سيدة الوسط

سيدة الوسط @syd_alost

عضوة شرف في عالم حواء

تنامي العنف الأسري عند المجتمع السعودي

الأسرة والمجتمع

حذّر المشاركون في حديث الجزيرة من تنامي مشكلة العنف الأسري عند المجتمع السعودي ووصفوا الأشخاص الذين يمارسون العنف بأنهم غير أسوياء ويحتاجون إلى متابعة دقيقة في علاجهم.
كما أكدوا ان ثقافة المجتمع تلعب دوراً كبيراً في تأصيل هذه المشكلة وتناميها محذرين من تصنيف حالات العنف الأسري ضمن دائرة الخصوصية العائلية وإبقائها طي الكتمان.
وقالوا ان ذلك يرفع معدلات العنف بين أبناء الأسرة الواحدة ويعيق المهتمين من ممارسة دورهم في الاطلاع على الاحصائيات كما يساهم في تفاقم المشكلة ومخاطرها.
فإلى حديث الجزيرة الذي دار حول العنف الأسري عند المجتمع السعودي وشارك فيه كل من:
الاستاذ الدكتور جمعان بن رشيد أبا الرقوش - استاذ علم النفس ومساعد رئيس أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية.
والدكتور فهد بن حمد المغلوث - أستاذ الخدمة الاجتماعية المشارك بجامعة الملك سعود .
والدكتور خالد بن سعود البشر - استاذ السياسة الجنائية ومدير ادارة الشؤون الإعلامية بأكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية.
والاستاذ صقر بن محمد المقيد مدير ادارة التعاون الدولي.
من اليمين صقر المقيد ، العنزي ، د. ابا الرقوش ، د. البشر
ما هو العنف الأسري؟
الجزيرة: تعتبر الأسرة الوحدة الاساسية في بناء المجتمع وكلما قويت العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة ارتقى مستوى المجتمع وبنى قاعدة صلبة يعتمد عليها في بناء أجيال مؤهلين للوقوف أمام تحديات المستقبل وهذا لا يتحقق الا من خلال أفراد مخلصين ومؤهلين لمعالجة المشاكل وإزالة كل ما يعترض أبناء المجتمع والذين يشكلون أُسراً صغيرة قد تكون لديها علل كثيرة تقف في وجه نموها وتحقيق طموحاتها ومن ضمن المشاكل التي يعاني منها المجتمع السعودي قضية العنف الاسري، فماذا نقصد بالعنف الأسري؟
* د. جمعان أبا الرقوش: العنف الأسري سلوك بشري يقصد به نداء موجه الى فرد أو مجموعة من اعضاء الاسرة أو الأقرباء قرابة مباشرة رأسية كانت أم أفقية.. ويتدرج هذا السلوك من الايذاء اللفظي الموجه الى القمة كالتوبيخ أو التقريع أو السخرية الى الإيذاء البدني الذي يصل الى درجة إزهاق الروح في بعض الاحيان.
* د. خالد البشر: العنف الاسري من أقدم الظواهر الاجتماعية وأكثرها انتشاراً ويكون حين يتوقف العقل عن قدرة الاقناع وقد عرّفه علماء الاجتماع بالعديد من التعريفات الا ان أشمل تعريف يمكن ان نحدد به مفهوم العنف الأسري هو أنه الأفعال التي يرتكبها أحد أفراد الأسرة ضد فرد آخر فيها ويلحق به ضرراً معنوياً أو مادياً .
الفرق بين العنف والعقاب
الجزيرة: العنف بصفة عامة سلوك شاذ، بدأ رحلته الأولى مع ابني آدم عليه السلام حين قتل قابيل اخاه هابيل واستمر تطوره مع تطور الحياة البشرية، إلا ان كثيراً من عامة الناس ينظرون الى كل عقاب على أنه نوع من العنف، فما هو الفرق بين العنف والعقاب؟
* د. فهد المغلوث: العنف لا يكون بهدف الإصلاح بمعنى أن الشخص المتصف بالعنف عادة ما تكون شخصية عدوانية أو أن هناك ظروفاً اجتماعية أو نفسية قادته إلى ممارسة العنف الأسري سواء مع زوجته أو أطفاله أو أقربائه، وقد يكون بدون سبب، المهم أن يشفي غليله فهي صفة متأصلة فيه لا تزول بسرعة، وقد يكون منبعها من التنشئة الاجتماعية وهو أمر مرفوض تماماً وغير مقبول اجتماعياً لأن العنف يولد العنف.
