الآيات القرآنية بحر عميق الأسرار
يزخر بجواهر الكلم
تأمّل فيه ، وحدّق بناظر القلب في معانيه
واجمع الفكر على تدبره ..وتعقله
فهو كتاب الله الذي لاياتيه الباطل
من بين يديه ولا من خلفه ..
كتاب أحكمت آياته من لدن
حكيم عليم بخلجات النفوس ،
وبما تحتاجه البشرية لترقى وتسمو بروحها على جبلة الطين ..
فالقرآن ذكر محفوظ منزه عن التغيير والتبديل
ولذا يظل هو المصدر الوحيد الصافي من الورد الإلهي
الذي ينشد به المؤمن الري والتزود لروافد قلبه
كي يستقيم على الحق المبين .
♦️💢 ♦️
وهنالك آيات وكلمات موجزة تحوي من البيان والمعاني ..
ماتعجز عن احتوائه أقلام البشر..
وهذا من أسرار البلاغة القرآنية .
ومن جوامع كلمات القرآن ماخُتمت به سورة الأعراف
حيث ألقى الله تعالى الأمر لنبيه بهذه الوصايا :
( خذ العفوَ
وأْمُر بالعُرفِ
وأعْرِض عن الجاهلين ) الأعراف ١٩٩.
وهي وصايا جامعة في معناها ..
يقفو أثرها كل مسلم ويتأدب بها ..
وإن كان الخطاب موجهاً للنبي صلى الله عليه وسلم.
♦️💢♦️
يقول القرطبي عن هذه الآية :
{ هذه الآية من ثلاث كلمات ، تضمنت قواعد الشريعة
في المأمورات والمنهيات }.
♦️
ففي قوله تعالى ( خذ العفو )
إتاحة فرصة وفتح باب صلة للقاطعين..
حتى تستعاد علاقات المودة ..
وفيه العفو عن المذنبين وفتح باب الرحمة والتوبة أمامهم
لعلهم يتعظون وتنصلح نفوسهم..
وفيه دعوة رفيقة لكل خير ،من تسامح وتعاطف وتعاطي ..
وغير ذلك من أخلاق المطيعين ..
♦️
وفي قوله تعالى ( وأْمُر بالعُرفِ)
أي بالمعروف ..وهو كل خصلة حسنة ترتضيها العقول
وتطمئن إليها النفوس ..
قال الشاعر :
من يفعل الخير لايعدم جوازيه
لايذهب العرف بين الله والناس
وفي القول دعوة لصلة الأرحام
وما تبنيه تلك الصلة من أواصر المحبة
وتقويه من وشائج القربى ..
ودعوة لتقوى الله في الحلال والحرام
فلا إسراف في الحلال ..
ولا اقتراب من الحرام ، ورد باب الشبهات
فزاد التقوى هو المعين على قطع طريق الحياة بأمان
وهو المُدَّخر ليوم الحساب .
♦️
وفي قوله تعالى ( وأعْرض عن الجاهلين )
التنزه عن مواجهة السفهاء لأنهم حمقى لايستخدمون عقولهم
ولذا لايجدر إضاعة الوقت معهم ، ولا يجدي نصحهم ،
وكذلك الإعراض عن الجهلة الأغبياءالذين يعتقدون أنهم على فهم وعلم ..
فهؤلاء لا تنفع معهم مواجهة..
لانك إن أقمت عليهم الحجة ، وبينت لهم ضلالهم ،
وامرتهم بالمعروف .. جهلوا عليك ..
فمن الرشاد الإعراض عنهم.
♦️
قال الإمام جعفر الصادق عن هذه الآية :
ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية
♦️💢♦️
هذه الأمور جمعها الرسول صلى الله عليه وسلم
وفهمها لجابر بن سليم .. ولذلك حديث :
قال جابر يقص الموقف :
أتيت إلى مكة من البادية راكباً قعودي ..
وطلبت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقيل : هو في المسجد ..
فأنخت قعودي بباب المسجد ودخلت مسلماً
/ السلام عليك يارسول الله .
/( وعليك السلام ).
/ إنّا معشر أهل البادية قوم فينا الجفاء،
فعلمني كلمات ينفعني الله بها .
/ ( ادن ) ! قالها ثلاثاً ، فدنوت فقال :
( أعد عليّ) ، فأعدت عليه ..فقال :
( اتق الله ! ولا تحقرنّ من المعروف شيئاً ، ولو
أن تلقى أخاك بوجه منبسط ،
وأن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ،
وإن امرؤٌ سبّك بما لايعلم منك فلا تسبه بما تعلم فيه،
فإن الله جاعلٌ لك أجراً وعليه وزراً ،
ولاتسبنّ شيئاً مما خوّلك الله تعالى ).
قال جابر : فو الذي نفسي بيده ، ماسببت بعده
شاةً ولا بعير اً .
♦️💢♦️
وروى البخاري عن ابن عباس هذه الحادثة فقال : قدم عيينة بن حصن من مكان
فنزل عند ابن أخيه الحر بن قيس بن حصن
فسأل عيينة ابن أخيه :
ياحر ! هل لك وجه عند الأمير ، فتستأذن لي ؟
وكان يقصد به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال : سأستأذن لك عليه ...
فلما دخل عيينة قال :
يابن الخطاب ، والله ماتعطينا الجزل ،
وما تحكم بيننا بالعدل !
فغضب عمر حتى همّ بأن يقع به !
فانبرى الحر قائلاً : ياأمير المؤمنين !
إن الله قال لنبيه :
( خذ العفو ، وأْمر بالعرف ، وأعرض عن الجاهلين )
وإن هذا من الجاهلين ..!
فوالله ماجاوزها عمر حين تلاها عليه ،
وكان وقّافاً عند كتاب الله
وهكذا شأن المؤمن الحق في اهتدائه بالقرآن
والعمل به في جميع الحالات والوقف عند حدوده .
♦️
هدانا الله تعالى لمافيه الخير
وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين .
الله يوفقك ويسعدك ويزيدك من فضلة...