جلسة مع مغترب

ملتقى الأحبة المغتربات








جلسة مع مغترب

د.محمد بن عبدالرحمن العريفي

من هو المغترب ؟

إنه مسلم أقام في بلاد الكفار .. ألقى فيها رحله .. استقر في جنباتها .. بعدما عصفت به الرياح .. وضاقت به الأرض .. ففارق الأهل والأوطان .. وسكن في شاسع البلدان .. وهو في شرق الأرض .. وأخوه في غربها .. وأخته في شمالها .. وابنه في جنوبها .. أما ابن عمه فقد انقطعت عنه أخباره فلا يدري إذا ذكره .. هل يقول : حفظه الله ! أم يقول : رحمه الله ؟!!
المغتربون كل واحد منهم له قصة .. وكل أبٍ كسير في صدره مأساة .. وفي وجه كل واحد منهم حكاية .. ولعلنا نقف في هذا الكتاب على شيء من واقعهم .. ونجلس معهم .. نفيدهم ونستفيد منهم ..

د / محمد بن عبدالرحمن العريفي
عضو لجنة أوربا في مؤسسة الحرمين الخيرية
ص.ب : 151597 – الرياض : 11775

البريد الألكتروني : areefe@usa.net

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :
حدثني الشيخ فقال :
كنت في بلد أوربي يكثر فيه المغتربون من اللاجئين المسلمين الذي سكنوا في هذه البلاد طلباً لحياة أفضل ، وبعدما انتهيت من صلاة التراويح وإلقاء المحاضرة بعدها ، جاء إلىّ أحد الأخوة الكرام وقال :
يا شيخ أحد الأخوة العرب سمع عن مجيئك إلى هنا للدعوة فأحب أن تقابل ابنه !! فتعجبت وقلت : أقابل ابنه ؟!!
لماذا لا أقابله هو ؟! ولماذا لا يأتي إليّ ويطلب ذلك بنفسه ؟
فقال : هو لا يصلي معنا ، ولكن ولده يشكو من مشكلة ، ويريدك أن تشارك في حلها ..
فركبت مع هذا الأخ في سيارته وذهبنا إلى هناك .. فلما دخلنا فإذا بشيخ قد ناهز الستين سنه من عمره ، طُرّد فيها وشُرّد ، وعُذّب وسجن ، ثم استقر به المقام مع فلذات كبده في بلاد الكافرين ، فعاش فيها آمناً مطمئناً يأتيه رزقه رغداً من كل مكان ، سلم عليّ بحرارة ثم أدخلني إلى غرفة الجلوس ..
وبعدها حدثني بطرف من قصة حياته المؤلمة وكيف أنه أتى إلى هذه البلاد طلباً لراحة البال في زمن الشيخوخة بعد شقاء الشباب وعذابه !! قلت له : وهل وجدت راحة البال ؟
قال : فيما يظهر للناس : نعم بيت واسع .. وسيارة فارهة .. وراتب مجزي .. ولا عمل ولا نصب .. ولا كدح ولا تعب .. ولا تشريد ولا خوف ..
كل من رآني ظن أنني مرتاح البال وتمنى لو أنه في مكاني ، ولكن الحقيقة هي أنني أتعس الناس !!
لا أحكم أولادي ولا بناتي !! .. ولا أحكم زوجتي !!
بل لا أشعر أنني رجل له شخصيته ومسئوليته .. حياتي رتيبة جداً ! بل مملة جداً .. أشعر كأنني آلة أو جهاز ينتظر صانعه أن تنتهي مدة صلاحيته ليستبدله بغيره ..
ثم تدارك هذا الشيخ الكبير نفسه وقال : عفواً يا شيخ !! أنا لم أطلب مقابلتك لأجل أن أبث إليك هذه الهموم ، فهي أكبر من أن يحويها مجلس واحد .. وإنما أردت مقابلتك لأجل مشكلة لأصغر أولادي ..
أصغر أولادي – يا شيخ – عمره تسع عشرة سنة ، وقد جاء إلى هذه البلاد وعمره خمس سنوات ، درس في مدارس هذه البلاد .. وخالط أهلها في مدارسهم .. وأسواقهم .. وبيوتهم .. وملاعبهم .. و .. ولم أكن أمنعه من شيء ، بل لم أكن أتدخل في حياته !! لأن التربية الحديثة تقرر ذلك .. وإن شئت فقل إنني لم أكن أستطع أن أمنعه من شيء !! سواء كان محرماً .. أو فاحشة .. أو غير ذلك !! لأنه يستطيع أن يتسبب في سجني أو معاقبتي لو أخبر الشرطة بذلك .. لن أطيل عليك : ولدي منذ فترة طويلة لا يصلي .. ولا يصوم .. بل هو غير مقتنع بالدين أصلاً .. كل الأديان يعتبرها ظلماً للعباد !! .. وفي الفترة الأخيرة بدأ يتضايق كثيراً .. ويعتزل في غرفته ، ولا يخالطنا ، بل صار في كل صباح يحلق رأسه بالموسى .. وله تقليعات غريبة !..
هل يمكن أن أدعوه لك لتقابله ؟ فلعل الله أن يصلح حاله على يدك ..
قلت : لا مانع من ذلك ..
فصاح الأب الشفيق : محمد .. يا محمد ..
وبعد لحظات .. دخل علينا محمد .. شاب قد امتلأ حيوية ونشاطاً .. لعبت به الشهوات كما لعب بها .. مدّ يده إلي وقال السلام عليكم ! وعليكم السلام ، كيف حالك يا محمد ؟ ..
تدخل الأب وقال : يا محمد هذا الشيخ أتى ليناقشك في الأفكار التي تثيرها دائماً عندي ، يا ولدي أنت مسلم .. يا ولدي حرام عليك .. يا ولدي .. ثم بكى الشيخ .. واشتد بكاؤه .. وصمت ..
فقلت لمحمد : ذكر أبوك أن عندك بعض الأسئلة الدينية ، هل يمكن أن أسمعها ؟ .. ولكن – عفواً – قبل أن تذكرها .. هل تفهم اللغة العربية جيداً ( 1 ) ..
فقال أفهم كثيراً منها ، ولكن لا تتكلم معي بالفصحى .
فقلت له : في البداية يا محمد : هل أنت مقتنع بأن الله موجود ؟!
فقال : شو يعني مقتنع ؟!!
فقلت له : يعني : هل أنت مؤمن أن الله موجود ؟!
فقال : شو يعني مؤمن ؟!!
فقلت له : do you believe Allah
فقال : أوه !! نعم .. نعم ..
فقلت : إن الله خلقنا ورزقنا وأمرنا بعبادته ، وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين ..و ..
وطال النقاش ولم يقتنع بأن الله تعالى رب حكم عدل يستحق الطاعة والعبادة .. فلما رأيت ذلك ..
قلت له : أريد أن أسمع منك سورة الفاتحة ( الحمد لله رب العالمين ) ..
فلما أراد أن يقرأها التبست عليه !! .. وإذا هولا يحفظ قصار السور ..
فقلت له اقترب واجلس بجانبي ، فلما جلس بجانبي وضعت يدي على صدره وقرأت عليه سورة الفاتحة ثلاث مرات .. فبدأت الدموع تسيل من عينه ، فأوقفت القراءة ..
وسألته : لماذا تبكي ؟!
فقال بصوت يقطعه البكاء : لا أدري .. لا أدري ..
فوضعت يدي على صدره وتلوت : { لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ(22)هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ(23)
هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } الحشر:21– 23
وقوله : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } سورة البقرة :164
وقوله : { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ(9)وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ(10)ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ(11)فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } فصلت : 9 – 12 .
وغيرها من الآيات التي فيها تعظيم وإجلال لله تعالى .. وكان الشاب يبكي بحرارة مع سماعه لهذه الآيات ، بل كان يتقطع بكاءً .. حتى إنني بعدما انتهيت من التلاوة حاولت إكمال النقاش معه فلم يستطع أن يتكلم بكلمة ..
فأمسكت يده وحاولت إيقافه على قدميه .. وقلت : قم صلّ ركعتين ، وابدأ حياة جديدة ..
فقام ذليلاً بين يدي خالقه ومولاه .. الذي سواه فعدله .. الذي خلقه فهو يهديه .. والذي هو يطعمه ويسقيه .. وإذا مرض فهو يشفيه .. والذي يميته ثم يحييه ..
قام بين يدي الملك جل جلاله .. وبكى .. وبكى .. فالقطيعة بينه وبين ربه قد طالت سنوات .. وبعد الصلاة وعدني أن لا يغيب عن صلاة التراويح مع الجماعة ، وحضور المحاضرات .. وكان ذلك ولله الحمد ..
اما الاخر:
فقد كنت في ( السويد ) وهي بلد يكثر فيه اللاجئون وبعد صلاة التراويح والمحاضرة ( وكانت باللغة العربية ) جاء إليّ أحد الأخوة العرب وقال:هنا بعض الشباب السويديين المسلمين يريدون الجلوس معك ..وكانوا متحلقين في المسجد ينتظرون ..
فاستدعيت أحد الأخوة ليترجم بيني وبينهم .. وجلست وبدأتُ الحديث عن نعمة الهداية لهذا الدين وأهمية الثبات عليه ..
وهذا الأخ يترجم من العربية إلى الإنجليزية ..
وفجأة نادي أحد المصلين باسم هذا المترجم فقام إليه وتركنا .. فسكتّ أنتظر رجوع المترجم لأكمل الحديث .. فطال تأخره وطال سكوتي وسكوتهم ..
وفجأة نطق أحد هؤلاء بلغة عربية مكسرة قائلاً : يا شيخ ، أنا أستتيع أن أترشم كليلاً !! ( 2 ) ..
فعجبت منه وقلت : هل تفهم اللغة العربية ؟!
فقال : أنا عربي فلسطيني !! أمي وأبي فلسطينيان !! لكني مولود في هذا البلد ، وجنسيتي سويدي .. ومنذ ولادتي لم يحرص والداي على تعليمي اللغة العربية ، لكني أفهم قليلاً .. ( قال هذا الكلام بلغة عربية مكسرة مخلوطة بعبارات إنجليزية ) ..
هذا طرف من أحوال أبنائنا من شباب المسلمين في ديار الهجرة .. هذا فضلاً عن أولئك الشباب الذين يجرون وراء شهواتهم ونزواتهم ، ولم يوفقوا إلى الهداية والتوبة ..