أما العقاب فيكون هدفه الأساسي هو الإصلاح وهو مطلب ضروري في المجتمع لكل فرد من أفراده في ظروف معينة كي يستقيم الإنسان ويعدل من سلوكه، بل إننا لا نتصور مجتمعاً من دون ضوابط وأحد هذه الضوابط هي العقاب بوسائله المختلفة وكما يقال: «من أمن العقاب أساء الأدب». كما أن الشخص الممارس للعنف قد يكون مريضاً نفسياً وقد يكون جاهلاً وغير مثقف ولو أن هناك استثناءات كثيرة أيضاً، أما من يمارس العقاب عادة ما يكون إنساناً عاقلاً متزناً.
وغالباً الشخص المتصف بالعنف يمارس العنف في أي وقت وتحت كل الظروف حتى مع أقرب الناس إليه دون إخبارهم بذلك أو تهيئتهم له، لذلك فإن من يعيش معه تحت سقف واحد تراه في حالة قلق وتوتر لأنه يتوقع أن يضربه أو يشتمه في أي وقت ودون أي سبب، في حين أن من يمارس العقاب فإنه لا يمارسه إلا تحت ظروف معينة وضيقة جداً ووفق ضوابط محددة وبالتدرج، وبعد إخبار الشخص بأنه سوف يعاقب إن لم يعمل أو يفعل كذا وكذا سواء كتابياً أو لفظياً أو من خلال العرف العام الذي درج عليه الناس.
العنف في الأسرة السعودية
الجزيرة: يتميز المجتمع السعودي كباقي أقرانه من المجتمعات العربية بالخصوصية الشديدة وينظر الى الأسرة على أنها مجتمعه الصغير الذي تبقى أسراره دائماً في طي الكتمان ويتحفظ على نشر الحوادث التي تدور في فلكه، خاصة اذا كانت تتناول جانب سوء المعاملة بين افراده، الا أننا لاحظنا في السنوات الأخيرة كثرة الحديث عن العنف الأسري في المجتمع السعودي، فهل وصل ذلك الى حد الظاهرة وأين دور المختصين في معالجة هذه المشكلة؟
* د. خالد البشر: ظهر العنف الاسري في مجتمعنا السعودي كغيره من المجتمعات البشرية التي تظهر فيها مثل هذه المشكلات الاجتماعية ولكنها ولله الحمد لم تصل الى حد الظاهرة وان كانت قد بدأت في السنوات الاخيرة في التنامي ولكن يصعب معرفة وتحديد ذلك لأنه لا توجد آلية لحصرها. وأجد انه من الضرورة ان أشير الى نقطة في غاية الأهمية وهي أن مسألة العنف الاسري في مجتمعاتنا العربية قد تكون أخطر ما يبدو للعيان بسبب أن معدل الاعلان عنها ضئيل للغاية ولأن أغلبية هذه الأحداث تقع ضمن دائرة الخصوصية للأسرة والعائلة التي تفضل ابقاءها طي الكتمان بسبب خصائص الثقافة العربية التي تمنع الحديث مع الغير حول ما يحدث من اسرار الأسرة، الأمر الذي يجعل من إمكانية إحصاء هذه الحوادث بشكل دقيق صعبا للغاية إن لم يكن مستحيلاً اضافة الى عدم وجود الاهتمام الكافي بهذه الحوادث من قبل المتخصصين في هذا المجال رغم الدور الكبير الذي يلعبه العنف الاسري في خلخلة بنيان المجتمع وتفكك نسيجه.
ونحن نعلم ان العنف يأخذ صوراً وأشكالاً متعددة منها إجبار المعتدى عليه قسراً على تنفيذ عمل معين أو التحرش والاغتصاب وهتك العرض أو الإهمال وسوء المعاملة وقد يكون بالتجاوز في الكلام ورفع الصوت والقذف والسب والشتم.
أسباب العنف الأسري عند
السعوديين
الجزيرة : المجتمع السعودي جزء من المجتمعات المتعددة في هذا العالم وقد عرف عنه التمسك بالشريعة الاسلامية التي تحفظ له الأمن والسلامة وتنشر الحب والتآخي بين أفراده كما تقيه وفود الكثير من الظواهر التي قد تفككه، وتنشر العنف فيه فما هي الأسباب التي تجعل العنف ينتشر بين أفراد الأسرة الواحدة في المجتمع السعودي؟
* د. فهد المغلوث: الواقع أن هناك أسباباً عديدة ومختلفة تحدو ببعض الناس بممارسة العنف مع غيرهم ومنها التربية الاجتماعية الخاطئة لدى الإنسان، ومن ذلك أن يتعود الإنسان رؤية أبيه يضرب أمه مثلا فيتشرب ذلك ويصبح جزءاً من سلوكه عندما يكبر وهناك النظرة الخاطئة لدى البعض لكون العنف نوعاً من الرجولة بالإضافة إلى عدم وجود ضوابط مجتمعية رادعة من قبل الجهات الأمنية تمنع أمثال هؤلاء المستهترين بمشاعر الناس وكرامتهم حتى مع أقرب الناس إليهم.
