كان هدي نبينا طبيباً لكل جرح ولكل مصيبة تلم بنا ..
فاحتسب الوالد طفله عند وداعه الأخير .. وصبرت الأم على فراق ابنها الشهيد ، وكلما تذكروا قول الله تعالى ما لعبدي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة .. ازدادوا صبراً وثباتاً ويقينا ..
جمعة قائدنا للأبد سيدنا محمد .
كان هدي نبينا طبيباً لكل جرح ولكل مصيبة تلم بنا ..
فاحتسب الوالد طفله عند وداعه الأخير .. وصبرت...
قد يموت منا رجال، وتخرب لنا دور، ويصيبنا الأذى و لكن ذلك كله يهون في جنب الغاية التي يريدها الله لنا، لقد خبَّرني من شهد أواخر أيام الحرب في ألمانيا أنها كانت تُغِير على برلين خمسة آلاف طيارة – خمسة آلاف، هل تسمعون؟ تضربها ضرباً يزلزل الأرض، ويرجّ الجبال، حتى لكأن القيامة قد قامت، وجهنم قد فتحت، فإذا أفرغت أحمالها، وصبَّت رزاياها، وانصرفت، سكتت المدافع وخرج الناس من الملاجئ ودارت سيارات الحكومة تقرع الأجراس معها صفائح كبيرة من الأخشاب، والورق المقوَّى، ومسامير، فكل من سقط جداره، أو هدمت داره، أخذ من هذه الصفائح، فجعل منها جداراً مكان الجدار الذي انهدَّ، وبيتاً بدل البيت الذي سقط، فلا يكاد ينتهي الإصلاح، حتى تعود الغارة، ويتكرر ذلك كل يوم وهم صابرون، فلماذا نخاف إن ألقيت علينا بضع قنابل؟ ولمَ نهرب و احتمال الخطر في المكان الذي تهرب إليه، كاحتماله في المكان الذي تهرب منه، و ما الفرق بيننا وبين الألمان؟ أنحن مخلوقون من الطين، وهم مصبوبون صبّ الحديد؟ لا، ولكنها العادة والمِرَان، ومكابدة الأهوال، وممارسة الخطوب، وأنا لا أكره أن تتوالى علينا الغارات، وأن نذوق لذْع الحرب، ونكوى بنارها لنتخلَّق بمثل تلك الأخلاق.
إننا سنجزع عند الغارة الأولى، وهذه طبيعة الإنسان، عند الغارة الأولى فقط، والألمان جزعوا كذلك، لما رأوا الغارة أول مرة، ثم نتعودها كما تعودوها، إن الألمان ليسوا أصفى منا جوهراً، ولا أطيب أصلاً، ولا أقوى أعصاباً، ولكن حياة الدعة والخمول، والقعود عن الحرب، كادت تفقد العرب أجمل سلائقهم، وأحسن سجاياهم، وهي الصبر والجلد، واحتمال الشدائد، ومقارعة الأعداء، فجاءت هذه الشدائد لتردنا إلى سلائقنا وسجايانا.
علي الطنطاوي رحمه الله – هتاف المجد –