ثاني اثنين اذ هما في الغار "فعالية : تبصرة وذكرى من وحي الهجرة"

الحمد لله و كفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى اما بعد :
لقد كان لهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من مكة الى المدينة اثر كبير في ارساء قواعد الدين الاسلامي
حيث فروا من اذى قريش وبطشهم الى المدينة المنورة التي كانت انذاك تسمى بيثرب فوجدوا فيها انصارا لهم اخوهم واووهم ونصروهم ، وصوروا اروع صور الاخاء والمحبة
وانني وانا اقوم باختيار هذا الصحابي الجليل لاتكلم عن دوره في الهجرة ودور اهل بيته اقف موقف الحائرة عن ماذا اقول عنه وماذا اكتب
لان الكلمات وحدها لن توفيه حقه فقد كان اعظم الرجال وسطر اجمل واروع صحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغها احد غيره
حتى قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي
نعم انه ابو بكر الصديق ثاني اثنين وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته من مكة الى المدينة
فقد لعب (الصديق) دورًا كبيرًا في الهجرة ورافق النبى في هجرته من مكة إلى المدينة, مخاطرًا بكل ماله ونفسه وما يملكه
وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏
لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا ، فيطمع أبو بكر أن يكونه ‏‏


فلنترك عائشة رضي الله عنها تحكي لن تفاصيل هذه الهجرة المباركة :
اخرج البخاري عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: هَاجَرَ نَاسٌ إِلَى الحَبَشَةِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي"
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوَتَرْجُوهُ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: "نَعَمْ"
فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصُحْبَتِهِ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِنَا فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِفَقَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقْبِلًا مُتَقَنِّعًا، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدًا لَكَ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ إِنْ جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا لِأَمْرٍ،
فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ حِينَ دَخَلَ لِأَبِي بَكْرٍ: "أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ" قَالَ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: "فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ"
قَالَ: فَالصُّحْبَةُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ"
قَالَ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بِالثَّمَنِ" قَالَتْ:
فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الجِهَازِ، وَضَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَأَوْكَأَتْ بِهِ الجِرَابَ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقِين.
ثُمَّ لَحِقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ
فَمَكُثَ فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلاَمٌ شَابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ، فَيَرْحَلُ مِنْ عِنْدِهِمَا سَحَرًا، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا يُكَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ
في رواية اخرى للحديث تصف عائشة حالة الصديق فتقول :‏‏فقال أبو بكر ‏‏:‏‏ الصحبة يا رسول الله ؛ قال ‏‏:‏‏ الصحبة ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح ، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ

دور اسماء وعائشة رضي الله عنهما :
كانت عائشة واسماء تجهزان لهما الطعام ثم تاخذه لهما اسماء وتتحمل مشقة الطريق و حرارة الجو وقد كانت حامًلا في الشهور الأخيرة
قال ابن إسحاق: وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما.
قالت أسماء: ولما خرج رسول الله وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم فقالوا: أين أبوك ياابنة أبي بكر؟
قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي.
قالت: فرفع أبو جهل يده - وكان فاحشا خبيثا - فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي ثم انصرفوا.
نعم لقد تحملت اسماء فوق صعوبة مهمتها لطمة شديدة من ابي جهل وهي حامل ومن منا لا يعلم كيف سميت اسماء بذات النطاقين وهي تقوم بمهمتها في توصيل الطعام لهما في الغار
قالت اسماء :?حين أراد أن يسافر إلى المدينة فلم نجد لسفرته وسقائه ما نربطهما ?صنعت سفرة للنبي، فقلت لأبي بكر: ما أجد إلا نطاقي، قال شقيه باثنين، فاربطي بواحد منهما السقاء وبالآخرة السفرة?
وروي أن النبي قال لها حين فعلت ذلك : أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة. فقيل لها: (ذات النطاقين)
فكان حقا لها ان تسمى بذات النطاقين وان يبدلها الله بنطاقها نطاقين في الجنة فهذا والله اعظم جزاء واروع عطاء
دور عبد الله بن ابي بكر و عامر بن فهيرة :
وكان عبد الله بن أبي بكر عينًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - يتابع أخبار قريش، فكان يتجول بين المشركين ليعرف أخبارهم وطريقة تفكيرهم في عرقلة هجرة الرسول إلى المدينة فكان ينقل أخبارهم كل يوم إلى الرسول والصديق
و ربما يسال سائل كيف كان ياتي لهما عبد الله بالاخبار دون ان تستطيع قريش تعقب اثار اقدامه فتمسك بهما ؟ او تتعقب اثار اسماء رضي الله عنهما
ذلك ان الصديق لم يكن ليترك هذا الامر دون ان يخطط له ، فقد جعل مولاه (عامر بن فهيرة ) يمر على اقدامهما وهو يرعى الغنم حتى يضيع على المشركين فرصة تتبع آثار الأقدام.
قال بن اسحاق :وكان عامر بن فهيرة ، مولى أبي بكر رضي الله عنه ، يرعى في رُعْيان أهل مكة ، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر ، فاحتلبا وذبحا ، فإذا عبدالله بن أبي بكر غدا من عندهما إلى مكة ، اتبع عامر ‏ بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفِّي عليهو زيادة في تيسير الهجرة الى المدينة استاجر الصديق عبدالله بن أرقط - رجلا من بني الدئل بن بكر ، وكانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو ، وكان مشركا - يدلهما على الطريق ، فدفعا إليه راحلتيهما ، فكانتا عنده يرعاهم لميعادهما
قصة الرسول صلى الله عليه و سلم مع أبي بكر في الغار :