* الاستاذ صقر المقيد: تعود أسباب العنف في المجتمع السعودي الى عوامل عدة ومنها طلاق الأبوين وكذلك التفرقة في التعامل بين الابناء .وهناك الدلال المفرط ورفاق السوء . كما ان الاستراحات قد تكون أحد أسباب ظهور العنف في المجتمع السعودي وهي من الظواهر المستجدة في المجتمع حيث يفضل الكثيرون قضاء معظم أوقاتهم في الاستراحات . وتكمن الخطورة في عدم شعور الأبناء بالضبط والربط من قبل الأب فتكون البداية في الاهمال بالدروس والتسرب من المدارس ثم الانحراف ورفاق السوء والعنف، أيضاً المقاهي فهي لا تقل خطورة عن الاستراحات والتي أصبحت تعج بالرواد خاصة من الشباب وهي مقار للتدخين ومشاهدة برامج التلفزيون والتي تأتي في عصر تدفقت فيه المعلومات الثقافية من طرف واحد أي تدفق أحادي الجانب من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية، ومعظم هذه المنسوجات تضفي طابع مركب الدونية على البرامج المحلية نظراً لإمكانياتها البشرية والمادية المتفوقة وتشكل في مجملها تهديداً للهوية الوطنية وخصوصيتها مما يخلف الاغتراب لدى أفراد المجتمع، كما تهدد هذه البرامج الفضائية الثقافة المحلية والعلاقات الاجتماعية التقليدية بالانهيار وتسهم في خلق جيل يتخذ من العنف أسلوباً اجتماعياً. ولاننسى أيضاً القمار الهاتفي عبر التلفاز حيث تتسابق المحطات الفضائية على اختلاف انتماءاتها إلى وضع المغريات أمام المشاهدين من خلال طرح مسابقات فنية وثقافية ومن ثم يتخبط المشاهد أمام التلفاز وفي يده جهاز الهاتف محاولا الاتصال تلو الاتصال طمعاً في الفوز والكسب السريع، وفي هذا تربية لمشاهدي هذه القنوات على العيش في عالم الخيال بعيداً عن الواقعية وكذا اهدار للوقت وكما يقول العلماء الأفاضل إضاعة المال في غير حق وقد أوجدت هذه القنوات في المجتمع نوعا من الاحباط والاكتئاب والصراع الاجتماعي والانفاق غير المقنن والذي تكون نتيجته الديون أيضاً، ومن المعلوم ان الاحباط كثيرا مايولد العنف والمروق ومن الأسباب التي أرى أنها تنشر العنف في مجتمعنا الزواج غير العادل بأكثر من واحدة . بالإضافة إلى انه يعرف في بعض مجتمعاتنا مايسمى بزواج البدل وهذا الزواج احدى الظواهر الاجتماعية التي تسود البلدان العربية خاصة في الأرياف والقرى وعادة مايكون مصير البديلة مرتبطا بالأخرى.
ويحضرني حاليا من ضمن الأسباب المحاكاة والتقليد: وهما من الظواهر الاجتماعية المصاحبة للنماء الاقتصادي حيث العديد من الاسر المتوسطة الدخل تسعى جاهدة لمحاكاة الأسر الأوفر دخلا خاصة فيما يتعلق بالمظاهر، كاستقدام الخدم، وشراء السيارات الفارهة وشراء أجهزة الاتصال الحديثة، والسفر. وعلى سبيل المثال هناك الآلاف من شبابنا يباهي بان لديه جوالاً وهو لايملك من المال مايمكنه من تسديد المكالمات مما يترتب عليه الغاء الخدمة وتكمن الخطورة في المحاكاة والتقليد والمباهاة في السعي الجاد لايجاد مصادر مالية من أي جهة ويكون العنف هو احدى الوسائل لتوفير الأموال. وهنالك أسباب أخرى للعنف تعود للظاهرة الاقتصادية ومنها بطاقات فيزا وماستركارد والتقسيط، حيث لا يشعر المستفيد بفداحة الخطب إلا بعد الزامه بالتسديد، وغالبا ماتكون المبالغ أكثر من الدخل المعتاد ومن هنا يبدأ التفكير الشيطاني ومسلسل العنف. ناهيك عن الحقد والحسد وأمثال هذه الظواهر الكريهة.