قصه اخرى لامرأة تسكن مع أولادها في شقتها في مدينة بالدنمرك ..
وفي يوم من الأيام وقع شجار بين ولديها الصغيرين ( 4 ، 6 سنوات ) فضربتهما .. فبكيا بصوت مرتفع ..
فلما سمع جارها الدنمركي ( الرحيم الشفيق ) بكاء الأطفال اتصل مباشرة بالشرطة !!
فجاءوا سراعاً وهجموا على الأم وخلصوا الأطفال من الظلم والكبت ( !! ) ..
أفٍ لهم !! يظنون أنهم أرحم بالأبناء من أمهم !!..
وخلال ساعات تم ترحيل أحد الطفلين إلى مدينة في شمال الدانمرك ليتربى في كنف عائلة دنمركية ليس لديها أولاد ..
أما الآخر فأُرسل إلى عائلة في النرويج .. !! هذا خبر الطفلين ..
أما الأم فبقيت تتجرع آلام الحسرة والفراق .. في أرض العــدالـة والحــريـة والـرفــاهيــة ( !! ) ..

أيها الأخ المغترب :
كل واحد من المغتربين له قصة ..
وكل أبٍ كسير في صدره مأساة ..
وفي وجه كل واحد منهم حكاية .. فما هو الحل ؟! ..
هل الحل هو أن تستسلموا للواقع المرّ ؟ .. أم تحاولوا الإصلاح والحفاظ على دينكم وأولادكم بقدر المستطاع .. حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً ..
من خلال واقع الأخوة المغتربين سواء في أمريكيا أو كندا أو استراليا أو بريطانيا أو فرنسا أو الدول الاسكندنافية أو غيرها .. أستطيع أن أخرج بهذه الوصايا ، التي أرجو أن يكون حال من التزم بها أحسن من غيره :

الوصية الأولى :
اعلم أن الكفار أعداء لا يمكن أن ينقلبوا أصدقاء محبين للمسلمين .. أبداً .. مهما أظهروا من العدل والحب والحفاوة فهم أعداء ، ولا يرضيهم منك إلا الكفر .. { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } ..
{ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ } ..
نعم .. والله ..
فإذا كفرت – حماك الله من ذلك – أحبوك بعض الشيء .. لأنهم يفرقون بين الكافر الذي من جلدتهم وبين من دخل في دينهم من غيرهم ..
قد تقول لي : هم يستقبلوننا ويرحبون بنا ويعاملوننا معاملة حسنة .. ويعطوننا الأموال ويوفرون لنا الراحة ..
فأقول لك : إنهم يفعلون ذلك لمصالح يحصلون عليها منكم .. فهم باستقبالهم لك يربحون مكاسب كثيرة ، إن لم يربحوها كلها ربحوا بعضها ، هم باستقبالهم لك يكثرون عدد سكان بلادهم ، وبالتالي يزيد اقتصادهم وتتطور دولتهم .. هم بك يكثرون عدد العمال والموظفين ويحافظون على عدد السكان لا يتناقص .. لأن بني جلدتهم لا يتكاثرون ولا يحرصون على الإنجاب .. بل يكتفي أحدهم بعشيقة يتمتع بها حتى يموت دون أن يرزق بأولاد .. أو إن أراد أولاداً اكتفى بطفل أو اثنين على الأكثر .. فتجد أن كبار السن عندهم أكثر من الشباب .. وهم يخططون للمدى البعيد ، ويشهد لذلك تقرير نشر قريباً من إدارة الهجرة في أمريكا يصرّح بأن أمريكا لا بدّ أن تستقبل عشرين مليون مهاجر سنوياً لتحافظ على توازن البلد في السنوات القادمة .. فهم ما قبلوا لجوءك رحمة بك وإحساناً إليك .. كلا .. بل يستفيدون منك ..
وإن لم يستفيدوا منك أنت لأن فيك بقية إسلام وقد تعارض بعض ما يخالف الشريعة .. وقد يزعجهم حرصك على صلاتك وعبادتك .. استفادوا من أولادك .. فإن كان في أولادك تربية إسلامية فلم يستفيدوا منهم .. استفادوا من أولاد أولادك .. الذين ولدوا عندهم وتطبعوا بطباعهم وحملوا جنسياتهم ..


