لم تكن "أنيا كارلسون" الفتاة السويدية أكثر الفتيات جرأة في شن حملة ضد العري الفاضح الذي يبث يومياً على مرأى ومسمع من أطفالنا وشبابنا ولكنها تعد من أوائل السيدات اللاتي فتحن الباب لتتوالى الهجمات. و"أنيا كارلسون" تعيش في مدينة يوتبورى السويدية، وذات مرة وهي عائدة من عملها لفت انتباها 4 إعلانات لإحدى شركات الملابس الداخلية تظهر فيها عارضة الأزياء الألمانية "كلوديا شيفر" بملابس شبه عارية، فما كان منها إلا أن قامت بطلاء هذه الإعلانات بطلاء أسود، ولم ينته الأمر عند هذا الحد وإنما قامت الشركة المعلنة برفع دعوى قضائية ضدها وحكم عليها بدفع غرامة قدرها 1400 دولار وقد تولى دفع الغرامة لجنة شكلت للدفاع عنها، وقد أعلنت "كارلسون" أنها حاولت منذ زمن طويل إثارة النقاش حول هذا العري والاستخدام السيئ لجسد المرأة عن طريق نشر المقالات وإعداد الندوات ولكن دون جدوى، وعندما قامت بطلاء الصورة العارية لـ"كلوديا شيفر" أصبحت حديث الصحف والتلفاز وأصبح هناك الكثير من الجمعيات النسائية تتحدث عن الكوارث الاجتماعية التي قد تنجم عن الاستخدام السيئ لجسد المرأة ونجحت بعض هذه المحاولات.
وفى جولة قصيرة عبر القنوات الفضائية العربية التي تبث أغاني الفيديو كليب، نجد منافسة واضحة المعالم على العري بين المطربات والراقصات اللاتي أصبحن بفضل منتجي الكليب مطربات، فلم يعد هناك حد فاصل فقد أصبح كل شيء مباحا.. وللوهلة الأولى لا يمكن أن تفرق بين الكليب الغربي والشرقي، فكلاهما يكتظ بالنساء العاريات اللاتي يتلوين يميناً ويساراً بشكل عشوائي مليء بالعنف، ولكنها تهدف إلى شيء واحد هو الإثارة، فقد أصبحت رسالة المطرب والمخرج تتقلص في هدف واحد هو بث الإثارة الجنسية في نفوس البشر واختزال أحلامهم في التقدم والرقى إلى نزوات غير أخلاقية من أجل جني المال.
نشأة الفيديو كليب
الفيديو كليب بدأه الغرب في أواخر السبعينيات حيث بدأ بتصوير أغاني الفرق الشهيرة أثناء عرضها على المسرح ثم يعاد بثها على شاشة التلفاز، ثم تطور الأمر إلى تصوير أغاني الفرق خصيصاً، وكان التصوير يعتمد على الـ clips أي اللقطات المبعثرة المفككة والتي يتم تركيبها مع بعضها عن طريق المونتاج، ووقتها تأخذ هذه اللقطات معاني خاصة بعد وضع الصوت الغنائي عليها.
ولم يكتف منتج الفيديو كليب بأخذ التقنية وإنما أخذ الفكرة بمضمونها دون النظر إلى مدى اتساقها مع الفكر الثقافي والحضاري الخاص، وتطور الأمر إلى أن وصل الألبوم الغنائي إلى سلعة تحتاج إلى عامل جذب، وقد وجد المنتج مصباح علاء الدين الذي يجلب له الملايين دون مجهود متمثلاً في جسد المرأة، ووجدوا بعض الأجساد الرخيصة التي أخذت تكشف أكثر كلما دفع لها أكثر، وهذا الجسد نفسه هو الجارية التي كانت ترقص في بلاط السلاطين قديما حيث كان بإمكانه امتلاكها مباشرة وبلا تظاهر بأنها حرة.
ومن يرقصن هذه الأيام على شاشات الفضائيات هن نساء قد فعلن هذا تماشيا مع معايير العصر سعياً وراء الربح والشهرة، فالرقص للسلطان لا يختلف كثيراً عن الرقص كجارية للنظام الذي تحكمه المادة، فالاختلاف هو الاعتراف، فالجارية تعرف ماهيتها ولا تربح من وراء ما تفعله أما جارية اليوم فلا تعترف بحقيقتها وإنما تحاول إقناع نفسها والآخرين بأنها تقدم قيمة، وتدر من وراء عريها الكثير.
