بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
إن من نعم الله تعالى الكبرى التي يمن الله بها على العبد نعمة الأبناء
فتخيل معي أخي الكريم وأختي الكريم
حال من ينتظر هذه النعمة منذ سنوات طويلة قد رضي ولو بابن معاق
المهم أن يكون له ولد يحمل اسمه ويبقى به ذكره بين الناس ...
قال الله تعالى : { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ{49} أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ{50}- الآيات من سورة الشورى-.
فتأمل بارك الله فيك في قوله تعالى : ( يهب ) فالولد هبة من الله تعالى ...
وقد ورد الأجر العظيم لمن أحسن تربية أبناءه فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من كان له ثلاث بنات وصبر عليهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار )
– أخرجه ابن ماجه-.
وقال صلى الله عليه وسلم :من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة ألبتة.
فقال رجل من بعض القوم : وثنتين يا رسول الله قال : وثنتين.
– أخرجه البخاري في الأدب المفرد-.
وفي هذا الزمان الصعب لا بد من إعداد جيل من الأبناء ذكورا وإناثا
قد تربوا على العقيدة الصافية الواضحة
وعلى مكارم الأخلاق وفضائل العادات
ولا شك أن من تعب على تربية أبناءه وهم صغار
فإنهم بإذن الله سيستمرون على ما تعودا عليه إذا كبروا ...
وقد أحببت أيها الفضلاء الكرام أن اذكر بعض القواعد والفوائد في تربية الأبناء أخذتها من حديث عظيم حدث به النبي صلى الله عليه وسلم
فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم
في أحاديث كثيرة قواعد مفيدة جدا في تربية الأبناء
وتنشئتهم تنشئة طيبة وصالحة
فمن تأمل في أحاديثه صلى الله عليه وسلم
لا شك أنه سيقف على كنوز عظيمة جدا في هذا الباب ...
والآن إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ...
عن أبي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف .
رواه الترمذي
هذا حديث عظيم أيها الإخوة الكرام قال فيه بعض أهل العلم : تدبرت هذا الحديث فأدهشني وكدت أطيش فوا أسفا من الجهل بهذا الحديث وقلت التفهم لمعناه.
وفي الحديث قواعد تربوية هامة ونافعة جدا فمن هذا الفوائد والقواعد:
1- لقد نصح النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن عباس رضي الله عنهما وصلة القرابة بين النبي صلى الله عليه وسلم وعبدالله بن عباس أنهما أبناء عمومة عبدالله بن عباس ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم
وفي هذا درس لنا وتوجيه مهم لنا
فلا بد أن نتعاهد الأطفال بالنصح والتوجيه ؛ فبعض الناس لا ينصح إلا أطفاله
فإذا شاهد خطأ من أبناء غيره حتى لو كانوا من الأقارب قال ليس لي دخل بالموضوع فالمهم أن أبنائي لم يخطئوا .
وهذا أيها الأحبة الكرام مخالف لما أمر الله به من بذل النصيحة
والتواصي بالحق والتواصي بالصبر .
ولعل دافع بعض الناس إلى هذا التصرف
هو غضب بعض أولياء الأمور من نصيحة غيره لأبنائه وننتقل هنا إلى القاعدة الثانية .
2- لا تغضب إذا وجه غيرك النصيحة لأبنائك ,
فبعض الآباء عفى الله عنهم يغضب إذا نصح أحد أقاربه أبناءه
ويقول له : وما دخلك بابني ؟ وهل مت أنا حتى تنصحه أنت ؟
بل أحيانا يكبر الموضوع وتحصل مشكلة عائلية كبيرة لأن فلانا نصح ابن فلان ...
وهذا أمر لا ينبغي أبدا ...
بل لعل من الخير لأبنائك أن ينصحهم غيرك أحيانا
فكما قيل كثرة المساس تذهب الإحساس
فقد يتقبل أحيانا أبناؤك من غيرك أكثر منك في بعض الحالات ...
3- في هذا الحديث نجد الكبير وهو النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الصغير وهو عبدالله بن عباس
أي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل حاجزا بينه وبين الصغير
بل وجهه بكلمات عظيمة وفوائد مهمة جدا
وهذا درس مهم جدا فبعض كبار السن يجعل بينه وبين الأبناء حاجزا
فتجده لا يحدث أبناءه ولا يجالسهم
بل إذا جاءه الابن في مجلس الكبار قال له : امش يا ولد
وزجره على الجلوس معهم
وهذا لا ينبغي فإذا أردت أن تكسب أبناءك
فكن صديقا لهم , جالسهم وحدثهم واسمع منهم ...
