
الحمد لله رب العالمين , واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ,
واشهد أن محمداً عبده ورسوله , صلوات الله وسلامه عليه , وعلى
آله وصحبه اجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
أخياتي واحبتي في الله أستأذنكم هذا الموضوع المهم لنا جميعاً وأسأل الله لي ولكم ان ينفعنا بما فيه .
وبعد : فهذه خلاصة معاني أقوال الصلاة , مستـفادة من كلام رب العالين ، وكلام رسوله صلىالله عليه وسلم ، وكلام العلماء المحققين .
ولمكانة الصلاة في الإسلام ، ولأنها صلة بين العبد وربه جل
وعلا , تحتم على المسلم الاهتمام بها, ومن ذلك الخشوع فيها ظاهراً
وباطناً .
والخشوع الظاهري هو كون المصلي ساكناً , ناظراً إلى موضع
سجوده , غير ملتفت يمينا ولا شمالاً، متباعداً عن العبث ، وسبق
الإمام ، و موافـقـته .
والخشوع الباطني يكون باستحضار عظمة الله تعالى , والتذلل له ،
والتفكر في معاني الآيات , والأ ذكار , وعدم التفات الخاطر إلى سوى
ما ذكر .
وجمهور أهل العلم على أن الخشوع من مكملات الصلاة ، فهو
شرط في حصول الثواب , لا في الصحة والإجزاء , فعن عمار بن
ياسر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته , تسعها , ثمنها , سبعها , سدسها , خمسها , ربعها , ثلثها , نصفها )اخرجه ابوداود في سننه1/503ح796.
وقد جاء في الترغيب في الخشوع في الصلاة أحاديث منها : ما رواه أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلىالله عليه وسلم يقول ( ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها ، وخشوعها ،
وركوعها ، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ، ما لم يؤت كبيرة , وذلك
الدهر كله )أخرجه مسلم في صحيحه1/206ح228.
وقد جاء أن الخشوع أول ما يفقد من الدين , روى أبو الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلىالله عليه وسلم قال (أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع ، حتى لا ترى فيها خاشعاً) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد2/136وقال إسناده حسن , وقال حذيفة رضي الله عنه ( أول ما تفقدون من دينكم الخشوع , وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة ، ولتـنـقضن عرى الإسلام عروة عروة..) اخرجه ابن شيبه في مصنفه كتاب الزهد , والحاكم في مستدركه , كتاب الفتن والملاحم4/469،وصححه , و وافقه الذهبي . وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال ( يوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيه رجلاً خاشعا)أخرجه الإمام احمدفي مسنده6/26.
والمراد أن الناس في صلاتهم مختلفون في حصول الثواب على حسب أحوالهم في الخشوع ، فمنهم من يحصل له عشر ثواب صلاته ، ومنهم من يحصل له تسعه , وهكذا , ومنهم من يحصل له الثواب كاملاً , لما رواه كعب بن عمرو رضي الله عنه أن الرسول صلىالله عليه وسلم قال (إن منكم من يصلي الصلاة كاملة ، ومنكم من يصلي النصف ، والربع ، والخمس )،
حتى بلغ العشر . أخرجه الطحاوي في مشاكل الآثار2/31
فينبغي للمصلي أن يدخل في الصلاة بإقبال عليها , مع تدبر معاني الآيات , والأذكار ، وأن يراقب الله تعالى فيها ولا يتفكر في غير ما هو فيه ، وأن يحرص على أداء الأقوال والأفعال الواردة فيها على وجوه متنوعة , فالقاعدة - وهي اختيار سيخ الإسلام رحمه الله – أن العبادات التي فعلها النبي صلىالله عليه وسلم على أنواع , يشرع فعلها على جميع تلك الأنواع ، لا يكره منها شيء, وذلك مثل أنواع التشهدات , وأنواع الإستفتاح .(مجموع الفتاوى22/335.
وفي تطبيق هذه القاعدة فوائد :
- تحقيق اتباع الرسول صلىالله عليه وسلم .
- إحياء السنة ، وحفظها بوجوهها, وذلك لأن الاستمرار على قول
أوفعل معين ، دون الأقوال والأفعال الاخرى يؤدي إلى نسيان السنة ,
ومن نم موتها .