* د. جمعان أبا الرقوش: للعنف الأسري أسباب سيكولوجية تتعلق بالفرد ذاته وأخرى اجتماعية تتعلق بالثقافة والموروث المعرفي للمجتمع فما يتعلق بالفرد يكمن في طريقة استجابته لمثيرات السلوك التي يتلقاها خلال حياته اليومية وما يتعلق بالثقافة والموروث الاجتماعي يحدد طريقة ممارسة هذا السلوك وموقعه على خريطة التحريم الديني والنبذ الاجتماعي والثقافي له.
وبناء عليه فانه كلما زادت الروابط الاجتماعية بين أقنية المجتمع تقلصت المساحة التي تنبت فيها مثل هذه الأنماط السلوكية ولعل ذلك يبدو جلياً في المجتمعات المفككة أسرياً بينما يقل أو يكاد يختفي هذا السلوك في المجتمعات المترابطة التي يشكل فيها عامل الضبط الاجتماعي دوراً في الوقاية من هذا السلوك.
* د. خالد البشر: العنف الأسري كغيره من الظواهر والمشكلات الاجتماعية لايتسبب فيه عامل واحد كما ذكر الزملاء بل مجموعة من العوامل المتداخلة منها ماهو ذاتي يتعلق بشخصية الفرد وتكوينه العضوي والنفسي والعقلي ومنها ماهو اجتماعي يتعلق بالظروف الخارجية كالمستوى التعليمي والاقتصادي ونحو ذلك كما ان هناك عوامل ترتبط بشخصية ونفسية المعتدي كإدمان المخدرات والكحول والأمراض النفسية والعقلية وبعضها مرتبط بالمعتدى عليه كالعمر ومدى قابليته للاعتداء والجنس، وهناك عوامل مشتركة كالحالة الاجتماعية والتاريخ الأسري وبالنسبة لأسباب العنف الأسري بشكل عام فإنه لابد ان نأخذ بعين الاعتبار ان مفهوم العنف يختلف من مجتمع لآخر فهناك أعمال تصنف في بعض المجتمعات ضمن أساليب التنشئة والتربية ومن حقوق رب الأسرة في حين أنها غير مقبولة في مجتمعات أخرى وتصنف على أنها أعمال عنف أسري، كالضرب والتوبيخ مثلاً. ويمكن ان نجمل هذه الأسباب بالنسبة لمجتمعنا السعودي بصفة خاصة والعربي بصفة عامة بالآتي: ضغوط الحياة المعاصرة كمشاكل العمل مثلا والضغوط الاقتصادية وكذلك المستوى التعليمي كالتربية والرد على الاستفزاز بالإضافة إلى نقص الوعي الاجتماعي بخطورة الممارسات العائلية العنيفة على الجو العائلي وبالطبع توجد أسباب أخرى بيئية ونفسية وعقلية تنم عن خلل في الوظائف العضوية الأمر الذي ينتج عنها سلوك عنيف وغيرمقبول.
الريف والإعلام
الجزيرة: تؤدي وسائل الإعلام المحلية والأجنبية دوراً كبيراً في التأثير على سلوكيات أفراد المجتمع، وفي اعتقادي ان الوسيلة المشاهدة تعتبر من أكثر الوسائل التصاقاً بمجتمعنا السعودي، وقد كنا في الماضي نلتقي بهذه الوسيلة من خلال القناتين الأولى والثانية اللتين يبثهما التلفزيون السعودي كما ان معظمنا كان يعيش في مجتمعات يغلب عليها الطابع الريفي وتحوّل إلى مجتمعات المدن، فأصبحنا نتسامر مع مئات المحطات التلفزيونية ذات الثقافات المتعددة التي ربما أثرت على سلوكياتنا وزادت من توليد العنف الأسري لدى مجتمعنا.
