تراك مراقب من الاقمار الصناعيه

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم
*************









كانت البداية عندما قرأت أن سفيان الثوري رحمه الله كان لديه قبرا في منزله يرقد فيه



وبعد أن يرقد ينادي الله : رب ارجعون .. رب ارجعون

ثم يقوم منتفضا ويقول : هاقد رجعت فماذا أنت فاعل ؟

****************************** ********** ********** ******************


حدث أن فاتتني صلاة الفجر .. وهي صلاة من كان يحافظ عليها ثم فاتته فسيحس بضيقة شديدة طوال اليوم ..

تكرر معي نفس الأمر في اليوم الثاني .. فقلت لابد وأن في الامر شيئا ..
ثم تكرر ذلك للمرة الثالة على التوالي .. هنا كان لابد أن أقف مع نفسي وقفة حازمة حتى لاتركن لمثل ذلك فتذهب بي إلى النار ..

قررت ان أدخل القبر حتى أؤدب نفسي .. فلابد من أن ترتدع وأن تعلم ان هذا هو منزلها ومسكنها الى مايشاء الله ..

لكنني كل يوم أقول لنفسي دع هذا الامر غدا ..

وجلست أسوف في هذا الامر حتى فاتتني صلاة الفجر مرة أخرى .. حينها قلت : كفى ..

وأقسمت أن يكون الامر هذه الليلة ..


ذهبت بعد منتصف الليل حتى لايراني أحد .. وقفت قليلا أأدخل من الباب أم أتسور السور ؟!

اتجهت صوب الباب فلعل حارس المقبرة غير موجود

لكن إن كان موجود سأوقظه وربما منعني أو طلب مني المجيء في النهار وحينها يضيع قسمي .. فقررت أن اتسور السور ..

تلثمت .. رفعت ثوبي واستعنت بالله وتسلقت ..

برغم انني دخلت هذه المقبرة مرات ومرات مشيعا .. إلا أنني أحسست أنني أراها لأول مرة .. ورغم أنها كانت ليلة مقمرة .. إلا أنني أكاد أقسم أنني مارأيت أشد منها سوادا .. كانت تلف المكان ظلمة حالكه .. سكون رهيب ..


هذا هو صمت القبور بحق .

تأملتها كثيرا من اعلى السور .. واستنشقت هواءها .. نعم إنها رائحة القبور .. اميزها عن ألف رائحة ..
رائحة الحنوط .. رائحة تحمل طعم الموت والبلى ..

جلست أتفكر للحظات مرت كالسنيين .. إيه أيتها القبور .. ما أشد صمتك ..

وما أشد ماتخفيه .. ضحك ونعيم .. وصراخ وعذاب أليم .. ماذا سيقول لي أهلك لو حدثتهم ؟
لعلهم سيقولون مقولة الحبيب صلى الله عليه وسلم : (( الصلاة الصلاة وماملكت أيمانكم ))

قررت أن أهبط حتى لايراني أحد في هذه الحاله .. فلو رآني أحد فسيقول إنني مجنون أولدي مصيبة ..

وبالفعل لدي مصيبة كبيره .. وأي مصيبة أكبر من ضيلع صلاة الفجر عدة مرات ..

هبطت داخل المقبرة .. أحسست حينها برجفة في القلب .. التصق بالجدار ولا ادري ممَّ أحتمي ؟
عللت ذلك لنفسي بأنه خشية المرور فوق القبور وانتهاكها ..

أنا لست جبانا .. لكنني شعرت بالخوف حقاً !!

نظرت الى الناحية الشرقية حيث القبور المفتوحة فاغرة أفواهها تنتظر ساكنيها ..

إنها أشد بقع المقبرة سواد .. كأنها تناديني .. مشتاقة إليَّ : متى ستكون فيّ ؟

أمشي محاذرا بين القبور .. وكلما تجاوزت قبرا تساءلت : أشقي أم سعيد ؟

شقي بسبب ماذا ؟ أضيع الصلاة مثلي ؟ أم كان من اهل الفواحش والربا ؟ ربما كان عاقا لوالديه .. أو كان من اهل الغناء والطرب ؟

لعل من تجاوزت قبره الان كان يظن انه أشد اهل الارض قوة .. وأن شبابه لن يفنى .. وأنه لن يموت كمن مات قبله .. أو انه كان يقول : مازال في العمر بقية .. ففاجاه هادم اللذات ..

