بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد فقد قال بعض الحكماء من سلف من هذه الأمة
من لم ينتفع بعينه لم ينتفع بأذنه وأنّ للعبد ستُر بينه وبين الله ، وسترُ بينه وبين الناس ، فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس ،أنتها، وأعلم انك إذا عصيت ربك فإنما تعصاه بنعمه من نعمه فإذا عصيته بنظرك فالنظر نعمه من الله وإذا عصيته بسمعك فالسمع نعمه من الله وإذا عصيته بالكلام فالكلام نعمة من الله و كذالك حركة اليد والرجل نعمه من الله والمال نعمة من الله فلا تكسبها من الحرام ولا تنفقها في الحرام والصحة نعمة من الله فستخـدمها في طاعة الله ولا تغـتر بها
واعلم أن الجن والأنس مستسلمون لله قهراً وتجري عليهم أقدار الله غصباً عنهم يمرض المسلم والكافر و يموت كلا منهم بغير اختياره وتخسر شركات كلا منهم ويحترق بيت كلا منهم ويموت أطفالهم وزوجاتهم والأجر من الله لمن استسلم لله بالتوحيد ونقاد له بالطاعة وبرى من الشرك .
أعلم إن أجل العلوم ما قربك من الله وأعانك علي رضاه وإن أردت خير الآخرة وحكمة الدنيا وعدل السيرة ومحاسن الأخلاق ومكارم الشيم والفضائل بأسرها فأقتد بمحمد صلى الله عليه وسلم وستعمل أخلاقه وسيرته ما أمكنك ذلك , قال الله تعالي (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) ولا تغتر بكلام المنافقين عُمي البصاير الذين يصفون اليهود والنصارى بالوفاء والصدق والمسلمين بالغدر والخيانة , فالكفار لم يفوا مع الله جل وعلا بل خانوا الله ورسوله والمؤمنين وحذرنا الله منهم فإيّاك أن تغتر بكلام المنافقين فتمدح أعداء الله ورسوله والمؤمنين فتهلك مع من هلك , وأنظر في المال والحال والصحة إلى من هو دونك , وأنظر في العلم والدين والأخلاق الفاضلة إلى من هو فوقك , وحذر ممن يستخف بحرمات الله تعالي فلا تأمنه على شيء مما تشفـق عليه وكن على حذر منه دائما لأن من لا يخاف الله لا يؤمن على شيء , وأعلم إنما أنت مجموعة أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك فلا يمر زمن يسير دون أن تتزود فيه بعمل صالح أو علم نافع أو مجاهدة للنفس
أو إيصال نفع إلى قريب أو بعيد
إذا مربي يوم ولم اقتبس هدى ولم أستفد علما فما ذاك من عمري
واعلم أن للعبد المسلم رب هو ملا قيه ، وبيت هو ساكنه ، فينبغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه ، ويعمر بيته قبل انتقاله إليه .
واعلم إن إضاعة الوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة ، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها .
ومن جهل قيمة الوقت الآن فسيأتي عليه يوم يعرف فيه قيمة الوقت ولكن بعد فوات الأوان , ومما يجب ألابتعاد عنه والتحذير منه مجالسةٌ أهل الفساد لأنه يعلق بالإنسان من مجالستهم والاتصال بهم أضعاف ما يعلق به من مجالسة العقلاء لأنّ الفساد أشد التحاما بالطباع والنفس والشيطان يساعدان على ذلك ,
وما ينفع ٌ الجر باء قرب صحيحة إليها ولكن الصحيحة تٌجربٌ
والعاقل هو من آثر الطاعة على المعصية وآثر العلم على الجهل وآثر الدين على الدنيا وكف آذاه عن الناس , وأعلم إنّ للمعاصي أسباب ودواع يرجع مجموعها إلى ثلاثة أمور
1- تعلق القلب بغير الله ، ويؤدي ذلك إلى الشرك .
2- طاعة القوة الغضبية ، ويؤدي ذلك إلى الظلم والقتل.
3- طاعة القوة الشهوانية ، ويؤدي ذلك إلى الزنا وأنواع الفواحش.
ولهذا جمع الله بين الثلاثة في قوله تعالي ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلـك يـلــــق آثاما ) الفرقان/ 68 .