هل تعلم أن دولة البرازيل دخلها خلال الخمسين سنة الماضية مليون مسلم ، تنصر منهم إلى الآن نصف مليون !!
وتأمل معي :
كم يُقتل من المسلمين بأيدي النصارى في بقاع كثيرة !! البوسنة .. كوسوفا .. الشيشان .. أريتريا .. السودان .. أندونيسيا ..
هل تظن أن النصارى هنا يختلفون عن النصارى هناك !!
إن الكفر ملة واحدة ..
ومن تأمل بدقة في هه البلاد التي تستقبل اللاجئين المسلمين وتحتفي بهم وجد أنها تغيبهم عن دينهم من خلال التعليم والوظيفة والاختلاط والنظام .. و .. ويدندنون في كل مكان : حرية .. !! .. Free والحرية والرذيلة – عندهم – وجهان لعملة واحدة .. ومن ظل متمسكاً بالأخلاق فهو رجعي متخلف !!..

الوصية الثانية :
اعتبر بقاءك في هذا البلد ليس دائماً ، نعم .. قرّر ذلك .. وأقنع به نفسك .. وزوجتك وأولادك .. بصرف النظر عن واقعيته ..
فهذا حريٌ بأن يجعل انتماءك وولاءك هو لبلاد الإسلام لا لبلاد الكفر .. وسوف يأتي يوم تعود فيه إلى بلاد الإسلام .. تسمع الأذان .. وتصلي مع المصلين ..
عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين )) قالوا : يا رسول الله ، ولم ؟! قال : (( لا تراءى نارهما )) رواه أبو داود والترمذي ، وأكثر الرواة رووه مرسلاً عن قيس بن أبي حازم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الترمذي : سمعت محمداً – يعني البخاري – يقول : الصحيح حديث قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل . ا.هـ .
وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار !! تُعلن فيها شعائر الكفر ، ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله ، وهو يشاهد ذلك بعينيه ويسمعه بأذنيه ، ويرضى به !! بل ينتسب إلى تلك البلاد ، ويسكن فيها بأهله وأولاده ، ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين ، مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده ، في دينهم وأخلاقهم . ا.هـ .

الوصية الثالثة :
أهم ما ينبغي على المسلم أن يعتني به هو دينه ، فما قيمة المال والمسكن والوظيفة والمستشفى والعيش الرغيد في غير طاعة الملك المالك جل جلاله !!..
احرص على إقامة الشعائر أينما كنت .. ومن خصائص هذا الدين أنه دين ظاهر .. أينما أدركتك الصلاة فصلّ .. في السوق .. في المدرسة .. في العمل .. في المصنع .. ولا تخجل من ذلك { قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى } ..
قال الشيخ :
كنت في السويد فذهبت مع اثنين من الأخوة المقيمين المغتربين لزيارة متحف للكتب القديمة وبعض الآثار .. وبعدما دفعنا رسوم الدخول وأمضينا دقائق .. أدركنا وقت صلاة العصر ..
فقال أحدهما : يا شيخ هيا نخرج لنصلي ثم نعود ..
فسألته مستغرباً : لماذا لا نصلي هنا ؟!!
فقال : هاه !! نصلي أمامهم ؟!1 لا .. لا .. هذا صعب جداً .. جداً ..
قلت : لماذا صعب جداً .. جداً .. ؟!!
فقال : يا شيخ .. نصلي أمام السويديين ؟!!
قلت : نعم نصلي أمام السويديين .. ولماذا لا نصلي أمامهم ؟! ألست تراهم يقبل بعضهم بعضاً أمامنا .. ولا يستحون !! ويضم بعضهم بعضاً .. ولا يخجلون .. ويشربون الخمر في الشوارع .. ويكشفون عوراتهم .. ويرتكبون الأفعال المخلة بالحياء .. ويعتبرون ذلك حرية .. ونحن أحياناً ننظر إليهم ونحن معجبون بهذه الحرية !!
فلماذا لا نصلي أمامهم ونعتبرها حرية ؟!!
فوافق صاحبي على مضض ..
فأخذنا جانباً من هذا المتحف واتجهت إلى القبلة ووضعت أصبعي في أذني ..
فصاح بي صاحبي : يا شيخ !! ماذا تريد أن تفعل ؟!
فأجبته بهدوووء : سوف أؤذن ..
فقال – باضطراب شديد – : يا شيخ تؤذن هنا ؟!
قلت : نعم أليست حرية Free ..!! .. أليسوا يغنون في الشوارع والطرقات .. ويسمون ذلك Free .. !! .. سمّه أنت أيضاً : حرية Free ..!! ..
ثم أذنت وأقمت بصوت منخفض .. وصلينا .. وأكملنا زيارتنا ..
ورآنا الناس ونحن نصلي جماعة .. نكبر ونسبح .. ونركع ونسجد .. ولم يمسك بنا رجال الشرطة .. ولم يدفعونا غرامة .. ولم يقتادونا إلى السجن .. ولم تنطبق السماء على الأرض .. فلماذا يخجل بعض الأخوة من الصلاة أمام الناس .. في الحدائق والأماكن العامة .. بل إن بعض المسلمين يجمعون بين الصلاتين من غير عذر سفر ولا مرض بسبب أنهم يخجلون أن يقيموا الصلاة أمام الناس ..
أيها الأخ الحبيب : إن إظهار هذه الشعيرة وسيلة من أكبر الوسائل للدعوة إلى دين الإسلام .. { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ(45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } ..
ولا أنس أيضاً أن أذكرك أيها الرجل المبارك أن الشعائر الأخرى لا بدّ أن تظهر ، مثل : عدم مصافحة النساء .. ولا الخلوة بهن .. أسأل الله أن يحفظك عفيفاً .. ويصون دينك وإيمانك .. آمين .