لقد كان الصديق رضي الله عنه الصاحب والرفيق في وحشة وظلمة الغار وكان ثاني اثنين ، والله انها مكانة تتاثر بها القلوب والعقول لما خصه به رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه المحبة ، لله ذرك يا ابا بكر من اي طينة كنت وهل حقا كان في دنيانا مثلك
عن ابن أبي مليكة: أن النبي لما خرج هو وأبو بكر إلى ثور، فجعل أبو بكر يكون أمام النبي مرة، وخلفه مرة. فسأله النبي عن ذلك فقال: إذا كنت خلفك خشيت أن تؤتى من أمامك، وإذا كنت أمامك خشيت أن تؤتى من خلفك.
حتى إذا انتهى إلى الغار من ثور قال أبو بكر: كما أنت حتى أدخل يدي فأحسه وأقصه فإن كانت فيه دابة أصابتني قبلك.
عن الحسن البصري. قال: انطلق النبي وأبو بكر إلى الغار.
وجاءت قريش يطلبون النبي ، وكانوا إذا رأوا على باب الغار نسج العنكبوت قالوا: لم يدخل أحد، وكان النبي قائما يصلي وأبو بكر يرتقب.
فقال أبو بكر للنبي : هؤلاء قومك يطلبونك، أما الله ما على نفسي أئل ولكن مخافة أن أرى فيك ما أكره.
فقال له النبي «يا أبا بكر لا تخف إن الله معنا».
وفي رواية البخاري :‏عَنْ ‏‏أَبِي بَكْرٍ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏قَالَ :‏ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏وَأَنَا فِيالْغَارِ : لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا . فَقَالَ ‏‏: مَا ظَنُّكَ يَا ‏‏ أَبَا بَكْرٍ ‏‏بِاثْنَيْنِ اللَّهُثَالِثُهُمَا
ويكفي ابا بكر فخرا انه ذكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما في الغار في القران الكريم ، يكفيه فخرا انه بات معه في الغار يحرصه وان قصة هجرته مع الرسول توجت بهذا النص القراني الذي يتلوه الناس جيل بعد جيل الى قيام الساعة فيعرفون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن وحدة في الغار بل كان معه صديق دربه وصاحبه ابا بكر الصديق رضي الله عنه
ورد في كتاب الله قصة المبيت في الغار قال تعالى : " إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِوَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "المائدة / 40 .
فالآية نص واضح على ائتمار المشركين على قتله صلى الله عليه وسلم ، وأنهما باتا في الغار .
الى هنا اتي الى نهاية هذه المقتطفات من هجرة ابو بكر الصديق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان له من دور في نصرة الاسلام هو واهل بيته رضي الله عنهم جميعا
ما كان من كمال فهو من عند الله وما كان من نقصان فمن نفسي والشيطان
واستغفر الله لي ولوالديي وللمؤمنين
و صل اللهم على حبيبنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون