نصر

نصر @nsr_1

محرر في عالم حواء

تعديل السلوك ليس مستحيلا

الطالبات والمعلمات

إنه من الجميل حقًّا أن نحاول إصلاح أولادنا، والأجمل أن يكون ذلك في سن مبكرة، فكلما كبر المرء كانت عملية التغيير وتعديل السلوك صعبة، لكنها على أية حال ممكنة وغير مستحيلة، وأقول ردًّا على مشكلتك أيها السائل الكريم:

نحن دائمًا نطلب من أطفالنا الصدق، وإذا ما كذبوا علينا نأخذ الأمر على محمل شخصي، وكأنه أساء إلينا إساءة شخصية، والأمر أكبر من هذا، فالصدق لا يعني عدم الكذب علينا كأبوين فقط، فأضرار الكذب تشمل الفرد نفسه والأسرة والمجتمع على حد سواء، وهذا يعني أن من مفاهيم الصدق ألا أغش، ولا أخدع الآخرين، ولا أتحايل على المواقف، وألا أراوغ ولا أكثر من مبررات لا داعي لها، والأهم أن أكون صادقًا مع نفسي، وأن أكون شجاعًا في المواقف التي تحتاج إلى قول وفعل ما يجب أن يكون.

اختصارًا أن نحيا حياة بعيدة عن الزيف، وأنا مع الرأي الذي يؤكد أن الكذب من أكبر الآفات إن لم يكن أكبرها على الإطلاق، فهو بداية - تقريبًا - لكل خطيئة وذنب؛ لذا نفى الرسول – صلى الله عليه وسلم – صفة الكذب عن المؤمن برغم أنه لم ينفِ صفتي البخل والجبن عنه (أي المؤمن)، ومشكلتك دليل على صحة ما نقول، فالكذب في حالة ابنك صاحبه السرقة.

فعليك أولاً – سيدي أن تستعرض حياتك أنت وتفكر في الصدق بمعناه الأكبر والأشمل، وهل كنت ذلك النموذج الذي يمكن أن يحتذيه ابنك.
ثانيًا: عليك أيضًا أن تدرك طبيعة هذه السن التي دخلها ابنك، فهو على أعتاب مرحلة المراهقة، ويحتاج إلى مساعدة، وفي هذه المرحلة يعاني الأولاد من صعوبة في أن يسألوا أحدًا المساعدة التي يحتاجونها، ونجدهم يسألون ذلك بطريقة غير مباشرة قد تبدو غريبة كما فعل ابنك ولجأ إلى الكذب والسرقة. ولذلك أنا أقترح :

بداية: أن تجلس مع ابنك جلسة هادئة تظهر فيها عاطفة الأبوة (في غير تدليل) قائلاً: "أنا لا أستطيع أن أفهم لماذا تلجأ للكذب والسرقة، ولكن أستطيع أن أرى بوضوح أن لديك مشكلة ما، وأنا أودّ لو استطعت أن تفصح لي عنها، وأعدك بعدم الانفعال مهما كانت أخطاؤك، المهم أن نجد لها حلاًّ سويًّا، وإذا لم نستطع إيجاد الحل بعد المحاولة الجادة فلا مانع عندي من اللجوء إلى طبيب نفسي يساعدك"، وبالطبع تكون عند وعدك، أولاً بعدم الانفعال وإلا اعتبر الصبي أن ما تقوله كان مجرد استدراج له.
وثانيًا اللجوء إلى الطبيب النفسي إذا لم تستطع مساعدته وفقًا لما ننصحك به في هذه الرسالة.

ثالثًا - وكما دائمًا أنصح كل الآباء - بإيجاد العلاقة الإيجابية بينهم وبين أبنائهم، فأنا أوصيك بالنصيحة نفسها، فلا بد أن تشاركه بعض الأنشطة، وتشجعه على ممارسة الرياضة، إلى جانب ممارسة هواية أخرى يحبها، اجعل له وقتًا خاصًّا به من نفسك (كما تفعل ذلك مع جميع إخوته لتحقيق مبدأ المساواة)؛ لمناقشته آرائهم المختلفة وأحوالهم بصفة عامة بطريقة يملؤها الحب والتفاهم دون أن تلعب لعبة الواعظ، واجعل لقاء أسبوعيًّا مع أفراد أسرتك تتناقشون فيه وتتبادلون فيه الآراء في مختلف المجالات، اجعل أبناءك يشتركون في معسكر خاص بالأسرة - إن أمكن ذلك - أو رحلات يقومون هم بعملية التنظيم والإعداد فيها تحت إشرافك.

