... بسم الله الرحمن الرحيم ...
حقا ً ما أتعس الإنسان تستبد به عاداته وشهواته فينطلق معها إلى آخر مدى ...
لقد استعبدت محمدا ً الخطيئة والنزوة فأصيح منقادا ً لها , لا يملك نفسه , ولا يستطيع تحريرها ؛ فحرفته الى حيث لا يملك القياد ؛ إلى حيث الهلاك ... فكان يسارع الى انتهاك اللذات , ومقارفة المنكرات ؛ فوصل الى حال بلغ فيها الفزع منتهاه والقلق أقصاه .. يتبدى ذلك واضحا ً على قسمات وجهه ومحياه .
لم يركع لله ركعه منذ زمن . .. ولم يعرف للمسجد طريقا ً كم من السنين مضت وهو لم يصلي ...
لكأني بمسجد الحي الذي كان يقطنه .. وهو يقول : متى تزورنا ..
وفي شهر رمضان في صلاة التراويح ,, كالعادة يمر محمد بجانب المسجد لا يلوي على شئ . أحد الشباب الطيبين يستوقفه ويتحدث معه ويقول : ما رأيك أن ندرك الصلاة ؟ هيا , هيا بنا بسرعة .
أراد محمد الاعتذار لكن الشاب الطيب مضى في حديثه مستعجلا ً .. قال محمد ولكن لا اعرف لا دعاء الاستفتاح ولا التحيات , منذ زمن لم أصل , ولقد نسيتها .
وبعد إصرار من الشاب الطيب يدلف محمد إلى المسجد بعد فراق طويل .
فماذا وجد ؟
عيونا ًغسلتها الدموع , وأذبلتها العبادة , وجوها ً أنارتها التقوى ..
كانت قراءة الإمام حزينة مسترسلة , في صوته رعشة , تهز القلوب , ولأول مرة بعد فراق يقارب 7 سنين , يحلق محمد في ذلك الجو , بيد أنه لم يستطيع إكمال الصلاة , امتلأ قلبه رهبة , تراجع إلى الخلف ,استند إلى سارية قريبه منه , تنهد بحسرة مخاطبا ً نفسه : بالله كيف يفوتني هذا الأمر العظيم ؟ اين انا من هذه الطمأنينة وهذه الراحة ؟ ثم انخرط في بكاء طويل , يبكي نفسه الضائعة , يبكي حيرته وتيهه في بيداء وقفار موحشة يبكي أيامه الماضية يبكي مبارزته للجبار بالأوزار .
لك الله أيها المذنب المنيب , كم تقلبت قي لظى العصيان , بينما روحك كانت تكتوي بظمأ الشوق إلى سلوك طريق الأيمان ..
كان يبكي كما يقول الإمام كبكاء الثكلى , لقد أخذته موجة ألم وندم أرجفت عقله , فطبعت هي ذهنه أن الله لن يغفر له .
تحلق الناس حوله سألوه عما دهاه , فلم يشأ أن يجيبهم فقد كان يعيش تلك اللحظات مع نفسه الحزينة , المتعبة , التي أتعبها التخبط في سراديب الهلاك .
بعد ذلك انصرف المصلين لإكمال صلاتهم ,
وهنا يأتي عبدا لله وبعد محاولات جاء صوت محمد متهدجا ً , ينم عن ثورة مكبوتة , لن يغفر الله لي , لن يغفر الله لي .
أخذ عبد الله يهون عليه قائلا ً : يا أخي إن الله غفور رحيم , إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل .
هنا يرفع محمد رأسه وعيناه مخضلتان بالدموع , ونبرات صوته أصداء عميقة ...... عميقة الغور قنوطا ً من رحمة الله , قائلا ً : أنت لا تتصور عظيم جرمي وعظم الذنوب التي تراكمت على قلبي ...لا ...لا لن يغفر الله لي , فأنا لم أصلي منذ 7 سنوات ..
