تدبرات فى إسم الله ( القدوس ) الحلقة الثانية

ملتقى الإيمان




القدوس
قال تعالى:
}هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{
}يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{
وقبل أن نمضي في الحديث عن هذا الاسم الجليل، أودُّ أن أقف وقفة يسيرة عند حقيقة مهمة:
كلكم يعلم أن الجماد كائن يشغل حيزاً، له طول وعرض، وارتفاع وله وزن، وله حجم .. هناك نقطة، النقطة ليس لها حجم، فإذا تحركت شكلت خطاً، فإذا تحرك الخط شكَّل سطحاً، فإذا تحرك السطح شكل حجماً .. نقطة، خط، سطح، حجم.
الجماد يشكل حجماً، له طول، وعرض، وارتفاع، ووزن أما النبات، فيشغل حيزاً، وينمو، أما الحيوان فيشغل حيزاً، وينمو ويتحرك، أما الإنسان فيشغل حيزاً، وينمو ويتحرك، ويفكر، ففي اللحظة التي يعطل فيها الإنسان فكره، يكون قد ألغى إنسانيته، وعاد إلى طور البهيمية .. يعني مَن كانت حياته طعاماً وشراباً، ومتعاً مباحة وغير مباحة، وعملاً ومالاً، دون أن يفكر في الذي خلقه، في الذي أوجده،ودون أن يفكر من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ فما قيمة الإنسان الذي يعطل فكره أو يستخدمه في غير ما خُلق له؟ يعني: من الممكن أن تشتري حاسوباً متطورا بعشرات الملايين، وتضعه في زاوية البيت وتضع عليه حاجاتك وكأنه طاولة أليس هذا تعطيلا له؟ !.. أن تستخدم جهازاً بالغ التعقيد، يعطيك لو أعملته معلومات بالغة الدقة أفتستخدمه كطاولة؟
الذي يعطل عقله، أو يستخدمه في غير ما خُلق له، فهذا الإنسان ألغى إنسانيته، وتحركت فيه حيوانيته.
ذكرت هذه المقدمة، من أجل أن تعلموا أن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان قوةً إدراكية ..فما الذي يجب أن يدركه بها، ما الموضوع؟.. هنا السؤال.
قرأت قبل فترة، أن ما يُطبع في العالم في اليوم الواحد وبلغة واحدة، لا يستطيع الإنسان أن يقرأه في أقل من مئتي عاماً، إذاً هناك موضوعات لا تُعد ولا تُحصى .. ما الذي آخذُ، وما الذي أدعُ؟ .. ما الذي أقرأُ، وما الذي لا أقرأ؟ .. ما الذي أطلع عليه، وما الذي أهمله؟ هذه أسئلة خطيرة.
إذاً لا بد من الاصطفاء، لا بد من أن تصطفي الموضوع الخطير والمعنى الخطير، الذي له علاقة بمصيرك.
إنسان في غرفة جدرانها الأربعة مملوءة كتبا من الأرض حتى السقف، وبعد أيام عنده فحص مصيري، إن نجح في هذا الامتحان سوف يترتب على نجاحه مكتسبات كثيرة، في هذه المكتبة كلها كتاب واحد مقرر، له علاقة بهذا الامتحان، إذاً من البديهي أن يدع كل هذه الكتب، وأن يقرأ هذا الكتاب.
إذاً فالإنسان أُودعت فيه قوة الإدراك، وأُودع فيه العقل.
إن سألتموني عن أعظم شيء خلقه الله في الكون، أقول لكم:العقل لأنه مناط التكليف، لولا هذا العقل الذي أودعه فيك ما كلفك، والعقل وسيلة معرفة الله عز وجل.
قلنا سابقا: هناك مشكلة يحلها طلب العلم والنفوس من طبيعة واحدة ولو أن أَيَّ إنسان بعيد عن الله عز وجل عرف ما عرف المؤمن لأقبل على الله كما يقبل المؤمن، لو أن أي إنسان عرف ما عرفه رسول الله لأحب الله كما أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، النفوس واحدة، والدليل، قال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً{
فالناس كلهم من طبيعة واحدة، من جبلة واحدة، لهم خصائص واحدة، فما دامت طبيعة النفس واحدة فالتفاوت إذاً في ماذا؟ . في العلم..
لذلك قالوا: يفعل الجاهل في نفسه ما لا يفعله عدوه به ..