ومن الآثار الاجتماعية للفيديو كليب تتجلى في تنمية مشاعر الاغتراب للشباب وتدعيمها في مجتمعاتنا خاصة وسط ما تمر به الأمة من أزمات طاحنة، فهذه الأغاني المليئة بالصخب والعري تفصل الشباب عن واقعهم المكتظ بالحروب والفقر وتأخذهم إلى عالم يختزل الإنسان إلى مرتبة متدنية، وهذا ما أكده الأستاذ الدكتور أحمد المجدوب، أستاذ علم الاجتماع، كما أضاف أن الواقع المرير الذي تمر به الأغنية العربية حيث قامت بوضع الإنسان في دائرة الجنس فقط، ومما يزيد من وطئة هذا الواقع السيئ غياب الانتماء والهوية والمنظومات القيمية والمرجعيات الأخلاقية الدينية مما يساوي الأمور في عيون الشباب ويصبح من الصعب التمييز بين الجميل والقبيح وبين الخير والشر وتسود النسبية المطلقة.
و ما نعيشه اليوم ما هو إلا أحد نتائج العولمة، فأهم تعبير أيديولوجي عن العولمة هو فلسفة ما بعد الحداثة التي يطلق عليها ضد الأساس أو "رفض المرجعيات" وهي ليست معادية للدين والأخلاق فحسب، بل معادية للإنسانية.
و أن هذه الموجة من العري ستصيب المرأة في مقتل؛ لأنها تهدم ما نحاول بناءه منذ سنوات عديدة، فهذا الفن الرديء يعود بالمرأة إلى أيام الجاهلية والرق ويطيح بكل مطالبها في المشاركة الفعلية التي تعتمد على ذكائها وقدرتها على العطاء، ولكن الآن بسبب هؤلاء العابثين أصبحت المرأة عاملا للتسويق، شيئا يتمركز في جسد يلفت الانتباه، وهذا ما كنا نحاول التخلص منه.
الفن ودوره الحضاري
لقد كرس طوفان أغاني الفيديو كليب فقدان الفن لدوره الأخلاقي، وتحوله إلى دعوة مباشرة للرذيلة، فقد انتقلت الملاهي الليلية إلى البيوت عبر مدعيات الطرب اللاتي يستخدمن أجسادهن بديلاً عن أصواتهن مما ينشر حالة من الهوس الجنسي بين الشباب.
وكان علينا أن نتساءل عن الدور الذي ينبغي أن يلعبه الفن في الحياة والحضارات، ويجيب د. عبد الحليم موسى، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية ويقول: الفن رسالة راقية فهو سلاح من أسلحة الحياة، يلعب دوراً في النهوض بالأمة أحيانا ويهبط بها أحيانا أخرى، فالفن لا يمكن أن ينكر دوره في الحضارات وقد تألقت الفنون في الحضارة الإسلامية وكان هناك ألوان من الأدب التي لعبت دورا أخلاقيا مثل المقامات، ولا يمكن أن ننسى القصة وما لعبته من أدوار متعددة وهامة في عملية التربية وما تغرسه في النفوس البشرية من عظات وعبر. وإذا عدنا إلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم نجده قد استخدم القصص والأمثال ولم ينكر دور الشعر في تعليم المكارم والحث على القيم.
ولكن الفن الذي نتحدث عنه هذا فن يربط الروح بالجسد ويتميز بالرقي، أما بالنسبة للغرب فهم يعتمدون على فن الجسد ولذلك أصبح فن تحريك الغرائز، والمهزلة الواقعة اليوم والتي يطلقون عليها فن، هي صناعة تخاطب الجسد متجردة من الثوابت الأخلاقية بل أكثر من هذا فهو يقضي على القيم الأخلاقية، وما نعيشه الآن فترة من الانحطاط لن تنسى وإنما ستسجل على أنها فترة ساهم فيها الفن بالهبوط بالأمة، والتاريخ أعطانا درسا لا ينسى هو حتمية التغير. فليس هناك ثبات .
( منقول )
naughty_girl @naughty_girl
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
اللهم اهديهم...