قد نسمع بمن تشتكي من مصيبه عظيمه وهي قذفها في عرضها وهي بريئه مظلومه ثم بعد ذلك تبدأ الألسنة الآثمة في الحديث عنها وهم لم يتبينوا حقيقة الموضوع وربما تجدي من تتكلم في إنسانه وهي تقول استغفر الله سمعتي ماذا قالوا عن فلانه وتجدي الأخرى تستمع لها بإنصات حتى دون أن تذب عن عرض أختها فلهؤلاء أقول لهن أقرأي ماهو مكتوب الآن جيداً :
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
لما عظم تعالى أمر الزاني بوجوب جلده، وكذا رجمه إن كان محصنا، وأنه لا تجوز مقارنته، ولا مخالطته على وجه لا يسلم فيه العبد من الشر، بين تعالى تعظيم الإقدام على الأعراض بالرمي بالزنا فقال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} أي: النساء الأحرار العفائف، وكذاك الرجال، لا فرق بين الأمرين، والمراد بالرمي الرمي بالزنا،
بدليل السياق، {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا} على ما رموا به {بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} أي: رجال عدول، يشهدون بذلك صريحا، {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} بسوط متوسط، يؤلم فيه، ولا يبالغ بذلك حتى يتلفه، لأن القصد التأديب لا الإتلاف، وفي هذا تقدير حد القذف، ولكن بشرط أن يكون المقذوف كما قال تعالى محصنا مؤمنا، وأما قذف غير المحصن، فإنه يوجب التعزير.
{وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} أي: لهم عقوبة أخرى، وهو أن شهادة القاذف غير مقبولة، ولو حد على القذف، حتى يتوب كما يأتي، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} أي: الخارجون عن طاعة الله، الذين قد كثر شرهم، وذلك لانتهاك ما حرم الله، وانتهاك عرض أخيه، وتسليط الناس على الكلام بما تكلم به، وإزالة الأخوة التي عقدها الله بين أهل الإيمان، ومحبة أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وهذا دليل على أن القذف من كبائر الذنوب.
وقوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فالتوبة في هذا الموضع، أن يكذب القاذف نفسه، ويقر أنه كاذب فيما قال، وهو واجب عليه، أن يكذب نفسه ولو تيقن وقوعه، حيث لم يأت بأربعة شهداء، فإذا تاب القاذف وأصلح عمله وبدل إساءته إحسانا، زال عنه الفسق، وكذلك تقبل شهادته على الصحيح، فإن الله غفور رحيم يغفر الذنوب جميعا، لمن تاب وأناب، وإنما يجلد القاذف، إذا لم يأت بأربعة شهداء إذا لم يكن زوجا، فإن كان زوجا، فقد ذكر بقوله:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ}
ثم ذكر الوعيد الشديد على رمي المحصنات فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} أي: العفائف عن الفجور {الْغَافِلَاتِ} التي لم يخطر ذلك بقلوبهن {الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} واللعنة لا تكون إلا على ذنب كبير.
وأكد اللعنة بأنها متواصلة عليهم في الدارين {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وهذا زيادة على اللعنة، أبعدهم عن رحمته، وأحل بهم شدة نقمته.
وذلك العذاب يوم القيامة {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فكل جارحة تشهد عليهم بما عملته، ينطقها الذي أنطق كل شيء، فلا يمكنه الإنكار، ولقد عدل في العباد، من جعل شهودهم من أنفسهم، {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} أي: جزاءهم على أعمالهم، الجزاء الحق، الذي بالعدل والقسط، يجدون جزاءها موفرا، لم يفقدوا منها شيئا، {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} ويعلمون في ذلك الموقف العظيم، أن الله هو الحق المبين، فيعلمون انحصار الحق المبين في الله تعالى.
فأوصافه العظيمة حق، وأفعاله هي الحق، وعبادته هي الحق، ولقاؤه حق، ووعده ووعيده، وحكمه الديني والجزائي حق، ورسله حق، فلا ثم حق، إلا في الله وما من الله.
يقول الله تعالى :{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }
عن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ )) رواه مسلم .
وعن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لَمَّا عُرِجَ بي مَرَرْتُ بِقَومٍ لَهُمْ أظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ : مَنْ هؤُلاءِ يَا جِبرِيلُ ؟ قَالَ : هؤُلاءِ الَّذِينَ يَأكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ ، وَيَقَعُونَ في أعْرَاضِهِمْ ! )) . رواه أَبُو داود .
وعن أَبي الدرداء رضي الله عنه ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أخيهِ ، رَدَّ اللهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَومَ القيَامَةِ )) . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاِسْتِطَالَةَ فِى عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ».رواه أبو داود
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ)). رواه البخاري
لذا يا أخوات على من تستهين في هذا الموضوع أن تنتبه من الوقوع في أعراض الناس
هدى أمير @hd_amyr
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
حلاتي ندرة وجودي
•
الله يجزاك خير
الصفحة الأخيرة