- أنه ادعى لحضور القلب , فالمصلي إذا راعى عند الاستـفـتاح ، أو
التشهد , أو الذكر بعد الصلاة مثلاً أن يختار هذه الصيغة ، أو هذه
الصيغة ، حضر قلبه ، لكن إذا أمسلك بوجه واحد من وجوه الذكر أو
الفعل صار يقوله أو يفعله من دون شعور ، كأنه عادة .
- اليسير على المكلف , و عدم ملله وسآمته (شرح الممتع3/37,وقواعدابن رجب ص14.
هذا . وإن هذه الخلاصة كتاب للصالحين في مجالس السمر، وللمنتقلين في منازل السفر، وللأحباب في النزهات ، وللوعاظ في المحاضرات ، ولعل الخطيب أن يعرج عليه ، وإمام المسجد أن يقرأ فيه ، وأسأل ، الله تعالى أن ينفع بها جامعها، وقارئها وسامعها , وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم , ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم ، وهو حسبنا ونعم الوكيل , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

وسيتبع بعون وإذن من الله عز وجل عشر دروس في تدبر معاني وأقول الصلاة ... ستعينـنا بتوفيق الله على الخشوع في صلواتنا , الله يتـقبل منا ومنكم ... فأتمنى منكم المتابعه والإستفاده .
ولي ولكم خالص الدعوات اتوجه بها للحي القيوم أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته , ويجعل اعمالنا خالصة للوجه الكريم ويتـقبلها منا قبولاً حسن .
ودمتم على تـقوى الله ثابتين .

بعد أعذب تحية أخياتي واحبتي في الله ... إليكم :
الدرس الأول
تكبيرة الإحرام وأدعية الاستـفتاح
أ - تكبيرة الإحرام :
" الله أكبر " أي الله تعالى أكبر من كل شيء في ذاته وأسمائه وصفاته , وحذف المفضل عليه ليتناول اللفظ كل شيء , فتكبيره سبحانه جامع لإثبات كل كمال له وتنزيهه عن كل نقص وعيب ، وإفراده وتخصيصه بذلك ، وتعظيمه وإجلاله .
وأكبر من أن يذكر بغير المدح والتمجيد والثـناء الحسن .
وحكمة الاستـفـتاح بها : ليستحضر المصلي عظمة من يقف بين يديه , فيخشع له , ويستحيي أن ينـشغل بغيره , ولهذا أجمع العلماء على أنه ليس للعبد من صلاته إلا ماعقل منها وحضر قلبه , قال تعالى ( قد أفلح المؤمنون "1" الذين في صلاتهم خاشعون "2" ) المؤمنون1,2
والخشوع إنما يحصل لمن استحضر عظمة ملك الملوك ، وأنه يناجيه ، ويخشى أن يردها عليه 0فيٌفرغ قلبه لها , ويشغل بها عما عداها,ويؤثرها على ما سواها , فتكون راحته وقرة عينه قال صلى الله عليه وسلم (وجعلت قرة عيني في الصلاة )من حديث أنس رضي الله عنه , اخرجه الإمام أحمد في مسنده3/285 , والنسائي في سننه .
. فإذا استشعر العبد يفلبه أن الله أكبر من كل من يخطر بالبال استحيا منه أن يُشغل قلبه في الصلاة بغيره,فلا يكون موفياً لمعنى " الله أكبر " , ولا مؤديا لحق هذا اللفظ , فـقبيح بالمصلي أن يقول بلسانه " الله أكبر " وقد امتلأ قلبه بغير الله ، فلو قضى حق هذا اللفظ لدخل وانصرف بأنواع التحف والخيرات .
ب - أدعية الاستفتاح :
1- ( سبحانك الله وبحمدك , وتبارك اسمك ,
وتعالى جدك , ولا إله غيرك )من حديث عائشةرضي الله عنها ,أخرجه ابوداود في سننه , والحاكم في مستدركه ,
كتاب الصلاة وصححه , وافقه الذهبي .
" سبحانك اللهم " تنزيه , " وبحمدك " إثبات , فهذه الجملة تتضمن التنزيه والإثبات ومعناها : تنزيها لك يا رب عن :
- النقص في صفات الكمال ، كالعلم والحياة .