* الاستاذ صقر المقيد: لا أحد يشك في تأثير وسائل الاتصال على القيم وأنماط السلوك خاصة عند انتقال المجتمع من الطابع الريفي إلى وسط يتضمن بعض مؤشرات المجتمع المدني، وتكمن أهمية هذا المجتمع في كونه يمثل نقطة التحول ويحمل بصفة أكثر وضوحا ميزات التغير الاجتماعي التي عادة ما تصاحب عملية تفكك القيم الريفية دون استيعاب قيم المجتمع الحضري. وربما استطاعت ان تحدث جهود التنمية أيضا تغيرات مهمة على عدة مستويات خاصة في انحسار الأمية وارتفاع نسبة التعليم وارتفاع مستوى الدخل وازدياد نسبة التحضر والرقي بنظم الاتصالات مما جعل الكثير من أفراد المجتمع أكثر استهلاكا خاصة لما تردده وسائل الإعلام من دعايات على اختلاف انواعها، ويتعرض الكثير من المواطنين عن طريق القنوات الفضائية إلى نسيج ثقافي يعكس في مجمله قيما ومعايير ومعتقدات متعددة مما يجعل المشاهد يعيش في وضعيات ذهنية لا تمت للواقع الذي يعيش فيه بصلة، وبالتالي يتولد لدى المشاهد مشاعر من الاحباط والتوتر النفسي. إذا سلمنا بسلبية وسائل الاتصال، حيث أصبح ما يحدث في أوروبا أو أمريكا يشاهد في الحال في أي بلد وكما يقال فإن العالم أصبح قرية وربما بصورة أضيق أصبح أسرة، فالعنف المدرسي في الولايات المتحدة وأوروبا وكان آخره في ألمانيا عندما اقتحم أحد الطلبة مدرسته مستخدماً السلاح وأودى بحياة العديد من زملائه، أعود فأقول إن العنف السائد في الولايات المتحدة هو انعكاس للمجتمع الأمريكي، وهذا العنف بدأت تغذيه منذ مطلع الستينيات مستجدات اجتماعية وتربوية وتقنية على رأسها انتشار السلاح والغرباء والتفكك الأسري والمخدرات وانحسار هيبة الوالدين والادمان على مشاهدة أفلام العنف وممارسة ألعاب الكمبيوتر فليس من المستغرب إذاً أن تتسبب هذه العوامل في برمجة أجيال تستجيب بهذه الغرائز. والباحثون ركزوا على أن ألعاب الكمبيوتر أحد أهم مسببات الاجرام والعنف في صفوف الصغار والمراهقين خاصة وأنها تنمي العنف والفكر الاجرامي عن طريق تغذية ردات العقل السلبية السريعة كما لعبت الانترنت أيضاً دوراً مهماً في التشجيع على العنف والاجرام من خلال مواقع توضح كيفية تصنيع المتفجرات وأدوات القتل، ويستخدمها التلاميذ أيضاً كوسيلة من وسائل ارسال رسائل التهديد للمدرسين. ولأن ما يحدث خارج حدود الوطن يشاهد باستمرار فقد حدثت في مجتمعنا عدة حوادث عنف شهدتها المدارس من اطلاق نار وتهشيم سيارات المدرسين وسرقة الأسئلة وغيرها الكثير.

يتبع
1
2K

هذا الموضوع مغلق.

سيدة الوسط
سيدة الوسط
* د: جمعان أبا الرقوش: لا يستطيع أحد أن ينكر دور وسائل الإعلام في تعديل السلوك البشري سلباً أو ايجاباً خصوصاً لدى فئات عمرية وتعليمية وثقافية معينة وتبعاً لهذه القناعة فإن الأثر والتأثير بين الإعلام ومن هم ضمن دائرة أهدافه سوف يكون واضحاً من خلال محتوى المادة الإعلامية وما تتناوله من وسائل لتحقيق أهداف معينة إلا أنه في كثير من الأوقات ما تخفق وسائل الإعلام في تحقيق غايات ايجابية معينة تبعاً لاخفاقها في استخدامها لوسائل غير مناسبة لتحقيق غايات نبيلة.
كما أن للمسجد والمدرسة دورهما الواضح في تعزيز السلوك المضاد للعنف الأسري وذلك من خلال التوعية الدينية في المساجد والوعظ والارشاد الديني الذي يجب أن يمارس من قبل متخصصين في هذا المجال.. وكذلك الحال بالنسبة للمنهج المدرسي الذي يجب أن تعاد صياغته تبعاً لمتغيرات العصر السريعة فلم يعد المنهج الذي وضع قبل خمس سنوات صالحاً لمواجهة متطلبات الحياة المعاصرة فماذا يكون الوضع إذا كانت هذه المناهج وضعت قبل ذلك التاريخ. كما أنه لا يمكن اغفال ثقافة الأصدقاء في ترسيخ كثير من المفاهيم لدى أعضاء الفريق الواحد لما يسود جماعة الأصدقاء من علاقات ثقافية تبادلية.
