المذابح و المجازر بحق الإنسانية حصلت منذ بداية الإنسانية و نشأت الخليقة, كما انها مستمرة إلى يومنا هذا
هنا سيتم التعريف ببعض المجازر التي حدثت في تاريخنا مع بعض الحقائق التاريخية
ظهر مصطلح الابادة الجماعية GENOSIDE، لأول مرة عام 1946 وذلك على يد المحامي البولندي رافائيل لمكين الذي نجا وخمسة من رفاقه من محارق الموت النازية الالمانية. بعد ذلك لعب هذا المحامي الدور الرئيسي في تشكيل وتبني ميثاق الامم المتحدة في بندها «الوقاية والعقاب» الذي اقر عام 1948 والذي لم تصادق عليه الولايات المتحدة الاميركية الا بعد مرور اربعين عاما على ذلك.
1- المجازر الأرمنية
في مثل هذا الوقت منذ أكثر من تسعين عاما، بدأت أول وأكبر مجزرة في القرنالعشرين لمحاولة إبادة أمة بكاملها، فاعتباراً من 24 نيسان من العام 1915 ولعامينكاملين بعدها أثناء الحرب العالمية الأولى سجلت أسوأ فصول التاريخ التركي الحديثبعملية التصفية الوحشية للأرمن في تركيا لاسباب قوميةوطائفية.
أعطى طلعت باشا وزير الداخلية حينذاك الأوامر ببدء المجزرة ، بناء على قرارمن حكومة الاتحاد والترقي التي أصدرت إنذاراً لجميع أفراد الشعب الأرمني بلااستثناء، المقيمين بغالبيتهم في الأناضول الشرقية، والبالغين ما لا يقل عنالمليونين بمغادرة منازلهم خلال 24 ساعة وإلا تعرضوا لعقوبة الإعدام، فقد أدين "جميع" الأرمن في بيان للحكومة التركية بأنهم أعداء داخليين خالفوا القوانين وقاموابالتسلح بقصد الثورة ومساعدة الجيوش الروسية التي تخوض حرباً ضد تركيا، فالحكومةقررت معاقبتهم جماعياً وسوقهم إلى ولايات الموصل ودير الزور وحلب لإسكانهم فيها حتىتضع الحرب أوزارها.
البيان عملياً شرع للإبادة الجماعية، فعند خروج العائلات الأرمنية منمنازلها في طريقها للمنفى تم قتل جميع الرجال الأصحاء وسبي النساء وترك الباقيللجوع والعطش أثناء الطريق لمئات الكيلومترات في مناطق صحراوية، وشاركت في الإبادةإلى جانب القوات النظامية عشائر تركمانية وكردية بتأثير التحريض العنصري الطائفي،مما أدى إلى قتل أو موت مليون ونصف أرمني أي ثلاثة أرباع الشعب الأرمني المقيم فيتركيا منذ آلاف السنين، أما النصف مليون الناجين من الكارثة فقد توزعوا في الشتاتفي الدول القريبة والبعيدة، ليبلغ تعداد المنحدرين منهم حالياً أربعة ملايين، فضلاًعن ثلاثة ملايين أرمني مواطني أرمينيا السوفييتية التي استقلتحديثاً.
أن الادعاءات الرسمية التركية عن انضمام الأرمن في الحرب إلى روسيا ينفيهاأن الإبادة الجماعية كانت خطة مبيتة منذ زمن، بدأت عملياً في عهد السلطان عبدالحميد مما اضطر الأرمن لقبول الحماية الروسية التي تلت مجازر سابقة ولم تكن سبباًلها، فبين عامي 1894 و1896 اندلعت مجازر ضد الأرمن بحجة سعيهم للاستقلال الذي سبقهمإليه اليونانيون والبلغار في البلقان، وكان يمكن لعدد القتلى في هذه المجازر أنيتجاوز ما وصل إليه - المائتي ألف- لولا تدخل الدول الكبرى الأوروبية لمنعاستمرارها.
لم يتغير شيء بعد خلعالسلطان عبد الحميد عام 1909 ومجيء سلطة الاتحاد والترقي التي اتبعت سياسة تتريكمتطرفة تجاه جميع المكونات القومية والدينية للإمبراطورية، والتي رأت أن الأرمنأكبر عقبة أمام قيام تركيا "نقية"، وأن التطهير العرقي أفضل طريقة للوصول لذلك. ونال الأرمن في أول أعوام حكم الاتحاديين حصتهم في مجزرة أضنة، ثلاثين ألف قتيل،مما أدى لتدخل الدول الأوروبية لوقف الإبادة الجماعية، ألا أن جهودها تعطلت بعداندلاع الحرب عام 1914.
أنكرت الحكومات التركية المتعاقبة حتى الآنوقوع المجازر وقللت من عدد الضحايا إذ لم تعترف بأكثر من 300 ألف قتيل كنتيجة "لانتشار الأوبئة!" خلال فترة الحرب، وأن الترحيل القسري كان من ضروراتها، خلافاًلشهادات العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين والأميركيين التي تدين السلطات التركيةبتدبير العملية عن نية مبيتة، وخاصة أن المجزرة الأرمنية ترافقت مع مجازر وترحيلقسري للآشوريين من سريان وكلدان، ولليونانيين القاطنين للأناضول، كما أن الصحفالمحلية التركية حينها كانت تتباهى بقتل "الكفار". أما بعد هزيمة العثمانيين ونزولقوات الحلفاء في الأناضول، فقد أنشأ السلطان مضطراً محكمة لمجرمي الحرب المسؤولينعن إبادة الأرمن ونفذ عدد من الإعدامات، توقفت نهائياً بعد اندلاع الحركة الوطنيةالتركية للتخلص من القوات الأجنبية.
المجزرة الأرمنية جرح جائر ودائم يلاحق الحكومة التركية خلال قرن بعد فشلجهودها لطمسها، وتزايد الدول والمؤسسات الإنسانية العالمية التي تعترف بها وتطالببتصفية آثارها. وقد أثبت الشعب الأرمني إصراراً عنيداً بعدم التخلي عن حقوقه، فقدحول "المجزرة المنسية" لعنوان أنساني عالمي لا يمكن تجاهله، ففي كل مكان تتواجد فيهجالية أرمنية عملت بنجاح لدفع دول ومؤسسات للاعتراف بالمجزرة ومنها العدد الأكبر منالدول الأوروبية والبرلمان الأوروبي وكندا ودول أخرى. وفي الذكرى التسعين أقامتمهرجانات ومسيرات وأحيت المناسبة في عدد من بلدان العالم، وخاصة المسيرة العالميةإلى نصب الشهداء في يريفان كتعبير عن عدم نسيان الكارثة، الجرح المفتوح الذي لميندمل بعد.
الأرمن من جهتهم أبدوا استعداداً للمصالحة أكثر من مرة شرط اعتراف تركياالرسمي بالمجزرة والاعتذار للشعب الأرمني والتعويض عن مأساته معنوياً ومادياً،فالأرمن لا يعادون الشعب التركي والمشكلة مع السلطة التركية رغم عدم مسؤوليتهامباشرة عن المجزرة. أما تركيا فلا تستطيع التصالح مع ماضيها ومع الشعب الأرمنيالمجاور إلا بالبدء بالتخلي عن إنكارها الكاذب. لقد دعا رئيس الوزراء أردوغانالأرمن للحوار ولفتح الملفات والوثائق القديمة في أرشيف الحكومة، لكن هذه الدعوة لنتؤدي لنتائج إذا كانت مخططة مسبقاً لإظهار أن التفسير الرسمي للمجزرة هو الحقيقةالوحيدة.
إلا أنه لا يمكن فقدانالأمل بالحكومة الحالية التي أثبتت اعتدالها ورغبتها في حل جميع المشكلات العالقةمع الجوار وخاصة المسألة القبرصية، وأنها قد تعمل لتطوير هذه المبادرة للتقارب معالمطالب الأرمنية والدولية، وخاصة أن المسألة ليست فقط مبدئية أو أخلاقية، بل تتعلقأيضاً بمصالح تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي الذي لا يمكن أن يتحقق دون حلها،بالإضافة للمسألة الكردية التي قطعت خطوات قليلة على طريق الحل رغم أنها أعقدبكثير.
الأرمن
ينتمي الأرمن إلى العرق الآري (الهند أوروبي)، ويعود وجودهم في أرض أرمينيا التاريخية-الهضبة الأرمنية (أرض أرمينيا العظمى والصغرى) الممتدة في الأجزاء الوسطى والشرقية من آسيا الصغرى (تقع حالياً في تركيا) يعود إلى الألف الثالث ق.م، حسب الدراسات اللغوية والآثارية الحديثة والتقليد المتوارث القديم. وتمتد أرمينيا التاريخية إلى الشرق من المنابع العليا لنهر الفراتوحتى بحر قزوين و إيران، وتحدها من الجنوب سلسلة جبال طوروس الأرمنية على حدود العراق الشمالية، في حين تمتد أرمينيا الصغرى إلى الغرب من منابع نهر الفرات. وتبلغ مساحة أرمينيا العظمى وأرمينيا الصغرى معاً، حسب بعض fلمؤرخين، نحو 358 ألف كيلومتر مربع، وهي تعادل نحو اثني عشر ضعف مساحة جمهورية أرمينيا الحالية.
وتنبع من أرمينيا عدة أنهار رئيسة مثل آراكس، والكر، ودجلةوالفرات. وعُرفت أرمينيا في مدونات الملك سركون الأكدي وحفيده نرام سين (الألف الثالث ق.م) باسم أرماني-أرمانم. وقد دخلت الإمبراطورية الآشورية مع الجارة الشمالية مملكة اورارتو (آرارات) في أرمينيا في علاقات تحالف تارة وحروب تارة أخرى.
ويذكر المؤرخ اليوناني هيرودوتس (484 ق.م-425 ق.م) عن علاقات أرمينيا والعراق القديمة أن الأرمن كانوا ينقلون عبر نهر الفرات بالمراكب البضائع إلى بابل، حيث كانوا يبيعونها.
ومن القرن السادس ق.م. وحتى بداية القرن الأول الميلادي، حكم أرمينيا ملوك من الأسرة اليروانتية-الارداشيسية. ومن أشهر ملوك هذه الحقبة الملك ديكران (تيكرانيس) الثاني (95 ق.م-55 ق.م) الملقب بـ (ملك الملوك) بعد أن تنازل عن اللقب الأخير له ملك فارس. وقد ضم إلى مملكته أجزاء من بلاد فارس وشمال العراق (نواحي نينوى وأربيل) وسوريا وفلسطين ولبنان. وكانت تلك بداية للعلاقات الأرمنية-العربية الفعلية في التاريخ. في عام 301 م، اعتنقت أرمينيا الديانة المسيحية بشكل رسمي. وبهذه الخطوة، تكون أرمينيا أول دولة اعتنقت المسيحية في العالم. وفي عام 406 م، اخترع الراهب ميسروب ماشدوتس الأبجدية الأرمنية، وتمت ترجمة الكتاب المقدس إلى الأرمنية، وبذلك بدأ العصر الذهبي للأدب الأرمني، إذ تمت ترجمة أغلب المؤلفات العلمية والثقافية والتاريخية والدينية الموجودة آنذاك إلى اللغة الأرمنية، حتى أن الأصول لبعض هذه المؤلفات قد فقدت وبقيت ترجماتها الأرمنية. وقد سبق عصر الترجمة في أرمينيا عصر الترجمة في الدولة العربية الإسلامية بعدة قرون، وسبق الشعب الأرمني الشعب الألماني في ترجمة الكتاب المقدس (على يد مارتن لوثر) بنحو 1100 سنة.
لكي يدفع العرب الفلسطينيين العزّل الغير مسلّحين لترك بيوتهم. المجموعات الإرهابية اليهودية مثل الإرجون و الهاجانا و السترنج لجأت للأرهاب بعد فشل طرق آخرى عديدة. في 9 أبريل/نيسان 1948، جماعة الإرجون تحت قيادة مناحيم بيجين (فيما بعد أصبح رئيس لوزراء الكيان الصهيوني وزعيم للمعارضة في البرلمان الإسرائيلي)، هاجمت قرية عربية صغيرة تسمى دير ياسين قرب القدس. عدد القتلي في هذه المذبحة البربرية وفق جاك رينير (المندوب الرئيسي للصليب الأحمر الدولي)، الذي أستطاع الوصول للقرية وشهد أثار المذبحة يقدر بثلاثمائة شخص وقد أضاف "لقد ذبح بدون أيّ سبب عسكري أو إستفزاز من أيّ نوع رجال، نساء، عجائز، أطفال، حديثي المولد قتلوا بشكل وحشي بالقنابل والسكاكين على يد القوّات اليهودية لإرجون، تحت سيطرة رؤسائهم."
الهدف وراء مذبحة دير ياسين كان أفزاع العرب السكان المدنيين، وأجبارهم للهروب لضمان سيطرت الصهاينة على الأرض خالية من سكانها الأصليين. الخطة أفلحت وهرب العرب من الإرهاب، لإنقاذ حياتهم. قبل 15 أيار/مايو 1948، بينما الحكومة البريطانية ما زالت مسؤولة، إحتلّ اليهود العديد من المدن العربية مثل يافا وحيفا وأعداد كبيرة من القرى التي كانت في دّاخل الإقليم المخصّص بقرار الأمم المتحدة للدولة العربية و طرد أكثر من 300,000 ساكن من بيوتهم. في محاولة لمنع هذا المدّ من الهجرة، أرسلت الدول العربية المجاورة جيوشها في 15 أيار/مايو 1948 إلى فلسطين. في 15 تموز/يوليو 1948 فرضت الأمم المتّحدة الهدنة النهائية بين الكيان الصهيوني والعرب، وبذلك تكون الكيان الصهيوني إحتلّت جزء أكبر من الإقليم المخصص لها بقرار التقسيم
مذبحة دير ياسين 9 أبريل/نيسان 1948
في ليلة 9 أبريل/نيسان 1948، الإرجون حاصروا قرية دير ياسين، الواقعة على أطراف القدس. هاجم إرهابيو مناحيم بيغن القرية التي سكانها حوالى 700 شخص، قتل منهم 254 أغلبهم من العجائز والنساء والأطفال وجرح 300 آخرون. ترك الإرهابيون العديد من الجثث في القرية، وإستعرضوا بما يزيد عن 150 إمرأة وطفل مأسورين في القطاع اليهودي من القدس.
