عندما يحاول البعض اكتشاف شخصيتك و يتصنع اللطف و الوداعه تشعر بأنه يهدد خصوصيتك فتضطر لان تكون غامض حتى يبتعد عنك لكن للاسف غموضك يزيده اصرار و رغبه على الاقتراب منك رغم محاولاتك المستمره بتجاهله .. تستمر المحاولات و يستمر التجاهل.. هكذا حتى تستسلم عندها تشع نظرات الفضول لاستكشاف اعماقك و حل الغازك التي كلما اقترب منها احد يزداد غموضا و ريبه فهي كالكلمات التي لا تقرأ رغم وضوحها و كالاصوات التي لا تسمع رغم ارتفاعها ..
في منتصف المدينه حيث الضجيج و الازعاج و سرعة الزمن .. الكل يسرع في سيره كأن لديه موعد مهم .. اصوات ابواق السيارات ترتفع عندما تصبح الاشاره خضراء الكل في عجلة من امره .. الان تصبح الاشاره خضراء لعبور المشاه .. تسرع هي بخطواتها لم تعتد السير كثيرا على الاقدام تصل اخيرا للمقهى الذي قرأت عنه في احدى المنتديات السياحيه تدفع الباب بهدوء .. تختار الجلوس في وسط المقهى لا يوجد رواد كثر هنا تحدث نفسها.. تنظر لساعتها انها العاشره . اهلا سيدتي ما هو طلبك هكذا رحب بها النادل نظرت بعينه مستغربه انه كبير بالسن ربما تجاوز الستين من عمره شعرت بالحرج عندما سألها .. اعاد السؤال ما هو طلبك؟ اجابته: قهوه بالكراميل من فضلك .. ذهب النادل و ظلت تحدق به انه عجوز الا يجدر به ان يرتاح بعد هذا العمر و ظيفته هذه تناسب الشباب اكثر.. الان يرتفع صوت الموسيقى الكلاسيكيه اظنها لبيتهوفن .. المكان واسع و جميل .. جميع طاولات المقهى تزينها زهور طبيعيه اظن ذلك مكلف لمالك المقهى .. اشعة الشمس تبعث الامل هنا فالنوافذ واسعه يمكنني ان ارى السماء من خلالها .. يقترب النادل العجوز : تفضلي سيدتي قهوتك .. و ضع القهوه و انصرف يحيرني امره لا تناسبه هذه المهنه ابدا فعلامات الطبقه الراقيه واضحه بتصرفاته و نبرة صوته .. تراقبه و هو يرحب بالزبائن .. تراقب خطواته .. و كلما ازدادت مراقبتها له تزداد يقينا بأنه لا ينتمي لهذا المكان الذي وضع نفسه فيه .. تشرب قهوتها بهدوء .. تلمس الازهار التي على الطاوله .. ثم تنادي النادل العجوز يقترب منها : نعم سيدتي هل من خدمه ؟ فتسأله: هل جميع الازهار التي تزين المقهى طبيعيه ؟ اجاب النادل باستغراب: نعم! فتسأله : اليست مكلفه ؟ ينظر اليها بهدوء و يقول : هل من خدمه اخرى سيدتي؟ نعم اريد الحساب .. تجاهل سؤالها يزيدها يقينا بأن هذا العجوز يخفي امر ما . لذا قررت ان تكون احدى رواد المقهى فمن يرى هذا العجوز ذو الملامح الارستقراطيه يعمل فيه تزداد لديه الرغبه بالتعرف عليه و لعل الايام تقربها منه ..
ترتدي معطفها البني و تفتح الباب و تخرج من المقهى .. الطقس بارد قليلا لكن القهوه تشعرها ببعض الدفئ تسير مبتعده عن المقهى و هي متعجبه لحال العجوز .. تعود للمنزلها و ملامح العجوز لا تفارق خيالها.. لابد ان له سر يخفيه او انه هارب من ماضيه .. تضحك قليلا و تسأل نفسها : لم يشغل تفكيري ذلك العجوز؟ ا هي ملامحه التي توحي بأنه ينتمي لطبقه نبيله ؟ ام هو الشيب الذي يغزو شعره؟ لست ادري ..
يرن جرس المنبه الساعه الثامنه صباحا .. تقوم من سريرها بكسل و تتجه للنافذه و ترفع الستائر .. اه السماء ملبده بالغيوم اظنها ستمطر علي ان اخذ المظله قبل خروجي ..
تدفع باب المقهى و يرحب بها النادل لكنه ليس النادل العجوز .. يسألها في اي مكان تفضلين الجلوس اختارت مكانها بالامس . يسألها عن طلبها . لكنها تلتفت يمنة و يسره تبحث عن العجوز و يكرر سؤاله : سيدتي ما هو طلبك؟ عذرا سيدتي ما هو طلبك؟ تنبهة له اخيرا : قهوه بالكارميل من فضلك . صمت يخيم على المقهى .. لا موسيقى كلاسيكيه و لا رواد حتى الان غيري .. ربما الوقت باكر ليأتي احد .. يقدم لها القهوه .. تشرب قهوتها و هي تراقب غرفة العاملين بالمقهى لعل العجوز يخرج .. انقضت ساعه و نصف و هي تترقب لكنه لم يخرج .. تنادي النادل و تسأله : اين النادل العجوز ؟ يستغرب من سؤالها و يرد عليها بسؤال: هل تعرفينه؟ فتجيبه : لا لكنه قدم لي القهوه بالامس فأردت السؤال عنه لاني لا اراه هنا !! لقد ترك العمل هنا ! اجابها النادل. لماذا ؟ لماذا تركه؟ لا ادري و لا نعرف عنه شيء فقد عمل لدينا في المقهى قرابة الشهرين ثم رحل فجأه ...

سما الديره @sma_aldyrh
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.


الصفحة الأخيرة
وكتاباتك ممتعة حقاً وتَنِم عن موهبة موعودة
الى الأمام