الآثار النفسية والاجتماعية
الجزيرة : تتعاظم المشكلات يوماً بعد يوم، والضغوط تلاحق انسان هذا العصر في كل مكان، ولعله يعتبر المنزل الظل الآمن للابتعاد من هذه الضغوط، لكنه قد يجد هذا المكان غير مهيأ لاستقباله وتخفيف الضغوط عنه، وقد تبرز أمامه العديد من المشكلات الأسرية، ومن بينها العنف داخل هذا الحضن الذي يضمه مع أفراد أسرته، فما هي الآثار النفسية والاجتماعية التي يتركها العنف الأسري؟
* د. جمعان أبا الرقوش: أرغب في التأكيد على أن الضحية عادة ما تكون من الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم فإما أن يكونوا من كبار السن الذين لا يستطيعون المقاومة أو النساء أو الأطفال، وهنا تكمن أهمية هذا النوع من السلوك في مضاعفة نتائجه فمصدر هذا السلوك وهو المعتدي هو من ينشد الضحية حمايته لذلك فإن الأثر النفسي الواقع على الضحية نتيجه لكون هذا السلوك هو المسؤول عن حماية الضحية يشكل انعكاسات سلبية على الضحية لا يمكن التنبؤ بمداها أو بآثارها البيولوجية والنفسية والاجتماعية. فالأثر البيولوجي لا يمكن اغفاله فالكثيراً من الأمراض البدنية هي نفسية المنشأ وكذلك انعدام الثقة بين أفراد الأسرة أو الخلية الاجتماعية الواحدة، اضافة إلى تعلم الأطفال والناشئين عموماً أساليب تربوية خاطئة تتمثل في الكذب والتزوير والاحتيال لتحاشي هذا النوع من الممارسات السلوكية ضدهم أو تعلمهم هذا النمط من السلوك على أنه جزء من الثقافة الاجتماعية مما يقلل نبذه ويعزز ألفته بين عناصر المجتمع في مستقبل حياتهم.
* د. خالد البشر: يجسد العنف أياً كان مصدره والعنف الأسري على وجه التحديد مظهراً سلبياً في اطار مسؤوليات الأسرة ومهامها تجاه أفرادها بل لقد عدّه العلماء المختصون في التربية وعلم الاجتماع انحرافاً خطيراً عن الوظائف السامية للأسرة فالمؤسف في مسألة العنف الأسري أن الأسرة والمنزل الأسري من المفترض أن يكون الملاذ الآمن من ضغوط الحياة المعاصرة فيكون للأسف مصدر العنف والأذى ومن أبرز آثار العنف الأسري إلحاق الأذى بالآخر وهذا الآخر قد يكون الأولاد أو الزوجة وشعور الضحية بالقلق والاضطراب الأمر الذي قد يدفع إلى بروز أشكال مختلفة للتفكك العائلي والحقيقة أن العنف الأسري يساهم بنسبة كبيرة في تصدع الأسرة التي هي وحدة أساسية في بناء المجتمع ويتوقف نموه على مدى ترابط وتماسك الأسر التي يتكون من مجموعها وقدرتها على القيام بواجباتها على الوجه الأكمل، كما أن العنف كوسيلة للتربية أمر مرفوض تماماً حيث أثبتت معظم الدراسات والبحوث العلمية أنه يتسبب في خلل في شخصية الطفل تلازمه طيلة حياته وتكون لديه عقد نفسية ويصبح مكسور الشوكة مهزوماً سلبي الشخصية والإرادة قابلا للخضوع عديم الثقة في نفسه ويصبح هذا نمط شخصيته في المستقبل مما يجعله عرضة للاستغلال الجسدي أو الذاتي أو المالي ولهذا فالقسوة والعنف والتعامل الفظ أمر غير مقبول البتة في التعامل بين أفراد الأسرة وحتى في خارج نطاق الأسرة كما أن هناك أعراضا قد لاتظهر لديه أو للعيان وهي ناتجة عن الضغوط والعنف الذي يتعرض له في طفولته فالعنف يولد الخوف لدى الطفل وأنه يدفعه إلى الكذب لينجو من العقاب وبذلك يصبح في المستقبل كذاباً مبالغاً في تخيلاته وأحلامه وكل ذلك يعد نقاط ضعف في شخصيته، ولهذا فإن اتخاذ الوسطية والاعتدال والبعد عن القسوة كأسلوب للتربية أمر في غاية الأهمية وتنعكس آثاره على طريقة التعامل بين أبناء المجتمع.