الهاجانا والوكالة اليهودية، الذي شجبا بشكل عامّ هذا العمل الوحشي بعد كشف التفاصيل بعد بضع أيام، عملا على منع الصليب الأحمر من التحقيق في الهجوم. سمح بعد ثلاثة أيام من الهجوم من قبل جيش الصهاينة للسيد جاك رينير، الممثل الرئيسي للجنة الصليب الأحمر الدولية في القدس، بزيارة القرية المحاصرة بجيش الصهاينة.
وقّع القرويّين من دير ياسين معاهدة عدم إعتداء مع زعماء الجوار اليهود، ووافقوا على منع أفراد جيش المجاهين العرب من إستعمال القرية كقاعدة لعملياتهم.
بيان جاك رينير
الممثل الرئيسي للجنة الدولية للصليب الأحمر
" يوم السبت، 10 أبريل/نيسان، بعد الظهر، أستقبلت مكالمة هاتفية من العرب يستجدونني للذهاب حالا إلى دير ياسين حيث ذبح السكان المدنيين العرب في القرية بالكاملة.
علّمت بأنّ متطرّفين من عصابة الإرجون يحمون هذا القطاع، الواقع قرب القدس. الوكالة اليهودية ومقر عام الهاجانا العامّ قالوا بأنّهم لا يعرفون شيئ حول هذه المسألة وعلاوة على ذلك بإنّه يستحيل لأي احد إختراق منطقة الإرجون.
وقد طلبوا من بأنّ لا أشترك في هذه المسألة للخطر الممكن التعرض لة إذا ذهبت الى هناك. ليس فقط أنهم لن يساعدونني لكنّهم يرفضون تحمل أى مسؤولية لما سيحدث بالتأكيد لي. أجبت بأنّني سوف أذهب الى هناك حالا، تلك الوكالة اليهودية سيئة السمعة تمارس سلطتها على الإقاليم التي تحت أيادي اليهودي والوكالة مسؤولة عن حريتي في العمل ضمن تلك الحدود.
في الحقيقة، أنا لا أعرف ما يمكن أن أعمل. بدون دعم اليهود يستحيل الوصول لتلك القرية. بعد تفكير، فجأة تذكّر بأنّ ممرضة يهودية من أحد المستشفيات طلبت مني أن آخذها الى هناك و أعطتني رقم الهاتف الخاص بها، وقالت بأنةّ يمكنني الإتصال بها عند الضرورة. أتصلت بها في وقت متأخر من المساء وأخبرتها بالحالة. أخبرتني بأنني يجب أن أكون في موقع أتفقنا علية في اليوم التالي في السّاعة السّابعة صباحا وللأخذ في سيارتي الشخص الذي سيكون هناك.
في اليوم التالي في تمام الساعة المحددة وفي الموقع المتفق علية، كان هناك شخص بالملابس المدنية، لكن بمسدّس في جيبة، قفز إلى سيارتي وطلب مني السياقة بإستمرار. بناء علي طلبي، وافق على تعريفي بالطريق إلى دير ياسين، لكنّه أعترف لي بأنى لن يقدر على عمل أكثر من ذلك لي و تركني لوحدي. خرجت من حدود القدس، تركت الطريق الرئيسي والموقع العسكري الأخير ومشيت في طريق متقاطع مع الطريق الرئيسي. قريبا جدا أوقفني جنديان مسلحان.
فهمت منهم أنه يجب أن أترك السيارة للتفتيش الجسماني. ثمّ أفهمني أحدهم بأنّي سجين لدية. و لكن الآخر أخذ بيدّي، كان لا يفهم الإنجليزية ولا الفرنسية، لكن بالألمانية فهمته تماما. أخبرني أنه سعيد برؤية مندوب من الصليب الأحمر، لكونة سجينا سابقا في معسكر لليهود في ألمانيا وهو يدين بحياته إلى بعثة الصليب الأحمر التي تدخّلت لأنقاذ حياته. قال بأنّي أكثر من أخّ له وبأنّه سوف يعمل أي شئ أطلبة. لنذهب إلى دير ياسين.
وصلنا لمسافة 500 متر من القرية، يجب أن ننتظر وقت طويل للحصول على رخصة للأقتراب. كان هناك أحتمال إطلاق النار من الجانب العربي في كلّ مرّة يحاول شخص ما عبور الطريق للقطاع اليهودي و كان رجال الإرجون لا يبدون راغبين في تيسير الأمر. أخيرا وصل أحد الإرجون عيونه ذات نظرة باردة قاسية غريبة. قلت لة أنا في بعثة أنسانية و لست قادم للتحقيق. أريد أن أساعد الجرحى وأعيد الموتى.
علاوة على ذلك، لقد وقع اليهود أتفاقية جنيف ولذا فأنا في بعثة رسمية. تلك العبارة الأخيرة أثارت غضب هذا الضابط الذي طلب مني أن أدرك بشكل نهائي أن الإرجون هم وحدهم من له السيطرة هنا ولا أحد غيرهم، ولا حتى الوكالة اليهودية.
الدليل سمع الأصوات المرتفعة فتدخّل... بعد ذلك أخبرني الضابط أنة يمكنني فعل كل ما أعتقد أنة مناسب ولكن على مسؤوليتي الخاصة. روي لى قصّة هذه القرية التي يسكنها حوالي 400 عربي، كانوا دائما غير مسلحين ويعيشون بتفاهم جيدة مع اليهود الذين حولهم. طبقا لروايتة، الإرجون وصلوا قبل 24 ساعة وأمروا بمكبرات الصوت كافة السكان للإخلاء كلّ المباني والإستسلام. بعد 15 دقيقة من الأنتظار قبل تنفيذ الأوامر. بعض من الناس الحزينين أستسلموا و تم أخذهم للأسر وبعد ذلك أطلقوا نحو الخطوط العربية. البقية التي لم تطع الأوامر عانوا من المصير الذي إستحقّوا. لكن لا أحد يجب أن يبالغ فهناك فقط عدد قليل من القتلى الذين سيدفنون حالما يتم تطهّير القرية. فإذا وجدت جثث، فأنة يمكن أن آخذها معي، لكن ليس هناك بالتأكيد مصابين.
هذه الحكاية أصابتني بقشعريرة. قررت أن أعود إلى القدس لإيجاد سيارة إسعاف وشاحنة. وبعدها وصلت بقافلتي الى القرية وقد توقف أطلاق النار من الجهة العربية. قوّات اليهود في لباس عسكري موحّدة الكلّ بما فيهم الصغار وحتى المراهقون من رجال ونساء، مسلّحين بشكل كثيف بالمسدّسات، الرشاشات، القنابل، والسكاكين الكبير أيضا وهي ما زالت دامية وهم يحملونها في أياديهم. شابة صغيرة لها عيون أجرامية، رأيت سلاحها وهو ما زال يقطّر بالدم وهى تحمل السكين كوسام بطولة. هذا هو فريق التطهّير الذي بالتأكيد أنجز المهمة بشكل مرضي جدا.
حاولت دخول أحد المباني. كان هناك حوالي 10 جنود يحيطون بي موجهين لي أسلحتهم. الضابط منعني من دخول المكان. قال أنهم سوف يجلبون الجثث إلى هنا. لقد توترت أعصابي و عبرت لهؤلاء المجرمين عن مدى السوء الذي أشعر به من جراء تصرفاتهم و أنني لم أعد أحتمل و دفعت الذين يحيطون بي ودخلت البناية.
كانت الغرفة الأولى مظلمة بالكامل والفوضى تعم المكان وكانت فارغة. في الثانّية وجدت بين الأغطية والأثاث المحطّم وباقي أنواع الحطام، بعض الجثث الباردة. كان قد تم رشهم بدفعات من الرشاشات و القنابل اليدوية و أجهز عليهم بالسكاكين.
كان نفس الشيء في الغرفة التالية، لكن عندما كنت أترك الغرفة، سمعت شيء مثل التنهد. بحثت في كل مكان، بين الجثث الباردة كان هناك قدم صغيرة ما زالت دافئة. هي طفلة عمرها 10 سنوات، مصابة أصابة بالغة بقنبلة، لكن ما زالت حيّة. أردت أخذها معي لكن الضابط منعني و أغلق الباب. دفعتة جانبا وأخذت غنيمتي الثمينة تحت حماية الدليل.
سيارات الإسعاف المحمّلة تركت المكان مع الطلب لها بالعودة في أقرب ما يمكن. ولأن هذه القوّات لم تتجاسر على مهاجمتي بشكل مباشرة، قررت أنة يجب الإستمرار.
أعطيت الأوامر لتحميل الجثث من هذا البيت الى الشاحنة. ثمّ ذهبت إلى البيت المجاور وهكذا واصلت العمل. في كل مكان كان ذلك المشهد الفظيع يتكرر. وجدت شخصين فقط ما زالا أحيّاء، إمرأتان، واحد منهما جدة كبيرة السن، أختفت بدون حركة لمدة 24 ساعة على الأقل.
كان هناك 400 شخص في القرية. حوالي 50 هربوا، ثلاثة ما زالوا أحياء، لكن البقية ذبحت بناء على الأوامر، من الملاحظ أن هذه القوّة مطيعة على نحو جدير بالإعجاب في تنفيذ الأوامر. "
رينير عاد إلى القدس حيث واجه الوكالة اليهودية ووبّخهم لعدم أستطاعتهم السيطرة على 150 رجل وإمرأة مسلّحين مسؤولون عن هذة المذبحة.
" ذهبت لرؤية العرب. لم أقول شيئ حول ما رأيت، لكن أخبرتم فقط أنة بعد زيارة سريعة أولية إلى القرية أن هناك عدد من الموتى وسألت ما يمكن أن أعمل أو أين أدفنهم. طلبوا مني أن أدفنهم في مكان مناسب يسهل تمييزة لاحقا. وعدت بعمل ذلك وعند عودتي إلى دير ياسين، كان الإرجون في مزاج سيئ جدا. وحاولوا منعي من الإقتراب من القرية وفهمت لماذا هذا الأصرار بعد أن رأيت عدد القتلى وقبل كل شيء حالة الأجسام التي وضعت على الشارع الرئيسي. طلبت بحزم بأنّ أستمر بعملية دفن القتلى وأصريتّ على مساعدهم لي. بعد بعض المناقشة، بدأوا بحفر قبر كبير في حديقة صغيرة. كان من المستحيل التحقيق في هوية الموتى، ليس لهم أوراق ثبوتية، لكنّي كتبت بدقّة أوصافهم والعمر التقريبي.
يومان بعد ذلك، الإرجون إختفوا من الموقع و أخذت الهاجانا مكانهم. إكتشفنا أماكن مختلفة حيث كومت الأجسام بدون حشمة أو إحترام في الهواء الطلق.
ظهر في مكتبي رجلان محترمين في الملابس المدنية. هم قائد الإرجون ومساعده. كان معهم نصّ يطلبون مني التوقيع علية. هو بيان ينص على أني حصلت على كلّ المساعدة المطلوب لإنجاز مهمتي وأنا أشكرهم للمساعد التي أعطيت لي.
لم أتردّد بمناقشة البيان، وقد أخبروني بأني إذا كنت أهتمّ بحياتي يجب على أن أوقّع فورا. "
حيث أن البيان مناقض للحقيقة، رينير رفض التوقيع. بعد بضع أيام في تل أبيب، قال رينير أنّة إقترب منه نفس الرجلان وطلبا مساعدة الصليب الأحمر لبعض من جنود الإرجون.
شهود عيان
الضابط السابق في الهاجانا، العقيد مير بعيل، بعد تقاعده من الجيش الإسرائيلي في 1972، أعلن بيانا حول دير ياسين نشر في يديعوت أحرونوت ( 4 أبريل/نيسان 1972) :
" بعد المعركة التي قتل فيها أربعة من الإرجون وجرح عدد آخر... توقّفت المعركة بحلول الظهر وإنتهى إطلاق النار. بالرغم من أنه كان هناك هدوئ، لكن القرية لم تستسلم الى حد الآن. رجال الإرجون خرجوا من مخبئهم وبدأوا بعملية تطهير للبيوت. ضربوا كل من رأوا، بما في ذلك النساء والأطفال، ولم يحاول القادة إيقاف المذبحة... تذرّعت للقائد بأن يأمر رجاله لإيقاف اطلاق النار، لكن بلا جدوى. في أثناء ذلك حمل 25 عربي على شاحنة وأخذوا أسرى . في نهاية الرحلة، أخذوا إلى مقلع للحجارة بين دير ياسين وجيفعات شول، وقتلوا عمدا... القادة رفضوا أيضا أن يساعد رجالهم في دفن 254 جثة للقتلى العرب. هذا المهمة الغير سارة أدّيت بوحدتان جلبت إلى القرية من القدس. "
زفي أنكوري، الذي أمر وحدة الهاجانا التي إحتلّت دير ياسين بعد المذبحة، قدّم هذا البيان في 1982 حول المذبحة، نشر في دافار في 9 نيسان/أبريل 1982 :
" دخلت من 6 إلى 7 بيوت. رأيت أعضاء تناسلية مقطوعة وأمعاء نساء مسحوقة. طبقا للإشارات على الأجسام، لقد كان هذا قتلا مباشرا. "
دوف جوزيف، حاكم للقطاع الإسرائيلي للقدس و وزير العدل لاحقا، صرح بأن مذبحة دير ياسين " متعمّدة وهجوم غير مبرر. "
آرنولد توينبي وصف المذبحة بأنها مشابه للجرائم التي إرتكبها النازيون ضدّ اليهود.