- صفات النقص المجردة عن الكمال ، كالعجز والظلم
- مماثلة المخلوقات .
و " اللهم " أصله يا الله ، لكن حذفت « يا" النداء، وعوض عنها الميم وبقيت " الله " وانما حذفت الـ( يا) لكثرة الاستعمال وعوض عنها الميم للدلالة عليها, وأخرت بعد لفظ الجلالة تيمناً وتبركا ً بالابتداء باسم " الله " واختير حرف الميم دون غيره من الحروف للدلالة على الجمع , كأن الداعي يجمع قلبه على ربه عز وجل , وعلى ما يريد أن يدهوه به .
والحمد هو وصف المحمود بالكمال مع محبته وتعظيمه : الكمال الذاتي ، والكمال الفعلي , فالله سبحانه وتعالى كامل في ذاته ، ومن لازم ذلك أن يكون كاملاً في صفاته , كذلك في فعله ، ففعله جل وعلا دائر بين العدل والإحسان لا يمكن أن يظلم ، إما أن يعامل عباده بالعدل ، وإما أن يعاملهم بالإحسان ء فالمسيء يعامله بالعدل ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) الشورى40، والمحسن يعامله بالفضل ( من جاء فله عشر أمثالها ) الانعام160 ,
ومن كان فعله دائراً بين هذين الأمرين : العدل والفضل , فلا شك أنه محمود على أفعاله , كما هو
محمود على صفاته .
والواو هنا تفيد معنى المعية , يعني : نزهتك تنزيهاً مقروناً بالحمد .
" وتبارك اسمك " أي : كمل وتعاظم وتقدس , وجاء بناؤها على
السعة والمبالغة ، فدل على كمال بركتها وعظمتها واسعتها , ولا يقال
إلا له سبحانه وتعالى , فإن " تبارك " من باب " مجد " والمجد كثرة صفات الجلال والكمال والسعة والفضل , فاسم الله نفسه كله بركة , ومثاله : إذا سميت على الطعام لم يشاركك الشيطان فيه , وان لم تسم شاركك , ولو ذبحت ذبيحة بدون تسمية لكانت ميتة نجسة حراماً، ولو سميت الله عليها لكانت ذكية طيبة حلالآ , وكل أمر لا يبدأ ببسم الله فهو أبتر .
" وتعالى جدك " تعالى : أي ارتفع ارتفاعاً معنوياً ، والجد : العظمة , والمعنى : علت عظمتك وارتفعت بحيث لا يساميها أي عظمة من
عظمة المخلوق.
" ولا إله غيرك " هذه كلمة التوحيد التي أرسل بها جميع الرمل عليهم السلام , ومعناها : لا معبود حق إلا الله فيكون توحيده سبحانه بالألوهية مبنياً على كماله ، فالسابق كالسبب الذي بني عليه اللاحق ، يعني انه لكمال صفاتك لا معبود حق إلا أنت .
2- "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من الخطايا كما ينقئ الثوب الأبيض من الدنس ,اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد "
من حديث أبي هريرةرضي الله عنه , أخرجه البخاري في صحيحه , كتاب الصلاة باب مابعد التكبير1/297,ح123, ومسلم في صحيحه كتاب المساجد مايقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة1/419,ح598 .
" اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ": المباعدة بين المشرق والمغرب هي غاية ما يبالغ فيه الناس ، والغرض من هذا التشبيه امتناع الاقتراب من الذنوب كامتناع اقتراب المشرق من المغرب ، المعنى : باعد بيني وبين فعل الخطايا بحيث لا افعلها , وباعد بيني وبين عقوبتها إن فعلتها .
" اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس " :
المراد الخطايا والذنوب التي فعلها فينقى منها , وهذا التشبيه لقوة التـنقية أي : اللهم طهرني من خطاياي طهارة كاملة , وأزلها عني كما يطهر الثوب الأبيض من الوسخ , ووقع التشبيه بالثوب الأبيض , لأن ظهور النـقاء فيه أشد وأكمل لصفائه , بخلاف غيره من الألوان , وبعد التـنـقية قال " اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد " فبان أن المراد بالمباعدة أي : أن لا أفعل الخطايا , ثم إن فعلتها فـنـقـني منها , ثم أزل آثارها بزيادة التطهير بالماء والثلج والبرد , وكأنه جعل الخطايا بمنزلة جنهم لكونها مسببة عنها , فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل , وبالغ فيه باستعمال المبردات , ترقياً عن الماء إلى أبرد منه . (المنهل العذب5/194,195 .
