تساقطت أوراق الخريف مبكرة هذا العام ورغم توسل الشجر لها أن تبقي قليلا فالفراق سيطول إلا أن شيئا ما يلح عليها بالسقوط في غير أوانها ... واستسلم الشجر في حزن عميق وبدأ يعين أوراقه بأن تسقط وعج المكان بكل الألوان , ملئت ساحات المدرسة بالورق البني والأصفر والصدىْء , وتحالف الهواء معها ليملأ مدى نظرنا بكل لون وشكل .
وكأنني كنت أرى التثاقل في كل زاوية , في الفناء .. في غرف الدراسة ... في غرف المعلمات ... في غرف الرياضة ذلك المكان المحبب للتلاميذ .... وللأسف رأيته يزحف خلسة إلى غرفتي ويعبث في أوراقي العاجلة والعاجلة جدا ...
استدعيت كل جنودي إلى ساحة الوغى ولم أر استجابة .. أعلنت فتح باب التجنيد في كل زاوية وعلى كل ملصق وفي كل خطاب .. ولم أر إستجابة ..ورغم تقدم بعض المتطوعين لم أر نتيجة مرضية فالعدة والعدد لم يكونا كافيين أن يقضيا على هذا العدو الرابض حتى في الخطوات والكلمات لمن يقتسم معنا غرف الجد واللعب على سواء ...
وكان لا بد من حل لأضع حدا لهذا الهجوم المبكر فكان أن ....
استيقظت مع نجمة الصباح ذات يوم وسابقت الشمس قبل أن تعلن بداية يوم في مدرستي ,وقمت بتعليق ملصق كبير على باب غرفة المعلمات كتبت فيه ( حدثت جريمة في فناء المدرسة )
ووضعت منشورا يطلب من الجميع التواجد في ساحة المدرسة بعد انصراف التلميذات للتحقيق في الموضوع !
وقمت بإغلاق باب غرفتي ومنعت الدخول إلا لبحث موضوع لا يتعلق بالجريمة . وكنت أراقب التكتلات من خلال النافذة , وعلامات الدهشة ممزوجة بالإستغراب والخوف والتوتر ولولا جرس الحصص لما غادرت إحداهن الغرفة , كلهن يسألن.. كلهن يجرين بسرعة من وإلى الصفوف تتقدأعينهن فضولا وتعجبا وحماسا لمعرفة كنه هذا الخبر الذي وقع عليهن كالصاعقة من ياترى قتل ؟ ومن القاتل ؟ ومتى حدث هذا ؟ ولماذا لم تخبر المديرة الشرطة ؟ ماذا هل تتوقع أن تكون إحدانا هي الفاعلة حتى تحقق معنا ؟ ما هذا أما من أحد يدخل إليها ليخبرنا ما الأمر ؟ وكنت ألاحظ أن هناك سرعة في الأداء , ونظرت من نافذتي الخارجية إلى الشجر الذي يحتضنها ولمحت بعض الأوراق الخضراء الصغيرة تلف برعما يكاد يخرج من مهده فاستبشرت خيرا ....
وأعتقد أن ساعات الدوام مرت بسرعة على الجميع إلا أنا !!! ولأول مرة إذا بالكل يتجمع في الفناء فقررت أن أتأخر قليلا , ولما بدأ التململ يلفهن خرجت لهن وطلبت من العاملة أن تحضر طاولة صغيرة وضعت عليها ورقة بيضاء وقلما ... ولفني الصمت
تعلقت العيون في ..الكل يطلب أن أتحدث وأخيرا قالت المساعدة
_ أرجوك حديثينا بما حدث إنا قلقات . من قتل؟ ومتى؟ ومن هو القاتل؟
_ القاتل أنا ..
انطلقت الآهات والصيحات وتوقف الهواء عن حمل أوراق الشجر وحمل فقط تلك االتمتمات ...
_ وحملت القلم وقلت لهن ألا تريدون معرفة القتيل
_ نعم ..نعم صاح الجميع بلا استثناء
_ نعم إنه الروتين .. إنه ذلك الروتين الذي يولد الكسل ولا يوقد في الذهن اية شعلة ,إنه ذلك الروتين الذي يجعلنا نؤدي العمل بلا تغيير أو إبداع أو أفكار جديدة تجعل من المجيء إلى المدرسة والعمل فيها كأنه رحلة رائعة ممتعة مفيدة للجميع و..
ولم أكمل حتى انهار البعض ضاحكا.. والبعض لائما.. والبعض صامتا.. وإن كان الإرتياح هو سيد الموقف ..
وتقدمت إحداهن مبتسمة .. وأين هو القتيل ؟ وجاريتها قائلة هنا على الورقةألا ترين إسمي معترفا بقتله فهل تقتلينه معي ؟
ووقعت اسمها قائلة سأقتله وسلاحي رحلة غدا وفي كل خميس إلى صرح من صروح بلادي ..
وانا هذا سلاحي وسأقتله مرارا وتكرارا بأن أنظم حلقات ذكر للتلميذات قبل الدخول الى الحصص نتدارس فيه آية أو حديث .. أضافت أخرى
وأنا لن أجعل له قائمة أبدا فسأنظم أطباقا خيرية تشترك فيها جميع التلميذات ..