الوصية الرابعة
منزلك أخي المغترب هو مملكتك التي لا يكاد يزاحمك أحد عليها ، وسوف تسأل عن أفراد هذا المنزل يوم القيامة ، ومن أحسن التعامل مع أولاده وتنشئتهم تنشئة صالحة في صغرهم نفعوه في الدنيا والآخرة .. فأحسنوا إليه في حياته وحياتهم ببرّهم له .. وطاعتهم .. وعنايتهم .. وانتفع بهم بعد مماته بدعائهم واستغفارهم .. { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } .. وكان من دعاء زكريا عليه السلام أنه قال : { رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ } .. فلم يسأل ربه أي ذرية .. وإنما أراداها أن تكون ذرية طيبة .. لأن الذرية الفاسدة لا تزيدك إلا عنتاً ومشقة ..

الوصية الخامسة :
أولادك عجينة بين يديك تفعل ما تشاء ما داموا في سني الطفولة ، وليس لك عذر إن قصرت في شيء من تربيتهم في هذه المرحلة ، فاحرص على :
أن لا يبلغ ولدك سن الثالثة إلا وقد حفظته سورة الفاتحة ، فإذا أتقنها فحفظه قصار السور كسورة الإخلاص { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }
فإذا بلغ خمس سنين فحفّظه ما بعد ذلك من السور ..
حتى إذا بلغ العاشرة من عمره فإذا به يحفظ ثلاثة أجزاء أو أربعة ..
وهذا قد يبدوا صعباً في البداية ولكن إذا تعود الابن على ذلك سهل عليه { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ }
سوف تتعب قليلاً ، ولكن هل تريد الجنة من غير تعب !!
قال صلى الله عليه وسلم : (( حُفّت الجنة بالمكاره ، وحُفّت النار بالشهوات )) ( 8 ) ..وأنت لا تدري متى ترحل من هذه الدنيا وتفارق أولادك .. فحفظهم القرآن ليبقوا لم ذخراً يثقّل ميزانك عند الله تعالى يوم القيامة ..
قال صلى الله عليه وسلم : (( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعوا له )) ( 9 ) .. وأيّ صلاح أعظم من صلاح ولد حافظ لكتاب الله تعالى ...

وانتبه من أن تكون أنت أو أولادك ممن اشتكى الرسول صلى الله عليه وسلم .. كما في قوله تعالى : { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً } ..
ويمكن أن تستعين في تدريس أولادك بأمور .. منها :
• الأشرطة المسجلة : حيث يستمع الطفل إلى الشريط ويردد وراءه حتى يحفظ .
• المدرّس الخاص : حيث يتفق عدد من الآباء مع مدرّس واحد يجلس مع أولادهم عدة جلسات في الأسبوع ويتابعهم أولاً بأوّل .
• تشجيع الولد على الحفظ من خلال الجوائز .
• التقليل من الألعاب والأجهزة التي تشغل الولد عن الحفظ ، كألعاب الكمبيوتر ونحوها .

حدثني أحد الدعاة :
أنه ذهب إلى مدينة في السويد لإلقاء المحاضرات فرأى أحد الأخوة الأعاجم لا يفهم من اللغة العربية كلمة واحدة ومع ذلك له بنتان وولد أكبرهم عمره اثنتي عشرة سنة ، وكلهم يحفظون القرآن كاملاً !!
نعم .. وقد رآهم صاحبي واختبرهم ..
ومن حسُن قصده وخلصت نيته وفقه الله تعالى وبارك فيه وفي ذريته .
ورأيت في الدانمرك رجلاً أسلم حديثاً ، ولا يفهم من اللغة العربية كلمة واحدة ، وكان حريصاً على حفظ القرآن وتعلم الدين ، حتى إنه يحمل معه دائماً مسجلاً صغيراً وإذا رأى من يتقن العربية طلب منه أن يسجل له شيئاً من سور القرآن أو الأذكار أو نحو ذلك ثم يكرر الاستماع إلى ذلك حتى يحفظه .. { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } ..
وحدثني داعية آخر :
أنه كان في استراليا ورأى طفلين مسلمين يحملان الجنسية الأسترالية – وهما من أصل سنغافوري – أحدهما عمره خمس سنوات والآخر سبع سنوات ، كلاهما يحفظ القرآن كاملاً .. ! ..
وهما لا يفهمان من اللغة العربية كلمة واحدة ..
وأخبراني هذا الداعية أنه اختبرهما وعجِب من قوة حفظهما ، قال : حتى إنني خاطبت أحدهما – باللغة الإنجليزية – وقلت له : أخبرني بالآيات التي فيها كلمة ( جهنم ) فسردها لي بسرعة .. ثم طلبت منه الآيات التي فيها كلمة ( الجنة ) فسردها لي !!
وكان الذي اهتم بحفظ هذين الطفلين عليهما هو زوج أمهما .. وكان يحفظهما القرآن عن طريق الاستماع المتكرر للسورة من جهاز التسجيل حتى يحفظها الطفل ، ثم ينتقل إلى غيرها .. فجزاه الله خيراً ..
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح
الوصية السادسة :
احرص على أن تعلم أولادك الآداب الإسلامية منذ الصغر فإنهم ينشئون عليها ..
والآداب الشرعية متنوعة :
مثل آداب الطعام والشراب فيقول بسم الله قبل الأكل والحمد لله بعده ، ويأكل باليد اليمنى ..
وآداب المجالسة فيسلم عند الدخول والخروج ، ويحترم الكبير ..
ويلتزم بآداب الكلام فلا يكذب ولا يتلفظ بألفاظ بذيئة ..
وآداب الخلاء كذكر الله قبل الدخول ، وعدم استقبال القبلة أثناء قضاء الحاجة ..
وغير ذلك من الآداب ، وما ذكرته مجرد أمثلة فقط ..
فإذا أهملت تعليم ولدك الآداب الشرعية في صغره ..
هل تدري ما النتيجة ؟ سوف يتولى تأديبه غيرُك ، فيتعلم في الحضانة أن يأكل بالشوكة بيده اليسرى .. ويتعلم في الحضانة أن لا يغلق باب الخلاء ولا يستر عورته عند قضاء الحاجة .. ويتعلم في الشارع السب واللعن والكلام الفاحش ..
فـتــأمـل الفــرق بيت التـربيـتـين ...
حدثني أحد المشايخ الدعاة يبلغ من العمر خمسين سنة أنه ألقى محاضرة في أحد المراكز الإسلامية في إيطاليا وتكلم أثناء المحاضرة عن تربية الأولاد والمسئولية نحوهم .. وكان أغلب الحاضرين من العرب المغتربين ..
قال الشيخ :
وفجأة قام شيخ كبير قد تجاوز الثمنين وقطع محاضرتي .. وصاح بأعلى صوته وقال :
يا شيخ !! أريد أن أزوجك ابنتي !! تزوجها وخذها معك !! أرجوك !! يا شيخ !! يا شيخ !!
ثم بكى .. وبكى ..
فتعجبي منه لكنني لم أرد عليه ..
فلما انتهت المحاضرة دعوته إلىّ وشكرته على حسن ظنه بي ، وبينت له أنني لا أرغب في الزواج ، ثم سألته :
ما سبب حماسك وبكائك ؟ ومقاطعتك للمحاضرة ؟؟
فـقـال : يا شيخ ، نحن كنا أصدقاء أربعة أتينا إلى هذه البلاد مع أولادنا طلباً لحياة أفضل ، وكبر أولادنا وبدؤوا يتفلتون من أيدينا .. ومضت السنين ومات أصحابي فتنصَّر جميع أولادهم وأنا انظر ..
أما أنا فقد كبر الآن سني .. ورقّ عظمي .. واقتربت منيتي .. أنا خائف على ابنتي .. هي اليوم في المسجد .. وغداً لا أدري أين تكون ثم بكى .. وبكيتُ وبكى من حولنا ..