مزارع عنده بيوت محمية، مزروعة نبات له ريع كبير، وقُدِّر ريعُها في الموسم الواحد بما يزيد عن مئتي ألف ليرة، فاشترى دواءً كيميائياً، واستخدمه دون تعليمات الصانع، ضاعف الكمية ورشَّه .. كل هذا النبات مات من فوره، وخسر الموسم كله فهذا الإنسان الجاهل، إذ لم يقرأ التعليمات، فعل في نفسه ما لا يفعله عدوه به.
إذاً الأزمة أزمة معرفة، أزمة علم .. والمشكلة الأخطر؛ أن الإنسان حينما يأتيه الموت سيعرف كل شيء، وسينكشف له كل شيء، وسيرى الحقيقة، وسوف ينكشف له الغطاء .. لقد رأى فرعون ما رآه سيدنا موسى، ولكن بعد فوات الأوان.
فالمشكلة إذا أن المعرفة ينبغي أن تكون في الوقت المناسب، وأن تعرف ما يناسب في الوقت المناسب، ينبغي أن تصطفي من كل المعارف والمعلومات الشّيء المناسب، وأن تعرفه في الوقت المناسب.
والسؤال الجديد الآن: لماذا يجب أن نعرف الله؟ .. أليس هو غني عن المعرفة؟ قال تعالى:
}إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ{.
" .. يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ منكم مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا .." .
لماذا نعرف الله؟ .. نعرفه من أجل أن نعبده، ولن تعبده إلا إذا عرفته، ولماذا نعبده؟ .. من أجل أن نسعد به، من أجل أن يتحقق الهدف من خلقنا، قال تعالى:
}إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ{ .
إذاً نعرفه، فنعبده، فنسعد به .. ولهذا قال ربنا عز وجل: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{ .
وإياك أن تغفل عن هذه الآية أبد دهرك!
العبادة كما تعرفون: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
من بين ملايين ملايين ملايين ملايين ملايين إلى أن ينقطع النفس.. من بين ملايين ملايين الموضوعات، ما الموضوع الأكثر أهميةً؟ أن تعرف الله عز وجل، لأنه كما ورد في الأثر: ينادي من يوضع في القبر أول ليلة:
"عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت".
يجب أن تعرفه لأن المصير إليه، لأنك راجع إليه، لأنك ستأتيه فرداً تتخلى عن كل شيء، كل المكتسبات التي حصَّلتها في العمر، تفقدها في ثانية واحدة، ليس لك إلا الله!
ورد في الأثر:
"يا قيس! إن لك قريناً يدفن معك وهو حي، وتدفن معه وأنت ميت فإن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، ألا وهو عملك".
إذاً من بين ملايين ملايين الموضوعات، ليس منها موضوع أكثر أهمية، من أن تعرف الله عز وجل، ولعلك عرفت من قبل أنه خالق، وعرفت أنه رب، وعرفت أنه الإله الحق، وعرفت طرفاً من أسمائه الحسنى، بفضل الله، وتوفيقه، والآن نحن في جولة متواضعة، حول اسم جليل من أسماء الله الحسنى، ألا وهو اسم القُدّوس.
تعلَّمنا في الجامعة؛ أن المدرس الناجح هو الذي يستطيع أن يتكلم حديثاً، بأسلوب طلي جذاب ممتع، غني، لفترة طويلة دون تحضيرفهناك معلومات عَقَلَها، تَمَثَّلها، تفاعل معها، عاشها، أصبحت فيذاكرته أصبحت تجري مع دمه، فإذا أراد أن يتكلم، فاللسان طليق والموضوع جذاب، إذاً ألا ينبغي إن سُئلت: ماذا تعرف عن الله؟ عن الذي خلقك عن الذي أنعم عليك بنعمة الإيجاد؟ ألا ينبغي أن تجيب إجابة شافية؟ قال تعالى: }هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً{ .
الذي أنعم عليك بنعمة الإمداد، أعطاك الهواء، أعطاك الماء أعطاك الغذاء، أعطاك الأهل، أعطاك الأولاد، أعطاك العقل، تجني به المعارف، كما تجني به المال وغير المال وأنعم عليك مرةً ثالثة بنعمة الإرشاد، هداك إليه، لو أنك سُئلت: ماذا تعرف عن الله؟ .. ألا ينبغي أن يكون الحديث عن الله سلساً جذَّاباً ممتعاً طلياً؟ هنا السؤال.
فحينما عزمت وبالله التوفيق على أن أتناول أسماء الله الحسنى،كان القصد، أن نعرف الله عز وجل، لأن المعرفة لا بد من أن تنعكس انضباطاً في السلوك والتزاماً عند حدود الشرع، أنا لا أصدق أبداً أن يتعلم الإنسان شيئاً لا ينتفع به، لأن الإنسان حينما يقرأ يتفاعل، وحينما يتعلم يتمنى أن يقطف ثمار هذا العلم.