أما أنا فسأجعل من تلميذاتي المبدعات يحضرن ما أبدعهن كل في مجاله ويعرض على الجميع للتشجيع
وابتدأت الأسلحة تجهز على من حرمنا المتعة الحقيقة في الإبداع والحماس لما نعمل . وانطلقت الحرارة المنبعثة من الفناء إلى كل ما يحيط بنا ونظرت إلى الشجر من حولي وإذا بالربيع يكسو المكان والبراعم ابتدأت في التفتح ولم أر ورقة شجر واحدة صدئة في فنائنا ولا هوائنا ولا روحنا ....
صباح الضامن @sbah_aldamn
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
عطاء
•
جميل أن يكون هناك من يعترف بهذه الجريمة التي تسحق قيمةالمرء وطاقاته المكنونة سحقا!!
والأجمل أن يكون شجاعا ليعترف أنه القاتل والمقتول,قاتل لأنه سمح بقتل الإنسان وإطفاء شمعته المتقدة,ومقتول لأنه رضي أن تمارس عليه فنون الإزهاق وهو ينظر دون أن يحرك ساكنا أو حتى يظهر عدم قبوله لما يجري!!
فن من فنون القتال والجهاد لابد أن نحييه حقيقة في مدارسنا حتى لايموت الإنسان المعطاء وتسحقه الأقدام ولايسمع له صوت ثم تقيد الجريمةفي النهاية ضد مجهول!!!
إبداعك كل يوم يأتينا بتحفة تسعد بها أرواحنا وتجلها عقولنا فجزاك الله عنا خير الجزاء
والأجمل أن يكون شجاعا ليعترف أنه القاتل والمقتول,قاتل لأنه سمح بقتل الإنسان وإطفاء شمعته المتقدة,ومقتول لأنه رضي أن تمارس عليه فنون الإزهاق وهو ينظر دون أن يحرك ساكنا أو حتى يظهر عدم قبوله لما يجري!!
فن من فنون القتال والجهاد لابد أن نحييه حقيقة في مدارسنا حتى لايموت الإنسان المعطاء وتسحقه الأقدام ولايسمع له صوت ثم تقيد الجريمةفي النهاية ضد مجهول!!!
إبداعك كل يوم يأتينا بتحفة تسعد بها أرواحنا وتجلها عقولنا فجزاك الله عنا خير الجزاء
أحلام وعطاء بوركتما وجزاكما الله خيرا وانني ألمس القتل يوميا على صفحاتكما وكم هو قاس تعبير القتل هذا ولكنه ابسط عقاب لمن يغتال فينا ذلك الإبداع الذي وهبه الله لنا
بحور 217
•
أين كنت منذ زمن يا أستاذتنا صباح ..
هل تسمحين لي أن أوقع على ورقتك ..
أول مرة أتمنى أن أكون قاتلة ..
كم اشتقت لهذه المهنة الرائعة فور قراءة كلماتك وتمنيت لو كنت معكم في الفناء أشهد تلك الجريمة بنفسي ..
كم من طاقات داخلنا تنتظر من يحررها ويطلقها .. وها أنت قد فعلت ..
بارك الله فيك ..
هل تسمحين لي أن أوقع على ورقتك ..
أول مرة أتمنى أن أكون قاتلة ..
كم اشتقت لهذه المهنة الرائعة فور قراءة كلماتك وتمنيت لو كنت معكم في الفناء أشهد تلك الجريمة بنفسي ..
كم من طاقات داخلنا تنتظر من يحررها ويطلقها .. وها أنت قد فعلت ..
بارك الله فيك ..
الاخت بحور
عندما لا اجد توقيعك على اوراقي اظل اقلب الصفحات حتى اعثر عليه يزين ما اكتب فبارك الله فيك فانت واحلام اليقظة وعطاء تعلمنني كل يوم شيئا جديدا وبسيطا ان حلقة الفكر دائما تكون ناقصة ولا يمكن ان تكتمل الا بأمثالكن فجزيتن خيرا على حسن المتابعة للجميع .
عندما لا اجد توقيعك على اوراقي اظل اقلب الصفحات حتى اعثر عليه يزين ما اكتب فبارك الله فيك فانت واحلام اليقظة وعطاء تعلمنني كل يوم شيئا جديدا وبسيطا ان حلقة الفكر دائما تكون ناقصة ولا يمكن ان تكتمل الا بأمثالكن فجزيتن خيرا على حسن المتابعة للجميع .
الصفحة الأخيرة
كنت أريد القراء دون تعليق لارتباطي بموعد
ولكني لم أستطع أمام الروعة الماثلة أمامي
إلا أن أستسلم لإغرائها لي بكتابة تسجيل معاونة على قتل الروتين
عند حضرة المديرة المبدعة
على أن أعود لا حقا ً لتنفيذ جريمة التعليق بإذن الله
أسعدك الله كما أسعدتني بروعة الكلمات والأفكار