مناحيم بيجين قال " المذبحة ليسة مبرّرة فقط، لكن لم يكن من الممكن أن توجد دولة الكيان الصهيوني بدون النصر في دير ياسين."
مجزرة قانا 18 نيسان 1996

بعد ظهر يوم 18 نيسان 1996 اطلقت المدفعية "الاسرائيلية" المتمركزة على الحدود اللبنانية ـ "الاسرائيلية" مزيجا فتاكا من القذائف على القاعدة المترامية الاطراف لقوة حفظ السلام الدولية في قانا الكبيرة، ما ادى إلى قتل اكثر من 100 من الاطفال والنساء والرجال الذين كانوا لجأوا هناك. واصيب بعض الناجين بجروح فظيعة ووصلوا إلى المستشفيات المحلية باجساد مشوهة ومحروقة ومصابة بشظايا. ويرجع العدد المرتفع للضحايا جزئيا إلى نوع القذائف التي استخدمت في القصف ـ حوالي ثلثي المجموع من القذائف التي تنفجر في الجو فوق الهدف. وهذه القذائف الشديدة الانفجار اسلحة مضادة للافراد مصممة لتنفجر فوق الارض وتنشر الشظايا على امتداد منطقة واسعة بهدف زيادة حجم الاصابات على الارض إلى اقصى ما يمكن

كان هذا القلق مبررا تماما. ويمكن للمرء ان يجادل بان حادثة قانا كانت، بالحد الادنى، ستقع لا محالة. وقال الجنرال فرانكلين فان كابن، المستشار العسكري الهولندي للامين العام للامم المتحدة آنذاك بطرس غالي، في تقريره بتاريخ 1 ايار 1996 حول الهجوم على قانا، انه "كانت هناك ادلة مهمة على انفجار قذائف مدفعية، مزودة بصواعق تفجير فعند الاقتراب من الهدف، فوق المجمع مباشرة، وتغطيتها لجزء كبير من مساحته. وعلى رغم ان عدد (القذائف) لا يمكن ان يحدد بالضبط، فان الادلة المتوفرة تشير إلى ان ثماني قذائف من هذا النوع انفجرت فوق المجمع ولم تنفجر سوى قذيفة واحدة خارجه".
وقال موظف لبناني في "يونيفيل" كان يعمل في قاعدة قانا انه جلب عائلته إلى القاعدة في 12 نيسان، في اليوم الثاني من القتال. وقال لي ان "البوابات كانت مغلقة. وكان هناك 300 شخص خارج القاعدة يريدون الدخول. وسمح للمدنيين خلال الايام القليلة التي اعقبت ذلك ان يدخلوا المعسكر، وسرعان ما زاد عددهم على 800". لكن الجيش "الاسرائيلي" تمسك بادعائه ان "الصور الفوتوغرافية الملتقطة من الجو للمعسكر في الايام السابقة لم تظهر أي ادلة على وجود عدد كبير من المدنيين في المعسكر". لكن واحدا على الاقل من كبار المسؤولين العسكريين "الاسرائيليين" اعترف بان الجيش كان يعرف فعلا ان مدنيين يحتمون في قواعد للامم المتحدة في انحاء الجنوب. وربما يكون عن الحادث كله : "كان اجلاء مدنيين من القرى إلى منشآت تابعة للامم المتحدة معروفا لدينا منذ اليوم الثاني للعملية. ولم يجر أي نقاش في جناح الاستخبارات حول ما اذا كان هناك 200 او 600 من المدنيين في قانا. السؤال المناسب هو هل كان صائبا ان تطلق النار في مثل هذه الظروف؟

وبعد اطلاق قذائف الهاون رفعت قاعدة قانا "تقريرا عن الحادث" إلى قيادة "يونيفيل" واصدرت تحذيرا عبر اجهزة الميكروفون الى جنود القوة الدولية بان عليهم ان يرتدوا السترات الواقية من الرصاص، ان اولى القذائف بدأت تسقط قرب موقع الهون بعد انقضاء حوالي 8 إلى 10 دقائق على التحذير الموجه عبر الميكروفون، في الساعة 2.08 او 2.10 تقريبا بعد الظهر، ثم تعرضت القاعدة ذاتها إلى القصف، وسقطت القذيفة الاولى على محيط المجمع، قرب المدخل الرئيسي، ودمرت بنايتين من النوع المسبق الصنع. وادت القذائف الثلاث الاولى إلى تدمير خطوط الكهرباء والاتصالات. وقال الكولونيل واهمي: "كانت مواقعنا في التلال تنقل الينا ما يجري كنا هنا في انتظار الموت. لم يكن هناك اطلاقا ما يمكن ان نفعله".
واضاف: "كان هناك الكثير من الصراخ، وكانت المباني تشتعل لم نستطع ان نصدق ان قاعدتنا تتعرض إلى هجوم، كان صوت القذائف آلاتية، تعقبها الانفجارات، ومنظر القتلى يفوق حدود الوصف. كانت هناك اشلاء في كل مكان".
وابلغ موظف في "يونيفيل" كان موجودا اثناء الهجوم، لكنه رفض الكشف عن هويته، ان العائلات المشردة كانت متجمعة في ثمانية مواقع في القاعدة. ودمر القصف بشكل كامل ثلاثة مبان جاهزة كانت تؤوي حوالي 240 شخصا ـ كل ما تبقى عند زيارتي للمكان حفرة مستطيلة ضخمة احدثها القصف وقال : "كان هناك 126 شخصا اخرين داخل منزل "فاتوا" حيث انفجرت قنبلة في الجو فوقه وقتلت 52 شخصا".

والقى الجنرال فليناي (ضابط "اسرائيلي") مسؤولية استمرار المذبحة على قوات حفظ السلام. ونقل عنه قوله "انهم لم يبلغونا ابدا ان القذائف كانت تتساقط داخل المعسكر". لكن تقارير متزامنة لصحافيين سمعوا الاتصالات اللاسلكية، وشهادات لضباط في "يونيفيل" تناقض ادعاء الجنرال، وابلغ مسؤول رفيع المستوى في "يونيفيل" ان "الضابط المسؤول عن العمليات ضغط على زر الاتصال السريع (في جهاز الهاتف لديه" وابلغ "الاسرائيليين" حول الهجوم".
واضاف: "كان القصف يتواصل. ثم اتصلوا، واعطونا انذارا بالقصف… بينما كان القصف مستمرا قلنا اننا نعرف ان هناك قصف. وابلغناهم ان يوقفوا القصف". وادعى رئيس اركان الجيش "الاسرائيلي" الجنرال امنون شاحاك في 18 نيسان 1996ان "الامم المتحدة ابلغت باسرع ما يمكن". حول القصف. ويترك هذا سؤالا من دون جواب: لماذا لم يغير الجيش "الاسرائيلي" اتجاه القصف او يوقفه بعدما تم اشعار القيادة الشمالية بان قاعدة قوة حفظ السلام الدولية تتعرض إلى هجوم مباشر؟
وبين اكثر القضايا اثارة للخلاف في شأن حادثة قانا هو ما اذا كان الهجوم "الاسرائيلي" عرضيا ام متعمدا. وما اذا كان القذائف التي سقطت داخل القاعدة قذائف طائشة ـ تعرف بـ "نثار المدفعية".
وعبر مسؤول كبير في "يونيفيل" عن قناعته بان الهجوم على قانا لم يكن حالة "نثار مدفعي". وقال لي: "كان يمثل تغييرا في الهدف، ليس هناك ادنى شك في انه جرى تغيير الهدف". ولم يجادل هو ايضا بان القاعدة استهدفت بشكل متعمد، لكنه اعتبر ان القصف "الاسرائيلي" تميز بالاهمال: "كانوا يعرفون انهم يطلقون النار قرب قاعدة تابعة للامم المتحدة. كان الخطر الحقيقي هو مدفعية الهاون، وكان مثالا على الاهمال. كان قرارا اتخذته القيادة الشمالية (للجيش "الاسرائيلي") باطلاق النار على منطقة مكتظة بالمباني. هناك خط دقيق يفصل بين انعدام الحرص والاهمال وبين القتل المتعمد في هجوم مقصود".
__________________
مذبحة كمبوديا
في 20/4/1970 هجمت القوات الأمريكية (32 ألف إنسان) والقوات السايغونية (48 ألف إنسان) مدعمة بـ 500 طائرة أمريكية تابعة للقوات الجوية و40 سفينة حربية تابعة للاسطول السابع الامريكي على الاراضي الكمبودية.
برر الرئيس الامريكي هذا الهجوم زاعماً أنه سيقرب نهاية الحرب في الهند الصينية.
لاقى عدوان القوات الأمريكية ـ السايغونية مقاومة حازمة من جانب قوى البلاد الوطنية. وفي أيار 1970 أنشئت جبهة كمبوديا الوطنية الموحدة التي قادت النضال ضد النظام الموالي لامريكا. تكبد المعتدون خسائر كبيرة بسبب ضربات الوطنيين كان المعتدون مجبرين تحت ضغط الرأي العام العالمي وبالدرجة الاولى الاتحاد السوفييتي حتى تموز عام 1970 على سحب قواتهم من البلاد. في تشرين الثاني 1970 قامت أمريكا بهجوم جديد على كمبوديا مستخدمة تجمع القوات السايغونية البالغ عددها 50 ألف نسمة. وفي هذه المرة أيضاً لم يحالف أمريكا النجاح. لكن الولايات المتحدة استمرت في تقديم "المساعدة" للنظام الرجعي بزعامة الذنب الامريكي لون نول. لقد عمل في البلاد مئات "الخبراء" الامريكيين.
وفي نيسان 1975 تكلل نضال الشعب الكمبودي بالنصر وتم إسقاط نظام لون نول. ولكن بعد الاستيلاء على السلة اقرت زمرة بول بوت ـ إينغ ساري الرجعية، التي خانت مصالح الوطنيين النظام الديكتاتوري الفاشي في البلاد الذي أسقطته قوات كمبوديا الثورية المسلحة. وفي 7/1/1979 أعلنت البلاد: جمهورية كمبوديا الشعبية.
بيد أنها (أي أمريكا) حتى في الوقت الحاضر لا تتيح للشعب الكمبودي العيش بهدوء. ترد يومياً أخبار حول استفزازات جديدة على حدودها. أما عصابات المرتزقة التي تخندقت في الاراضي التايلاندية فتواصل غاراتها القرصنية على مناطق البلاد الحدودية. تقدم الولايات المتحدة الأمريكية دعماً واسع النطاق من هذه الحملات عن طريق تايلاند. والمدفعية التايلاندية تقصف باستمرار مناطق كمبوديا الحدودية. وتقوم دوائر المخابرات الأمريكية بتزويد الرجعية الكمبودية في تايلاند بالسلاح والذخائر والاغذية. وتؤمن من وزارة الخارجية الأمريكية الدعم السياسي لما يسمى بـ" ائتلاف المهاجرين الرجعيين الكهيميريينالذين شنوا الحملات الدعائية حول "المسألة الكمبودية".
فدعم أمريكا للرجعيين ـ مثالاً واضحاً على سياستهم الكاذبة جداً في "الدفاع عن حقوق الإنسان" ونفاقها وتجديفها. والعالم كله يعرف أنه أثناء وجود هذه الطغمة في سدة الحكم في كمبوديا أبادت أكثر من 3.31 مليون إنسان من أبناء وطنها. وحسب احصائيات اللجنة الخاصة لتحري جرائم الخونة التي نشرت في عام 1984 فقد عذب حتى الموت أكثر من 34.4 ألف عامل وقتل 96% من مجموع الطلاب الكمبوديين ـ أكثر من 100 ألف شاب وفتاة. وأكثر من 141 ألف انسان أصبحوا مشوهين وجرحى حرب. وبقي 200 ألف طفل أيتام. وكان الضرر الذي لحق بالاقتصاد الوطني كبيراً جداً. فبواسطة اللصوص المسلحين تم تفجير وتدمير أكثر من 634,5 ألف بناية وسرقت وتحولت إلى أنقاض حوالي 5.9 آلاف مدرسة، 796 مشفى ونقاط طبية وأكثر من 1.9 ألف معبدي بوذي.
جاء في وثيقة اللجنة أن سنوات اللصوصية كانت زمناً مخيفاً في تاريخ كمبوديا الطويل. والاتحاد السوفييتي دائماً يقف إلى جانب شعب كمبوديا. فهو يرى أنه لا وجود لأية "مسألة كمبودية" وتوجد فقط تلفيقات اعداء الثورة الكمبودية الكاذبة حول الواقع في جمهورية كمبوديا الشعبية.
وباسم الشعب الكمبودي في هيئة الامم المتحدة يستطيع أن يتكلم فقط ممثلو. جمهورية كمبوديا الذين يقومون بالاشراف الفعال على كل اراضي البلاد ويستفيدون من الدعم الكامل للشعب. برهنت جمهورية كمبوديا الشعبية على قدرتها للحياة. وتحت قيادة حكومتها التي تشكلت بنتيجة الانتخابات الشاملة بذلت الجهود على النتائج السيئة لجرائم اللصوص الاقتصادية والاجتماعية ـ السياسية تم إنعاش الزراعة. وتجدد عمل مئات المشاريع الصناعية. أما الولادة الثانية فستعيشها الصحة، الفن، التعليم.