الاسم الجليل من أسماء الله الحسنى الذي نحن بصدده في الصفحات التالية هو اسم "القدوس"، ورد هذا الاسم في آيتين قرآنيتين ورد في قوله تعالى:
}هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{ .
وورد في قوله تعالى:
}يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{
القُدُّوس: على وزن فُعُّول، وهو من القدس، والقُدُس: الطهارة والتقديس هو التطهير، والأرض المقدسة: الأرض المطهرة، وسُميت الجنة حظيرة القُدُس، لأنها مطهرة من آفات الدنيا، وسُمي سيدنا جبريل روح القدس، لأنه طاهر من العيوب في تبليغ الوحي، وفي قوله تعالى حكايةً عن الملائكة:
}وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{
ما معنى: ونقدس لك؟ يعني يا رب! نحن نطهر أنفسنا، ونقدسها كي نكون أهلاً للإقبال عليك، وهذه مهمة الإنسان في الدنيا، يجب أن يقدس نفسه كي ينال مقعد صدق عند مليك مقتدر.
كلكم يعلم أنه إذا دُعي إلى حفل كريم، أو إلى لقاء خطير، أو إلى مقابلة كريمة، كيف يعتني الإنسان بمظهره بثيابه، بألوان ثيابه، بكل حركاته وسكناته، فلذلك الملائكة يقولون:
}وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ{
هل تصدقون أن مهمة الإنسان في الدنيا؛ أن يطهر نفسه كي تغدو مؤهلة لتكون في جوار الله في الجنة، لأن الله طيب، ولا يقبل إلاّ طيباً.
الإنسان يطلي بيته، يرى مثلا أن مدخل البيت يحتاج إلى تعديلفيعدله، يرتب غرفة الاستقبال، يزين مركبته، يتأنق في لباسه لماذا؟ .. هذا منظر الخلق .. والقلب منظر الرب (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك).
إذاً يجب أن يكون شغلك الشاغل أن تطهِّر نفسك؛ كي يُسمح لك أن تكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يوم القيامة، وحَسُنَ أولئك رفيقاً.
النقطة الدقيقة في هذا الدرس والتي ربما تحتاج إلى شرح، أنه جاء في تعريف هذا الاسم الجليل: أن القدُّوس هو المنزَّه عن كل وصف، من أوصاف الكمال، هنا المشكلة ..؟ ما هذا؟ إنه كلام خطير وغير مألوف؟!. جواب هذا الكلام أن الإنسان حينما أدرك ذاته، رأى في نفسه كمالات ونواقص، العلم كمال، الحلم كمال، الصبر كمال، السمع، البصر، الإرادة، الحياة هذه كمالات .. الجهل نقص، العمى نقص، الصمم نقص، الخرس نقص اللؤم نقص، الحقد نقص، الضجر نقص ..فالإنسان رأى أن هناك كمالات، وهناك نواقص، فلما أراد أن يثني على الله عز وجل نسب إلى الله عز وجل الكمالات التي يعرفها هو إنّ الله سبحانه وتعالى "القدُّوسٌ" منزه عن الكمالات التي يتصورها الإنسان لنفسه، فكل ما خطر ببالك عن الله فالله بخلاف ذلك، قال تعالى:
}فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{ .
الله عز وجل ليس كالأب، ولا كالمعلم، أعظم من ذلك، الله رحيم كما يرحم الأب ابنه؟ لا .. فالأب أحياناً يرحم ابنه رحمة دون علم فيورده المهالك، لكن الله رحيم عليم، فرحمته سبحانه وتعالى مرتبطة بعلم.
لذلك لما أراد الإنسانُ أن يثني على الله عز وجل فقد أثنى عليه بصفات الكمالات البشرية، فقال: الله سبحانه وتعالى "قدوس" أي:منزه عن كل وصف من صفات الكمال البشري، هو أعظم من ذلك، هو منزه عن صفات كمال الناس، ومن باب أولى منزه عن صفات النقائص، بل إنه منزه عن كل صفة تُتصور للخلق، كل شيء تصوره الإنسان عن الله عز وجل فهو منزه عن هذه الصفات.
