الحمدلله الملك العزيز الجبار
و الصلاة و السلام على خير البرية و سيد الأبرار
رسولنا محمد و على آله و صحبه و من تبعه من الأخيار
ثم أما بعد ..
من عظيم فضل الله علينا أن بلغنا هذا الشهر العظيم
شهر
العتـق من النــار
فما أعظم و ما أجل أن نستشعر عظيم معنى العتق من النار
فما أحوجنا إلى رحمة ربنا بنا و عتقه لنا من النار
أحببتُ يا أحبتي ..
أن نتذكر صفة نار الآخرة
و شديد لهيبها
و أليـم عذابها
لنستشعر شدة حاجتنا لرحمة ربنا و عتقنا من النار
حتى
ندعو الله في ليالي هذا الشهر
بنفوس تعلم أنه لا قوة لها على النار
و أن جلدها لا يستحمل أليـم عذاب النار
فندعو و نلح مستشعرين شدة حاجتنا إلى العتق من النار
فعندما ندعو الله
بأن يعتقنا من النار
و نحن مستشعرين
لشدة عذابها و صفة تعذيبها و قوة خزنتها و أليـم حرارتها
يكون الدعـاء أقوى
و الحاجة أمس
فتبكي العينان و يخشع القلبعند الدعــاء

نــار الآخرة ليست كأقصى درجات نار الدنيـا ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ناركم التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من جهنم )
قالوا يا رسول الله وإن كانت لكافية قال:( فإنها فضلت بتسعة وستين جزءاً )
قبل يومين ..
سختُ الماء لتحضير كوب شاي .. و عندما وصل لدرجة الغليان ..
سكبت الماء في الكوب .. و ما أن انتهيت من الغلاية و وضعتها على الطاولة ..
إذا ببخــار حــــار يتصاعد من الغلاية على اصبعي .. فسارعت بإبعاده و أنا متألمة منه ..
و مازال هذا الألم ســاعـات .. لم أرتاح إلا عندما أضع قطة ثلج و لكني لم أجدها ..
فحاولت وضع أي شيء بارد عليه ليخفف ألمي ..
والله اقول لوالدتي و أختي عندما رأوا احمرار اصبعي و ألمي منه ..
أقول لهم : والله مجرد بخـار حـار مر على إصبعي .
ليس بماء مغلي ..
قلنا : أجارنا الله من نار جهنم ..
فحـيـنـهـا ..
تذكرت حرارة نــار جهنم ..
قلت في نفسي :
هذا و هو إصبعكِ فقط فكيف بكل جسمك !
هذا و هو بخـــار فكيف بماء يغلي بجسدك !
هذا و هو مرور فقط فكيف بمكوثك !
هذا و هي نار الدنيا فكيف بنار الآخرة !
نعوذ بالله من النار ..

:: أقل عذاب نـار الآخرة ::
قال صلى الله عليه وسلم :
( اشتكت النار على ربها , فقالت رب أكل بعضي بعضاً
فأذن لي بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف
فأشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير )
:: ألــوان عــذاب أهــل النــار ::
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
( إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة
رجل يوضع على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه)
..: تـخـيـلي : ..
أقل أهل النــار عذابًا ..
توضع جمرتان على قدميه .. و من شدة و عظيم حرارتهما : يغلي منهما دمــاغه !!!
هذا هو أقلهم عذابًا .. فكيف بمن هم خلافه !
و المعذبون يتفاوتون في ألوان العذاب فيها حسب ما يستحقون ..
قال صلى الله عليه وسلم :
( إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه
ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه
ومنهم من تأخذه إلى حجزته
ومنهم من تأخذه إلى ترقوته )وفي رواية إلى ( عنقه )
و منهم من يصل عذابه الى فؤاده ..
قال تعالى :
{ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ } { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ }
{ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ } { الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ }
بل إن هيئة أجسـام أهـل النـار فيها ضخـمـة
قال صلى الله عليه وسلم :
( ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع )
وقال صلى الله عليه وسلم :
( ضرس الكافر, أو ناب الكافر, مثل أحد, وغلظ جلده مسيرة ثلاث)

قال تعالى :
{ كَلَّا إِنَّهَا لَظَى } { نَزَّاعَةً لِلشَّوَى }
من شدة حرارتها تكوي الجلد و تنزعه .. و تشد الأظافر و تنزعها ..
بل إن الجلد بعدما ينصهر و يتمزق و يذاب .. يُبدله الله بجلد آخر ..
لأن الجلد هو مركز الإحساس .. فيزدادون عذابًا ..
قال تعالى :
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً
كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا
لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيمًا }
:: مــاؤهــا و شــرابـهــا ::
مــاؤهـا كأشد ماء مغلي .. هو الحميـم .. يصب على رؤوسهم ..
فيذيب أمعاءهم و يصهر ما في أحشاء بطونهم .. و يمزق جلودهم ..
قال تعالى :
{ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ }
و قال جل شأنه :
{ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ } { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ }
و قال :
{ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَ سَاءَتْ مُرْتَفَقًا }
و المهل : عكر الزيت ، و هو كما ورد في تفسير ابن كثير : أسود منتن غليظ حار .
عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { و يسقى من ماء صديد يتجرعه }
قال :
( يقرب إلى فيه فيكرهه فإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه !
فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره ! )
قال الله عز وجل : { وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ }
ويقول : { وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ }
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه و سلم :
( إن ( الحميم ) ليصب على رؤوسهم ، فينفذ ( الحميم ) حتى يخلص إلى جوفه
فيسلت ما في جوفه ؛ حتى يمرقمن قدميه ، وهو ( الصهر ) ، ثم يعاد كما كان )
و صـاحـب العـذاب لايريد الشرب و لكنه يُقهر و يشربه غصبًا !