رابعًا: حاول أن تساعده في أن يجد له عملاً يتكسب منه، ولا تتخيل أنه صغير السن على إنجاز بعض الأعمال التي تتناسب مع سنه وقدراته وصحته العامة، وإذا لم تجد المكان المناسب الذي يتوفر فيه ما سبق أسند له بعض الأعمال الخاصة بك (كأن يقوم بدور السكرتير أو المساعد لك)، واجعله يتقاضى راتبًا معقولاً، ومنه يرد ما سرقه سابقًا من المنزل.

خامسًا: لا تضعه في مواقف تلجئه للكذب أو السرقة، كما أنه لا بد من تغيير البيئة أو الظروف التي اضطرته للكذب من قبل، فلا تروعه عندما تسأله عن أداء الواجبات مثلاً أو تلح عليه بطريقة تجعله يتملص منك بالكذب، ولكن عليك أن تعاونه في أن يخطط وينظم وقته بحيث يستطيع مع المذاكرة أن يمارس أنشطة أخرى، وأن تعزز له كل تفوق أو كل تقدم يحدثه في دراسته، كما يجب أن تكون على صلة بأساتذته بالمدرسة، وتحضر مجالس الآباء، وتشارك في الأنشطة الخاصة بهذه المجالس، فهذا من شأنه أن يجعل ابنك يحس بالاهتمام به في كل أموره.

سادسًا: بالنسبة للصلاة في أثناء محاولة الإصلاح بينك وبين ابنك أو في محاولة التقارب بينكما، من الأفضل ألا تأمر ابنك بالصلاة، ولكن ضع في حسبانك في خضم عملية الإصلاح أن تبدأ بدعوة ابنك للذهاب معك إلى صلاة الجمعة، وفي أثناء العودة اذهبا للتنزه أو تمشيا سويًّا، وناقشه في خطبة الجمعة ورأيه فيها، وهل كانت خطبة لها قيمتها، ومدى الاستفادة منها على المستوى الشخصي وعلى مستوى المجتمع، وناقشه في مشكلات مجتمعه، وما اقتراحاته التي يراها للإصلاح، ومدى إمكانية تحقيق هذا، واحترم ما يقول بل شجعه، فإذا وجدت أن اقتراحاته قابلة للتطبيق فساعده على تطبيقها مع بعض المسؤولين - إن استطعت-.

باختصار، إن هذا الحوار سيقرب المسافة بينكما، كما أن ذلك يساعده على استشارتك في كل أموره، إلى جانب أنك بهذه الطريقة تعلّمه كيف يكون إيجابيًّا بطريقة واقعية لا تصيبه بالإحباط.

بعد ذلك اطلب منه أن تصلِّيا بل تصلوا (أنت والأسرة كلها) جماعة بالمنزل في الأوقات الأخرى غير يوم الجمعة، ولا تسأله سؤالاً مباشرًا هل صليت كذا؟ بل دائمًا اطلب منه أن يصلى معك في جماعة، فإذا ادعى أنه صلَّى وأنت تعلم أنه كاذب، فما عليك إلا أن تسأله: أين صليت؟ فإذا قال صليت في حجرتي مثلاً فقل لقد استأثرت حجرتك بالبركة، فتعالَ نصلي معًا في (حجرتي أو في الصالون أو في السفرة… حدّد له المكان) لتباركها، وتحسب لك هذه الصلاة نافلة، وتصحبه من يده بابتسامة وبطريقة لا تسمح له بالكذب مرة أخرى أو بالتملص.

وأخيرًا برغم أن ابنك على أعتاب المراهقة فهو ما زال طفلاً في بعض أمره؛ لذلك أنصحك بقص بعض القصص – التي تتناسب مع عقله وسنه – عن فضيلة الصدق، واقرأ عليه قصة توبة كعب بن مالك – رضي الله عنه – فهي قصة رائعة تحمل الكثير من العبر، وعلى رأسها كيف امتحن هذا الصحابي الجليل في صدقه.

منقول
2
530

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

أجمل إحسـاس
أجمل إحسـاس
جزاك الله خير
نصر
نصر
الاخت اجمل احساس شكراً على المرور ...