تملص الأبناء من المسؤولية عقوق أم تراخٍ واستهتار

الأسرة والمجتمع

تملص الأبناء من المسؤولية عقوق أم تراخٍ واستهتار

تحقيق - هدى السالم
حين تشكو الأم من ابنتها التي ترفض القيام بأي مشاركة لها في أعمال البيت أو أن الابن يرفض كلياً شراء ما تريده الأم من مستلزمات الأسرة..
هل معنى ذلك أننا نقع تحت وطأة العقوق..؟؟
لعل الأمر يبدو لدى الوالدين مؤلماً صعباً حيث تعتبر طاعة الأبناء هي أحد طموح الآباء والأمهات في كل مكان أو أي مجتمع كان..
هذا ويرى المحللون والباحثون أنه ليس المهم هو عدد الأعمال التي نسندها إلى الأبناء لاسيما في مرحلة الطفولة التي تعتبر مرتكزاً لثمار التربية في الصغر ولكن من المهم أن يشعر انه ملتزم ومسئول عن مشاركة الأسرة في ترتيب أمور الحياة داخل المنزل..
ووجود الخادمة في مجتمعنا يجب أن لا يعني مطلقا أن بناتنا لسن مكلفات بغير المذاكرة والنجاح العلمي، وإنما يجب أن تعي الفتاة التزاماتها وأهمية أن يكون لها دور يشبه دور الأم في الأسرة وكذلك الابن أو الشاب داخل الأسرة عليه أن يشبه بمسؤولياته رب الأسرة.
واقع الحال
تقول أم خالد العمري (أنا اشك في قدرة الطفل على معاونة الأسرة فأنا طفلي لا يستطيع أن يذاكر أو يحل واجباته المدرسية بمفرده فكيف يمكن أن احمله بعض مسؤوليات العمل في المنزل....؟!
يعتبر الدكتور بنجامين سبوك وهو من أشهر أطباء العالم في مجال التربية أن هذا القول ينافي الحقيقة بل انه يعكس الموضوع تماما ويضيف قائلاً "إذا عودنا الطفل على عمل معين من أعمال المنزل فانه بالتأكيد سيعرف كيف يقوم بواجبه الرئيسي وهو المذاكرة.. إن زراعة الإحساس بالمسؤولية في أعماق الطفل يجب أن تبدأ منذ العام الثالث بالتشجيع وليس بالإرهاب والقسوة"..
ولكن هل نحدد أجراً للطفل جزاء قيامه بجزء من أعمال المنزل؟
يجيب الدكتور سبوك "الأجر مهم جداً بشرط أن لا يتحول إلى شيء مطلوب على كل عمل يؤديه هذا الفرد والأمر بطبيعة الحال يختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر فقد يكون ما أقوله صالحا للمجتمعات الغربية التي يفرح فيها الابن لان والده يسمح له بأن يغسل معه السيارة.. إن الطفل هنا في هذه الحالة يعتبر ذلك بداية النضج ولكن الموضوع قد يختلف في مجتمع آخر عندما يظن الأب أن عمل الابن هو نوع من العار الذي يجب أن يخجل منه الأب والابن معا..!!
التشجيع والحوافز
ما الذي يجعل الابن في بعض الأحيان يرفض مساعدة الأسرة في عمل ما؟
يؤكد الدكتور سبوك أن أهم أسباب هذا الرفض هو الإحساس بالإهانة، لذلك يجب أن يكون أمر الأب أو الأم للأبناء بالمساعدة بلهجة وديعة فيها إحساس بالصداقة وان نقوم معهم بنفس المهمة بمعنى مشاركتهم في انجاز العمل المطلوب كما أن التشجيع ومنح الحوافز هي المحرك الأساسي بالموضوع فعندما تقوم الفتاة بغسل الأطباق مثلا دون ترتيب أو تنظيم لها بمعنى أن يكون عملها ناقصاً وتجد هذه الفتاة التوبيخ من الأم أو حين يحضر الشاب مستلزمات الأسرة ناقصة أو على غير ما طُلبت ثم يجد هؤلاء الأبناء التوبيخ وبالتالي الإحباط وعدم تكرار المحاولة والتردد ألف مرة قبل انجاز أي مهمة مهما صغرت.. بينما لو تصرفت الأم بطريقة أخرى ستكون النتائج مختلفة بمعنى لو طلبت الأم من ابنتها أن تدخل معها المطبخ لغسل الأطباق أو تحضير طبق ما.. وتمارس الأم هذا العمل وهي تتحدث مع ابنتها في أي موضوع ويتخلل مهمتهما رأي الأم في ابنتها الصغيرة وكيف أنها مطيعة وكيف تقوم بواجباتها اتجاه أسرتها قطعا هذا الوضع سيخلق درجة كبيرة من الانسجام بين الأم وابنتها... وكذلك الأب عندما يخرج مع ابنه الذي يبلغ العاشرة لشراء طلبات الأسرة ويضع الوالد يده على كتف ابنه ويبدأ حوارا عن أصدقاء الابن ومن منهم المتفوق في اللعبة الرياضية أو مناقشة في القصة التي يقرأها الابن هذه الأيام أو حوارا عن النادي الذي يشجعه الابن أو الأب من المؤكد أن هذا الحوار القصير سيعزز روابط الصداقة بين الوالد وابنه"..