الوصية السابعة :
لا بدّ أن تتعاون مع أم أولادك وتجندها معك في تربيتهم ، وتزرع فيها الصبر والاحتساب ، فأحسن اختيار زوجتك ، واحرص على أن تكون مؤمنة متحجبة عفيفة
الوصية الثامنة :
أخي الكريم !! منذ كم سنة أنت مقيم هنا في بلاد الغربة ؟! بين الكفار الضالين !!
بعض المغتربين جاء إلى بلاد الغربة منذ عشر سنوات وبعضهم عشرين ، ولا أبالغ لو قلت إن بعضهم جاء منذ أربعين سنة .. سكن معهم في مساكنهم .. وخالطهم في وظائفهم .. وأسواقهم .. وشوارعهم .. ومطاعمهم ..
ولكن الأسئلة الكبيرة التي أريدك أن تجيب عليها بصراحة : من خلال هذه الإقامة الطويلة :
كم شخصاً أسلم على يدك خلال هذه السنوات ؟ .. بل كم شخصاً ناقشته عن الإسلام وأزلت ما في نفسه من شبهات أو سوء فهم عن الإسلام ؟ ..
كم كتاباً أو شريطاً في الدعوة إلى الإسلام وزعت ؟ ..
كم مسلماً مقصراً نصحت ؟ ..
وفي الجانب الآخر أسألك :
كم من الأموال جمعت ؟ .. وكم شقة اشتريت ؟..
وأعوذ بالله أن أسألك : كم معصية كبيرة قارفت ؟؟..
أيها الأخ الحبيب : إن أصحاب المذاهب الضالة الهدامة يعملون دائبين في الدعوة إلى مذاهبهم في دول أوربا وغيرها أكثر من بعض المسلمين ، فانظر إلى نشاط " شهود يهوه " .. ونشاط " الشيعة " .. وغيرهم .. مع أنك على حق وهم على الباطل .. { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحا } ..
كن مشعل هداية أينما كنت ، احمل معك الكتب والأشرطة الدعوية ولن تكلف إلا مبلغاً يسيراً يعوضك الله به خـيـراً ..

أحد المسلمين كان يعمل في شركة كبرى ويحدث نفسه بالدعوة دائماً لكنه يخجل ويتكاسل ، وفي يوم من الأيام أحيل إلى التقاعد أحد زملائه من الموظفين الكبار ، فعمل له أصحابه حفلة توديع ، وأحضر كل واحد من زملائه هدية يودعه بها ..
قال صاحبنا : واحترتُ ماذا أقدم له ؟! فتذكرت أن هذا الموظف يحب التحف والأواني الأثرية القديمة ، فاشتريت له تحفة جميلة وخبأت بداخلها كتاباً صغيراً عن الإسلام وكتبت عنواني عليه ، وغلفتها بغلاف جميل وأهديتها إليه مع بقية زملائي ..
ومضت الأيام ..
وبعد قرابة الشهرين فوجئت باتصال من صاحبي المتقاعد يبشرني بإسلامه .. ويخبرني أنه قرأ الكتاب كله .. ثم اشتاق أن يتعلم معلومات أكثر عن الإسلام فبدأ يبحث ويسأل حتى دخلت الهداية قلبه وأسلم .. والسبب الأول هو هذا الكتاب الذي خبأته له على استحياء ..
والعجيب أن صاحبي المتقاعد بدأ يلومني : لماذا حجبت عني الهداية طوال تلك السنوات ؟!
أيها المغترب الحبيب المبارك :
هل تعلم كيف دخل الإسلام إلى الهند وباكستان والصين وكثير من بلاد أفريقيا .. وغيرها من البلاد البعيد عن مهبط الرسالة ؟؟
لم يدخلها عن طريق الدعاة .. ولا عن طريق الجهاد .. ولا عن طريق المكاتبات .. ولا .. إنما دخلها عن طريق رجال مسلمين ليسوا علماء ولا دعاة ، تجار ذهبوا إلى هناك في تجارة .. ذهبوا ليشتروا البضائع ويبيعوا بضائعهم .. ذهبوا لا يريدون إى الدنيا والمال .. وماذا كانت النتيجة ؟؟
جمع الله لهم الدنيا والآخرة .. جمعوا الأموال .. وتأثر أهل تلك البلاد بالمسلمين .. رأوا صلاتهم .. وحسن تعاملهم .. فسألوهم عن الإسلام فأخبروهم ودعوهم إليه .. فأسلم ما لا يحصى عدده من الناس بسبب هؤلاء التجار ..
في الهند مائة مليون مسلم ، ومن كان سبب هدايتهم ؟!
وفي الصين أكثر من مائة مليون ، من كان سبب هدايتهم ؟!
وفي بلاد أفريقيا مئات الملايين ، ومن كان سبب هدايتهم ؟!
إنهم هؤلاء التجار الذين دخلوا هذه البلاد طلباً للدنيا فجمع الله لهم الحسنيين ..
أيها الأخ المسلم الموفق :
إن حالك لا يختلف كثيراً عن حال أولئك التجار ، هم جاءوا إلى تلك البلاد طلباً للدنيا ، وأنت جئت إلى هذه البلاد طلباً للراحة الدنيوية والعيش الرغيد والأمن على النفس والولد .. فلماذا لا تجمع الدنيا والآخرة !! كما فعلوهم .
أخي الكريم :
لعل الله كتب الهداية لأهل هذه البلاد على يدك أنت ومن معك من المغتربين ..
لعل الله قدّر عليكم من الظروف والمشاكل ما استجلبكم به إلى هذه البلاد لهداية هؤلاء ، فلماذا لا تكونون دعاة إلى ربكم .. { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ..
وليس الدعوة للكفار فقط بل للمسلمين المقصرين المذنبين .. فهم وإن وقعوا في المعاصي أو قارفوا الكبائر فلا يزال فيهم إيمان وحب للدين ورغبة في العودة إليه ..
قال أحد الدعاة :
ألقيت محاضرة في مركز إسلامي بإحدى الدول الأوروبية .. وبعد المحاضرة جاء إليّ شاب تنبعث منه رائحة الدخان ( السجائر ) وقد بدت عليه آثار المعصية .. فصافحني وقبلني بحرارة .. ثم طلب مني أن أخبره كيف يستطيع أن يذهب للجهاد في الشيشان .. قلت له : أنت تريد أن تجاهد ؟! قال : نعم .. قلت : أتدري ما الجهاد ؟ إنه قتل للنفس .. ومفارقة للأهل والأولاد .. فقال : أليس الجزاء الجنة ؟ قلت : بلى .. قال : كل شيء يهون ..