فمثلا: من معاني "الله أكبر"، أن كل ما عَرفتَ عن الله عز وجل، فالله أكبر من ذلك، أكبر مما عرفت، هذا معنى، كذلك فإن "القدوس"منزه ومقدس عن كل صفة يمكن لإنسان أن يتصورها، منزه ومقدس عن كل صفة تشبه صفات الإنسان وتماثلها، ولولا أن الله سبحانه وتعالى سمح للإنسان أن يصفه بصفات كمال البشر، لكان وصفه بصفات كمال البشر ذنباً من الذنوب، تقول: الله رحيم، تقول: الله عادل، الله لطيف، الله حليم، إذا قلت: الله حليم فلعله يدوربخلدك أن الإنسان قد يحلم، فقد يُستفز فلا يغضب، هكذا .. هو قدوس عن هذه الأوهام، وعن هذه الصفات .. فهل صارت واضحة هذه؟ أَقبلتموها؟
رجل من العارفين بالله، قال لعارف آخر: يا فلان ألا تشتاق إلى الله عز وجل؟ ومِنْ أمتع ما في الحياة مذاكرة العلم، عالم بالله سأل عالماً بالله آخر: ألا تشتاق إلى الله؟ .. فقال: لا والله لا أشتاق إليه .. أعوذ بالله ما هذا الكلام؟ قال: لا والله لا أشتاق إليه، قال الآخر: ما هذا الكلام؟! فأجابه: متى غاب عني حتى أشتاق إليه؟ .. متى غاب عني؟!
ومن عجب أني أحن إليهم وأسأل عنهم من أرى وهم معي
وآخر يسأل: يا إمام متى كان الله؟ قال: ومتى لم يكن؟ .. متى لم يكن حتى تقول لي متى كان الله؟.
الآن مرحلة أخرى القدُّوس هو المنزه عن كل وصف يدركه الحس عن كل تصور يتصوره الخيال، أو يسبق إليه الوهم، أو يختلج به الضّمير، أو يقضي به التّفكير .. أمّا أن تقول: منزّه عن العيوب والنّقائص، فإنّ هذا يقترب من باب قلّة الأدب مع الله عزّ وجل أو من باب ترك الأدب.
بربك! لو كنت في حضرة إنسان عظيم، وقلت له: يا سيدي حدْثتُ الناس عنك، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: قلت لهم: إن جنابك لست بكاذب! ما هذا؟ أيقبل هذا؟ هل تمدح ملكاً بأنه ليس كاذباً؟ قالالعلماء: هذا من ترك الأدب، ألم تر في الملك شيئاً إيجابياً، حتىنفيت عنه الكذب، وهناك قاعدة: إنّ نفي الشيء أحد فروع تصوره، إذا نفيت عن جهة نقيصةً، إذاً بالإمكان أن تقع منه هذه النقيصة، نفي الشيء أحد فروع تصوّره، إذاً من ترك الأدب أن تقول: الله سبحانه وتعالى منزّه عن النقائص، منزّه عن العيوب، هذا من ترك الأدب.
من تعريفات اسم "القدُّوس" أن القدوس من تقدست عن الحاجات ذاته. أمّا أنت فمحتاج، أنت فقير، كل شخصيتك، وعلمك وذكائك وقوة هيمنتك على الناس، وجلدك، كل هذه الصفات تتلاشى أمام شربة ماء في ساعة ظمأ.
قال ابن السماك: يا أمير المؤمنين بكم تشتري هذا الكأس إذا مُنعتعنك؟ قال: بنصف ملكي، قال: فإذا مُنع إخراج الماء؟ قال: بنصف ملكي الآخر.
أنت مُحتاج إلى الهواء، فلو مُنع منك الهواء لاشتريته بكنوز الدنيا.
هذا الذي كان يقطع الصحارى، يجتاز الصحراء على ناقة عليها زاده وطعامه وشرابه تعب من السفر، جلس ليستريح فنام، فلما أفاق لم يجد الناقة وعليها طعامه وشرابه، وهو في عُرض الصحراء، فأيقن بالهلاك، من شدة البكاء أخذته سنة من النوم، أفاق فرأى عن بعد شجرةً، فأشرق في نفسه نور من الأمل، هُرِعَ نحو الشجرة، فإذا إلى جانبها بركة ماء شرب منها حتى ارتوى، ثم تولى إلى الظل، فإذا كيس مملوء، ففرح به فرحاً عظيماً، وهو يحسب أن فيه خبزاً، ولكنْ يا للأسف، لقد فتح الكيس فلم يجد فيه إلا لآلئ، فصاح: وا أسفاه هذه لآلئ، اللآلئ لها قيمة في المدينة؟ لو كان في الكيس خبز! أما وقد منع منه الخبز يقول: وا أسفاه هذه ليرات ذهبية. ماذا أفعل بها في الصحراء؟
في الحرب العالمية الثانية كما سمعت: الرغيف بيع بليرة ذهبية. إذاً فالإنسان ضعيف، مفتقر إلى الهواء، مفتقر إلى الماء، مفتقر إلى الخبز مفتقر إلى الأهل، مفتقر إلى من يؤنسه، مفتقر إلى من يحبه، أنت فقير في الأصل، قال تعالى:
}يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{
القُدُّوس: من تقدست عن الحاجات ذاته، صمد، وتنزهت عن الآفات صفاته.