ويؤكد الدكتور سبوك على أن هذه الأوقات لن تستغرق سوى جهود بسيطة من الوالدين ولكنها ذات مفعول سحري في خلق صداقة وتعاون في جو أسري صحي ويعتبرها البذرة التي نضعها في إحساس الأبناء بالرغبة في المشاركة والتي تبدأ من 2- 3سنوات وتثمر هذه المهمة التي قد تكون صعبة ومرهقة في بداياتها
لاسيما لدى الأسرة العاملة التي لا يجد فيها الوالدين الوقت الكافي لإتمام المهمة ولكن حين يضع الوالدين نصب أعينهما ثمرة هذه الجهود التي غالبا ماتظهر مع بدايات سن 15حتماً سيكون ذلك دافعاً لبذل كل ما يمكن من أجل أبناء متعاونين .
التربية هي الأساس
هذا وتعتبر الأخصائية الاجتماعية رباب العمرو أن من أهم أسباب تملص الأبناء من مسؤوليات الأسرة هي التربية وتضيف قائلة "منذ أن كان هذا الابن أو الابنة في السنوات الأولى من العمر يجب تعويده على المساهمة مع الأسرة وأبسط ما يمكن أن يقوم به الطفل في هذا العمر هو جمع ألعابه وأشيائه الخاصة وترتيب حجرته عندما يحدث الفوضى بها وعلينا أن لا نجعل وجود الخادمة عذراً مقبولاً للامتناع عن تقديم المساعدة على الأقل خدمة النفس.. والمشكلة التي يقع فيها الأهل أن الأم لا تطلب مساعدة ابنتها إلا بعد أن تصبح هذه البنت في عمر المراهقة والشباب والأب كذلك لا يستعين بإبنه إلا بعد أن يصبح على أبواب الرجولة فيجد الأبناء أنفسهم ينتقلون من مرحلة الطفولة الغير مسئولة فجأة إلى مرحلة النضج والتكليف..
وتؤكد في ختام حديثها على أهمية وجود الثواب والعقاب التي بدورها تشكل الشخصية وتدعم السلوك الإيجابي كما توصي أولياء الأمور بعدم اللجوء إلى الضرب أو القسوة كوسيلة للضغط على الأبناء في سيبل الحصول على طاعتهم...
وتقول "علينا أن لا نرهق الأبناء بواجبات ينجزونها وحدهم ثم لا يجدون الشكر والتقدير لهم كما نفعل نحن عندما يؤدون الكبار لنا خدمة".
ماذا لو فات الأوان
ما هو الحل لو أهمل أو جهل الوالدان تأسيس صغارهم على هذا النحو الذي يعزز روح التعاون والمساعدة..؟؟
تجيب الأستاذة سحر آل مساعد أخصائية اجتماعية تفخر بخبرتها التي تتجاوز 25عاماً في تخصص المراهقة والطفولة مؤكدة على أهمية خلق جو من المرح والنشاطات المشتركة بين الوالدين وأبنائهم مشيرة إلى أن هذه العلاقة أو الصداقة يمكن أن تنشأ في أي وقت معتبرة رفض الأبناء مساعدة الأهل أمراً يعتمد على مسألتين الأولى هي عدم وجود حوار وعلاقة قريبة بين الوالدين وأبنائهم والثانية في العادة السلوكية التي نشأت حين بقيت الأمور على مدار سنوات بلا تصحيح وتوضح قائلة "نحن مجتمع للأسف يعنى بالماديات فالأم تعتني كثيراً بطعام وشراب ونوم ودراسة أبنائها ولكنها تهمل كثيراً الجانب الأهم في بناء شخصيتهم وتأسيس سلوكياتهم وهذا لا يبنى ويؤسس دون الجلوس معهم ومناقشتهم في أمور كثيرة وخلق روح المرح واللعب بينها وبينهم وفي مقدمة هذه الأعمال القيام بأنشطة مشتركة".
ثم تستطرد قائلة "يكاد يكون الحوار الوحيد داخل بعض الأسر هو إلقاء الأوامر واللوم من الوالدين تجاه أبنائهم سواء للدراسة أو القيام ببعض المهام بينما جانب الصداقة والمودة للأسف مفقود وخاصة لدى الأم العاملة التي تأتي من دوامها اليومي لتباشر دراسة وإطعام أطفالها وبالكاد يسعفها الوقت لإنجاز كل ذلك فلا تجد الفرصة لإقامة هذا الحوار مما يعظم السور والحاجز الذي ينشأ مع مرور الأيام بين الأبناء وآبائهم لذلك عملية تنظيم الوقت بما يعطي الأولوية القصوى للجلوس مع الأبناء والاستماع لهم مهما بدت أحاديثهم بسيطة أمر في غاية الأهمية لتعزيز عادة الحوار لديهم ومن ثم خلق روح النقاش والمودة الدائمة وبالتالي تقديم المساعدة المطلوبة وحمل المسؤولية بروح ومعنويات عالية".
2
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

أم سلطان 55
أم سلطان 55
رفع
مكسرات العتيبي
لا اله الا الله محمد رسول الله