الوصية التاسعة :
كنت في أحد البلاد الأوربية ، وبعدما صليت التراويح وألقيت المحاضرة ، دعاني أحد الأخوة إلى منزله لتناول الشاي ..
وفي ذلك المجلس اجتمع معنا قرابة الثلاثين من الأخوة المغتربين ..
آثرت في البداية أن أستمع ولا أتكلم ..
بدأ الأخوة أحاديثهم ..
احتلال البلد الفلاني ..
وغزو البلد الآخر ..
وغلاء الأسعار ..
والضرائب ..
ثم اشتدّ النقاش .. وارتفعت الأصوات .. وضجّ الصياح ..
ثم تحول الأمر إلى سبّ وتقذيع ..
هذا حالهم .. أما حالي فهو أعجب وأغرب .. لأنني أول الأمر ظننت نفسي انتقلت إلى اجتماع هيئة الأمم المتحدة .
لكني بعدما تلفتّ حولي تذكرت أني لا أزال بين هؤلاء الأخوة .. فبقيت هادئاً ..
في البداية خجلت أن آمرهم بالسكوت .. وانتظرت أن تنخفض أصواتهم .. فلم يفعلوا ..
فلما طال الأمر التفتّ إلى الذي بجانبي وقلت : هل سيطول الحال هكذا ؟!!
فقال : ما رأيت شيئاً !! هم اليوم هادئووون !! إن موعدهم الصبح !! أليس الصبح بقريب ؟!!
ثم قال : هل تريد أن أسكتهم ؟
قلت : هل تستطيع ذلك ؟!! نعم أسكتهم .
فصاح بأعلى صوته : يا جماعة !! نريد أن نستفيد من الشيخ ، يا جماعة !! هدووووء ..
فخجلوا وبدأ بعضهم يسكت بعضاً ..
فقلت لهم : أسألكم سؤالاً :
كلكم تحفظون سورة { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ } ؟
قالوا : نعم !!
فقلت : ما معنى { اللَّهُ الصَّمَدُ } ؟ فسكتوا !!..
قلت : كلكم تحفظون { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1)مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(2)وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ }
قالوا : نعم !!
فقلت : ما معنى { غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } ؟ فسكتوا !! ..
فقلت : أيها الأخوة الأخيار !! لو اشتغلتم في مجلسكم هذا بتفسير آية .. أو قراءة حديث .. أو النقاش حول تربية أولادكم .. أو حل مشاكل بناتكم .. لكان خيراً لكم مما أنتم فيه ..
كم هي المجالس التي تجلسونها وينطبق عليها قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ، ولم يصلوا على نبيهم ، إلا كان عليهم ترة يعني : ( حسرة وندامة ) فإن شاء عذبهم ، وإن شاء غفر لهم )) ( 9 ) ؟
وقوله صلى الله عليه وسلم : (( ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه ، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة )) ( 10 ) .
ثم قلت لهم : هذا تفسير ابن كثير موجود على الطاولة أمامكم ، فلماذا لا تستفيدوا منه ؟!!
كيف تريدون أن تنصروا هذا الدين ، وأن تدعوا الناس إليه ، وأنتم تجهلون المبادئ الأساسية من الدين ، لو سألتكم في بعض أحكام الصلاة ، أو الصيام لوجدت أكثرهم بها جاهلاً .. ثم دعوت لهم وختمت المجلس ..
وحدثني أحد الدعاة فقال : كنت في أمريكا في شهر رمضان ، وألقيت محاضرة باللغة العربية حول الأسرة وتربية الأولاد ووسائل الثبات على الدين ..
وما كادت المحاضرة تنتهي حتى قام أحدهم وسأل :
لماذا الحاكم الفلاني يفعل كذا وكذا ؟!!
فأجبته بلطف قائلاً أرجو أن تكون الأسئلة فيما يتعلق بموضوع المحاضرة ..
فقام آخر فقال : لماذا الدولة الفلانية تقاتل دولة كذا ؟!!
فاعتذرت عن الإجابة لأن الإجابة لا تفيدنا بشيء ..
فقام أحدهم متحمساً وقد ظن أنني خائف من الإجابة ، فقال :
يا شيخ !! لا تكن جباناً !! سيد الشهداء هو الذي يجهر بكلمة الحق عند سلطان جائر .. فيقتله .. فاجهر بكلمة الحق وإن وصلت إلى سلطان فقتلك !! أفلا تريد أن تكون سيد الشهداء ؟!!
فقلت له : إذاً ما رأيك أيها الأخ الشجاع أن نجمع لك الآن ثمن تذكرة سفر ، وتعود إلى بلدك وتجهر بكلمة الحق عند الرئيس ( ... ) ، ليقتلك فتكون أول الشهداء !!! ونحن بعدك إن شاء الله ..
فضحك الجميع .. وأغرقوا في الضحك .. ثم ضج المسجد بالكلام والاعتراضات ..
فصحت بأعلى صوتي قائلاً :
يا جماعة !! أنا أحدثكم عن أمور تعيشونها يومياً وتقاسون آلامها ، وأنتم تشغلونا بأمور لو تكلمنا عنها عشر سنين لما استفدنا منها شيئاً ..
ثم رفعت صوتي أكثر ، وقلت :
من منكم يستطيع أن يمنع ابنته من الزنا ؟؟
من منكم يستطيع أن يمنع امرأته من اتخاذ صديق أو عشيق ؟؟
من منكم يستطيع أن يمنع ولده من شرب الخمر ؟؟ أو ارتكاب الفواحش ؟؟
من منكم يستطيع أن يلزم أولاده بالصلاة ؟
.. أو بالصوم ؟
.. أو بالعفة عن المحرمات ؟
.. أو بعدم الاختلاط ؟؟ ..
فسكتوا جميعاً ..
فقام أحدهم وقال : بصراحة يا شيخ : لا أحـد .. والله يا شيخ !! لا أحـد .. لو منعت ابنتي أو ولدي من شيء اشتكاني إلى الشرطة .. حتى زوجتي ..
فقلت : أيها الأخوة الكرام :
لن يسأل الله أحداً منكم يوم القيامة عن الحاكم الفلاني أو الدولة الفلانية .. ولا عن أسعار النفط ..وأين تصرف عائداته ..
ما ذا يفيدك الكلام في هذه الأمور ما دام أنه من باب معرفة الواقع المحيط بك ، أما الاشتغال بها وإثارتها في المجالس والمحافل فهذا غير مناسب لأبداً ، بل هو مجلبة للجدال والخصومات وأنتم في غنى عن ذلك .. لن يضركم الجهل بها يوم القيامة ..
لكن والله ليسألن كل منكم يوم القيامة عن أولاده وتربيتهم .. وبناته وصيانتهن .. وزوجته وحفظها .. قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله سائل كل راع عما استرعاه : أحفظ أو ضيع ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ) ( 11 ) .
قال الشيخ : فلما سمعوا مني ذلك .. أنصتوا .. واستمعوا ..
أيها الأخ الحبيب :
احرص على طلب العلم .. وتعلم أحكام دينك .. بقراءة الكتب النافعة ، واستماع الأشرطة المفيدة ، ومجالسة طلاب العلم ، وحضور مجالس الذكر .. احذر أن يمرّ عليك يوم دون أن تستفيد فيه فائدة جديدة ..
سل نفسك : هل تتقن القرآن ؟ كم تمضي من الوقت يومياً في قراءة الكتب النافعة وكم تمضي في مشاهدة التلفاز ؟ ثم قارن بين الوقتين .. وسل نفسك .. ألا يستحق هذا الدين أن أبذل له أكثر وقتي تعلماً وتعليماً و دعوة ..
أيها الأخ المبارك : احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ، وكن مؤثراً فعّالاً ، إذا دُعيت إلى مجلس فخذ معك كتاباً نافعاً .. واقرأ عليهم ولو لمدة عشر دقائق .. عن فضل قيام الليل .. أو فضل ذكر الله تعالى .. أو فضل الصدقة .. أو غير ذلك .. ليكون مجلسكم تحفه الملائكة وتغشاه الرحمة .. ويذكركم الله فيمن عنده ..
أسأل الله تعالى أن يجعلك مباركاً أينما كنت .. آمين .
الوصية العاشرة :
إن الفراغ الكثير يؤدي إلى كثير من المفاسد .. من أعظمها : كثرة الكلام والقيل والقال .. فتجد أن كثيراً من الأخوة المغتربين يجتمعون في مجالس متعددة فيبدأ أحدهم في غيبة الآخر أو الانتقاص من عرضه .. أو التدخل في شئونه الخاصة .. أو تقديم اقتراحات وآراء في أمور شخصية دون أن يطلب منه ذلك .. وقد يكون الدافع إلى ذلك أحياناً الغيرة ..
وأحياناً تمتلئ القلوب ضغينة وحقداً .. وبغضاً وحسداً ..
أيها الأخ الحبيب :
كيف تريد أن نوحّد الأمة الإسلامية ونحن لم نستطع أن نوحّد صفوفنا المسلمة في بلد واحد ؟!! بل فرّقتنا الأحقاد والخلافات ..
إن صفاء النفس وسلامة الصدر على المسلمين عبادة من أعظم العبادات ، بل هي من صفات أهل الجنة { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } ..
وما أجمل قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل : أي الناس أفضل ؟ فقال : (( كل مخموم القلب صدوق اللسان )) قالوا صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب . قال (( هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد )) ( 12 ) .
أحسن إلى المسلمين وإن أساءوا إليك .. واحلم عليهم وإن غضبوا عليك .. واجعل صدرك واسعاً لإخوانك المسلمين ..
وإنما الدنيا أيام معدودات ..
كثير من الناس يستطيع أن يتقرب إلى الله تعالى بصلاة وصدقة وصيام .. ولكن قليلاً منهم من يستطيع أن يتقرب إلى الله بصفاء سريرته على المسلمين .. فاحذر من أن يطلع الله تعالى على صدرك فيرى فيه غلاً وحسداً على المسلمين ..