وكل مواطن من أربعة في البلاد يتعلم. تشن حملات دعائية خليعة في أمريكا وفي عدد من بلدان الغرب الأخرى ضد السلطة الشعبية في كمبوديا. وترتفع جبال الافتراءات حول التعاون الفيتنامي ـ الكمبودي. ويحاول أعداء الثورة الكمبودية تشويه الاهداف الحقيقية لتواجد الجيش العسكري الفيتنامي في جمهورية كمبوديا الشعبية الذي جاء بطلب من حكومتها الشرعية وانسجاماً مع اتفاق السلام والصداقة والتعاون بين كمبوديا وفيتنام ومدعو للمساعدة في ابعاد تهديد الاستقلال وسيادة كمبوديا الشعبية.
وعلى قدر استقرار الوضع في البلاد تهيأ الظروف لانسحاب القوات الفيتنامية. لقد انسحب قسم من الملاك الفيتنامي من كمبوديا. إلاّ أن مسألة انسحاب الجيش الفيتنامي الكامل والنهائي، كما ترى حكومتا فيتنام وكمبوديا، يمكن أن تبحث فقط عندما يوضع حد للتدخل المسلح في شؤون كمبوديا ذات السيادة من جانب المخربين الذين تدعمهم الرجعية العالمية.
__________________
أيلول 1982 مضت السنون على مجزرة صبرا وشاتيلا.. ولا محاكمة للقتلة
مقدمة:
ما حدث ليلة السادس عشر من أيلول، كان من الفظاعة بحيث يكاد لا يصدق: آلاف الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين واللبنانيين، من سكان مخيمي صبرا وشاتيلا، يقتلون في مجزرة وحشية، اشمأز لها العالم، وتسببت بانهيار حكومة مناحيم بيغن في الكيان الصهيوني، ولكن أيا من المجرمين الذين تولوا إصدار الأوامر أو تنفيذها لم يقدم للمحاكمة بعد !
خليط من الجزع والرعب انتاب من تلقوا الأنباء الأولى عن المجزرة، رغم التباسها آنذاك، فالآليات التي كانت تجوب الشوارع المحيطة بالمخيمين، ليلة السادس عشر من أيلول 1982، حاملة مسلحين مقنعين، كانت تؤمن الحماية لمئات من المسلحين الذين توغلوا في بعض أحياء صبرا وشاتيلا، مزودين بأسلحة كاتمة للصوت وبلطات وسكاكين، أمعنوا بواسطتها فتكا بأسر كانت تظن أنها آمنة.
الجريمة التي بدأت تحت جنح الظلام لم تلبث أن انكشفت مع تمكن بعض المصابين من الفرار، لكن انكشافها لم يوقفها، ولم يحل دون مواصلة القتلة تنفيذ مجزرتهم الوحشية طوال ثلاثة أيام بإشراف وحماية ومشاركة قوات الاحتلال الصهيونية.
الرقم الدقيق للضحايا ظل مجهولا، وإن كان الرقم التقريبي يشير إلى أنهم (الآلاف)...؟، فالقتلة كدسوا جثث الضحايا في مقابر جماعية لم تكن كافية لاستيعابهم، ولذا ظلت جثث أخرى مكدسة في الشوارع وداخل المنازل، فيما كدس المسلحون عدد من بقوا أحياء في شاحنات اقتادتهم إلى مصير ما زال مجهولا حتى الآن.
أصداء المجزرة في عواصم العالم اضطرت الكيان الصهيوني الذي كانت قواتها تحتل بيروت، إلى إنشاء لجنة للتحقيق في المجزرة برئاسة إسحق كاهانا رئيس المحكمة العليا، وحدد مجلس الوزراء الصهيوني مهمة تلك اللجنة بقوله إن "المسألة التي ستخضع للتحقيق هي جميع الحقائق والعوامل المرتبطة بالأعمال الوحشية التي ارتكبتها وحدة من "القوات اللبنانية" ضد السكان المدنيين في مخيمي صبرا وشاتيلا" فانطلق التحقيق مستندا إلى تحميل "القوات اللبنانية" المسؤولية - من دون غيرها - عن المجزرة، ومستبعدا المشاركة الصهيونية فيها، وأيضا مشاركة أطراف أخرى كقوات سعد حداد، ولذا كان متوقعا أن تأتي نتائج التحقيق عن النحو المعلن آنذاك، مكتفيا بتحميل الصهاينة مسؤولية "الإهمال" أو "سوء التقدير" !!!
كما أن الكتب والتقارير الصهيونية الأخرى لم تغفل إيراد أسماء مسؤولين كتائبيين وفي "القوات اللبنانية" كإلياس حبيقة وفادي أفرام وآخرين، محملة إياهم مسؤولية التخطيط للمجزرة وإعطاء الأوامر بتنفيذ عمليات القتل، مكتفية بتحميل القادة الصهاينة كارييل شارون وزير الدفاع آنذاك وأمير دروري قائد المنطقة الشمالية مسؤولية المشاركة في اجتماعات تم فيها البحث في دخول عناصر كتائبية إلى المخيمين ضمن إطار "اشتراك الجانب الكتائبي في عملية السيطرة على بيروت الغربية" ، كما أن تقرير كاهانا تضمن ثغرات عدة بهدف التغطية على الدور الصهيوني كطرف مدبر للمجزرة.
بعد 19 عاما على المجزرة، ما تزال مشاهدها المروعة حية في ذاكرة من عاشوا قساوة تلك الأيام وما يحتفظون به حكايات عن أهوالها.
إعداد مسبق:
أعدت خطة اقتحام مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين حول بيروت منذ اليوم الأول لغزو لبنان عام 1982 ، وذلك بهدف إضعاف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في بيروت ودفع الفلسطينيين إلى الهجرة خارج لبنان.
قبل غروب شمس يوم الخميس 16/9/1982 بدأت عملية اقتحام المخيمين، واستمرت المجزرة التي نفذتها مليشيا الكتائب اللبنانية وجنود الاحتلال الصهيوني حوالي 36 ساعة، كان جيش الاحتلال خلالها يحاصر المخيمين ويمنع الدخول إليهما أو الخروج منهما، كما أطلق جنود الاحتلال القنابل المضيئة ليلا لتسهيل مهمة الميليشيات، وقدم الجنود الصهاينة مساعدات لوجستية أخرى لمقاتلي المليشيا المارونية أثناء المذبحة.
بدأ تسرب المعلومات عن المجزرة بعد هروب عدد من الأطفال والنساء إلى مستشفى غزة في مخيم شاتيلا حيث أبلغوا الأطباء بالخبر، بينما وصلت أنباء المذبحة إلى بعض الصحفيين الأجانب صباح الجمعة 17/9/1982 ، وقد استمرت المذبحة حتى ظهر السبت 18/9/1982 ..3297 رجلا وطفلا وامرأة قتلوا في أربعين ساعة بين 17-18 أيلول سبتمبر 1982 ، وذلك من أصل عشرين ألف نسمة كانوا في المخيم عند بدء المجزرة، وقد وجد بين الجثث أكثر من 136 لبنانيا، منهم 1800 شهيد قتلوا في شوارع المخيمين والأزقة الضيقة، فيما قتل 1097 شهيدا في مستشفى غزة و 400 شهيد آخر في مستشفى عكا.
وفي تعقيبه على المذبحة قال الإرهابي مناحيم بيغن أمام الكنيست يصف رجال المقاومة الفلسطينية "إنهم حيوانات تسير على ساقين اثنين"، فيما أعلن ضابط كتائبي بعد إعلان نبأ المذابح "أن سيوف وبنادق المسيحيين ستلاحق الفلسطينيين في كل مكان ، وسنقضي عليهم نهائيا".
ضابط كتائبي آخر صرح لمراسل صحفي أمريكي "لقد انتظرنا سنوات طويلة لكي نتمكن من اقتحام مخيمات بيروت الغربية، لقد اختارنا "الإسرائيليون" لأننا أفضل منهم في هذا النوع من العمليات "من بيت إلى بيت"، وعندما سأله الصحفي إذا كانوا أخذوا أسرى، أجابه "هذه العمليات ليست من النوع الذي تأخذ فيه أسرى". ونقل راديو لندن عن مراسلة قوله إنه بينما كانت عمليات القتل مستمرة طوق الجنود الصهاينة المخيمات بالدبابات وأطلقوا النار على كل شيء يتحرك.
ويذكر أن المجزرة قد تم تنفيذها بقيادة ارييل شارون الذي كان يرأس الوحدة الخاصة (101) في جيش الاحتلال - آنذاك- والتي نفذت المذبحة، وقد تمت المجزرة تحت شعار "بدون عواطف، الله يرحمه" ، وكلمة السر -أخضر- وتعني أن طريق الدم مفتوح ! لكن المحكمة العسكرية التي شكلت للتحقيق في المجزرة اعتبرت أن أوامر قائد اللواء أسيء فهمها وتم تغريمه10 قروش - 14 سنتا أميركيا- كما تم توبيخه بحكم المحكمة العسكرية، وقد سمي الحكم بـ"قرش شدمي" لشدة ما به من سخف واستخفاف بمفهوم القضاء.
ناجون من المجزرة يروون وقائع محفورة في ذاكرتهم :
تقول أم غازي يونس ماضي إحدى الناجيات من المذبحة "اقتحموا المخيم الساعة الخامسة والنصف يوم 16 سبتمبر، ولم نكن نسمع في البداية إطلاق رصاص، فقد كان القتل يتم بالفؤوس والسكاكين، وكانوا يدفنون الناس أحياء بالجرافات، هربنا نركض حفاة والرصاص يلاحقنا ، وقد ذبحوا زوجي وثلاثة أبناء لي في المجزرة، فقد قتلوا زوجي في غرفة النوم وذبحوا أحد الأولاد، وحرقوا آخر بعد أن بتروا ساقيه، والولد الثالث وجدته مبقور البطن، كما قتلوا صهري أيضا".
تروي أم محمود جارة أم غازي ما شهدته قائلة " رأيتهم يذبحون فتاة وهي حامل مع زوجها وابنة خالتي خرجت من المنزل فأمسكوا بها وذبحوها في الشارع ثم ذبحوا ولدها الصغير الذي كان في حضنها"، ويقول غالب سعيد وهو من الناجين "تم إطلاق قذائف مدفعية على المخيم أولا، كان القتل يتم بأسلحة فيها كواتم صوت، واستخدموا السيوف والفؤوس ، وقتلوا شقيقي وأولادي الأربعة، كما تعرضت عدة فتيات للاعتداء عليهن".
أما منير أحمد الدوخي وكان يومها طفلا عمره 13 عاما، نجا رغم محاولات ثلاث لقتله، فيقول إنه وضع تحت مسؤولية مسلحين يلبسون ملابس قذرة ولا يحسنون الحديث بالعربية وذلك مع مجموعة أخرى من النساء والأطفال الذين سحبوا من بيوتهم، وقد أطلقوا النار على النساء والأطفال فأصبت بقدمي اليمنى ، وأصيبت والدتي بكتفها وساقها، وتظاهرت بالموت بعدما طلبوا من الجرحى الوقوف لنقلهم إلى المستشفى، لكنهم أطلقوا عليهم النار جميعا من جديد ، فنجوت من محاولة القتل الثانية أيضا، غير أن أمي كانت قد فارقت الحياة، وصباح اليوم التالي أطلقوا علي النار عندما وجدوا أنني لا زلت حيا فأصابوني وظنوا بأنني قد مت فتركوني".
وتقول سنية قاسم بشير "قتل زوجي وابني في المجزرة، وأفظع المشاهد التي شاهدتها كان منظر جارتنا الحاجة منيرة عمرو، فقد قتلوها بعدما ذبحوا طفلها الرضيع أمام عينيها وعمره أربعة شهور".
وتروي ممرضة أميركية تدعى جيل درو عن شاهد عيان قوله إنهم ربطوا الأطفال ثم ذبحوهم ذبح الشياه في مخيمي صبرا وشاتيلا، صفوا الناس في الإستاد الرياضي وشكلوا فرق الإعدام .
علي خليل عفانة طفل في الثامنة يقول "كانت الساعة الحادية عشرة والنصف ، سمعنا صوت انفجار كبير وتلاه صوت امرأة وفجأة اقتحموا منزلنا، واندفعوا كالذئاب يفتشون الغرف، صاحت أمي تستنجد فأمطروها بالرصاص، مد أبى يده يبحث عن شيء يدافع به عن نفسه،لكن رصاصهم كان أسرع، لم أقو على الصراخ فقد انهالوا علي طعنا بالسكاكين.. لا أدري ماذا جرى بعد ذلك، لكني وجدت نفسي في المستشفى كما تراني ملفوف الرأس والساقين، قال لي رفيق في المدرسة كان في زيارة أمه في المستشفى أن بيتنا تحول إلى أنقاض، جاءت خالتي أمس لزيارتي فسألتها عن مصير أخوتي الثلاثة ، لكنها لم تجب ! ! لقد ماتوا جميعا أنا أعرف ذلك". وانسابت الدموع الساخنة على خديه الصغيرتين.
وتروي امرأة من مخيم صبرا ما جرى فتقول "كنا وزوجي وطفلي نهم بالنوم ليلة 15 سبتمبر بعدما انتهينا من ترتيب الأغراض التي خربها القصف، وكنا نعيش حالة من الاطمئنان لأن الجيش اللبناني - حسب ظنها- يطوق المخيم، لكن الهول كان قد اقترب إذ دخل عشرات الجنود والمقاتلين يطلقون النار ويفجرون المنازل، فخرجنا نستطلع الأمر ولما رأينا ما رأينا حاولنا الهرب لكنهم استوقفونا ، ودفعوا زوجي وأبى وأخي وأداروا ظهورهم إلى الحائط وأجبروهم على رفع أيديهم، ثم أمطروهم بوابل من الرصاص فسقطوا شهداء، ولما صرخنا أنا وأمي شدونا من شعورنا باتجاه حفرة عميقة أحدثها صاروخ، لكن أوامر صدرت لهم بالحضور إلى مكان آخر فتركونا دون أن يطلقوا علينا النار ثم هربنا".
