((تنبيهٌ على خطإٍ رأيتُه متكرّرا في كلام كثير من الخطباء و الوّعّاظ ))
أقول:
الذي دلّ عليه الوحي و تدلّ عليه الفطرةُ و العقل و الحسّ:
أنّ المُجاهرةَ بالذنوب ،و المعاصي و إعلان الفواحش
أعظم بكثيرٍ إثما و أثرًا من الإسرار بها
فذنوب العلن أعظم جُرما و إثمًا من ذنوب الخلوت و السرّ
# كثيرٌ من الوُّعّاظ و الدّعاة يُبالغ في ذمّ ذنوب الخلوات و معاصي السرّ ليجعلها و كأنها أعظم صورةٍ يُعصى بها اللهُ
و هذا غلطٌ فِطرة و حِسّا و عقلا و شرعًا
فإنّ الجهر بالمعصية و إشاعتها و نشرها مُفسدٌ للفرد و المجتمع
و هو أعظم خطرا و أقبح أثرًا
لذلك جاء الشرع بالتشديد العظيم فيمن يُحبّون إشاعة الفاحشةِ في الذين آمنوا
و لُعن قومٌ من بني إسرائيل لأنهم لا يتناهون عن منكر فعلوه
و جاء بيان إمكان العفو عن كلّ الأمة إلا مَن يُجاهر بذنبٍ أو من يفضحُ ستر ربّه عليه
في مثل قول النبي صلى الله عليه و سلم :
(( كُلُّ أَمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ))
و جاء الحثّ العظيم و الأجر الكبير لمن يسترُ أخاه
و الأدلة في هذا الباب كثيرة و صريحةٌ في أنّ أعظم صورةٍ للمعصية و أقبحها أثرا على الفرد و المجتمع هي: الإعلانُ و المجاهرة
و لذلك شُرعت شعبة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بدرجاتها الثلاث.
# و الوُّعّاظ الذين ينشرون فكرة: أن ذنوب الخلوات أعظم صورة للمعصية،و أنها سبب كل بلاء= لم يفقهوا الأدلة الشرعية على وجهها ،و لا بشكل متكامل ،و لم يعرفوا وجه كلامة أئمة السّلف في التحذير الشديد من ذنوب الخلوات و بيان خطرها ،و ربّما قصد بعضهم تخويف المسلم من ذنوب السرّ ..و لكنّه بالغ حتى خرج عن الحدّ الشرعي
#و إنما المقصود من ذلك في واقع الأمر : بيان أنّ ذنوب السرّ من أسباب سخط الله ،و أنّها تجرُّ لما هو أعظم منها،و كثيرا ما تكون سببا في الانقلاب على الوجه ..و هذا لا شكّ فيه .
لا أنّهم قصدوا أنها أعظم صورة يُعصى بها الله تعالى ،أو أنها أعظم من المجاهرة و الإشاعة و الإعلان ! فهذا باطل فِطرة و عقلا و حِسّا و وحيًا
#و المقصود أنّ كل أصناف الذنوب لا يحبها الله و لا يرضاها،و يجب على المسلم المجاهدة و الأخذ بالأسباب لاجتنابها
و العبدُ لا يدري : من أين يُؤتى ،و رُبّ ذنبٍ في خلوةٍ قتل صاحبه ..
وأن يكون علمُه بأن الله يراه أعظمَ مُخوّف من المعصيّة ..و نحو ذلك.
#و لكنّ المعاصي و شعبٌ و مراتب ،كما أنّ الإيمان شعبٌ و مراتب،و الكفرُ شعبٌ و مراتب
و الدعوةٌ الحقّ: أن تُنزل الشيء منزلتَه من الشريعة
حتى لو ظننتَ المصلحة في خلاف ذلك
كمن يبالغون في ذم بعض المعاصي بما لم يأت به وحيٌّ ليُخوّفوا الناس منها
و كمن يبالغ في المقابل في بعض الطاعات ليُنزلها منزلةً أكبر من منزلتها في الشرع ليَحثّ الناسَ عليها
ومن هنا كانت بدعٌ من مثل الإرجاء و الوعيديّة و غيرها
# و منشأ الغلط هو في نسيان حظٍّ من الوحي الذي ذكّرنا الله به ،و الاعتماد و الاهتداء بكلامٍ لآحاد السلف ،أو لعدم فقه معطيات المسألة
# لا أظنّ أنِّي بحاجةٍ لبيان خطر معاصي السرّ و الخلوات ..و نحو ذلك ،فأحسبُ أنّ مقصود المنشور ظاهر ..
# فاللهم أعنّا على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك
اللهم جنّبنا ما لا يرضيك في السر و العلن
حسين عبدالرازق
كعك مالح @kaak_malh
عضوة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
اتوقع والله اعلم كثرة تكرار الوعاظ عن ذنوب الخلوات لخطوره عدم الخوف من الله
*يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله*
الله يبعدنا عن الذنوب سرها وجهرها