الوصية الحادية عشرة :
انتبه .. احذر من الزواج من امرأة نصرانية .. وكلّ هذا قد رأيته بنفسي – والله – عند رجال مسلمين أقدموا على الزواج من النصرانيات ثم بعدما ذهبت سكرة الزواج .. وفرحة الحياة الجديدة .. بدأ أحدهم يجني ثمار تسرّعه في الزواج من النصرانية ..

الوصية الثانية عشرة :
ما هو مصدر تلقي الدين إليك ؟! .. سؤال مهم .. لاحظت أن بعض الأخوة المغتربين يتتبعون الرخص .. ويفرحون بمن يفتيهم بما يوافق أهواءهم .. بل بعضهم إذا سمع فتوى توافق هواه .. طار بها فرحاً ومدح المفتي قائلاً : هذا هو الشيخ العالم .. هذا هو الشيخ الذي يفهم الواقع .. هذا الذي يعيش جراح المسلمين ..
أيها المسلم الحبيب :
إن الله سيسألك يوم القيامة سؤالاً واحداً { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ } .. لن يسأل عن الشيخ فلان ولا فلان .. وإنما عن اتباع الكتاب والسنة .. فقط ..
أعيد عليك السؤال المهم مرة أخرى : ما هو مصدر تلقي الدين بالنسبة إليك ؟!
هل كل من لبس جبة أو عمامة وظهر في القنوات الفضائية يكون مفتياً .. ويصلح أن يكون مصدراً لتلقي الدين ؟!
إن المقياس الذي ينبغي أن تحكم به على الشيخ المفتي هو أن تكون فتاواه موافقة للكتاب والسنة .. ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ..
قال الشيخ :
ألقيت محاضرة في أحد المراكز الإسلامية .. فجاء إليّ أحدهم وقال : يا شيخ لماذا تشدد في مسألة الاختلاط .. والشيخ الدكتور فلان في قناة ( ... ) يقول إن الاختلاط بين الرجال والنساء جائز في الولائم والحفلات إذا حسنت النية .. وكان نظر بعضهم إلى بعض بغير شهوة ؟!
وألقيت محاضرة في مكان آخر إلى أحدهم .. وقال : يا شيخ ما حكم الربا ؟
قلت : حرام !! بجميع صوره وأشكاله ..
فقال : إن الشيخ فلان في قناة ( ... ) يقول : إنه ضرورة من ضرورات العصر .. ولا بأس به ..
وجاء إليّ مستفتياً عن حكم المعازف والموسيقى .. ثم قال : قد أفتى الشيخ فلان أنها حلال ..
فلا تجعل دينك عرضة لكل من أراد أن ينتقصه أو يفسده عليك .. فإنك ستحاسب وحدك .. وتسأل وحدك
{ مــَاذَا أَجَبْـتُـمُ الْمُـرْسَلِينَ }