* د. فهد المغلوث : هناك عدة آثار نفسية واجتماعية مترتبة على العنف الذي يتعرض له الإنسان من قبل الآخرين المتصفين بالعنف نحوه ومنها تكون حالة من الانتقام على المجتمع لكونه لم يأخذ له حقه ولم ينصفه. وكذلك الوصول إلى مرحلة الانعزالية والانطوائية لأنه يخجل أن يظهر للآخرين بوجود الآثار عليه.
وأيضاً تعميم العنف والكره على بقية أفراد المجتمع. بالإضافة إلى الوصول إلى مرحلة السلبية وعدم المشاركة في المجتمع في كل أنشطته، وبذلك يخسر المجتمع عضواً نافعاً فيه.
وكذلك إيجاد شخصية ضعيفة جبانة ومترددة غير متزنة وغير قادرة على اتخاذ قرارات صائبة.
طرق الوقاية والعلاج
الجزيرة: ماذا لديكم من اقتراحات للوقاية من هذه المشكلة والحد من انتشارها؟
* الاستاذ- صقر المقيد: لعل دور المسجد والمدرسة والاصدقاء يأتي في طليعة الادوار الوقائية ضد العنف، ولكن هنالك مسألة أخرى وهي مسألة الأسرة: فالاسرة الموجودة حالياً هي الاسرة النووية، حيث يعود الأب من العمل منهكاً ومن ثم ينام وبعد ذلك يقضي بعض اعماله اليومية أوزياراته الاجتماعية وتكون النتيجة أن التلفزيون هو المعلم الأكبر، ويكون المثل الأعلى هو الجرندايزروالبوكيمون وباقي افلام الكرتون، ويحدث هذا في ظل غياب الاسرة الممتدة والجد والجدة والذين يمثلون الضبط والربط في المجتمع. ويبدو أن الوسائل التقليدية غير مجدية في معالجة العنف والوقاية منه لانه لابد من اجراءات صارمة تصاحبها حملات توعوية مستمرة. وأدعوا إلى انشاء جمعيات أهلية لمكافحة العنف الأسري وجمعيات أخرى لمعالجة آثار العنف المجتمعي، والوضع لدينا في المملكة يبشر بالخير لأن الفرد غير معزول اجتماعياً وشبكات العلاقات الاجتماعية التقليدية مازالت متجانسة وهنالك ترابط قوي بين الافراد والجماعة وأرى ايضاً ان المجتمع يواجه العديد من انماط الغزو الفكري وعليه لابد من ايجاد برامج مضادة تساعد على خلق ثقافة وعلاقات اجتماعية تتماشى مع مقتضيات التنمية، ولايجب الاهتمام بالجانب الاقتصادي بمعزل عن الجانب الثقافي، ويجب ايضاً عدم الركون إلى بحوث ودراسات الجانب المهيمن والتي تتصف في مجملها بالتاريخية حيث تعتبر البلدان النامية كأنها تعيش في عزلة استاتيكية وتحتاج فقط إلى حافر خارجي للدفع بها إلى حلبة القرن الحادي والعشرين، ويدعون أن هذه الحوافز تتمثل في الافكار والتقنيات الغربية.
* د. جمعان أبا الرقوش: قد يخلط كثير من اعداء المنهج الاسلامي في التربية بين التربية الإسلامية والعنف الأسري فالمنهج الاسلامي الذي تدرج في اساليب التربية والتقويم من الوعظ والارشاد والأمر والضرب غيرالمبرح فنجد ذلك مثلاً في الصلاة بدئ بالأمر لسن السابعة والضرب غير المبرح لسن العاشرة وكذلك تهذيب الزوجة من الزجر والهجر في الفراش والضرب غير المبرح هذا التدرج في المنهج الاسلامي ذو اهمية في ايضاح قيمة الفعل وغاياته فيولد لدى الشخص الموجه إليه بأنه اسلوب أو ضرب من ضروب التربية والزجر وليس الإيذاء لتدرج ذلك واقترانه بأوامر سلوكية ايجابية فإذا استعصى الوفاق بين الزوجين مثلاً يطلب الاسلام الامساك بالمعروف أو تسريح بالاحسان ولهذا فإنني أؤكد هنا على عدد من الأمور ذات الأهمية في تقليص مساحة العنف الأسري داخل الأسرة المسلمة:
ومنها: ملاحظة الأبناء بين الحين والاخر اقتداء بسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام في ملاحظة ابنائه واحفاده فهذا السلوك من شأنه ان يخلق نوعا من الألفة والمحبة بين الطرفين.