والقلب إذا غفل عن الحق و أتباع الكتاب والسنة كان كمقود السيارة إذا غفلت عنه خرجت بك عن الطريق وكلا بحسب ما يحدث له بعد الخروج عن الطريق من هلاك أو خدوش . ومن علا مات التوفيق دخول أعمال البر عليك من غير قصد لها وصرف المعاصي عنك وفتح باب الإلجاء والافتقار إلى الله تعالي في كل الأحوال , وإتباع السّيئة الحسنة وعظم الذنب في قلبك وإن كان من صغائر الذنوب ، ومن علا ما ت الخذلان تعسّر الطاعات عليك مع السعي فيها ودخول المعاصي عليك مع هروبك منها ، وغلق باب الالتجاء إلى الله وترك التضرع له وترك الدعاء وإتباع الحسنة بالسيئات ، واحتقارك لذنوبك وعدم الاهتمام بها وإهمال التوبة منها وقلة الاستغفار .
وأعلم أن حلاوة العبادة في أربعة أشياء كمقال عثمان رضي الله عنه
1- في أداء فرايض الله.
2- اجتناب محارم الله .
3- الأمر بالمعروف ابتغاء ثواب الله .
4- والنهي عن المنكر اتقاء غضب الله .
وأعلم أن المؤمن كمقال عثمان رضي الله عنه في ستة أنواع من الخوف
1- من الله أن يأخذ منه الإيمان
2- من قبل الحفظة أن يكتبوا عليه ما يفتضح به يوم القيامة .
3- من قبل الشيطان أن يبطل عمله .
4- من قبل ملك الموت أن يأخذه في غـفـلـة بغـتة .
5- من قبل الدنيا أن يغتر بها وتـشغله عن الآخرة.
6- من قبل الأهل والعيال أن يشتغل بهم فيشغلونه عن ذكر الله تعالي .
وقال أيضاً أضيع الأشياء عشرة
1- عالم لا يسأل عنه .
2- وعلم لا يعمل به .
3- ورأي صواب لا يقبل .
4- وسلاح لا يستعمل .
5- ومسجد لا يصلى فيه .
6- ومصحف لا يقرأ فيه .
7- ومال لا ينفق منه .
8- وخيل لا تركب .
9- وعلم الزهد في بطن من يريد الدنيا .
10- وعمر طويل لا يتزود صاحبُه فيه لسفره.
وقال عمر رضي الله عنه ، الهوى بحر الذنوب والنفس بحر الشهوات والموت بحر الأعمار والقبر بحر النادمات .
وقال علي رضي الله عنه , من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات ومن تيقن الموت إن هدمت عليه اللذات , ومن عرف الدنيا هانت عليه المصيبات , ومن أشفق من النار انتهي عن الشهوات .
واعلم أن حسن الخلق والتقوى أمرها عظيم فقد جمع النبي صلي الله عليه وسلم بين حسن الخلق والتقوى ، لأن تقوى الله تُصلح ما بين العبد وبين ربه ، وحسن الخلق يُصلح ما بينه وبين الخلق ، فتقوى الله توجب له محبة الله وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته .
وحذر الخصومات في الدين لأن الخصومات مدعاةُ للفرقة والفتنة , ومجلبة للتعصب وإتباع الهوى ومطيةُ للانتصار للنفس ، والتشفي من الآخرين ، وذريعة للقول على الله بغير علم ، ومن عرف نفسه اشتغل بإصلاحها عن عيوب الناس . وما أجمل قول الشافعي رحمه الله تعالى .
قالوا سكتّ وقد خوصمت قلتُ لهم
إن الجواب لباب الشر مفتاحُ
والصمت عن جاهل أو أحمق شرفُ
وفيه أيضا لصون العرض إصلاحُ
وبما أن الله قد أبقنا حتى دخول هذا الشهر الذي هو شهر التقوى فلله الحمد وحده, وان سأله أن يرزقنا فيه البر والتقوى ومن العمل ما يرضى.
وحقيقة التقوى كما قال طلق بن حبيب رحمه الله (أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثوابه ’ وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله) ومن أكثر من الطاعات وتجتنب المحرمات فقد عمل بخصال التقوى والله سبحانه هو أهل التقوى وأهل المغفرة . اللهم أغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.