والقدُّوس: من تقدس عن مكان يحويه، لا يحويه مكان، وعن زمان يبليه.
القدوس عزيز لا يرتقي إلى تصويره وَهْمّ، ولا يطمع في جواز تقديره فَهْم، ولا تنبسط في ملكه يد من دون تقدير.
هو قدُّوس في ذاته، لكنَّهُ يقدّس عباده الطائعين.
أقول لكم هذه الكلمة: فلان مقدس، المقدس هو الطاهر، تقديس بلا طهارة كلام فارغ، فلان مقدس أي: مستقيم، عفيف، طاهر سليم الصدر، نياته طيبة، ليس في قلبه غلٌّ، ولا حقد، ولا غشٌّ ولا تخونه عينه، ولا يسبقه لسانه، ولا يعطي أذنه لهجر القول لا يُقدس الإنسان إلاّ إذا تنزه عن النقائص.
والقدُّوس من قدس نفوس الأبرار عن المعاصي، وأخذ الأشرار بالنواصي.
القدُّوس من قدس قلوب أوليائه؛ فكل إنسان له قلب صنوبري لا أعتقد أن إنساناً على وجه الأرض ليس له قلب، لكنْ هناك قلب كالجوهر وقلب كالحجر.
}وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ{ .
لكنِ كلما اقترب الإنسان من الله عز وجل، صار ذا قلبٍ كبير، ذا قلب صافٍ، قلبٍ ممتلئ حباً لله عز وجل.
الفرق كبير جداً بين قلب وقلب، قلب يلامس السماء رفعة، وقلب يلامس الحضيض ضَعَةً، قلب كالجوهر صفا ماؤه ورقّ، وقلب عكركدر القلوب أنواع، والقلب بيت الرب، ومحصلة إيمانك كله هذا القلب:
}يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{ .
لا بد أن يسعى الإنسان إلى تطهير قلبه من كل درن، وأن يسعى إلى تحليته بكل كمال.
قال العلماء: القدُّوس من قدس قلوب أوليائه عن السكون إلى المألوفات الإنسان مستهلَك، طعامه، وشرابه، وبيته، وأولاده، ورزقه، ودكانه ومتجره، ومعمله، ووظيفته، ومكانته وصحته، وقلبه، وشرايينه، مستهلَك، فهموم الدنيا تستهلكه، لكن قلب العابد مُستَهلِك وليس مستَهلَكاً، يستهلك الدنيا بمعرفة الله، ولا يسمح لها أن تستهلكه المؤمن يقود هواه ولا ينقاد له، المؤمن يسيطر على نفسه، ولا يسمح لها بالسيطرة عليه، المؤمن يحتكم إلى القيم، ويحكمها، ولا يسخرها ولا يسخر منها، المؤمن له مرتبة أخلاقية لا يهبط عنها، وله مرتبة علمية لا يزيغ عنها، وله مرتبة جمالية، المؤمن شخصية فذة.
قال العلماء: القدُّوس من طهَّر نفوس العابدين بإبعادهم عن دنس المخالفات واتباع الشهوات، والقدُّوس من طهّر قلوب الزاهدين من حب الدنيا والقدُّوس من طهّر قلوب العارفين مما سواه .. طهر قلوب العابدين وطهّر قلوب الزاهدين.
فالعابدون متصفون بطاعة الله، مقبلون على عبادته، متحرِّقون إلى الإقبال عليه.
والزاهدون مقيمون على الاكتفاء بوعد الله، معرضون عما يوجب التهمة من ضمان الله كفايتهم.
إذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك مِمّا في يديك.
إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ربنا عز وجل قال:
}فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ{ .
}وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{ .
مشاعر القهر، مشاعر الخنوع، أحاسيس الذل لا يعرفها المؤمن الذي يعرف أَنَّ أمره كله بيد الله، وأن الله صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى.
لذلك النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:
"لا إله إلا الله العليم الحكيم، لا إله إلا اللهُ رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم" .
لا إله إلا الله كلَّ شيء بيدك يا رب وأنت رحمن رحيم..
لذلك لا يحزن قارئ القرآن، قارئ القرآن لا يمكن أن يحزن، لأنه يعلم من خلال القرآن أن الأمر كله بيد الله، كن فيكون، ليس عند الإنسان محلات أقفرت، وشواغر خَلِيَتْ، والمِلاك وظائفه امتلأت، هذه المرتبة انحجزت، المهمة مثلا أَخذها ثلاثة، وبقي مئة موظف عطلا، عند الإنسان كل أمر محدود، وكله مقنن، أما ربنا عز وجل ففضله واسع عظيم.
