بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}
قد روي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لو أخذ الناس كلهم بهذه الآية
لكفتهم"، وقوله: {مَخْرَجًا} عن بعض السلف: أي من كل ما ضاق علي الناس، وهذه الآية
مطابقة لقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
الجامعة لعلم الكتب الإلهية كلها؛ وذلك أن التقوى هي العبادة المأمور بها، فإن تقوي الله وعبادته
وطاعته أسماء متقاربة متكافئة متلازمة، والتوكل عليه هو الاستعانة به،فمن يتقي الله مثال:
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، ومن يتوكل علي الله مثال: {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، كما قال: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} ،
وقال:{عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا} ، وقال: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} .
ثم جعل للتقوى فائدتين: أن يجعل له مخرجا، وأن يرزقه من حيث لا يحتسب.
والمخرج هو موضع الخروج، وهو الخروج، وإنما يطلب الخروج من الضيق والشدة، وهذا هو الفرج
والنصر والرزق، فَبَين أن فيها النصر والرزق، كما قال: {أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} ؛
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟ بدعائهم، وصلاتهم،
واستغفارهم" هذا لجلب المنفعة، وهذا لدفع المضرة.
وأما التوكل فَبَين أن الله حسبه، أي: كافيه، وفي هذا بيان التوكل علي الله من حيث أن الله يكفي المتوكل
عليه، كما قال: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} خلافا لمن قال: ليس في التوكل إلا التفويض والرضا.
ثم إن الله بالغ أمره، ليس هو كالعاجز، {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} وقد فسروا الآية
بالمخرج من ضيق الشبهات بالشاهد الصحيح، والعلم الصريح، والذوق، كما قالوا: يعلمه من غير تعليم
بَشَرٍ، ويفطنه من غير تجربة، ذكره أبو طالب المكي، كما قالوا في قوله:{إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا}
أنه نور يفرق به بين الحق والباطل،
كما قالوا: بصرًا، والآية تعم المخرج من الضيق الظاهر والضيق الباطن، قال تعالى:
{فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا
كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء} ، وتعم ذوق الأجساد وذوق القلوب، من العلم والإيمان،
كما قيل مثل ذلك في قوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} ، وكما قال: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء}
، وهو القرآن والإيمان.
المرجع:
المجلد السادس عشر
::: مجموع الفتاوي لشيخ الإسلام ابن تيميةرحمهُ الله ]
عيون المها777 @aayon_almha777
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد