ِلمَ تُؤذي الشيخ؟! وما زالوا به حتى جاءوا به إلى الشيخ وقالوا: هذا خَلَف جاءك معتذراً، فقال: إني لم أعْنِهِ أبداً إنما عجزت عن شكر الله عز وجل على ما يعاملني به من الخلف فكلما أنفقت شيئاً أعطاني الله خيراً منه.
عن أنس قال: بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتا في المدينة فقالت: ما هذا؟ فقالوا: عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل من كل شيء فكانت سبعمائة بعير فارتجت المدينة من الصوت فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا".
فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال: إن استطعت لأدخلنها قائما فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله.
من عرف أَنَّ الملك هو الله وحده: أنَفُ أن يتذلّلُ لمخلوق؛ وقال بعضهم: أيجمل بالحرِّ أن يتذلل للعبيد وهو يجد ِمن مولاه ما يريد؟! اُطلبْ تعطِ، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، أيليق بك وقد عرفت أنَّ الله هو الملك ولا ملك سواه أن تتذلل لسواه؟ مَنْ عرف الله لم يحتج إلى عَوْنِ المخلوقين وفتنتهم وبذا تستغني عن الناس، والاستئناس بالناس من علامات الإفلاس.
عن أبي الحسين الحمادي القاضي قال: سمعت الفتح بن شخرف يقول: رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النوم فقلت له يا أمير المؤمنين أوصني فقال لي: "ما أحسن تواضعالأغنياء للفقراء وأحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء" قال: فقلت له: زدني فأومأ إلي بكفه فإذا فيه مكتوب
قد كنت ميتا فصرت حيا وعن قليل تصير ميتا
أغنى بدار الفناء بيت فابن بدار البقاء بيتا
وإذا وثقت بالله عز وجل الله لا يخيبك، من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ودخل النار.
وكان أمية الشامي يقول: "ألا إن المطيع لله ملك في الدنيا والآخرة" قيل لبعض الشيوخ: أوصني، فقال: كن ملكاً في الدنيا تكن ملكاً في الآخرة، فقال: وكيف أفعل ذلك؟ قال: ازهد في الدنيا تكن ملكاً في الدنيا، استغن عن الرجل تكن نظيره واحتج إليه تكن أسيره، أحسن إليه تكن أميره، فإن كنت ملكاً في الدنيا كنت ملكاً في الآخرة.
سئل الحسن البصري: بمَ نلت هذا المقام؟ قال: باستغنائي عن دنيا الناس وحاجتهم إلى علمي.
قال سفيان بن عيينة: بينما أنا أطوف بالبيت إذ أنا برجل مشرف على الناس حسن الشيب فقلنا بعضنا لبعض ما أشبه هذا الرجل أن يكون من أهل العلم قال: فاتبعناه حتى قضى طوافه وصار إلى المقام فصلى ركعتين فلما سلم أقبل على القبلة فدعا بدعوات ثم التفت إلينا فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قلنا له: وماذا قال ربنا؟ قال ربكم: أنا الملك أدعوكم إلى أن تكونوا ملوكا، ثم أقبل على القبلة فدعا بدعوات ثم التفت إلينا فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قلنا له: وماذا قال ربنا يرحمك الله؟ قال: قال ربكم أنا الحي الذي لايموت أدعوكم إلى أن تكونوا أحياء لا تموتون ثم أقبل على القبلة فدعا بدعوات ثم التفت إلينا فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قلنا: ماذا قال ربنا؟ حدثنا يرحمك الله! قال: قال ربكم أنا الذي إذا أردت شيئا كان أدعوكم إلى أن تكونوا بحال إذا أردتم شيئا كان لكم قال ابن عيينة ثم ذهب فلم نره
كأن الله عز وجل يقول للإنسان حين يدخل القبر:
"عبدي رجعوا وتركوك وفي التراب دفنوك ولو بقوا معك ما نفعوك ولم يبقَ لك إلا أنا وأنا الحي الذي لا يموت".
قال: ألم تسمع ربك يقول: أنا الحي الذي لا أموت فإن أطعتموني جعلتكم أحياء لا تموتون في جنة عرضها السموات والأرض، أنا الملك الذي لا أزول هلموا أطيعوني أجعلكم ملوكاً لا تزولون ملوك الدار الآخرة أنا الملك الذي إذا أردت شيئاً قلت له كن فيكون، هلموا أطيعوني أجعلكم كذلك أي: كلما دعوتموني أجبكم، كلما سألتموني أعطيتكم أنا عند ظنكم: "ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه".
هذه بعض التعريفات والآداب والحدود في شأن اسم الله الملك.
منقووووول .
8
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

رياح الهنا
رياح الهنا
لا إلا إلا الله
رياح الهنا
رياح الهنا
سبحان الله
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
بارك الله بك
موضوع قيم
استمري 🌷
رياح الهنا
رياح الهنا
بارك الله بك موضوع قيم استمري 🌷
بارك الله بك موضوع قيم استمري 🌷
بإذن الله أستمر بإذن الله
جزاك الله خيرا
ان شاء الله كل اسبوع أنزل إسم واحد بإذن الله
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
بإذن الله أستمر بإذن الله جزاك الله خيرا ان شاء الله كل اسبوع أنزل إسم واحد بإذن الله
بإذن الله أستمر بإذن الله جزاك الله خيرا ان شاء الله كل اسبوع أنزل إسم واحد بإذن الله
تمام أحسنت اسبوع مناسب حتى يقرا الموضوع ويفهم
بوركت