سبحان من قهر الخلق بالموت ...

أبصرت الممر .. حتى اذا وصلت إليه وضعت قدمي عليه أسرعت نبضات قلبي فالقبور عن يميني وعن يساري
بدأت أولى خطواتي .. بدأت وكانها دهر .. أين سرعة قدميَّ .. ما أثقلهما الآن ..


رفعت بصري الى الناحية الشرقية .. تمنيت أن تطول المسافة ولاتنتهي أبدا لأنني أعلم ماينتظرني هناك ..

أعلم .. فقد رأيت القبر كثيرا .. ولكن هذه المرة مختلفة تماما ..


أفكار عجيبة أكاد أسمع همهمة خلف أذني .. خفت أن أنظر خلفي .. خفت ان أرى أشخاصا يلوِّحون إليَّ من بعيد ..

خيالات سوداء تعجب من القادم في هذا الوقت ..

بالتأكيد إنها وسوسة من الشيطان .. لايهمني شيء طالما قد صليت العشاء في جماعة ..

أخيرا .. أبصرت القبور المفتوحة .. أقسم للمرة الثانية أنني مارأيت أشد منها سواداً ..

كيف أتتني الجرأة ! وكيف أوصلتني بخطواتي إلى حافة القبر ؟!
بل كيف سأنزل في هذه الحفرة الضيقة ؟!
وأي شيء ينتظرني داخلها ؟

فكرت بالاكتفاء بالوقوف أو ان أُكفِّر عن قسمي .. ولكن لا .. لن أصل إلى هنا ثم أقف .. يجب أن أكمل

لن انزل إلى القبر مباشرة .. بل سأجلس خارجه قليلا حتى تأنس نفسي ..
ما أشد ظلمته .. وما أشد ضيقه ..

كيف لهذه الحفرة الصفيرة أن تكون حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة ؟ سبحان الله

يبدو أن الجو قد ازداد برودة .. أم هي قشعريرة في جسدي من هول هذا المنظر ؟!

هل هذا صوت الريح ؟! ليست ريحا .. لا أرى ذرة غبار في الهواء !! هل هي وسوسة أخرى ؟!!

استعذت بالله من الشيطان الرجيم .. أنزلت شماغي ووضعته على الارض ثم جلست وقد ضممت ركبتي أمام صدري أتأمل هذا المشهد العجيب ..
إنه المكان الذي لامفر منه أبدا ..

سبحان الله نسعى لكي نحصل على كل شيء .. وهذه هي النهاية : لاشيء ...

كم تنازعنا في هذه الدنيا .. اغتبنا .. تركنا الصلاة .. آثرنا الغناء على القرآن ..
والكارثة أننا نعلم أن هذا مصيرنا .. وقد حذرنا الله منه ورغم ذلك نتجاهل .!

أشحت بوجهي ناحية القبور وناديت بصوت خافت وكاني أخشى أن يرد عليَّ أحد :

يا أهل القبور .. مالكم ؟ أين أصواتكم ؟ أين أبناؤكم عنكم اليوم ؟
أين أموالكم ؟ أين وأين .. كيف هو الحساب ؟

أخبروني عن ضمة القبر ..!
أخبروني عن منكر ونكير .. أخبروني عن حالكم مع الدود !

سبحان الله .. نستاء إذا قدَّم لنا أهلنا طعاما باردا أو لايوافق شهيتنا .. واليوم .. نحن الطعام ..

لابد من النزول إلى القبر .. قمت وتوكلت على الله أنزلت رجلي اليمنى ثم الاخرى , افترشت شماغي وانطرحت على ظهري ووضعت رأسي وانا أفكر .. ماذا لو انهال عليَّ التراب فجأة ؟!

ماذا لو ضُم القبر عليَّ مرة واحدة ؟!

أغلقت عينيَّ حتى تهدأ ضربات قلبي .. حتى تخف هذه الرجفة في جسدي ..

ما أشده من موقف وانا حي , فكيف سيكون وأنا ميت ؟

فكرت أن انظر الى اللحد .. هو بجانبي والله لا أعلم شيئا أشد ظلمة منه ..