وتروي امرأة أخرى كيف دخلوا بيتها وعندها طفل من الجيران فانهالوا عليه بالفأس فشقوا رأسه قسمين وتقول "لما صرخت أوثقوني بحبل كان بحوزتهم ورموني أرضا ثم تناوب ثلاثة منهم على اغتصابي، وتركوني في حالة غيبوبة لم استفق إلا في سيارة إسعاف الدفاع المدني".
كان بعض رجال الميليشيات يسحقون الفلسطينيين بالسيارات العسكرية حتى الموت،وكانوا يرسمون الصليب على جثث القتلى، وقد قام مصور تلفزيون دانمركي يدعى بترسون بتصوير عدد من الشاحنات المحملة بالنساء الأطفال المسنين المتجهة إلى جهة مجهولة.
في صبرا وشاتيلا تم قتل الناس دون تمييز، كما تم اغتصاب عدد كبير من النساء، هناك العديد من الناس رفع الأعلام البيضاء كناية عن الاستسلام خصوصا الأطفال والنساء غير أنهم كانوا من الضحايا الأوائل في المذبحة، بما في ذلك أكثر من خمسين امرأة ذهبن للتعبير عن الاستسلام وأنه ليس هناك مسلحون بالمخيم فتقلوهن جميعا.
الهجوم على مستشفى عكا كان صباح الجمعة الساعة 11.30 صباحا حيث تمت عمليات قتل للأطباء والمرضى، ممرضة فلسطينية تدعى انتصار إسماعيل 19 عاما تم اغتصابها عشر مرات ثم قتلت وعثر على جثتها بعد ذلك مشوهة، وقد قتلوا العديد من المرضى والجرحى وبعض العاملين والسكان الذي لجئوا إلى المستشفى، ثم أجبروا أربعين مريضا على الصعود في الشاحنات ولم يعثر على أي منهم فيما بعد، وخلال المذبحة قتل الإرهابيون الطبيب علي عثمان، والطبيبة سامية الخطيب داخل المستشفى، وأفرغوا رصاصات في رأس طفل جريح يرقد في السرير عمره 14 عاما ويدعى موفق أسعد.
وقامت البلدوزرات بحفر المقابر الجماعية في منتصف النهار جنوب شاتيلا بمشاركة الصهاينة، كما هدم العديد من المنازل بالبلدوزرات وقد تمت المذبحة في مناسبة السنة العبرية الجديدة !.
ويروي روبرتو سورو مراسل مجلة التايم الأمريكية في بيروت ما رآه بعد دخوله المخيمات فيقول "لم يكن هناك سوى أكوام الخراب والجثث، حيث الجثث مكومة فوق بعضها من الأطفال والنساء والرجال ، بعضهم قد أصاب الرصاص رأسه ، وبعضهم قد ذبح من عنقه ، وبعضهم مربوطة أيديهم إلى الخلف ، وبعضهم أيديهم مربوطة إلى أرجلهم، بعض أجزاء الرؤوس قد تطايرت، جثة امرأة تضم طفلها إلى صدرها وقد قتلتهما رصاصة واحدة، وقد تمت إزاحة الجثث من مكان إلى آخر بالبلدوزرات الصهيونية ، ووقفت امرأة على جثة ممزقة وصرخت "زوجي ! يا رب من سيساعدني من بعده ؟ كل أولادي قتلوا ! زوجي ذبحوه ! ماذا سأفعل ؟ يا رب يا رب!".
وفي تقرير لمراسل الواشنطن بوست يقول عن مشاهداته "بيوت بكاملها هدمتها البلدوزرات وحولتها إلى ركام جثث مكدسة فوق بعضها أشبه بالدمى، وفوق الجثث تشير الثقوب التي تظهر في الجدران إلى أنهم أعدموا رميا بالرصاص . في شارع مسدود صغير عثرنا على فتاتين، الأولى عمرها حوالي 11 عاما والثانية عدة أشهر ! ! ! كانتا ترقدان على الأرض وسيقانهما مشدودة وفي رأس كل منهما ثقب صغير، وعلى بعد خطوات من هناك وعلى حائط بيت يحمل رقمين 442- 424 أطلقوا النار على 8 رجال . كل شارع مهما كان صغيرا يخبر عن قصته، في أحد الشوارع تتراكم 16 جثة فوق بعضها بعضا في أوضاع غريبة، وبالقرب منها تتمدد امرأة في الأربعين من عمرها بين نهديها رصاصة، وبالقرب من دكان صغير سقط رجل عجوز يبلغ السبعين من العمر ويده ممدودة في حركة استعطاف، ورأسه المعفر بالتراب يتطلع ناحية امرأة ظلت تحت الركام ! ! ".
ويقول حسين رعد 46 عاما "إن الإرهابيين قاموا بقطع الرؤوس وضرب الرقاب "بالساطور" وكانوا يدوسون الجثث بأقدامهم، وقد رأيت بعيني قتل خمسة أشخاص أحدهم بالساطور ناهيك عن الشتائم والإهانات، وكانوا يذبحون الأطفال والنساء بلا تمييز". وقال "إن السكان بدؤوا بالهروب من جهة القوات المتعددة الجنسية والتي لم تقم بحمايتهم خصوصا في منطقة الحمرا".
أما محمود هاشم 28 عاما، وهو من شهود المذبحة كان عمره آنذاك يقارب الـ15 عاما "كنت نائما مع أصحاب لي يوم الجمعة ليلا في المخيم وبحدود الساعة 11 ليلا سمعنا إطلاق نار ظنناه عاديا، ونمنا حتى الصباح حيث صحونا لنجد المخيم خاليا إلا من القطط والكلاب، وخرجنا نتفقد الأحوال، حتى اقتربنا من "مدرسة الجليل" حيث وجدنا كومة من الجثث فوق بعضها البعض، فلم نتمالك أعصابنا ، وقررنا الخروج من المخيم عن طريق تدعى الأستديو" ووصلت إلى حي الفاكهاني حيث يقيم أهلي بعدما دمر بيتنا في مخيم صبرا وشاتيلا جراء القصف الصهيوني في أوائل الاجتياح، وسمعت هناك بخبر المذبحة"، ويضيف "التقيت صحفيا بريطانيا طلب مني أن أصحبه إلى مدخل المخيم صباح السبت 17/9/1982 ليسجل أحداث المذبحة بكاميرته، فوافقت وعندما وصلنا إلى الجهة الغربية من المخيم فوجئنا بكومة من الجثث بالقرب من مكان الدوخي، وقد ضرب صاحب الدكان ببلطة في رأسه، وكان إلى جانبه شاب صغير، والباقون من كبار السن، وتابعنا المسير حتى وصلنا إلى مفرق الحرج حيث شاهد 9 جثث تحت شاحنة، وكانت أيدي بعضهم مربوطة، فيما اخترق الرصاص سطح حائط مجاور، ويدل المنظر على عملية إعدام جماعي لهؤلاء، على بعد عشرة أمتار من هذا المشهد المذهل، وجدنا امرأة مسنة تحمل بطاقة هوية لبنانية، ويبدو أنها كانت تحاول إقناعهم بأنها لبنانية وليست فلسطينية، وعلى بعد عشرين مترا أخرى وجدنا عددا من الأحصنة مقتولة، وبينها جثة رجل مقطوع الرأس، تبين فيما بعد أنها جثة عمي عبد الهادي هاشم 49 عاما، وبعد أن تابعنا المسير اصطدمنا بست جثث مربوطة بجنازير بعضها ببعض، وكانت رؤوس اثنين منهم مجوفة فيما يبدو أنها ضربت ببلطة أو فأس على الرأس، ونظرا للهول والذهول الذي أصابنا قررنا العودة من حيث أتينا، وكان الصحفي البريطاني قد التقط عشرات الصور لهذه المشاهد، وخلال ذلك سمعنا حركة قريبة منا فاضطرب الصحفي وسارع لقيادة الدراجة النارية وأنا معه إلى خارج المخيم، وقد أطلقت علينا زخات من الرصاص فزاد من سرعة انطلاقه".
ويستعيد شاهد العيان شريط ذكرياته داخل المخيم فيقول "رأينا الجثث مكومة في زاوية إلى اليمين وعلى بعد خمسين ياردة فقط من مدخل مخيم شاتيلا، كان هناك أكثر من اثنتي عشرة جثة لشبان صغار التفت أرجلهم وأيديهم بعضها حول بعض، وهم يعانون آلام الموت، وكان كل منهم مصابا برصاصة أطلقت نحو صدغه فاخترقت مخـه، وبدت على الجانب الأيسر من رقاب بعضهم ندوب قرمزية أو سوداء، رأينا طفلة لا تتجاوز الثالثة من عمرها ملقاة على الطريق وكأنها دمية مطروحة، وقد تلوث ثوبها الأبيض بالوحل والدم والتراب، وكانت قد أصيبت برصاصة قد طيرت مؤخرة رأسها واخترقت دماغها، كانت الأسر قد أوت إلى فراشها في غرف النوم عندما اقتحم المسلحون المخيم، فقد رأيت جثثا ممددة على الأرض أو متكومة تحت الكراسي، وبدا أنه جرى اغتصاب كثير من النساء حيث كانت ملابسهن مبعثرة على الأرض، شاهدت أما تضم طفلها وقد اخترقت رأس كل منهما رصاصة ، نساء عاريات قيدت أيديهن وأرجلهن خلف ظهورهن، رضيع مهشم الرأس يسبح في بركة من الدم وإلى جانبه رضاعة الحليب. على طاولة الكوي بالقرب من أحد البيوت قطعوا أعضاء طفل رضيع وصفوها بعناية على شكل دائرة ووضعوا الرأس في الوسط. في صبرا وشاتيلا يسود الانطباع أن القتلة استهدفوا وأمعنوا في قتل الأطفال بنوع خاص".
تكملة صبرا و شاتيلا
--------------------------------------------------------------------------------
بعد انسحاب الإرهابيين هام الناجون من المذبحة على وجوههم بحثا عن أقاربهم الذين طالهم الذبح بين أكوام الجثث أو تحت الأنقاض، وكانوا لا يزالون تحت كابوس المجزرة التي عاشوها.
عائلات أبيدت وحوامل بقرت بطونهن وأطفال تطايرت رؤوسهم .."رأيت عشرات الجثث أمام الملجأ القريب من بيتنا. ظننت في البداية أن القصف قضى عليهم. بدأ القصف بعد مقتل بشير الجميل، كنا في المخيم خائفين من قدوم الكتائب والانتقام منا، لم ننم تلك الليلة وكان الحذر يلف المخيم".
هذا ما رواه ماهر مرعي - أحد الناجين من مجزرة صبرا وشاتيلا - وهو يصف ما حدث ليلة السادس عشر من أيلول 1982، قال :" رأيت الجثث، أمام الملجأ مربوطة بالحبال لكني لم أفهم، عدت إلى البيت لأخبر عائلتي، لم يخطر في بالنا أنها مجزرة، فنحن لم نسمع إطلاق رصاص، أذكر أني رأيت كواتم صوت مرمية قرب الجثث هنا وهناك، ولكني لم أدرك سبب وجودها إلا بعد انتهاء المجزرة. كواتم الصوت "تتفندق" بعد وقت قصير من استخدامها، ولذا يرمونها.
بقينا في البيت ولم نهرب حتى بعد أن أحسسنا أن شيئا مريبا يحدث في المخيم. رفض والدي المغادرة بسبب جارة أتت للمبيت عندنا، وكانت أول مرة تدخل بيتنا. زوجها خرج مع المقاتلين على متن إحدى البواخر ولم يكن لديها أحد، فقال أبي لا يجوز أن نتركها ونرحل. كان اسمها ليلى. كانت الجثث التي رأيتها أمام الملجأ لرجال فقط. ظننا أنا ووالدي أن الملجأ كان مكتظا فخرج الرجال ليفسحوا المجال للنساء والأطفال بالمبيت وأخذ راحتهم، فماتوا بالقصف. كنت ذاهبا يومها لإحضار صديقة لنا - كانت تعمل مع والدي - تبيت في الملجأ. كانت تدعى ميسر. لم يكن لها أحد هي الأخرى. كان أهلها في صور وأراد أبي أن أحضرها لتبيت عندنا. قتلت في المجزرة مع النساء والأطفال. رأيت جثتها في ما بعد في كاراج أبو جمال الذي كان الكتائبيون يضعون فيه عشرات الجثث، بل المئات. كان المشهد لا يوصف !!!
عندما دخل الصهاينة إلى بيروت الغربية كنا نعتقد أن أقصى ما قد يفعلونه بنا هو الاعتقال وتدمير بيوتنا، كما فعلوا في صور وصيدا وباقي الأراضي التي احتلوها. أذكر أني ذهبت صباح يوم المجزرة - وكان يوم الخميس في 16 أيلول - مع مجموعة كبيرة من النساء والأطفال لإحضار الخبز من منطقة الأوزاعي سيرا على الأقدام (كان عمري 14 عاما). كنا "مقطوعين" من الخبز وليس لدينا ما نأكله. رفض أصحاب الأفران يومها أن يبيعونا، كان الخبز متوفرا ويبيعونه إلى اللبنانيين فقط مع أنه كان متوفرا بكثرة. عدنا إلى المخيم فلم نستطع الدخول، إذ كانت الطرقات المؤدية إلى المخيم جميعها مقطوعة، وكان الصهاينة يقنصون من السفارة الكويتية باتجاه مدخل المخيم الجنوبي. عند تقاطع هذا المدخل وبئر حسن، كان هنالك قسطل مياه مكسور، وكان أهالي المخيم يعبئون منه الماء رغم القنص. رأيت عند قسطل المياه صهيونيا من أصل يمني يقتل فتاتين فلسطينيتين، لأنهما وبختا فلسطينيا أرشد الصهيوني إلى الطريق التي هرب منها أحد الذين يطاردونهم، هكذا قالت أم الفتاتين التي كانت معهما وهربت عند بدء إطلاق الرصاص. حاول أهل المخيم سحب الفتاتين فقتل رجلان وهما يحملان جثتيهما، - قنصهما الصهاينة من السفارة - ثم ما لبث أهل المخيم أن سحبوهما بالحبال. يومها رأيت آرييل شارون في هليكوبتر أمام السفارة، أحسست أنه قائد صهيوني كبير، لم أكن أعرف من هو إلا بعد أن رأيته على شاشات التلفزيون بعد انتشار أخبار المجزرة.