الوصية الأخيرة :
اذكر الوقوف بين يدي الله تعالى واعلم أن هذه الدنيا دار ممرّ لا مقرّ .. واسأل الله تعالى حسن الخاتمة ..
قال صاحبي :
كنت أدرس الطب في كندا ، ولا أنسى أبداً ذلك اليوم الذي كنت أقوم فيه بالمرور اليومي على المرضى في غرفة العناية المركزة في المستشفى ، ولفت انتباهي اسم المريض الذي في السرير رقم 3 ، إنه محمد ... أخذت أتفحص وجهه الذي لا تكاد تراه من كثرة الأجهزة والأنابيب على فمه وأنفه ، إنه شاب في الخامسة والعشرين من عمره مصاب بمرض ( الإيدز ) أُخل إلى المستشفى قبل يومين إثر التهاب حادّ في الرئة .. حالته خطرة .. جداً .. جداً .. اقتربت منه .. حاولت أن أكلمه برفق : محمد .. محمد .. إنه يسمعني لكنه يجيب بكلمات غير مفهومة .. اتصلت ببيته فردت عليّ أمه .. يبدوا من لكنتها أنها من أصل لبناني .. عرفت منها أن أباه تاجر كبير يمتلك محلات حلويات .. شرحت للأم حالة ابنها ، وأثناء حديثي معها بدأت أجراس الإنذار تتعالى بشكل مخيف من الأجهزة الموصلة بذلك الفتى مؤشرة على هبوط حادّ في الدورة الدموية ، ارتبكت في حديثي مع الأم .. صرخت بها : لا بدّ أن تحضري الآن ، قالت : أنا مشغولة في عملي وسوف أحضر بعد انتهاء الدوام ، قلت : عندها ربما يكون الأمر قد فات .. وأغلقت السماعة ..
بعد نصف ساعة أخبرتني الممرضة أن أم الفتى وصلت وتريد مقابلتي .. قابلتها .. امرأة في متوسط العمر لا تبدو عليها مظاهر الإسلام .. رأت حالة ابنها فانفجرت باكية .. حاولت تهدئتها وقلت : تعلقي بالله تعالى واسألي له الشفاء ، قالت بذهول : أنت مسلم ؟!!
قلت : الحمد لله !! قالت : نحن أيضاً مسلمون ،
قلت : حسناً .. لماذا لا تقفين عند رأسه وتقرئين عليه شيئاً من القرآن لعل الله أن يخفف عنه ..
ارتبكت الأم .. ثم انخرطت في بكاء مرير ..
وقالت : هاه ! القرآن ؟! لا أعرف !! لا أحفظ شيئاً من القرآن !!
قلت : كيف تصلين .. ألا تحفظين الفاتحة ؟!!
فغصت بعبراتها وهب تقول : نحن لا نصلي إلا في العيد منذ أن أتينا إلى هذا البلد ..
سألتها عن حال ابنها ، فقالت : كان حاله على ما يرام ، حتى تردّت بسبب تلك الفتاة ..
قلت : هل كان يصلي ؟
قالت : لا ، لكنه كان ينوي أن يحج في آخر عمره ( !! ) ..
بدأت أجهزة الإنذار ترتفع أصواتها أكثر وأكثر .. اقتربتُ من الفتى المسكين .. إنه يعالج سكرات الموت .. الأجهزة تصفّر بشكل مخيف .. الأم تبكي بصوت مسموع .. الممرضات ينظرون بدهشة .. اقتربت من أذنه وقلت : لا إله إلا الله .. قل لا إله إلا الله .. الفتى لا يستجيب .. قل لا إله إلا الله .. إنه يسمعني .. بدأ يفيق وينظر إليّ .. المسكين يحاول بكلّ جوارحه .. الدموع تسيل من عينيه .. وجهه يتغير إلى السواد .. قل لا إله إلا الله .. بدأ يتكلم بصوت متقطع : آه .. آه .. ألم شديد .. آه .. أريد مسكناً للألم .. آه آه .. بدأت أدافع عبرتي وأتوسل إليه قل لا إله إلا الله .. بدأ يحرك شفتيه .. فرحت .. يا إلهي سيقولها .. سينطقها الآن .. لكنه قال : ( I cant .. I cant ) أريد صديقتي .. أريد صديقتي .. لا أستطيع .. لا أستطيع .. الأم تنظر وتبكي .. النبض يتناقص .. يتلاشى .. لم أتمالك نفسي .. أخذت أبكي بحرقة .. أمسكت بيده .. عاودت المحاولة : أرجوك قل لا إله إلا الله . لا أستطيع .. لا أستطيع .. توقّف النبض .. انقلب وجه الفتى أسوداً .. ثم مات .. انهارت الأم .. وارتمت على صدره تصرخ .. رأيت هذا المنظر فلم أتمالك نفسي .. نسيت كلَّ الأعراف الطبية .. انفجراتُ صارخاً بالأم : أنت المسئولة .. أنت وأبوه .. ضيعتم الأمانة ضيعكم الله .. ضيعتم الأمانة ضيعكم الله .. { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } ..
20
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

Salam Tamim
Salam Tamim
الله يجزاك خير على هالقصص , استمتعت فيها , و لسة بأرجع أكملها بس حبيت أشكرك , أول مرة أقرأها ..
الله يصلح أحوال المسلمين في كل مكان .
badoor5
badoor5
منجد شكرا حبيبتي والله ان نحن بحاجه لمثل هالكلمات والنصائح والقصص الرائعه التي تذكرنا بأشيأ كثير نحن غافلون عنها بالغربه جزاك الله خير لأنك ذكرتيني بأشيأ انا غافله عنها كثير **ولدي عمره 4 سنوات ومو حافظ الى سورتين والمعوذات واداب الأكل انو بسمي قبل الاكل وبعد الأكل بقول الحمد الله والسلام ,,امنيتي احفظه القران بس مشكلته حركي كثير ولا بجلس معاي ويركز الله يهديه يارب ويجلعه هو واخته من حفظه كتاب الله ,,
مشيمشة
مشيمشة
بارك الله فيك على النقل
أراك فأسمو
أراك فأسمو
الله يجزاك خير على هالقصص , استمتعت فيها , و لسة بأرجع أكملها بس حبيت أشكرك , أول مرة أقرأها .. الله يصلح أحوال المسلمين في كل مكان .
الله يجزاك خير على هالقصص , استمتعت فيها , و لسة بأرجع أكملها بس حبيت أشكرك , أول مرة أقرأها...
حياك الله اختي سلام..نسأل الله الثبات على هذا الدين وان يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن...ولتكن هذه الوصايا منارا لكل مغترب..سعدت بمرورك
..بنت تميـــم
..بنت تميـــم
الله يجزاك خير

اتمنى اغترب واذوق طعم الغربة