ياللعجب !! رغم أنني في حفرة مغلقة إلا أنني أشعر بتيار من الهواء البارد يتسلل اليّ !!

كم هي قارسة برودة الخوف !
خفت أن انظر اليه فأرى عينان تلمعان في الظلام وتنظران إليَّ بقسوة .. أو أن أرى وجها شاحبا لرجل تكسوه علامات الموت ناظرا إلى الاعلى متجاهلني تماما ..

حينها قررت أن لا انظر إلى اللحد .. ليس بي من الشجاعة ان أخاطر وأرى أيَّا من هذه المناظر رغم علمي ان اللحد خال .. ولكن تكفي هذه المخاوف حتى أمتنع تماما عن النظر إليه ..

تذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لااله إلا الله .. إن للموت لسكرات ))

تخيلت جسدي عند نزول الموت يرتجف بقوة وأنا أرفع يدي محاولا إرجاع روحي ..
تخيلت صراخ أهلي عاليا من حولي : أين الطبيب ؟! أين الطبيب ؟!

( فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين )

تخيلت الاصحاب يحملونني ويقولون : لااله الا الله .. تخيلتهم يمشون بي سريعا إلى القبر .. وتخيلت أحب أصدقائي إليَّ وهو يُسارع لأن يكون أول من ينزل إلى القبر ..تخيلته يضع يديه تحت رأسي ويطالبهم بالرفق حتى لا أقع .. يصرخ فيهم : جهزوا الطوب ..

وتخيلت أحمد .. يجري ممسكا ابريقا من الماء يناولهم إياه بعدما حثوا عليَّ التراب ..
تخيلت الكل يرش الماء على قبري ..

تخيلت شيخنا يصيح فيهم : ادعوا لأخيكم فإنه الآن يسأل .. ادعوا لأخيكم فإنه الآن يُسأل ..

ثم رحلوا وتركوني فردا وحيدا ..

تذكرت قول الله تعالى : (( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركنم ماخولناكم وراء ظهوركم )) نعم صدق الله .. تركت زوجتي .. فارقت أبنائي .. تخليت عن مال أو هو تخلى عني ..

تخيلت كأن ملائكة العذاب حين رأوا النعش قادما ظهروا بأصوات مفزعة .. وأشكال مخيفة .. ينادي بعضهم بعضا :
أهو العبد العاصي ؟
فيقول الاخر : نعم .
فيقال : أمشيع متروك أم محمول ليس له مفر ؟
فيجيبه الاخر : بل محمول إلينا ليس له مفر .

فيُنادى : هلموا إليه حتى يعلم أن الله عزيز ذو انتقام .

رأيتهم يمسكون بكتفي ويهزونني بعنف قائلين : ماغرك بربك الكريم ؟

ماغرك بربك الكريم حتى تنام عن الفريضة ..

مالذي خدعك حتى عصيت الواحد القهار ؟

أهي الدنيا ؟ أما كنت تعلم انها دار فناء ؟ وقد فنيت !
أهي الشهوات ؟ أما تعلم أنها الى زوال ؟ وقد زالت !
أم هو الشيطان ؟ أما علمت أنه لك عدو مبين ؟

أمثلك يعصي الجبار .. والرعد يسبح بحمده والملائكة من خيفته ..؟!

لانجاة لك منا اليوم .. اصرخ ليس لصراخك مجيب ..

فجلست أصرخ : رب ارجعون .. رب ارجعون

وكأني بصوت يهز الفضاء ويزلزل المقبرة يملأني يئسا ويقول :

( كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون )

بكيت ماشاء الله أن أبكي ..

ثم قلت : الحمد لله رب العالمين .. مازال هناك وقت للتوبه ..

استغفر الله العظيم وأتوب اليه ..

قمت مكسورا .. وقد عرفت قدري .. وبان لي ضعفي ..

أخذت شماغي وأزلت ماعلق به من تراب القبر وعدت وأنا أردد قول جبريل للحبيب صلى الله عليه وسلم :

( عش ماشئت فإنك ميت , وأحبب من شئت فإنك مفارقه , واعمل ماشئت فإنك مجزى به )


اتمنى ان تكون في هذه القصه عظة وعبره لقلوب كثيره غفلت كثيرا وتمادت في المعاصي ..
1
412

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

فراشة ود
فراشة ود
جزاك الله خير