العارفون إذا قاموا قاموا بالله، وإن نطقوا نطقوا بالله، وإن سكتوا سكتوا لله، فكيفما دارت أوقاتهم، وتغيرت أحوالهم، فالغالب على قلوبهم ذكر الله عز وجل.
أو مؤمن أنت؟ أو عاهدت الله عز وجل؟ في السراء والضراء، في الغنى والفقر، في الصحة والمرض، في عمل وبلا عمل، في زواج وبلا زواج لك بيت أو بلا بيت، فلعل الله أن يصلك:
}مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً{ .
قال بعض العارفين: أذاقنا الله مما أذاقهم شمة، إنه ولي كل نعمة.
أجل طعم القرب، فمن ذاق عرف، إن الحديث عن القرب شيء والذوق شيء آخر، وفرق كبير جدا بين أن تقول: ألف مليون دينار ذهبي وبين أن تملكها.
وبعد، فما علاقتنا –نحن المؤمنين- بهذا الاسم؟ قالوا: من عرف هذا الاسم طهَّر نفسه عن متابعة الشهوات، فإذا كنت تطمع أن تكون مع الله دائماً، فعليك أن تنزه نفسك عن الذنوب والعيوب وعما سوى الله كي يقبلك علام الغيوب.
إذاً من عرف هذا الاسم فلا بد من أن يطهِّر نفسه عن متابعة الشهوات لعله يقارب مرتبة الإحسان: اعبد الله كأنك تراه، خوفاً، حباً، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .. وهذا حال المراقبة.
قال العلماء: مَن عرف هذا الاسم طهر نفسه عن متابعة الشهوات، وطهر ماله عن الحرام والشبهات، ومن عرف هذا الاسم طهر وقته عن دنس المخالفات .. قال أبو حازم لسليمان بن عبد الملك احرص على أن يراك حيث أمرك، وأن يفقدك حيث نهاك في وقت مجلس العلم أين أنت؟ في بيت الله .. في وقت صلاة الجمعة أين أنت؟ .. فيما بين الفجر والشمس أين أنت؟ على السرير أم في مصلاك؟يجب أن يراك حيث أمرك، وأن يفقدك حيث نهاك، في هذه الطرقات المزدحمة بالنساء الكاسيات العاريات، هل أنت في هذا الطريق؟ لا والله، هو في بيت من بيوت الله.
كما قال العلماء: من عرف هذا الاسم طهر وقته من دنس المخالفات، وطهر قلبه عن مسلك الغفلات، وطهر روحه عن فتور المساكنات.
فالمساكنات أن يركن إلى الزوجة، يركن إلى أولاده، أن يؤثرهم على مرضاة الله عز وجل .. يقولون: ابق قاعدا معنا الآن، كفاك دروسا، أما شبعت دروساً، يركن إلى الأهل والأولاد، يركن إلى نزهة أعاقته عن مجلس علم، لكن من عرف هذا الاسم طهَّر نفسه عن متابعة الشهوات، طهر ماله عن الحرام والشبهات، طهر وقته من دنس المخالفات، طهر قلبه عن مسالك المخالفات، طهر روحه عن فتور المساكنات، طهر سرَّه عن الملاحظات والالتفاتات .. فلان يراني؟ .. دخل المسجد ليصلي لقي إخواناً له في المسجد.
قام ليصلي بخشوع... لا ..
روى ابن خزيمة في صحيحه عن محمود بن عبيد قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس إياكم وشرك السرائر قالوا: يا رسول الله وما شرك السرائر؟ قال: يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدا لما يرى من نظر الناس إليه فذلك شرك السرائر".
لا تلاحظ الخلق أبداً، لاحظ الخالق، هؤلاء لا ينفعونك أبداً، أنت لك عند الله مكانة، لا يرفعها مدح المادحين، ولا يخفضها ذم الذامين.
أضرب لك هذا المثل وأنا أردده كثيراً: معك كيلو معدن، هو ذهب، ظنه الناس معدنا خسيساً، فلن تضار فيه، وثمنه موجود، وأما لو كان معك كيلو من المعدن الخسيس، بذكاء بارع، وطلاقة لسان، وقدرة إقناع أقنعت الناس أنه ذهب، فلن ينفعك إقناعك لهم شيئا، لا إناقتنعوا بأن الخسيس ذهب تربح، ولا إن اتهموك بأن ذهبك خسيستخسر، خيرك منك وشرك فيك.