تمكنا بعد ذلك من العودة إلى المخيم في المساء كانت القذائف المضيئة تملأ سماء المخيم، هنا، بدأ صوت ماهر يرتجف عندما أخذ يخبرني ما حصل في بيتهم تلك الليلة - أي الخميس وهو أول يوم في المجزرة. قال ماهر:"عندما أخبرت والدي عن الجثث، طلب منا أن نلزم الهدوء وألا نصدر أي صوت، تتألف عائلتنا من 12 شخصا، ستة صبيان وأربع بنات وأبي وأمي. كان أخواي محمد وأحمد خارج البيت وهما أكبر مني سنا. الباقون كانوا في البيت وكانت جارتنا ليلى عندنا. قرابة الفجر، صعد أخي إلى السطح مع ليلى كي تطمئن على بيتها. كان النعاس قد غلبنا أنا وأبي - إذ بقينا ساهرين ننصت إلى ما يجري في الخارج ونسكت أختي الصغيرة التي كانت تبكي من وقت لآخر.
لم نشعر بصعود ليلى وأختي إلا عندما نزلا. كانتا خائفتين فقد رآهما المسلحون. ما هي إلا لحظات حتى بدأنا نسمع طرقا عنيفا على الباب. عندما فتحنا لهم أخذوا يشتموننا وأخرجونا من البيت ووضعونا صفا أمام الحائط يريدون قتلنا. أرادوا إبعاد ليلى إذ ظنوا أنها لبنانية لأنها شقراء، وأبعدوا أختي الصغيرة معها لأنها شقراء هي الأخرى وظنوا أنها ابنة ليلى ! رفضت ليلى تركنا، وأخذت أختي تصرخ وتمد يديها إلى أمي تريد "الذهاب" معها، كان عمرها أقل من سنتين وكانت ما تزال تحبو، في تلك اللحظة، كان جارنا حسن الشايب يحاول الهرب خلسة من منزله، فأصدر صوتا وضجة أخافتهم.
كان هناك شاب من بيت المقداد يطاردهم ويطلق عليهم النار ويختبئ، كان اسمه يوسف، لمحته تلك الليلة عدة مرات، اعتقد أنهم ظنوا في تلك اللحظة أن الضجة صادرة عنه، لذا أدخلونا إلى البيت وهم يكيلون لنا الشتائم، طلبوا من والدي بطاقة هويته، وما إن أدار ظهره ليحضرها حتى انهال الرصاص علينا جميعا كالمطر لم أعرف كيف وصلت إلى المرحاض واختبأت فيه وفي طريقي إلى المرحاض وجدت أخي الأصغر إسماعيل فأخذته معي وأقفلت فمه. رأيت من طرف باب المرحاض كل عائلتي مرمية على الأرض، ما عدا أختي الصغيرة. كانت تصرخ وتحبو باتجاه أمي وأختي وما إن وصلت بينهما حتى أطلقوا على رأسها الرصاص فتطاير دماغها وماتت.
إسماعيل وأنا لم نتحرك. لزمنا الصمت فترة. لم أعد أستطيع التنفس، فحاولت بلع ريقي لاستعادة تنفسي وكنت مترددا في فعل ذلك. إذ كنت - عادة - أصدر صوتا عندما أبلع ريقي وخفت أن يسمعوا الصوت ويأتوا لقتلي. وبالفعل، عندما فعلت كان صوت البلع مسموعا من شدة السكون الذي سطر على البيت لكنهم لم يسمعوني، فقد خرجوا بعد ان نفذوا جريمتهم. كان كل شيء ساكنا، امسكت الباب كي لا يتحرك لانه كان يصر - في العادة - صريرا. خفت أن يسمعوه فيعودوا ورحت أحركه ببطء شديد. كما اعتقدت أنهم ربما لاحظوا غيابي وأنهم سيعودون لقتلي. لذا انتظرت بعض الوقت، وعندما تيقنت من خروجهم وعدم عودتهم خرجت من المرحاض وأبقيت إسماعيل فيه. بدأت أتفقد عائلتي. والدتي تظاهرت بداية بالموت وكذلك أختاي نهاد وسعاد، ظنا منهما أني كتائبي. ولكن، والدي وباقي أخوتي "الخمسة" وليلى كانوا جميعا أمواتها، كانت أمي مصابة بعدة طلقات وكذلك نهاد وسعاد.
أمي ونهاد تمكنتا من الهروب معي وإسماعيل، بينما سعاد لم تستطع لأن الطلقات أصابت حوضها وشلت. تركناها وخرجنا لإحضار الإسعاف - يا لسذاجتنا- ولم نكن نعرف ماذا ينتظرنا في الخارج، الذين دخلوا إلى بيتنا كانوا خليطا من القوات اللبنانية وقوات سعد حداد، إذ كان بينهم مسلمون ولا يوجد مسلمون إلا مع سعد حداد. عرفنا أنهم مسلمون من مناداتهم لبعضهم. كان بينهم من يدعى عباس وآخر يدعى محمود.
بعد خروجنا من البيت تهنا عن بعضنا البعض. بقيت أنا وإسماعيل معا، وأخذوا يلاحقوننا من مكان لآخر. أخذت أنبه الناس لما يجري، فكثيرون كانوا ما يزالون في بيوتهم، يشربون الشاي ولا يدرون بشيء. اختبأنا في مخزن طحين ثم ما لبثوا أن اكتشفوا أمرنا فهربنا مجددا. اطلقوا الرصاص علينا، هربت وعلق اسماعيل ولم يجرؤ على عبور الشارع كان في الثامنة من عمره، عدت اليه وامسكت بيده وهربنا معا. ثم ما لبثنا أن وجدنا جمعا حاشدا من النساء والأطفال كانوا يجرونهم إلى المدينة الرياضية حيث يتمركز الصهاينة فانضممنا إليهم".
بقروا بطن جارتنا
نهاد أخت ماهر كانت في الخامسة عشرة من عمرها في ذلك الوقت. الآن هي متزوجة ولديها ستة أطفال، قالت إنها كانت تحمل أختها الصغيرة على يدها عندما بدأ المسلحون بإطلاق النار"لا أعرف كيف سقطت من يدي، أصيبت بطلقة في رأسها وأنا أيضا وقعت على الأرض. أخذت أختي تحبو - وتفرفر - باتجاه أمي وهي تصرخ ماما.. ماما.. أطلقوا الرصاص على رأسها فسكتت على الفور. جارتنا ليلى كانت حاملا. عندما أصيبت بدأ الماء يتدفق من بطنها، وماتت. تظاهرت بالموت، وبعد خروجهم بقليل - لا أدري بكم من الوقت - بدأت أتفقد الجميع. فهمست لي أمي : ارتمي وتظاهري بالموت قد يعودون.
أجبتها لا آبه، فليعودوا ! عندها خرج ماهر - وإسماعيل في ما بعد. كنت أظنهما ميتين. ما إن رأيت ماهر ارتميت على الأرض، فقال : لا تخافي أنا ماهر. عندها اطمأننت أنا ووالدتي، وقمنا لحمل أختي سعاد ومساعدتها على النهوض فلم نستطع. لقد كانت مشلولة. طلبت من ماهر وإسماعيل أن يهربا إلى خارج المخيم وأن يركضا بأقصى سرعة حتى لو أضعنا بعضنا. لم يكن معنا مال، إذ أخذوا كل مالنا. كان لدينا عشرون ألف ليرة خبأناها في "كيس حفاضات" أختي الصغيرة، رغم أني تظاهرت أنه مجرد كيس حفاضات! كان المسلحون يتكلمون بالعربية، لكن البعض منهم لم يتكلم على الإطلاق، كانوا شقرا، وعينوهم زرقاء، عندما هربنا، أضعنا ماهر وإسماعيل وبقيت مع أمي على أمل أن نذهب إلى مستشفى غزة لإحضار إسعاف إلى سعاد. أخذنا نتنقل من بيت إلى آخر ونحن ننزف. كثيرون لم يصدقوا في البداية أن مجزرة تحدث في المخيم، إلا عندما رأونا مصابين والدم يغطينا. وصلنا إلى مستشفى غزة فوجدنا أخواي الكبيرين أحمد ومحمد هناك أمام المستشفى. كانت الناس تتجمع عند مدخل المستشفى. كانوا يصرخون والرعب يسيطر عليهم.
كان الصراخ رهيبا، كأنه يوم القيامة، تركنا المستشفى بعد أن نزعوا منا الرصاصات وهربنا إلى منطقة رمل الظريف. أمي تعبت كثيرا من انتفاخ صدرها بالحليب، فأختي الصغيرة كانت ما تزال ترضع قبل أن تقتل، ومع موتها بدأت أمي تعيش حالة الفطام ! كان فطاما نفسيا وجسديا لم تستطع تحمله فمرضت كثيرا". سألتها عن أختها سعاد التي بقيت في البيت، قالت إنهم عادوا إلى البيت وضربوها "بجالون المياه" وأطلقوا عليها النار مجددا ! "بعد الحادثة، لم نعد نتكلم مع بعضنا عما جرى. كنا نخاف على بعضنا من الكلام. لذا، لم أسأل سعاد شيئا ! ! ".
عندما أذهب أحيانا لأنام عند والدتي، أذهب إلى بيتها في الروشة - الذي تسكنه كمهجرة منذ المجزرة. لا أحب أن أنام في بيتها في المخيم، - حيث جرت المجزرة لأني عندما أذهب إلى هناك لا أنام أبدا. قليلا ما تأتي أمي إلى بيت المخيم. بل هي لا تهدأ في مكان منذ حادثة المجزرة، وتتنقل باستمرار بين بيوت الأقارب والأصدقاء. لم نعد كما كنا أبدا. تصوري أننا عدنا وفقدنا أخي إسماعيل في حرب إقليم التفاح".
نهاد التي نجت من المجزرة، لا تجد اليوم ما تطعم به أطفالها، رغم تردادها كلمتي "الحمد الله" زوجها عاطل عن العمل منذ سنوات، هو يعمل في البناء، لكن الأجور المتدنية التي يتقاضاها العمال الآخرون تقضي على إمكانية إيجاد أي عمل، حتى لو قبل أن يعمل بأجر زهيد، فإن ذلك الأجر لا يكفيه، بسبب الغلاء الفاحش في لبنان، وهو لا يستطيع إيجاد أي عمل آخر بسبب التقييدات المفروضة على عمل الفلسطينيين في لبنان.
الجرح ما زال ينزف
قالت لي أم غازي التي فقدت أحد عشر شخصا من أفراد عائلتها. "لا تقلقي يا ابنتي أنت لا تذكرينني بشيء. فأنا لم أنس كي أتذكر والجرح ما زال ينزف. عندما جاء المجرمون إلى بيتي كنا نقيم ذكرى أربعين ابنتي. كانت قد توفيت في المبنى الذي قصفه الصهاينة في منطقة الصنائع، وكان مقرا لأبو عمار. جاء أفراد عائلتنا من صور للمشاركة في ذكرى أربعين ابنتي وكانوا جميعا هنا - نساء ورجالا. لم نكن نسكن في هذا البيت بل في الحي الغربي المتاخم لشارع المخيم الرئيسي - كان يوم جمعة. قتل يومها أخوتي وأولادي وزوجي واصهري".
عندما دخلوا علينا كانوا اثني عشر مسلحا، يحملون البنادق والبلطات والسكاكين، لم نكن نعرف بالمجزرة بعد. كان الباب مفتوحا والبيت مزدحما بالنساء والأطفال والرجال. فصلوا الرجال عن النساء والأطفال. كانوا سيأخذون ابني محمود وكان يومها في الثامنة من عمره. قلت لهم "هذه بنت" فتركوه. اقتاد أربعة منهم النساء والأطفال تجاه المدينة الرياضية وبقي الرجال في البيت تحت رحمة الآخرين. أخرجونا من المنزل حفاة. مشينا على الزجاج المحطم والشظايا. في الطريق تعثر ابني بالجثث المذبوحة والمرمية هنا وهناك وكان يحمل أخته الصغيرة. صرخت قائلة "باسم الله عليك"، فانتبه المسلح وقلت له وهو ينتزعه من بين يدي: "دخيلك. لم يبق لي غيره". طلبت منه أن يقتلني بدلا منه. أتوسل وأتوسل - لكنه يصر على قتله. قال إنه يريدني أن أعيش بالحسرة والحزن طيلة عمري. وبينما أنا أتوسله وأرتمي على بندقيته وأديرها عن ابني، وضع يده خطأ على صدري. كنت اخبأ في "عبي" اثني عشر ألف ليرة فانتبه وسألني ماذا أخبأ. قلت "إذا أعطيتك إياهم تعطيني ابني، فقال نعم. طلبت منه أن يقسم بشرفه، ففعل ! ! ! ! أعطيته المال وأخذت ابني الذي كان يرتجف من الخوف. منذ ذلك اليوم ظهرت خصلة بيضاء في شعره.