4- تأمل أخي الكريم بارك الله فيك وتأملي أختي الكريمة بارك الله فيك
في هذه الكلمات العظيمة
التي تكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم
فهي كلمات عظيمة وكبيرة وفيها غرس لقيم ومبادئ
قد لا توجد عند بعض الكبار فضلا عن الصغار
ففي الحديث تنشئة الأطفال على الرجولة وعلى النظرة البعيدة وعلى علو الهمة
فالنبي صلى الله عليه وسلم حدث ابن عباس بكلام يُحدث به للكبار
فما بالنا استصغرنا أبناءنا في كل شيء
فنغرس في نفس الطفل أنت صغير ولا زلت طفلا
وأنتِ يا بنت لا زلت طفلة ولا زلت صغيرة
فلا بد أن نعودهم على التفكير في أمور كبيرة طبعا بالتدرج وبأمور تناسب سنهم أيضا ...
5- في الحديث حرص النبي صلى الله عليه وسلم على توجيه النصيحة للصغير في السر ,
سبحان الله
حتى الصغار توجه لهم النصيحة سرا ,
صلى الله على من جمع مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ...
فقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم هذه النصيحة لابن عباس ولم يكن معه أحد ...
أين هذا الخلق العالي الرفيع من أب يتعمد إهانة ابنه أمام الناس وأمام الملأ – وبدون داع ومبرر لذلك –
وأين هذا الخلق العظيم من أم تهين ابنتها أما النساء – وبدون سبب أو مبرر لذلك –
بزعم أن النصيحة على الملأ أفضل
وسيفتضح الطفل بهذه الطريقة وسيترك فعلته الشنيعة ...
يا أيها الأب ويا أيتها الأم هذا أمر لا ينبغي ...
نعم أتفق معك أن هناك حالات لا مانع فيها من نصح الابن على الملأ
ولكن مع هذا لا بد من مراعاة هذا المواقف فهي استثنائية وليست هي الأصل والأساس .
6- تأمل في كلمات الحديث تجدها جملا يسيرة وكلمات قليلة ...
فبعض الآباء وبعض الأمهات ينصح أبناءه في خطبة مطولة
قد تستغرق نصف ساعة فيمل الطفل من سماع الكلام المتكرر
ويضعف تركيزه في الدقائق الأخيرة عن إدراك كلام الأب وكلام الأم.
7- مطلع الحديث يتحدث عن مراقبة الله تعالى : ( احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك )
لأنك أخي الكريم وأختي الكريم
إن غرست هذا الأمر في نفس طفلك
فبإذن الله ستجني خيرا عظيما
لأنك تغرس في نفسه أن يخاف الله
وأن يعمل العمل ويستشعر مراقبة الله له
أي لو كنتُ يا ابني بعيدا عنك ولو كنت با ابتني بعيدة عنك
فالله يراك يا بني والله يراك يا ابنتي...
فقد يتعرض هذا الطفل بعد أن يصبح شابا يافعا إلى فتنة من فتن الدنيا
فإذا غرست هذا الأمر في نفسه
فلعله بتوفيق الله ينجو من هذه الفتنة
لأنك لن تستطيع أن تراقب ابنك على مدار الساعة
فاغرس في نفسه مراقبة رب العالمين وابشر بكل خير بإذن الله .
8- واحرص أخي الكريم أن تنشئ أبناءك على توحيد الله تعالى
وتبين لهم أهمية التوحيد وخطورة الشرك
فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن عباس هذا الأمر :
(إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله )
فالدعاء لا يكون إلا لله والاستعانة لا تكون إلا بالله
فتعليم الأبناء أمر العقيدة أهم أمر وأعظم شيء
لا بد أن تعتني به فتغرس فيهم التوحيد وتبين لهم عظمة هذه الحسنة
وتحذرهم من سيئة الشرك وتبين لهم خطورة هذه السيئة
التي هي أكبر السيئات وأعظم الذنوب والمعاصي...
فبعض الآباء لا يغرس في نفس أبنائه أمور العقيدة
فيجدهم يحلفون بغير الله ولا ينكر عليهم
بل يعلق الأب أحيانا شيئا من التمائم والخيوط على أبناءه بزعم أنها تحفظ وتحمي
فيا ترى كيف نغرس العقيدة في نفوس الصغار إذا كان الكبار لا يعرفون بعض مسائل العقيدة ويقعون في أمور تخالف العقيدة ؟!
9- واحرص أيها الأب الكريم وأيتها الأم الفاضلة
أن مدار هذه الوصية النبوية على هذه الجملة :
(واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) .
فإذا علم الطفل الصغير أن البشر لا يملكون له نفعا ولا ضرا
اجتهد في طاعة الله وجد وثابر لنيل مرضاة الله
فما أحوجنا إلى غرس هذه القيم والمبادئ في نقوس الصغار ...
10- لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة يحتذى به في جميع الأمور
فإذا رأى الطفل أن من نصحه هو أول من امتثل وطبق النصيحة كانت النصيحة أوقع في قلبه بلا شك ...
فكن قدوة لأبنائك كما كان النبي صلى الله عيه وسلم قدوة للصحابة الكرام في كل شيء .
هذه بعض القواعد والفوائد التربوية أسأل الله أن ينفع بها
( ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما )
منقول
بومزنة @bomzn
الداعـي المتميـز
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
بارك الله فيك وجعل مانقلت في ميزان حسناتك.