:: طـعـامُـهـا ::
قال تعالى:
{ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ } { لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ }
و الضريع : هو نوع من الشوك الخبيث ..
{ وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ } { لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ }
و الغسلين : قيل أنه صديد أهل النـار، و قيل أنه الدم و المـاء يسيل من لحومهم ..
قال تعالى:
{ إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيمًا } { وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيمًا }
فهو طعام يغص في الحلق ..
ورد في تفسير الجلالين معنى { وَطَعَامًا ذَا غُصَّة } :
يغص به في الحلق و هو الزقوم أو الضريع أو الغسلين
أو شوك من نار لا يخرج و لا ينزل ..
:: عـظـيـمـ حـرِّهـا ::
* أما حر الدنيا فإنه يتقى .. فقد مد الله لعباده الظل يقيهم الحر ..
ورزقهم الماء يرويهم من العطش .. وأوجد لهم الهواء والريح الكريمة تلطف وتهون من شدة الفيح ..
أما في جهنم فإن هذه الثلاثة تنقلب عذاباً على أهلها :
فالهواء سموم .. و الظل يحموم .. و الماء حميم ..
قال تعالى :{ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ }
{ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ } { وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ } { لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ }
السموم : الهواء الحار
الحميم : الماء الحار
يحموم : الدخان الأسود
ومن شدة حرها تلفح الوجوه فتتركها عظاماً لا لحم فيها
قال تعالى:
{ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ
وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ }
ومن شدة حرها تصهر البطون و ما في أحشائها من أمعاء
قال تعالى:
{ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ
فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ }
{ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ }
*
*صيد الفوائد*

:: حـجـمـهـــا ::
قال تعالى:
{ وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورا }
من شدة تعذيب أهل النــار :
أن الله تعالى يضيق العذاب عليهم ..
فيزيد ضيقها عليهم عذابًا إلى عذابها ..
و هي رغم أنها تضيق عليهم في العذاب إلا أنها واسعة ضخمة عظيـمة
و الدليل قوله صلى الله عليه و سلم :
(( لو أن حجراً مثل سبع خلفات ألقي من شفير جهنم
هوى فيها سبعين خريفاً لا يبلغ قعرها ))
و كونها تسع كل الكفار و العصاة منذ بداية الخليقة حتى نهايتها ..
دليل على أنها ضخمـة واسعـة ..
و لكن أهل العذاب فيها يُضِيَّق عليهم فيها ليزدادون عذابًا ..

:: سـلاسـلهـا و أغـلالـهـا ::
قال تعالى:
{ إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ }
ليسوا في النــار مفلوتين ..
و إنما على رقابهم سلاسل بها مسحوبون ..
و في أعناقهم أغلال بها مقيدون مجرورون ..
فيالعظمة ذلك العذاب .. والله تكفي النار بمفردها عذابًا ..
فكيف لو معها سلاسل من حديد تزيد حرارتها !
:: لباس أهـلــهـــا ::
قال تعالى: { وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ }
{ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ }
القطران : هو النحاس المذاب ..

عـذاب من الظاهر في لباسهم و على جلودهم ..
و عذاب من الباطن على امعائهم و أحشائهم ..
و عذاب من فوقهم و في أدمغتهم ..
و عذاب من تحتهم إلى أقدامهم ..
!! .. وماهم بميـتيـن ..!!
{ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }

قال كعب الحبار:
* والذي نفس كعب بيده .. لو كنت بالمشرق والنار بالمغرب ..
ثم كشف عنها لخروج دماغك من منخريك من شدة حرها ..
يا قوم هل لكم بهذا قرار ؟ أم لكم على هذا صبر ؟
يا قوم طاعة الله أهون عليكم من هذا العذاب فأطيعوه *
*صيد الفوائد*

يـا نفس توبي لربكِ و عودي و إلا فلكِ جهنم دار البوار
دار فيـها من العذاب شديده خلـود في جحيـم و نــار
ليست كالنــار التي تعرفينها بل سبعين ألف ضعفًا من تلك النار
فيها من المـاء حميمه وأحره و شوكٌ في حلقكِ ليس بمــار
شراب ينزع جلدك و يقتلعه و يصهر الشوى أيمـا انصهار
بل إنه يقطع أحشاءكِ و يذيبها هل ترضين بها كدار قرار!؟
الزقوم طعامك و الحميم شرابك و هواؤهـا سموم و ظلها حـار
و الأدهى و الأمر أنكِ لن تموتي بل تتجددي مع كل بوار !
صارحيني يا نفس و أخبريني آلطاعة تريدين أم تلك الدار ؟
إن لكِ عظامًا ليست عليها تقدر و جسدك ليس عليها بصبـار
فتوبي يا نفس لربي و أنيبي لتحمي جسدك من تلك النـار
أقلعي يا نفس عن الذنوب و المعاصي و اضربي بهواكِ عرض الجدار
يــانفس عودي إلى باريكِ و توبي إليه فإنه رحيم غفار
الزمي فرائضه و تجنبي نواهيه و ادعيه أن يُحَرِّمكِ على النـار
إياكِ يا نفس أن تلهي و تلعبي و تغفلي بدنيـاكِ عن طاعة الجبار
يا نفس اصبري قليـــلاً فصبر على الطاعة أهون من النار
فإني يا نفس لكِ نـاصح و عليكِ مُـشـفق من لهيب النار

آمـــــــــين
منقول