قال أهل العلم: هذا الذي عرف اسم القدُّوس لا يتذلل لمخلوق ولا يتضعضع أمام غني قال فرقد السبخي:
قرأت في التوراة:
من أصبح حزينا على الدنيا أصبح ساخطا على ربه عز وجل
ومن جالس غنيا فتضعضع له ذهب ثلثا دينه.
ومن أصابته مصيبة فشكا إلى الناس فإنما يشكو ربه عز وجل.
حسنا، هذه النفس التي عبدت ربها، هذه النفس التي أَقبلت عليه سبحانه، أيليق بها أن تتذلل لمخلوق؟ .. وقد عرفت اسم القدوس، هذه النفس التي تقدست بمعرفة الله لا يمكن أن تتذلل لمخلوق، لذلك من جلس إلى غني فتضعضع له (أي تمسكن له) ذهب ثلثا دينه.
عن عثمان بن عفان قال: لقد اختبأت عند ربي عشرا: إني لرابع أربعة في الإسلام وما تعنيت ولا تمنيت ولا وضعت يميني على فرجي منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما مرت علي جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة إلا ألا يكون عندي فأعتقها بعد ذلك ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام لقد صارت يده مكرمة مقدسة عنده.
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت
فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
المؤمن له معاملة خاصة عند الله عز وجل، والدليل:
}وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ{ .
وتعقيب ربك على هذه القصة صار قانونا:
}وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ{
والله هذه الآية وحدها، تملأ النفس إشراقاً، تملأ النفس طمأنينةً تملأ النفس عزة، تملأ النفس كرامةً، (وكذلك ننجي المؤمنين).
قال العلماء: هذا الذي عرف اسم القدُّوس ومن هو؟ لن يتذلل لمخلوق بهذه النفس التي تقدست بمعرفة الله عز وجل!! مستحيل أن يُذلّ نفسه إلاّ لله سبحانه.
وهذا الذي عرف اسم القدوس لا يعظم مخلوقاً بالقلب الذي به شهده، هذا القلب الذي عظم الله عز وجل يستحيل أن يعظم مع الله أحداً؟.
}يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ{ .
إن إرضاء رسول الله هو عين إرضاء الله.
كما قال العلماء: هذا الذي عرف اسم القدُّوس حقيقة يجب ألا يبالي بما فقده بعدما وجده، إنها حقيقة واضحة.
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خــراب
إذا صح منك الوصل فالكل هين وكل الذي فوق التراب تـراب
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعْتَ ثياب العجب عنك وجئتنا
لذلك هذا الذي عرف اسم القدُّوس لا يبالي بما فقده بعدما وجده.
قرأت مرةً عن سيدنا الصديق رضي الله عنه، كلمةً لا أنساها،مفادها: أنه ما ندم على شيء فاته من الدنيا.
وبعد: فلا يرجع من قصده قبل الوصول إليه بعدما قصده.
انظر لهذه الكلمة ما أدقها: ولا يرجع من قصده قبل الوصول إليه بعدما قصده.
أنت قصدت الله عز وجل، يجب أن لا يثنيك شيء، لا مشكلة ولا خطر، ولا وهم، ولا تهديد، ولا فقر، أبداً، هذا هو الصدق، صدق التوجه.
قال أهل الفهم: من آداب من عرف هذا الاسم أن تسمو همته، إلى أن يطهره الله من عيوبه.
عنده عيوب في نفسه، لكن الحقيقة المريحة أن عيوب الجسد تنتهي مشكلتها عند الموت، مهما كانت الآفات، والأمراض، فمثلاً أحدهم يده مصابة، والآخر بصره ضعيف وثالث آلام في ظهره، إذا جاء ملك الموت يُنهي كل المشكلات، ولا يبق أثر لأية مشكلة أبداً.
كل أمراض الجسد تنتهي عند الموت، وكل أمراض القلب تبدأ عند الموت الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا.
انغماس الإنسان في شهواته وهو في الدنيا تحجبه عن النظر في عيوبه لكنه حينما يحال بينه وبين شهواته تظهر عيوبه فتحرقه.
روي في الأثر "إن العار ليلزم المرء يوم القيامة، حتى يقول يا رب لإرسالك بي إلى النار أهون علي مما ألقى، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب" .
آلام النفس، آلام الندم، الشعور بالخيبة، الشعور بالخسارة الكبرى، قال تعالى:
}قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً، أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً، ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً{ .