و يأبى عبد الله إلا أن يقنع محمدا ً بسعة عفو الله ورحمته , فهاهو يعاود نصحه قائلا ً : يا أخي أحمد الله انك لم تمت على هذه الحال .... يا أخي إن الله سبحانه وتعالى يقول : ( يا ابن آدم : إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا , ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا , لأتيتك بقرابها مغفرة ) , ثم أن قنوطك من رحمة الله عز وجل أعظم من عصيانك له .
ثم أخذ يتلو عليه آيات الرحمة والرجاء , وأحاديث التوبه , وكرم الله وجوده في قبول التائبين , ولكأني به قد ايقظ في نفس محمد بارقة أمل , فيحس محمد أن باب التوبة قد انفرج عن فتحة ضيقة يستطيع الدخول فيها .
وهنا تكسرت أمواج قنوط محمد العاتيه على شطآن نصائح عبد الله الغاليـــــــــــــة , فشعر بثقل هائل ينزاح عن كاهله , يخف جناحه , وترفرف روحه , تريد التحليق في العالم الجديد , في عالم الأوبة والتوبة .
وهاهو ذا عبد الله يعرض عليه أمرا ً : ما رأيك يا أخي أن تذهب إلى دورة المياه , لتغتسل , وتريح نفيك , ولتبدأ حياة جديدة ؟
فما كان من محمد الا وافق ناشدا الراحة . وأخذ يغتسل ويغتسل من قلبه أدران وقذارتها التي علقت به ، لقد غسل قلبه هذه المرة وملأه بمعان مادتها من نور .
وسار نحو المسجد , وما زال الإمام يتلو آيات الله ,تتحرك بها شفتاه , وتهفو لها قلوب المصلين .
وأخذا يتحدثان وصدرت الكلمات من شفتي عبد الله رصينة تفوح منها رائحة الصدق والحق و الأمل , بريئة من كل بهتان .
وهز محمد الحديث كأنما عثر على كنز قد طال التنقيب عنه ثم أخذ يحدث نفسه : أين أنا من هذا الطريق ؟
الحمد لله ** غص بها حلقه من جراء دموع قد انفجرت من عينيه ** سار والدموع تنساب على وجنتيه , فحاول أن يرسم ابتسامه على شفتيه , بيد أنها ابتسامة مخنوقة قد امتقع لونها , فنسيت طريقها إلى وجهه , فضاعت .
قال : عسى الله أن يغفر لي إن شاء الله .
فبادره عبد الله : بل قل اللهم اغفر لي واعزم في المسألة’ يا رجل .
واتجها صوب المسجد , ونفس محمد تزداد تطلعا ً وطمعا ً في عفو الله ورضاه , ودخل المسجد ولشان حاله يقول : اللهم اغفر لي الله ارحمني ... يــــــــا الله إلهي قد قضيت حياتي في المنحدر ... وها انا ذا اليوم أحاول الصعود فخذ بيدي يا رب العالمين .
يا ارحم الراحمين إن ذنوبي كثيرة .. ولكن رحمتك أوسع .. ودخل في الصلاة وما زال يبكي , الذنوب القديمة تداعى بناؤها , وخرج من الأنقاض والغبار ناصع قلب مضيء بالإيمان .
وأخذ يبكي وازداد بكاؤه فأبكى من حوله من المصلين , توقف الإمام عن القراءة , ولم يتوقف محمد عن البكاء , قال الإمام : الله اكبر وركع , فركع المصلون وركع محمد , ثم رفعوا يعد قول الغمام سمع الله لمن حمده لكن !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
الله أراد أن لا يرتفع محمد بجسده , بل ......................................... ارتفعت روحه إلى بارئها فسقط جثه هـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــامدة ... وبعد الصلاة ... حركوه ... قلبوه ... أسعفوه علهم يدركوه ,,,
!!! ولكــــــــــــــــــــــــــــن !!!
{ لكل أُمة ٍ أجل إذا جاء أجلهم فلا يستئخرون ساعة ً ولا يستقدمون } ...
.......... إنا لله وإنا إليه راجعون ........
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

كتكوته بيت
•
الله يجزاك خير عسى الله يهدينا للحق




الصفحة الأخيرة