وصلنا إلى المدينة الرياضية فوجدنا الصهاينة هناك. أخبرناهم بما يحدث وطلبنا منهم أن يساعدونا ويذهبوا لإنقاذ أولادنا ورجالنا، قالوا: لا دخل لنا. هؤلاء لبنانيون منكم وفيكم. وحبسونا في المدينة الرياضية طيلة النهار. كانوا يتكلمون العربية. عند المغرب، أخرجونا قائلين: إياكم أن تعودوا إلى المخيم. إذهبوا إلى مكان آخر. ذهبنا إلى الجامعة العربية سيرا على الأقدام. وجدنا اثنين سوريين، ظننا في البداية أنهما صهيونيان فقد كان شعرهما أشقر وعيناهما زرقاوين. أخبرناهما بما حصل لنا، وقلنا لهما إننا نبحث عن مكان نبيت فيه. فتحوا لنا الجامعة، وأعطانا أحدهما بعضا من ثيابه مزقناها ولففنا الصغار بها، إذ لم يكونوا يلبسون ثيابا كافية عندما خرجنا، لم يكن لدينا قرش واحد. لا ندري إلى أين نذهب، ولا نعرف شيئا عن رجالنا وأولادنا. في أربعين ابنتي فقدت زوجي وأربعة أولاد وستة من أفراد عائلتي".
أم غازي لم تسكن في بيتها مجددا، إذ لم تحتمل ذلك، عندما عادت إلى المخيم استأجرت منزلا آخر. تهدم بيتها القديم في حرب المخيمات، وتعيش الآن في ظروف مادية سيئة للغاية، كانت تتكلم على مهل وترتجف طيلة الوقت. تعيش منعزلة عن محيطها في ألم لا ينتهي.
انقضوا على الرجال بالبلطات :
شهيرة أبو ردينة التي ترفض التكلم عن المجزرة عادة، تكلمت وأخبرتني ماذا حدث. قالت : " كنا في الغرفة الداخلية نختبئ من القصف لأنها أكثر أمانا وبعيدة عن الشارع - يقع بيتها في الشارع الرئيسي حيث جرت المجزرة الأساسية - كنا كثرا في المنزل - قالت : بقينا فيه حتى الصباح. كنا نسمع أثناء الليل صراخا وإطلاق رصاص. عرفنا حينها أنهم يقتلون الناس. كانوا يتراكضون في الأزقة القريبة من بيتنا، فلم نجرؤ على الخروج. عند الفجر، خرجت أختي لتتفقد الحي وترى ماذا يجري. ما إن أصبحت في الخارج حتى صرخت "بابا" بصوت مرعب ثم سمعنا إطلاق الرصاص . خرج والدي وراءها فقتل أيضا. (وجدت جثة أخت شهيرة في ما بعد - مربوطة إلى النافذة وكانت منتفخة جدا). كان عمر أختي 17 عاما، أخي كان في الرابعة والعشرين من عمره. وزوجي في الثالثة والعشرين وابن عمي في الأربعين، أما والدي فكان في الستين، جميعهم قتلوا، جاءوا صباحا وأخرجونا من البيت، وضعوا الرجال أمام الحائط وانقضوا عليهم بالبلطات.
وانهمر عليهم الرصاص كالمطر ثم اقتادونا إلى الشارع الرئيسي و كنا نساء وأطفالا فقط. وضعونا أمام الحائط، وما إن هموا بقتلنا حتى سمعنا صهيونيا يصرخ بالعبرية. لم نفهم ما يقول، لكنهم هم فهموا وتوقفوا عن قتلنا بعدما تحدثوا معه بالعبرية. عندها أخذونا إلى المدينة الرياضية وحبسونا عند الصهاينة في غرفة صغيرة، وكانوا طيلة الوقت جالسين معنا يشحذون البلطات والسكاكين، أخبرنا الصهاينة ماذا يفعلون بنا في المخيم فلم يهتموا.
بقينا هناك، إلى أن بدأت الانفجارات. بدأت الألغام المزروعة في المدينة الرياضية تنفجر، فهرب الصهاينة إلى ملالاتهم، وهربنا نحن باتجاه الكولا ".
حاولوا ذبحنا على الطريق :
محمد أبو ردينة ابن عم شهيرة كان في الخامسة من عمره عندما حدثت المجزرة قتل يومها والده وأخته وصهره. أخبرني محمد كيف قتلوا أخته. قال:"كانت حاملا عندما قتلوها. بقروا بطنها وفتحوه بالسكاكين وأخرجوا الجنين منه ثم وضعوه على يدها. والدي قتل أمام بيت شهيرة ابنة عمه. كنا نختبئ تلك الليلة في بيت عمي. أنا وأمي وأختي اقتادونا مع الباقين من نساء والعائلة وأطفالها إلى المدينة الرياضية وحاولوا ذبحنا على الطريق. كنت صغيرا ولم أع ما يحدث لنا. لم أع، إلا أني كنت خائفا جدا، وعيت المجزرة عندما كبرت بسبب الظروف الصعبة التي عشناها بعد ذلك. تدمر بيتنا في حرب المخيمات وأصبحنا بلا مأوى نتنقل من مكان إلى آخر. دخلت في ضياع تام بعد مرض أمي. في عام 1992 جاء أحدهم وأحضر لها شريط فيديو عن المجزرة فرأيت والدي وأختي. عندها أصيبت بجلطة في الدماغ، تحولت بعدها إلى مجرد صورة. كانت تتوه في الطرقات فأذهب للبحث عنها. كنت في حوالي الرابعة عشرة من عمري وليس لي أحد. وجدت نفسي مضطرا للاهتمام بها بدل أن تهتم هي بي، إلى أن ماتت عام 1995. اضطررت للعمل وأنا صغير جدا. والدتي عملت لبعض الوقت في تنظيف مكتب علي أبو طوق أثناء حرب المخيمات. كان علي يعطف علينا وساعدنا في ترميم بيتنا. أنا الآن وحيد وليس لي أحد. المجزرة غيرت مجرى حياتي ودمرتني".
محمد الان - في العشرين من عمرة. ابيض شعره بعد المجزرة مباشرة وهو في الخامسة من عمره والمأساة حفرت عميقا في قسمات وجهه. يبدوا الان اكبر من عمره بعشر سنوات على الاقل. قال انه يسعى حاليا للهجرة. اذ لم يعد يحتمل الحياة هنا ! ".
القتل ذبحا أو بكواتم الصوت منع الفلسطينيين من معرفة ما يجري في المخيم. كثيرون لم يصدقوا أن مذبحة تجري في مخيمهم. روى العديد من أهالي المخيم كيف كانوا يتجمعون في بعض المساحات يتسامرون ويتناقشون ويشربون القهوة. بينما تجري على بعد أمتار منهم عمليات ذبح وقتل. في ساحة الجامع، أخبرنا بعض المسنين كيف لم يصدقوا أن مجزرة تحدث في المخيم إلا بعد قدوم نساء وأطفال تغطيهم الدماء. قال "أبو محمد" إنه كان ضمن وفد الرجال الذي تشكل لمقابلة الصهاينة وتسليم المخيم لهم كي تتوقف المجزرة. كان أبو محمد "الوحيد" الذي نجا من الوفد، إذ تخلف عنهم وذهب لإحضار بطاقة هويته من المنزل. سرعان ما قتل أعضاء الوفد رغم خروجهم حاملين شرشفا أبيضا.
أخبرني أحد الرجال الذي رفض ذكر اسمه أن المخيم كان محاصرا بجيش الاحتلال من جميع مداخله. "عندما علمنا بالمجزرة أردنا أن نخرج لكننا خفنا أن يقتلونا. عند ذلك قام أحد الشباب بإشعال قنينة غاز ورميها في مخزن للأسلحة في المخيم. بدأ المخزن يتفجر فهرب الصهاينة والكتائب بعيدا عن مكان الانفجار. عندها تمكنا من الخروج من طريق على مقربة من المخزن المنفجر ! ".
توقفت المجزرة السبت في 18 أيلول، مئات الجثث في الشوارع والأزقة ترقد تحت أطنان من الذباب. أطفال مرميون على الطرقات. نساء وفتيات تعرضن للاغتصاب منهن من بقين على قيد الحياة، ومنهن من قضين عاريات في أسرتهن أو على الطرقات أو مربوطات إلى أعمدة الكهرباء ! ! رجال قطعت أعضاؤهم الجنسية ووضعت في أفواههم، مسنون لم ترأف بهم شيخوختهم ولم يعطهم المجرمون فرصة أن يرحلوا عن هذا العالم بسلام، ومن لم يقض منهم في فلسطين عام 1948 قضى في المجزرة عام 1982، حوامل بقرت بطونهن وانتهكت أرحامهن وأطفال ولدوا قسرا قبل الأوان وذبحوا قبل أن ترى عيونهم النور.
المقبرة الجماعية التي دفن فيها الضحايا هي اليوم مكب للنفايات ومستنقع يغرق في مياه المجارير ولا يسع الموتى - حتى في موتهم - أن يرقدوا بسلام ! ! أما الناجون، فيعيشون في ظروف إنسانية وسياسية صعبة، أقل ما يقال فيها أنها موت بطيء يلاحقهم - منذ المجزرة - أينما حلوا !
كيف نقرأ المجزرة اليوم ؟ أنقرأها كمجرد ذكرى نستعيدها أم نقول "عفا الله عما مضى " ونمضي إلى حياتنا وكأن كل شيء على ما يرام ؟ هل نكرر المطالبة بمحاكمة الفاعلين، اليوم وقبل الغد، أم ننتظر تغير موازين القوى الدولية والمحلية ونقول للعدالة أن تنتظر؟ من يقرر العفو عن المجرمين وبأي حق يعفو؟ وإذا قبلنا أن نعفو عن جرائم الحرب في لبنان فكيف نربي أطفالنا بعد ذلك؟ أنربيهم أن الحق للقوي أم نربيهم على الخوف بحجة حمايتهم من القتلة، أم نطلب منهم التغاضي عن دم الأبرياء، فينشأون "بلا دم" وفاقدي الحس والعدالة؟ وإن أكملنا على هذا النحو- ونحن أكملنا - أنمنع الكيان الصهيوني من ارتكاب مجازر جديدة ؟ ! وهل نمنع المجرمين الذين يعيشون بين ظهرانينا من تكرار ما فعلوا؟ وهل تصدق توبة تائب منهم - لو تاب؟ - لا يضع نفسه طوعا أمام القضاء ؟ ! !
عن موقع المركز الفلسطيني للإعلام 5 مايو 2001
__________________
مجزرة حولا 1948
--------------------------------------------------------------------------------
فعلا من ابشع المجازرما جرى على يد اليمين اللبناني ومن ورائه اسرائيل في حق اهلنا من سكان صبرا
------------------------------------------------------------------------------------------
في 14 أيار 1948 و عشية الإعلان المشؤوم لقيام الكيان الغاصب على أرض فلسطين هاجمت عصابات الهاغانا بلدة حولا في الساعة العاشرة ليلاً و أول ضحاياها كان الشهيد عبد شبيب شريم حيث استشهد في منزله ( قرب مستوصف الصليب الأحمر حالياً ) و من ثم اكملوا جريمتهم بمداهمة منزل الشيخ عبدالخالق مزرعاني ( قرب جبانة الشهداء حالياً ) فقتلوه و أصابوا السيد محمد ياسين فأردوه شهيداً بالقرب من مسجد البلدة .
كانت هذه الجريمة منعطفاً أساسياً في المسيرة الجهادية لأبناء حولا ، حيث انهم و من بعد تلك الجريمة هجروا منازلهم إلى الكروم ليكونوا في مأمن من خطر الإستهداف الصهيوني المباشر لمنازلهم ليلاً و في النهار يعودوا إلى القرية لمزاولة أعمالهم كالمعتاد .
في هذه الأثناء تشكل " جيش الإنقاذ " من مجموعة من الدول العربية و دخل في صراع مباشر مع الجيش الصهيوني فانضم عدد من شبان البلدة لهذا الجيش إيماناً منهم بعدالة و قدسية قضية فلسطين و خطر الصهاينة و مشاريعهم .
اتخذ جيش الإنقاذ من " تل الهنبل " مركزاً له في بلدة حولا و قدم له الأهالي الدعم اللازم و المتيسر فكانت النسوة تعد الطعام لهم و يزودونهم بما تيسر من الغلال و التموين و بلغ عدد شبان البلدة المنضوين تحت لواءه حوالي 40 شاباً شاركوا ببسالة في معركة تحرير العباد التي أدت إلى مقتل عشرات الجنود من الصهاينة .
اعتبر جيش العدو ان بلدة حولا هي المسؤولة عن معركة العباد لدعمهم " جيش الإنقاذ " بالعدد و العدة وقرروا الإنتقام من أهالي البلدة عند اول فرصة سانحة ، ولم تتاخر هذه الفرصة بعد الإنسحاب المفاجئ و المثير للجدل لجيش الإنقاذ الذي انسحب باتجاه عيترون و تبنين تاركاً البلدة بلا أية حراسة او حتى قطعة سلاح فيما أسماه قائد جيش الإنقاذ وقتها بأنه " إعادة تموضع " .
أحس أهالي البلدة بالخطر المحدق بهم من جهة الشرق و سارعوا باتجاه جيش الإنقاذ لكن دون جدوى ، فاتجه وفد من البلدة باتجاه أحمد الأسعد الذي وعدهم بجيش " يوغوسلافي " لحمايتهم دون تحديد وقت لذلك .
