المقدمة ~
نحن عندما نتحدث عن العلم فإننا نقصد بذلك مايحصّله الإنسان في حياته،
أي بمعنى كل مايدركه عن طريق حواسّه وفكره.
وهذا العلم بكل جوانبه وما توصل إليه من مباحث الجيولوجيا والبيئة
والوراثة والنبات والحيوان .. والأجناس البشريٌة ..
هو من فضل الله على البشرية ، ليريهم من آياته ، وليوقنوا أنما هو إله واحد
وليتذكر أولو الألباب :
( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق )
ولذا نجد أن اكتشاف بعض العلماء لبعض الأسرار العلمية المذهلة
هي التي تدفعهم إلى الخشية وإلى اليقين أن وراء هذا الإعجاز يدٌ مدبرة مبدعة .
وقد أشار القرآن إلى ذلك فقال : (( إنما يخشى الله من عباده العلماء)).
وهذه الخشية هي أشد وقعاً ورسوخاً في قلوب المؤمنين،
العالمين بصفات الله وأفعاله ، فمن كان أعلم به كان أخشى منه .
( فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ، ومَا لا تُبْصِرُونَ)
هي مخلوقات متناهية الصغر ..
فعٰالة .. بالغة الأثر..
منها ماهو جمّ الفائدة ، ومنها ماهو عظيم الخطر..
تحيطنا في كلّ مكان .. وتتواجد في ذراتنا ،
وتتنفس في داخلنا ، وفي جوف كلّ كائن حي ..
تغزو ذرات الهواء .. والماء .. والتراب .. وكل حيّز من الكون ، ومع ذلك لانراها!
هي أضعف المخلوقات ومن أشدها فتكاً ..
قد تردي بأقوى المخلوقات وأرقاها .. مع أنها أبسط الأحياء تكويناً ..
فهي لاتملك إلا خلية واحدة ..!
فهل عرفتن ماهي تلك المخلوقات البالغة الضآلة ، والتي لاترى بالعين المجردة ؟
إنها البكتريا ، تلك الكائنات الدقيقة التي تتشكل بأشكالٍ مختلفة :
عصوية وكروية وحلزونية .. هوائية ولا هوائية ..
فتعالين ندخل إلى عالمها لنرى آخر ماتوصل إليه العلم من نمط حياتها وسلوكها ..
البكتريا مخلوق اجتماعي ~
لقد ثبت بالتجربة أنّ البكتريا تتأثٌر ببعضها البعض من خلال إشارات كيميائية ،
أي أنها تشمّ زميلاتها ،
وهي قابلة للتغير نموّاً وسلوكاً تغيٌراً إيجابياً ؛ إذا كان لها الكثير من الجيران ..
فهي تحب التجمعات، وتنمو في وسطه متخذة أشكالاً جميلة ومعقدة ،
وتقوم بحركات رائعة ومتناسقة ، وكأنها تؤدي رقصات بارعة ،
وتكوّن ( باليهاً ) للميكروبات ..!
وفي تجربة حديثة أجريت في عدة مختبرات .. لوحظ أن البكتريا في قطرة ماء
تتخذ أشكالاً فنيةً مدهشة .. نفاثات .. ودوّامات أكبر من حجمها ..
وهي مع بعضها في قطرة الماء أشبه بسبّاحين في حمام السباحة ..
والسؤال المهم هنا كيف يمكن للبكتريا السابحة أن تتفاعل مع بعضها
لاتخاذ تلك الأشكال الغريبة ؟!
تمكن الباحثون من التوصل إلى إجابة جزئية لهذا السؤال بتصميم نموذج خاص.
فوجدوا أن كل فرد من مجموعة البكتريا يدفع السائل من حوله وهو يسبح ،
ويهتز مثل القارب المنساب فوق البحر المتلاطم الأمواج ،
وتكون السباحة في هذا النموذج في البداية غير منسقة ..أي عشوائية
ولكن مع ازدياد تركيز البكتريا تنتظم في حركات دوّامية ضخمة ذات إيقاع موحّد
تتضمن مئات من البكتريا تتحرك بانسجام ، وتكوّن أشكالاً رائعة..
وقد اتضح أن لهذه البكتريا جدائل من ( بلورات مغناطيسية ) داخل جسم كل واحدة منها
تعمل عمل الإبرة المغناطيسية، و توجه البكتريا في اتجاه المجال المغناطيسي ،
فإذا غير العلماء المجال المغناطيسي في التجارب .. تحولت للمجال الجديد..
وقد فكر العلماء في الاستفادة من حركة البكتريا
في مقادير بالغة الضآلة من السوائل في الصناعة مستقبلاً..
فبماذا فكروا ؟
مستقبل التجارب ~
أول مافكر به العلماء في أبحاثهم مع البكتريا
هو صنع أجهزة ضئيلة الحجم تعتمد على هذه الكائنات الحية الدقيقة في خلط السوائل
حيث يتم ذلك بمنتهى الدقة ..
على أساس أن العلماء سيدخلون في جينات البكتريا تعليمات تجعلها تتصرف كالحواسيب
ومن الممكن أن يفضي هذا البحث إلى صنع أجهزة حيوية ذكية
تستطيع اكتشاف المواد للخطرة المستخدمة في الإرهاب البيولوجي ،
حيث أن البكتريا ذات قدرة رائعة على الإحساس بالجزيئات
الموجودة في البيئة المحيطة بها ، وعندما تتشكل على شكل حلقات
متحدة المركز فهذا يحددمكان وجود الميكروب الخطير .. كمثل الجمرة الخبيثة ..
وقد تستخدم هذه العملية في توجيه صنع أجهزة وأدوات نافعة أخرى،
أو إنماء أنسجة جديدة للجسم ،
أو ربما إعادة الحبل الشوكي المقطوع إلى وظائفه الطبيعية في الجهاز العصبي ..
وتستمر التجارب على قدم وساق ..!!
ونستخلص من هذا كله عظمة القدرة الإلهية التي خلقت وصورت كل شيء
بمنتهى الإعجاز والإتقان ، وأودعت في أضعف المخلوقات القوة الهائلة
التي قد تدمر أقواها..
وكما يقول المثل :
( يضع السرّ في أضعف خلقه )
هذا في عالمنا المنظور الذي نراه بالعين المجردة أو بالمجاهر
أما العالم غير المنظور والذي أدرك العلم الآن أنه حقيقة لاتقبل الجدل
فهو عالم أوسع وأرحب من عالمنا هذا وأكثر ازدحاماً ..
ذلك هو عالم الملائكة والجن والأرواح وغيرها ..
صنع الله الذي أتقن كل شيء..
فسبحان الله الذي خلق فسوى
كائنات حية دقيقة لاترى بالعين المجردة
وتقوم بهذي الأعمال فسبحان الله الذي خلق الكون ونظمه