قال أهل العلم: من آداب من عرف هذا الاسم، أن تسمو همته إلى أن يطهره الله من كل عيوبه، وأن يطهره عن دنس كل عاهاته، في جميع حالاته ويطهر قلبه من كل ك
7
371

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

رياح الهنا
رياح الهنا
قال أهل العلم: من آداب من عرف هذا الاسم، أن تسمو همته إلى أن يطهره الله من كل عيوبه، وأن يطهره عن دنس كل عاهاته، في جميع حالاته ويطهر قلبه من كل كدراته، وأن يرجع إلى الله تعالى بحسن الاستجابة في جميع أوقاته.
قالوا: فإن من طهَّر لسانه عن الغِيبة، طهَّر الله قلبه عن الغيبْة عنه،ويصبح قريباً منه، ومن طهَّر لله طرفه عن النظر بالريبة، طهَّر الله سرَّه عن الحجاب.
إذا حجب الإنسان بصره عن المحرمات، كشف الله عن بصيرته، فإذا أطلق بصره حجب عن بصيرته.
وإذا طهر لسانه عن اغتياب الناس، قربه الله إليه.
وملخص هذا: }وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ{ .
يعني نطهِّر أنفسنا كي نستحق أن نكون معك يا رب، في جنتك مع أوليائك، مع المؤمنين، مع الأنبياء مع الصديقين، مع الشهداء، مع الصالحين.
أنت كن عند الأمر والنهي وعلى الله الباقي، قف في الصلاة متخشعاً لعل الله يتجلى عليك، حاول أن تصلي مع أولادك لعل اللهيهديهم سواء السبيل، طهر ظاهرهم لعل الله يطهر باطنهم، لك الظاهر والله يتولى السرائر.
لا تيأس، لو رأيت الإنسان في أدنى دركات المعصية أو في أشدها،فالصلح مع الله ممكن بلمحة.
"إذا رجع العبد إلى الله، نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنِّئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله".
وإليكم هذه الكلمات فاحفظوها:
إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق وقوةً في البدن، ومحبة في قلوب الخلق.
ألا يتمنى أحدنا أن يكون كذلك، وجه كالشمس منير، قلب مستنير سعة في الرزق، قوة في البدن، محبة في قلوب الخلق؟!.
أحد العلماء بمصر عاش مئة وثلاثين سنة .. ورجل من علماء دمشق رحمهم الله تعالى عاش ستاً وتسعين سنة، ويروي عنه تلامذته أنه كان مستقيم القامة، حاد البصر، مرهف السمع، أسنانه في فمه، خدوده متوردة، قوي البنية، كلما سُئل: ما هذه الصحة؟ يقول: يا بني حفظناها في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر والقصة ذكرها ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم.
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا.
قال ابن عباس: "إن للحسنة ضياءً في الوجه ونورا في القلب وقوة في البدن وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق" وقال عثمان بن عفان: "ما عمل رجل عملا إلا ألبسه الله رداءه إن خير فخير وإن شرا فشر" قال عليه الصلاة والسلام:
"إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه" .
والذنب والسيئة سببُ هوانِ العبد على ربه، وسقوطه من أعين خلقه .. هان أمر الله على الناس فهانوا عليه.
اتق الله باجتناب المحرَّمات تكن من التوابين، وتورَّع عن اقتحام الشبهات تكنْ من المتطهرين، وازهد فيما زاد عن قدر الضرورة تنج من الحساب الطويل، وأقبل على خدمة مولاك تنل الثواب الجزيل.
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
سلمت يداك وبورك مسعاك
الموضوع يحتاج إلى قراءات عديدة فهو مفصل وبه أمثلة
ولا يكفي لاستيعابه تماماً قراءة واحدة
ولي عودة إليه ورأيي أنه غني واكثر من وافي في الشرح
والبيان
جزاك الله خيراً
ركايز
ركايز
لااله الا الله
جزاك الله الجنه
بنات العيله
بنات العيله
جزاك الله خير
رياح الهنا
رياح الهنا
سلمت يداك وبورك مسعاك الموضوع يحتاج إلى قراءات عديدة فهو مفصل وبه أمثلة ولا يكفي لاستيعابه تماماً قراءة واحدة ولي عودة إليه ورأيي أنه غني واكثر من وافي في الشرح والبيان جزاك الله خيراً
سلمت يداك وبورك مسعاك الموضوع يحتاج إلى قراءات عديدة فهو مفصل وبه أمثلة ولا يكفي لاستيعابه...
هو منقوول من تطبيق لأسماء الله الحسنى
مكتوب عليه انه منقول من كتاب للدكتور محمد راتب النابلسى وايضا من شرح ابن القيم لأسماء الله الحسنى
وجزاك خيرا منه حبيبتى