صبيحة يوم الجمعة 31 تشرين الأول 1948 كان أهالي البلدة كالعادة منذ عدوان أيار 1948 ينامون في الكروم خارج البلدة ( الكساير ، الساقية ، السلم وغيرها ) ، حين لاحظوا جيشاً يتجه صوبهم من ناحية الشمال ( قرية مركبا ) و أغلب أفراده يرتدون الزي العربي و انقسم هذا الجيش إلى قسمين واحد إتجه لجهة ( الكساير و الحارة الشمالية ) و قسم آخر باتجاه " بركة الحجر " ، انطلت الخدعة على اهالي البلدة فاعتقدوا انه جيش عربي جاء لحمايتهم وسارعوا لملاقاتهم ، لكن سرعان ما اتضحت الحقيقة الرهيبة و هي أن الجميع وقع في مكمن صهيوني محكم ،حيث أخذ الصهاينة يعتقلون كل من صادفوه من نساء و رجال و أطفال و شيوخ وفتشوا المنازل بحثاً عمن اختبأ و هم قلة لأن صرخات الإنذار التي أطلقها بعض الأهالي ممن اكتشف حيلة اليهود كانت متأخرة فقد وقع في يدهم أكثر من 200 من أبناء البلدة .
شكلت عصابات الهاغانا النواة الرئيسية للمجموعة التي هاجمت بلدة حولا بالإضافة إلى عصابات الشتيرن و بعض المتطوعين اليهود و كان على رأسهم الإرهابي " مناحيم بيغن " و كانت الاوامر المعطاة لهم مشددة وواضحة " أقتلوهم جميعاً " .
أول ضحاياهم كان الشهيد السيد جواد الأمين حيث قتلوه فور مشاهدتهم له في الحارة الشمالية و هو صاحب حقول و أملاك في المنارة فقد عرفه ناطور المنارة " ابراهيم " الذي كان يعرف العديد من أبناء بلدة حولا .
فصلوا النساء والأطفال و حاصروهم قرب منزل حسن محمد مزرعاني في وسط البلدة وقسم آخر في بركة الحجر ( لم يكن فيها ماء ) . أما الرجال فقسمهوم إلى فئتين : الفئة الأولى هي الشبان و قد أدخلوهم منزل علي محمد أيوب و أطلقوا النار عليهم جميعاً ثم نسفوا المنزل على رؤوسهم ، والفئة الثانية هي الرجال و الشيوخ و أدخلوهم إلى منزلي فارس مصطفى و حسين عبدالله يونس و أمروهم برفع أيديهم إلى أعلى وأعدموهم .
في هذه الأثناء كان النسوة و الأطفال يعانون أشد انواع العذاب النفسي و العطش و الجوع واستمر الوضع على هذه الحال حتى اليوم التالي حين تدخل مراقبوا الهدنة ( أمم متحدة ) و اخلوا سبيلهم، بعد أن رافقهم الصهاينة حتى ( الأرقاف ) و أمروهم بالتوجه باتجاه مجدل سلم و عدم العودة إلى حولا مجدداً .
وقد نجا من هذه المجزرة الرهيبة كل من محمد سليمان ثم ما لبث ان استشهد في مستشفى صور متأثراً بجراحه ،و منصور مصطفى و قد توفي سنة 1973 و حسين رزق ( أبو فهد ) و قد ظل حياً حتى شهر شباط 2005 ، و نجا أيضاً شخص من بلدة قبريخا من آل سلوم . وقد أسهب الناجون في شرح أهوال و فظاعات العدو في ذلك اليوم المشؤوم .
وقدنزحمعظماهاليالبلدةواسكنوابيوتامن الصفيح في مخيم فيضبيه ومكثواهناك ستةاشهر في ظروف صعبة للغاية و لم يكن هناك من يقدم لهم أي مساعدة حتى عادوافي أوائلأيار 1949بعدفترةمنتوقيعاتفاقالهدنةبينلبنانوالكيان الصهيوني .ليجدوا منازلهم خرابا فقد دمر العدو العديد من الوحدات السكنية و سرق كل أغلالهم و محاصيلهم و مقتنياتهم و لم يكن امامهم سوى أن يستلفوا أموالاً من مرابين من القرى المجاورة حتى يقوا انفسهم و اهليهم الجوع و لشراء مواشي و بذار للموسم الجديد
__________________
كفر قاسم عام ١٩٥٦
كيف تمت المجزرة؟
في يوم 29 تشرين الأول 1956 بدأ العدوان الثلاثي على مصر شنته إسرائيل بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا بهدف الإطاحة بنظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بعد تأميمه قناة السويس, وتأييده العلني للثورة الجزائرية ضد الإستعمار الفرنسي, وسعيه الحثيث لتوحيد الصف العربي ضد الوجود الإستعماري في الشرق الأوسط.
في صبيحة نفس اليوم أبلغ قائد المنطقة الوسطى, الجنرال تسفي تسور, العقيد شدمي الذي كان قائد أحد الألوية المسؤولة عن الحدود مع الأردن, والتي شملت منطقة المثلث من بير السكة حتى كفر قاسم. إن سياسة الأركان العامة تجاه السكان العرب في المنطقة تقتصر على تميكن المواطنين من مزاولة أعمالهم العادية دون إزعاجهم أو المس بهم بهدف الحفاظ على الهدوء في منطقة الحدود مع الأردن إذ أن العدوان سيتركز في الجبهة الجنوبية ضد مصر.
ولكن العقيد شدمي طلب فرض منع التجول لتسهيل إنتشار الجيش, ولمنع جنود الإحتياط, لدى إقترابهم من مواقع الجيش في الليل, من المساس بسكان القرى. وإستجاب قائد المنطقة لطلب شدمي, وتجدر الإشارة إلى أن القرى المذكورة كانت تحت نظام الحكم العسكري, وكان منع التجول الليلي بين الساعة العاشرة ليلاً والرابعة فجراً أمراً دائماً. وتم في الساعة الواحدة من بعد الظهر لقاء بين العقيد شدمي وملينكي, قائد وحدة حرس الحدود, وأمره شدمي بفرض نظام منع التجول في كفر قاسم, كفر برا, جلجولية, الطيرة, الطيبة, قلنسوة, بير السكة وإبثان إبتداءاً من الساعة الخامسة مساءً وليس من الساعة العاشرة كالمعتاد.
وأصدر ملينكي أوامره بفرض منع تجول صارم وتطبيقه بوسيلة إطلاق النار, وعندما سأله ملينكي ماذا سيكون مصير المواطن العائد من عمله دون علم بأمر منع التجول, أجاب شدمي "الله يرحمه". ونفى شدمي مقولته هذه أثناء محاكمته. وبعد ثلث ساعة من اللقاء بين ملينكي وشدمي, إجتمع ملينكي بضباطه, وأبلغهم بسياسة منع التجول المعتمدة على عدم المساس بمن يستترون في بيوتهم, وإطلاق النار على كل من يخرج منها. وأوضح القائد ملينكي أنه يفضل وقوع بعض القتلى على إتباع سياسة الإعتقالات لحفظ منع التجول في الأيام القادمة. وعندما سأل أحد الضباط مليكني, ماذا سنفعل بالمصابين؟ أجاب ملينكي, لن يكون هناك مصابون, وعن سؤال الجندي مناشيس أرييه حول مصير النساء والأطفال, أجاب ملينكي: "بلا عواطف". وعندما سأله نفس الجندي عن العائدني من العمل قال ملينكي: "الله يرحمهم".
وقسم ملينكي القرى إلى قسمين, وسلم النقيب ليفي المسؤولية عن كفر قاسم, كفر برا, جلجولية والطيرة. بينما تسلم النقيب أليكسندروني المسؤولية عن الطيبة, قلنسوة, بير السكة وإبثان. وإجتمع النقيب ليفي مع ضباطه, ومن بينهم الملازم جبريئل دهان الذي تسلم المسؤولية عن كفر قاسم, وكرر على مسامعهم أوامر ملينكي. ومباشرة بعد ذلك إجتمع دهان بجنوده قبل الوصول للموقع, وشرح لهم طبيعة المهمة التي ألقيت على عاتقهم, وأمرهم بفرض منع التجول, وإطلاق النار, وقتل كل إنسان يظهر من بعد الساعة الخامسة مساء خارج بيته دون التفريق بين رجال ونساء وأطفال وعائدين من خارج القرية, ونهاهم عن الدخول إلى البيوت وقتل نزلانها موضحاً لهم أن هذا سيعتبر عملية إغتيال, بينما قتل الناس خارج بيوتهم أثناء منع التجول يعتبر قتلاً, وهو عملية قانونية لجندي أثناء أداء مهمته.
ومن الجدير ذكره أنه بإستثناء كفر قاسم, تعامل الضباط في بقية القرى مع الأوامر الصارمة بمرونة, وكل حسب أسلوبه الخاص, ومنعوا وقوع مجازر بين العائدين من العمل الذين جهلوا الوضع داخل قراهم. وبشكل عام سمحوا لهم بدخول بيوتهم حتى بعد أن فرض منع التجول. ولكن كان معروفاً أن هؤلاء
القلب يبكي كمدا وغيظا
والدموع تتساقط دما عليكم احبتنا في الله
صبرا جميلا والله المستعان
القلب معكم واللسان يلهج لله بالدعاء
لن ننسى اخوة لنا في الله في فلسطين
اللهم يا غياث المستغيثين..ويا صريخ المستصرخين..ويا عون المؤمنين..ويا جار المستجيرين..يا ذا العظمة والسلطان..يا من قصمت القياصرة..وقَهرت الجبابرة..وخضعت لك أعناق الفراعنة.
اللهم سلط على اليهود و الأمريكيين الريح القواصم..والبراكين والعواصف..واملأ قلوبهم بالرعب والخوف.
اللهم نكس لهم كل راية..وحُل بينهم وبين كل غاية.
اللهم اجعل جيش المسلمين جيشا لا ينهزم..وبيوت المسلمين حصنا لا ينهدم.
اللهم أهلك اليهودَ و الأمريكان كما أهلكت عادًا و إرم..وأنزل عليهم سَيل العَرِمْ.
اللهم اكسر شوكتهم..واقض على ساستهم..واجعل أموالهم وديارهم غنيمة للمسلمين في كل وقتٍ وحين..يا منتقمُ يا جبار..يا قهار.
اللهم سلط على اليهود و الأمريكان من والاهم فتنةً سوداء..تمزقُ قوتهم..وتحرقُ أئمتهم..وتَشرب دماءهم..وتخطفُ أبصارهم..وتُذهبُ عقولهم..وتُخرب بيوتهم..وتنكسُ راياتهم..بقوتك يا متين..يا قوى يا متين..يا ذا الجلال والإكرام..والجاه والسلطان.
اللهم أيقظ في المسلمين الهمم والعزائم..ونبه فيهم الغافل والنائم..وارفع قدرهم إن قل عددهم..واجعل الملائكة مددًا لهم..واجعل الملائكة عونًا لهم فأنت نعم المولى ونعم النصير..يا صاحب كل نجوى..يا منتهى كل شكوى..ويا كاشف كل بلوى.
اللهم قد جفت في العيون الدموع..وقلت من حولنا الجيوش والدروع..وتكالبت علينا الأمم والجموع..وشبابُ المسلمين يتلوى بين العُرى والجُوع.
اللهم ائذن للأصول أن تحمى الفروع..واحفظ بلاد المسلمين يا رب..واحفظ بلاد المسلمين كما حفظت القلب بين الضلوع..فسبحانك خير الحافظين..يا من إليه المشتكي..نشكوُ إليك ما يحدث لإخواننا في العراق. .من اليهود الملاعين..ومن والاهم من المنافقين والكافرين..فاللهم إن إخواننا ذاقو مُر العيش والخبز..وشكوا إليك اللوع والعجز..وأصبحوا لا يرون إلا لمزًا وغمزًا.
اللهم ارفع عنهم هذا البؤس والرجزا..واجعل لواءهم في كل مكان رايةً ورمزا..ورُد إليهم حقهم الذي أُخِذا..يا رب الأقصى والعتيق.
اللهم إن الأقصى وبلاد المسلمين تبكى منابرها..وامتلأت بالموتى مقابرها..ولم ير مسكًا يخامرها..وقل حافظُها وناصرها..ولم تُحفظ سرائرها..وأصبح شارون وبوش زائرها.
اللهم افتح للمجاهدين الأبواب..وأزل عنهم الصعاب..واصرف عنهم كيد الذئاب..وكل منافقٍ وكذاب.
اللهم اجمع حولهم القلوب والرقاب..بقوتك يا رب الأرباب.
يا رافع السماء بلا عمد..ارفع عنا ما نحن فيه من ضعف..واصرف عنا الرعب والخوف..وأيقظ غافلنا من ثُبات أهل الكهف..وأمدنا بجبريل وميكائيل ومائة ألف..بقوتك يا قوى يا متين.
اللهم ارزقنا صحوة الفجر..وسرعة النصر..وغوثَ بدر..إليك نرفعُ صلاتنا..ومناجاتنا..وبكاءنا..ود عاءنا..وسؤالنا..فأقر أعيننا..بنصرة إخواننا في فلسطين..وفى العراق وفي الشيشان..وفى بورما..وفى كشمير..وفى كل مكان يُحارب فيه الإسلام.
اللهم الطف باخواننا في العراق واجعل الدائرة على اعدائهم و اقذف الرعب في قلوبهم يا كريم اللهم الطف باخواننا في العراق واجعل الدائرة على اعدائهم و اقذف الرعب في قلوبهم يا كريم اللهم الطف باخواننا في العراق واجعل الدائرة على اعدائهم و اقذف الرعب في قلوبهم يا كريم
اللهم الطف باخواننا في فلسطين واجعل الدائرة على اعدائهم و اقذف الرعب في قلوبهم يا كريم اللهم الطف باخواننا في فلسطين واجعل الدائرة على اعدائهم و اقذف الرعب في قلوبهم يا كريم اللهم الطف باخواننا في فلسطين واجعل الدائرة على اعدائهم و اقذف الرعب في قلوبهم يا كريم
اللهم احقن دماءَ المجاهدين في فلسطين..وفى أفغانستان..وفى العراق وفي كل مكان.
اللهم اجمع كلمتهم..ووحد صفوفهم..وألف بين قلوبهم..وارحم شهدائهم..وتقبل شهدائهم
اللهم امين