3- " الحمدلله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه "
من حديث أنس رضي الله عنه , أخرجه مسلم في صحيحه1/419,ح600 .
" الحمد " : هو الوصف بصفات الكمال مع المحبة والتعظيم , والألف واللام في " الحمد " لا ستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه لله تعالى .
"طيبا" أي : خالصاً من الرياءوالسمعة . " مباركاًفيه" أي : كثير الخير ( انظرالمنهل العذب :5/173 .
4- "الله أكبر كبيراً , والحمل لله كثيراً , وسبحان الله بكرة وأصيلاً "
من حديث ابن عمررضي الله عنهما أخرجه مسلم في صحيحه1/420,ح601, وأبةعوانةفي مسنده2/100.
" الله أكبر كبيراً" أي : الله تعالى اكبر من كل شيء في ذاته
وأسمائه وصفاته , و "كبيراً" أي أكبر كبيرا , أو تكبيراً كبيراً , " والحمدلله كثيراً " أي حمداً كثيراً, " وسبحان الله بكرة وأصيلاً " أي أول النهار وآخره , وخص هذين الوقتين بالذكر لاجتماع ملائكة الليل والنهار فيهما, أو لتنزيه الله تعالى عن التغير في أوقات تغير الكون (المنهل العذب5/174 .
5- "الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، ذو الملكوت والجبروت والكبرياء
والعظمة."
من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه أخرجه أبةداود في سننه , كتاب الصلاة )
" ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة " : الملكوت فعلوت من الملك , كالرهبوت من الرهبة ، والرحموت من الرحمة , فالملك والملكوت واحد ، والجبروت من الجبر , وهو القهر , يقال : جبرت وأجبرت بعنى : قهرت ويطلق على الكبر , وزيدت التاء فيهما للمبالغة , والكبرياء هو العظمة والملُك ، وعلى هذا يكون عطف "العظمة" عليه عطف تفسير , وقيل : هو عبارة عن كمال الذات وكمال الوجود , ولا يوصف بها إلا الله تعالى ( أنظرالمنهل العذب 5/320.
6- " اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل , فاطر السموات
والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه
يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق يإذنك ، إنك تهدي من تشاء
إلى صراط مستقيم".
من حديث عائشةرضي الله عنها ,أخرجه مسلم في صحيحه , كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه1/534,ح770
" اللهم رب جبرائيل وميكائيل واسرافيل " : خص هؤلاء الثلاثة من الملائكة بالذكر تشريفا لهم وتعظيما, إذ بهم تنتظم أمور العباد، فجبرائيل عليه السلام كان موكلاً بالوحي وإنزال الكتب السماوية على الأ نبياء عليهم السلام , وتعليم الشرائع وأحكام الدين ، وميكائيل عليه السلام موكل بجميع القطر والنبات وأرزاق بني آدم وغيرهم ، وإسرافيل عليه السلام هوكل باللوح المحفوظ , وهو الذي ينفخ في الصور.
" عالم الغيب والشهادة " أى : ما غاب عن العباد، وما شاهدوه وظهر لهم .
" فيما كانوا فيه يختلفون " : في الدنيا من أمر دينهم ء فتعذب
العاصي إن شئت , وتثيب الطائعين . " اهد ني لما اختلف فيه من الحق "
أي : دلني على الحق الذي، اختلفوا فيه ولم يقبلوه .
" بإذنك " أي : بإرادتك وتوفيقك .
" إنك تهد ي من تشاء" : هنا إشارة إلى أن الهداية والإضلال ليسا من فعل الإنسان ، بل بخلق الله تعالى، ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاًحرجاً )الأنعام:125 .
"إلى صراط مستقيم " : أي طريق الحق , وسمي صراطاً , لأنه موصل
للمقصود وكما أن الطريق الحسي كذلك. (أنظرالمنهل العذب5/178
يتبع بعون واذن من الله الدرس الثاني : صيغ الاستعاذة - البسملة - القاتحة .