وكذلك اهتمام الأم برضاعة ابنائها رضاعة طبيعية فهي بالاضافة إلى صحة هذاالنوع من التغذية وسلامته البيولوجية يضيف إلى الطفل جرعة عالية من الارتواء النفسي والعاطفي بين الطرفين. بالاضافة إلى تغير نمط واسلوب التعامل مع الابناء تبعاً لمراحل النمو المختلفة وعلينا أن لانفرق في المعاملة بين الابناء سواء فيما بين الذكور والاناث أو فيما بين افراد الجنس الواحد. ولاننسى الملاحظة والمداعبة الشرعية بين الازواج داخل عش الزوجية وما يسمح به الشرع امام الابناء فهذه رسالة ود إلى أفراد الاسرة من رعاتها. كما يجب علينا اعادة النظر فيما يقدم من برامج للناشئة عبر وسائل الاعلام المختلفة من قبل متخصصين في التربية وعلم نفس النمو والسلوك.
* د. خالد البشر: ينطلق أسلوب التصدي للعنف العائلي من بعدين رئيسيين أحدهما وقائي والآخرعلاجي، فالبعد الوقائي يرتبط بعملية التنشئة الاجتماعية حيث ينبغي أن تهتم الأسرة وغيرها من مؤسسات المجتمع بتنشئة الفرد وتربيته تربية سوية متوازنة وزيادة الوعي الاجتماعي بحقوق الإنسان وخطورة ممارسة العنف الأسري على وحدة الأسرة وترابطها وبالتالي على المجتمع بأسره وذلك يكون من خلال مؤسسات المجتمع المختلفة ، كما أنه لابد من التركيز على أهمية تنمية وتقوية الوازع الديني وإيضاح موقف الإسلام من العنف العائلي والتأكيد على نبذ العنف الأسري بأشكاله المختلفة وحضه على الرحمة والمودة وحسن معاملة الزوجة والأبناء والأهل ولعل خير ما يدل على ذلك الحديث الذي رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبّل الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي فقال الأقرع أن لي عشرة من الولد ماقبلت أحداً منهم فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم. وقال«من لا يرحم لا يُرحم» وكذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم«خيركم خيركم لأهله» وقوله صلى الله عليه وآله وسلم«إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه» مع ضرورة التشديد على تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى بعض الناس من أن الإسلام قد أطلق يد رب الأسرة في ضرب أفراد أسرته وإساءة معاملتهم وأن هذا الدين العظيم قد وضع ضوابط لابد من الإحاطة بها. أما البعد العلاجي لهذه المشكلة فيمكن أن نحدد عدداً الإجراءات العلاجية وهي توظيف أساليب العمل الاجتماعي المهني في إنشاء مكاتب للخدمة الاجتماعية تكون مهمتها متابعة النظر في حوادث العنف العائلي وإجراء الدراسات اللازمة لهذه الحالات والمتابعة المستمرة لها وكذلك ايجاد مراكز علاج نفسي واجتماعي يلجأ إليها ضحايا العنف الأسري، ولعلي أشيد هنا بالمشروع الخيري لمركز الإرشاد الاجتماعي والاستشارات الأسرية والقائمين عليه صاحبة السمو الأميرة منيرة بنت عبدالرحمن آل سعود، والدكتور سامي الدامغ على الجهود التي يبذلونها في هذا المجال وينتظر منه المزيد وآمل أن تبادر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أيضاً لتلعب دوراً أكبر في هذا الخصوص، إضافة إلى عدم التهاون في معاقبة مرتكبي العنف الأسري خاصة العنف المقصود حتي يكون عبرة ويتحقق الردع الخاص والعام إضافة إلى سن أنظمة تعرّف مفهوم العنف الأسري وتحدد جرائمه بصورة واضحة.
* د. فهد المغلوث: إذا ما عرفنا الأسباب المؤدية لمشكلة العنف فإننا من خلال تلك الأسباب نحاول أن نقلل منها قدر الامكان، ومن ذلك على سبيل المثال الحرص على إيجاد أسرة قوية ومتماسكة بجميع أفرادها ومحاولة التدخل المبكر في حالة حدوث مشاكل عنف من البداية ومحاولة بث الوعي لأفراد المجتمع بمساوئ العنف على الاطفال والكبار على حد سواء في المدارس أو وسائل الإعلام المختلفة والأهم من ذلك، وضع أنظمة وضوابط رادعة تعاقب كل من تسول له نفسه من استخدام العنف حتى مع أسرته وأطفاله، وبالذات إذا تجاوز هذا العنف حد المعقول وإذا تكرر منه باستمرار.

الجزيرة